بنى فريق بحثي دولي محاكاة  تلخص حركة الصفائح التكتونية خلال الحقبة الأخيرة البالغة 1.8 مليار سنة من أصل عمر الأرض المقدّر بـ4.5 مليارات سنة، ونشر الباحثون هذه المحاكاة في مقطع رسوم متحركة لمدة دقائق معدودة مثيرة.

يعد فهم العلاقة المعقدة بين البنية الصلبة للأرض وسطحها الديناميكي هو المفتاح لكشف أسرار تطور كوكب الأرض، ويتطلب تحقيق ذلك إعادة بناء العلاقة المتغيرة بين الصفائح التكتونية السبع الأساسية والتي تمثل 94% من سطح الأرض، وبقية الصفائح الصغيرة الأخرى التي تمثل النسبة المتبقية.

واستندت الدراسة، التي نشرها الفريق بدورية "جيوساينس فرونتيرز"، إلى جمع جميع الأدلة الجيولوجية والأحفورية المتوفرة لقراءة المشهد التاريخي للأرض على مدار 1.8 مليار سنة مضت حتى الوقت الحاضر، ويمثّل هذا العمر 40% من عمر الكوكب، لتشمل حقبة الطلائع القديمة "باليوبرتوزيك" وحقبة الطلائع الوسطى "ميسوبروتوزيك".

ويغطي نموذج الدراسة الحديثة دورات قارية عظمى متعددة مرّت على الأرض، مثل القارات العظمى "نونا"، و"رودينيا"، وأخيرا قارة "بانغيا" العظيمة التي انقسمت منها قارات العالم اليوم.

وتظهر في فيديو المحاكاة صفائح الأرض التكتونية على مدار 1.8 مليار سنة مضت ضمن نشاط تكتوني لم يعرف الهدوء مطلقا.

ومن بين الاكتشافات الأكثر إثارة للدهشة في هذا النموذج الجديد دحض فرضية "المليار الممل" أو المعروفة بـ"المليار القاحل"، وهو مصطلح يشير إلى حقبة شهدت فيها الأرض ركودا في حركة الصفائح التكتونية بين 0.8 و1.8 مليار سنة مضت، في حين أن النموذج يظهر تاريخا جيولوجيا ديناميكيا متحركا باستمرار لم يخل من النشاط التكتوني قطعا.

ما الصفائح التكتونية؟

لفهم الأمر، يمكن أولا أن نبدأ بتخيل أن الأرض ثمرة تفاح ضخمة، هنا ستكون طبقة القشرة الأرضية هي قشرة تلك التفاحة الرقيقة، لكنها في الحقيقة بسمك يتراوح بين 30 و70 كيلومترا في قارات الأرض.

إلا أن القشرة الأرضية تختلف عن قشرة التفاحة، فهي لا تمتد على الكرة الأرضية ككتلة واحدة متصلة، لكنها تتكون من حوالي 20 قطعة متداخلة في ما بينها تسمى الصفائح التكتونية، وتشبه في تداخلها قطع البازل أو الأحجية التي تحتوي على صورة يجب أن تكملها قطعة قطعة.

تسبح تلك الصفائح التكتونية أعلى طبقة الوشاح الأرضية، وتتحرك بمسافة ضئيلة جدا كل عام (من 1 إلى 20 سنتيمترا) اقترابا أو ابتعادا من بعضها أو احتكاكا في ما بينها.

الصفائح التكتونية على كوكب الأرض (ويكيبيديا) رقصة الصفائح ترسم شكل الأرض المميز

وما يدركه العلماء جيدا حول طبيعة نظام المجموعة الشمسية أن كوكب الأرض يتميز وحده بالصفائح التكتونية، على عكس الأجرام الشمسية الأخرى بما فيها القمر، وينتج عن حركة هذه الصفائح المستمرة اصطدامات عنيفة، مكونة بذلك جبالا ومحيطات، وينتج كذلك عنها حدوث الزلازل والبراكين عند النقاط الساخنة، أو عند حدود التقاء الصفائح التكتونية، وتقع بعض الدول عند هذا الحزام المشتعل باستمرار مثل أيسلندا التي تشهد نشاطا غير اعتيادي على مستوى الزلازل والبراكين.

وتسهم الصفائح التكتونية في ما تُعرف بالدورات الحيوية البيولوجية الكيميائية "الدورات البيوجيوكيميائية"، بنقل المواد والعناصر الكيميائية الأساسية باستمرار من باطن الأرض إلى سطحها حيث يمكن للكائنات الحية الاستفادة منها.

وتكمن أهمية ذلك في ظهور عدة عناصر مثل الفوسفور، الذي يشكل العمود الفقري للحمض النووي، وعنصر الموليبدينوم الذي يساعد الكائنات الحية على تحويل النيتروجين من الغلاف الجوي إلى شكل يمكن الاستفادة منه، إضافة إلى تأثير النشاط التكتوني على دورة الكربون العالمية من خلال الكشف عن الصخور التي تتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وهو ما يجعل الصفائح التكتونية عنصرا مهما في تحديد طبيعة مناخ الأرض على فترات زمنية طويلة.

كما يعد رسم خرائط النشاط التكتوني السابق أداة مهمة لفهم دوافع بعض الفرضيات الجيولوجية التي وضعها العلماء سابقا، مثل سبب تعرض الأرض لتقلبات مناخية شديدة باردة يتحول الكوكب خلالها إلى كرة ثلجية ضخمة، تُعرف بفرضية الكرة الأرضية الثلجية، أو لحظة ظهور الأكسجين على الأرض وبدء تكونه وتجمعه في الغلاف الجوّي.

ويساعد بناء التاريخ التكتوني للأرض في فهم أماكن تجمع وتكوّن المعادن وتوزيعها، فالعديد من المعادن الأساسية، مثل النحاس والكوبالت، تتشكل على طول هوامش الصفائح التكتونية، ومن خلال تتبع مسار وحدود الصفائح القديمة، من الممكن التنبؤ بالنقاط التي قد توجد فيها رواسب معدنية ذات قيمة عالية.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات الصفائح التکتونیة ملیار سنة

إقرأ أيضاً:

ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد

ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد في الفترة ما بين 2019 وحتى 2023.

خلال تلك الفترة لم يكن هناك سرير واحد فارغ في مراكز علاج الإدمان أو المستشفيات النفسية في السودان. الوضع كان مأساويًا، والاكتظاظ كان واضحًا في كل مكان.
بحسب إحصائية رسمية، بلغ عدد حالات الإدمان التي تم استقبالها في مراكز العلاج خلال عام 2022 فقط حوالي 13,000 حالة — وهو رقم مفزع بكل المقاييس.

لكن الأخطر من الأرقام هو الفئات المستهدفة: شباب في مقتبل العمر ونساء، تتراوح أعمارهم بين 14 إلى 24 سنة، أي قلب المجتمع ومستقبله.
وللأسف، لم يتوقف الاستهداف عند عامة الناس فقط، بل وصل إلى شخصيات عامة ونجوم مجتمع. كثير منهم تم استدراجهم إلى عالم التعاطي، وتحولوا إلى مدمنين، حتى أصبح عددهم ملفتًا للنظر.

أما أخطر أنواع المخدرات المستخدمة فكان الآيس كريستال، المعروف بتأثيره السريع وسهولة تعاطيه. ورغم غلاء سعره عالميًا، إلا أنه كان يُباع في السودان بأسعار زهيدة مقارنة بباقي المواد، ما جعله في متناول يد الكثير من الشباب.

ما هو أدهى وأمرّ، أن هناك شبكات منظّمة كانت تقوم بتزويد بعض الشباب بهذا المخدر مجانًا في البداية، مقابل أن يقوموا باستدراج أقرانهم وتعريفهم عليه، ليدخلوا في دوامة الإدمان. كانت تلك متوالية مدمّرة ومدروسة بعناية، وليست مجرد عشوائية.

ومن خلال مشاهداتي الشخصية، فإن الغالبية العظمى من الموجودين في مراكز العلاج والمستشفيات النفسية كانوا من أقاليم معيّنة، ما يفتح بابًا للتساؤلات حول وجود استهداف ممنهج ومقصود لمجتمعات بعينها.
..
بعد نشوب الحرب لم يتوقف ذلك بل زاد الاتجار و التوسع وسط الفوضي و الفراغ وانشغال السلطات بالمواجهات المحتدمة مع الجنجويد..
وبالتاكيد زادت النسب وزادت كمية المتعاطين للمخدرات في البلاد..
لابد من الالتفات لهذا الملف المهم و الخطير عاجلا لما يترتب عليه من اثار مدمرة للمجتمع في حاضرنا و في المستقبل القريب.

عبدالله عمسيب

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • فرار ربع مليار نحلة في ولاية أمريكية بعد حادث خلال نقلها
  • المغرب يجذب 5,7 مليون سائح ويحقق 34,4 مليار درهم في 4 أشهر
  • ملف المخدرات في السودان يُعد من أخطر الملفات التي واجهت البلاد
  • «رقصة الحضري».. احتفالية خاصة لحارس الظفرة بعد التتويج
  • 344 شهيدًا وجريحًا في غزة خلال الـ 24 ساعة الماضية
  • وزير المالية: ٣٨٪ زيادة في الإيرادات الضريبية خلال الـ10 أشهر الماضية
  • تقرير يرجح دخول الأرض عتبة مناخية حرجة خلال عامين
  • كيف عوّضت الأرض فلسطينيا بعد فقدان عمله خلال الحرب؟
  • الصين تؤكد التزامها باستقرار سلاسل الإمداد وتدافع عن قيود المعادن الأرضية النادرة
  • «حماية المستهلك»: رقابة مشددة على الأسواق وزيارة 190 ألف منشأة خلال الفترة الماضية