«ميثاق السودان»: التمهيد لرجوع الإنقاذ وسيطرة العسكر
تاريخ النشر: 14th, May 2024 GMT
«ميثاق السودان»: التمهيد لرجوع الإنقاذ وسيطرة العسكر
بابكر فيصل
وقَّعت بعض القوى السياسية والحركات المسلحة المؤيدة للجيش في الثامن من الشهر الجاري بالقاهرة ميثاقاً أطلقت عليه اسم: “ميثاق السودان لإدارة الفترة التأسيسية الانتقالية”، أوضحت فيه تصورها لكيفية وقف القتال الدائر بين الجيش وقوات الدعم السريع وادارة مرحلة ما بعد الحرب.
احتوى الميثاق على عدد من المحاور التي تناولت المباديء العامة والأهداف والمرتكزات وقضايا الحوار والأزمة السياسية والإقتصادية بالإضافة إلى هياكل و نظام الحكم في الفترة الانتقالية. وعلى الرغم من النقاط العامة والرؤى التي تنادي بوقف الحرب والتفاصيل المذكورة إلا أن جوهر الميثاق يسعى لتحقيق أربعة أهداف.
الهدف الأول هو إشراك المؤتمر الوطني/ الحركة الإسلامية في العملية السياسية التي ستعقب اتفاق وقف إطلاق النار، وقد جاء ذلك في نصين من نصوص الميثاق، يقول الأول: (الحوار السوداني السوداني الشامل دون إقصاء هو الخيار الوحيد للتوافق والمصالحة الوطنية)، كما يدعو الثاني إلى: (مشاركة كافة المكونات السياسية والمدنية والأهلية في كافة مراحل الحوار دون إقصاء).
الهدف الثاني هو العودة للشراكة المدنية العسكرية التي تأسست قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021، حيث نص الميثاق في الفقرة المتعلقة بهياكل الفترة الانتقالية على أن: (يتشكل مجلس السيادة من سبعة أعضاء من العسكريين والمدنيين).
الهدف الثالث هو الحفاظ على المناصب الوزارية للحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، حيث نص الميثاق على: (استصحاب اتفاقات السلام في تكوين وتشكيل الحكومة)، وقد أوضح رئيس حركة العدل والمساواة القصد من هذا النص في الحوار الذي أجراه معه موقع “المحقق”، حيث أكد (أن نسبة الحركات المسلحة ثابتة، وأنها ستكون موجودة في التشكيل القادم للحكومة).
أما الهدف الرابع فهو يتضح من خلال التمعن في قائمة الموقعين على الميثاق والتي ضمت أكثر من 57 تحالف وحزب وحركة مسلحة، تمثل واجهات للمؤتمر الوطني وفلول نظام الإنقاذ ومؤيدي انقلاب 25 أكتوبر وقد تمت صناعتها وتجميعها من أجل الدفع بها لإغراق العملية السياسية والتحكم في مخرجاتها.
تعمَّد الميثاق عدم الإشارة لقضية تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة وجوده في الأجهزة الأمنية والعسكرية وبيروقراطية الدولة- وهي أمُّ القضايا التي تستند عليها أية رؤية وطنية لإنهاء الحرب واستدامة الديمقراطية ووضع البلاد في مسار الإنتقال الصحيح الذي يفضي إلى إنتخابات حرة ونزيهة- مما يمهد الطريق للعودة الكاملة لنظام الإنقاذ.
قد كتب انقلاب 25 أكتوبر 2021 الفصل الأخير للمشاركة السياسية للجيش في الفترة الانتقالية وهو الأمر الذي تجلى بوضوح في الاتفاق الإطاري الذي وقعته قيادة الجيش والذي نص على المدنية الكاملة لكافة هياكل السلطة، كما أنَّ قضية إبعاد الجيش من السياسة قد صارت أكثر أهمية بعد اندلاع الحرب المدمرة في البلاد.
لن تتوقف مساعي المؤتمر الوطني/ الحركة الإسلامية من أجل العودة للسلطة بأية ثمن، (وهو الهدف الذي أشعلوا بسببه هذه الحرب اللعينة)، مما يتطلب من كافة قوى الثورة تجاوز خلافاتها الثانوية لإفشال مخططات عودة نظام الإنقاذ وسيطرة العسكر ذلك أن غايتهم الأخيرة المنشودة هى هزيمة الثورة وقواها الحية.
الأمر الأكثر أهمية يتمثل في الرسالة الواضحة التي يجب أن ترسلها القوى المدنية للشعب السوداني وللمجتمعين الإقليمي والدولي هى أنها لن تكون جزءاً من أية عملية سياسية يشارك فيها المؤتمر الوطني وواجهاته المصنوعة ولا يتم تحديد أطرافها بدقة، وأنها لن تتنازل عن مطلب تفكيك نظام الإنقاذ كما أنها لن تعود للشراكة مع العسكر مرة أخرى.
الوسوماتفاق السلام الإنقاذ الحركات المسلحة الحركة الإسلامية القاهرة المؤتمر الوطني بابكر فيصل جبريل إبراهيم مسار الانتقال ميثاق السودانالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: اتفاق السلام الإنقاذ الحركات المسلحة الحركة الإسلامية القاهرة المؤتمر الوطني بابكر فيصل جبريل إبراهيم ميثاق السودان المؤتمر الوطنی نظام الإنقاذ
إقرأ أيضاً:
بعد إعلان حكومة "تأسيس"...ما أسباب حالة الانقسام في السودان؟
ألقى إعلان حكومة تحالف السودان الجديد "تأسيس" يوم السبت في مدينة "نيالا" باقليم دارفور، الضوء على حول حالة الانقسام الكبير الذي يعيشه السودان منذ اندلاع الحرب في منتصف ابريل 2023، فما أسباب ذلك الانقسام وما المآلات المحتملة من وجود حكومتين في البلاد في ظل وجود حكومة أخرى في بورتسودان بقيادة الجيش؟.
وعزا مراقبون حالة الانقسام الحالية إلى خمس ممارسات أفرزتها الحرب المستمرة بين الجيش والدعم السريع.
وقال المراقبون إن انتشار خطاب الكراهية، وهجمات طيران الجيش التي أدّت إلى مقتل آلاف المدنيين في دارفور، والمزاعم باستخدام أسلحة محرّمة دوليًا هناك، إضافة إلى قانون "الوجوه الغريبة" الذي استهدف إثنيات دارفورية في مناطق سيطرة الجيش، وحرمان الكثيرين من حق استخراج الأوراق الثبوتية، وخطوتي إقامة الامتحانات القومية وتغيير العملة في مناطق الشمال والوسط والشرق قبل التوصل إلى وقف لإطلاق النار يضمن استفادة سكان غرب السودان من الخطوتين – جميعها عوامل أجّجت "غبنًا شعبيًا" كبيرًا في أجزاء واسعة من إقليمي دارفور وكردفان.
ويأتي هذا في ظل محاولة كل طرف الدفاع عن موقفه؛ ففي حين قال علاء الدين نقد، المتحدث باسم تحالف "السودان الجديد – تأسيس"، إن التحالف يسعى لضمان حقوق "جميع السودانيين"، ملقيًا باللوم على تنظيم الإخوان في محاولة فصل إقليمي دارفور وكردفان، اتهمت وزارة الخارجية في بورتسودان، في بيان يوم الأحد، الأطراف المكوّنة لحكومة "تأسيس" بالانخراط في "مؤامرة للاستيلاء على السلطة".
شرخ إثني
ووفقًا لخالد كودي، الأستاذ في الجامعات الأميركية، فإن ما يتعرض له المدنيون في دارفور وكردفان من حرمان من الحصول على الأوراق الثبوتية، وملاحقتهم بقانون "الوجوه الغريبة"، يُعد انتهاكًا "ينسف مبدأ المواطنة المتساوية ويُعمّق الشرخ الإثني–الجهوي، وبالتالي يُغذّي شعورًا واسعًا بالغبن".
لكن كودي يشير في حديثه إلى موقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن هذه الأفعال ليست السبب الجذري الوحيد، بل هي "تفجيرات جديدة لمرض قديم، هو بنية الدولة المركزية الإثنوقراطية التي راكمت تمييزًا تاريخيًا"، بحسب تعبيره.
ويحذر كودي من أن تؤدي هذه الأفعال التمييزية إلى "تآكل شرعية الوحدة القسرية، ودفع قطاعات متزايدة نحو مطالب الحكم الذاتي أو تقرير المصير".
ويرى أن الحل يكمن في التوافق على رؤية جديدة تستعيد الثقة، عبر تبني نظام ديمقراطي علماني لامركزي، يقوم على العدالة والمساواة الاجتماعية، وتفكيك الطابع العسكري–الأمني للدولة، وإعادة هيكلة الجيش والأجهزة على أسس مهنية مدنية.
مسار معقد
يلقي مهدي داود الخليفة، وزير الدولة الأسبق بوزارة الخارجية السودانية، باللوم على الحرب الحالية التي أدت إلى انهيار مؤسسات الدولة، وتفاقم الأزمة الإنسانية، وتعميق الانقسامات السياسية والاجتماعية.
ويشير الوزير السابق إلى أن إعلان حكومة "تأسيس" سيؤدي إلى دخول البلاد في مسار معقّد، ينتهي إما بتسوية تاريخية شاملة، أو بتفكك الدولة السودانية. ويشدد على أن المخرج الوحيد يتمثل في وقفٍ عاجلٍ لإطلاق النار لأغراض إنسانية، "يفتح الطريق أمام حوار وطني شامل لإقامة دولة مدنية تقوم على احترام المواطنة والعدالة، والوصول إلى جيش مهني قومي، بعيدًا عن عسكرة السياسة ومنطق الميليشيات".
ويضيف: "فيما يتعلّق بالسياق السياسي والإقليمي، فإن إعلان حكومة (تأسيس) يعكس حالة الانسداد السياسي التي تعيشها البلاد، وفشل المبادرات الإقليمية والدولية في إيقاف الحرب، ووضع خارطة طريق سياسية".
ويتوقع الخليفة أن يتعامل المجتمع الدولي مع حكومتي بورتسودان ونيالا كأمر واقع، دون منح أي منهما اعترافًا رسميًا، مع الاكتفاء بالتركيز على الملف الإنساني.
ويشرح رؤيته للموقف الداخلي واكتساب الشعبية بالقول: "رغم فشل الدولة المركزية لعقود، ما زالت الوحدة تمثل قيمة رمزية كبرى في الوعي الجمعي السوداني، مما يجعل أي خطوة نحو حكم موازٍ مثار رفض شعبي. لكن، مع ذلك، فإن استمرار الحرب، وانهيار الخدمات، وفقدان الأمل في حكومة بورتسودان، قد يدفع بعض القوى المحلية لدعم حكومة (تأسيس) كخيار واقعي، لا مبدئي".
شبح الجنوب
تتزايد المخاوف من أن تؤدي الأوضاع الحالية إلى انقسام جديد يعيد إلى الأذهان عملية انفصال الجنوب في عام 2011، والتي جاءت بعد حرب أهلية تُعد الأطول في إفريقيا، إذ استمرت لأكثر من نصف قرن، وفقد السودان بسببها نحو ثلث مساحته.
وتتعزز تلك المخاوف في ظل الأوضاع الميدانية الراهنة؛ ففي حين يسيطر الجيش على العاصمة الخرطوم ومناطق شرق وشمال ووسط البلاد، تسيطر قوات الدعم السريع على كامل إقليم دارفور (باستثناء مدينة الفاشر)، وأجزاء كبيرة من إقليم كردفان، وهما يشكلان أكثر من 45% من مساحة السودان الحالية، البالغة نحو 1.8 مليون كيلومتر مربع، إذ تبلغ مساحتهما مجتمعتين نحو 870 ألف كيلومتر مربع.
وفي هذا السياق، يرى الصحفي فايز السليك أن تشكيل حكومة ثانية هو تأكيد على ماراثون "البحث عن الشرعية"، مبدياً، في حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، تخوفه من أن يكون ذلك "بداية لمشروع انقسام إضافي".