حمص-سانا

الدكتور الراحل وجيه البارودي ابن مدينة حماة كان عالماً رحباً وموسوعياً، فهو الحكيم الإنسان والشاعر الفنان والناقد الواعي والجريء المقدام، وشاهد على القرن العشرين من أول عقد فيه إلى آخر عقد.

مارس الشاعر البارودي مهنة الطب في مدينته على مدى 63 عاماً، محققاً رقماً قياسياً في استمراريته بالعمل، وكرم على ذلك في عدة محافل ومناسبات.

الباحث التاريخي معتز البرازي ألقى الضوء على عدة جوانب من حياة الدكتور البارودي خلال ندوة نظمتها الجمعية التاريخية السورية في مقرها بحمص، حيث أشار إلى أن أبرز ما يجدر ذكره عن الدكتور وجيه هو أنه صاحب رسالة إنسانية أوصلها إلى الناس عبر طريق الطب والشعر.

وأوضح أن المعالجة عند الدكتور البارودي كانت توأمين من الجهد بالعمل السريري والإبداعي، فكان مشغولاً بالمعالجة الإنسانية والنفسية، وإلى عيادته كان يتسابق المرضى وأغلبهم كان من الفقراء حتى لقب بأبي الفقراء، فالازدحام على باب عيادته كان مشهوداً.

وعن خوضه في ميدان الأدب والشعر قال الباحث إن البارودي لم يهتم بدراسة العروض والقوافي والبلاغة والبديع، لكنه اعتمد على ذوق مرهف وإحساس دقيق وسليم وسليقة عربية سليمة وكان لا يفضل الشعر الحديث.

وقد أصدر ديوانه الأول بعنوان (بيني وبين الغواني) عام 1950، وديوانه الثاني (كذا أنا) عام 1970، وديوانه الثالث (سيد العشاق) عام 1994، وكان آخر دوواينه (حصاد التسعين) عام 1993.

يذكر أن الدكتور الراحل وجيه البارودي من مواليد مدينة حماة 1906، ودرس في الكتاتيب، ثم أكمل دراسته في الكلية السورية الإنجيلية (الجامعة الأمريكية حالياً)، وتوفي عام 1996.

لارا أحمد

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

إقرأ أيضاً:

في الذكرى العشرين لاحتراق طائرة قرنق: بين تحذير الغرب… ومصير سافيمبي!

استمعتُ إلى معلومة بالغة الأهمية، وردت في الحوار الذي أجراه الصديق العزيز الطاهر حسن التوم مع الدكتور أمين حسن عمر قبل أيام.

وخلال حديثه عن مفاوضات نيفاشا التي أفضت إلى انفصال الجنوب، ذكر الدكتور أمين معلومة غير مسبوقة:

أن جون قرنق كانت تربطه علاقة متوترة مع الغربيين، وكان أحيانًا يمنعهم من دخول قاعات التفاوض.

ووفقًا لما نقله د. أمين، فقد صرّح قرنق في أحد اللقاءات أن الغربيين ألمحوا له، بصورة تهديدية، بمصير الزعيم الأنغولي جوناس سافيمبي، الذي أُشيع لاحقًا أنه تم اغتياله عبر مؤامرة غربية بعد أن قرر العودة إلى العمل المسلح.

قبل عامين من احتراق طائرة قرنق، كنتُ قد كتبتُ مقالًا تناول هذه المقارنة بينه وبين سافيمبي، ضمن قراءة تحليلية لرمزية المسارات والنهايات في تجارب قادة من إفريقيا.
وفي هذه الذكرى العشرين، أعيد نشر المقال مع بعض التعديل والإضافة.
قرنق ورمزية علي عبد اللطيف ومانديلا… ونهاية سافيمبي؟!

هنالك ثلاث شخصيات في التاريخ الإفريقي المعاصر، سعت جهات موالية للحركة الشعبية وأخرى معادية لها إلى تشبيه الدكتور جون قرنق بإحداها.
المجموعات الشمالية المناصرة للحركة شبَّهته بـ علي عبد اللطيف، لذا ظهرت صورته في إعلانات “جمعة السلام” وهو يقف خلف عبد اللطيف.

أما الجنوبيون، فرأوا فيه مقابلاً سودانيًا للزعيم الجنوب إفريقي نيلسون مانديلا.
وهناك من توقّع له مصيرًا شبيهًا بجوناس سافيمبي، زعيم حركة “يونيتا” الأنغولية، الذي قُتل في ظروف غامضة بعد أن انفضّ عنه الجميع.
فأيّهم كان الأقرب إليه: علي عبد اللطيف، أم مانديلا، أم سافيمبي؟
قرنق وعلي عبد اللطيف: تشابه محفوف بالمفارقة
في الإعلانات الورقية التي أطلقتها الحركة الشعبية لحشد أنصارها، ظهرت صورة قرنق يقف خلف علي عبد اللطيف، وكأنما يُراد تقديمه امتدادًا تاريخيًا لثورة 1924، من جمعية اللواء الأبيض إلى اتفاقية نيفاشا 2005.

الرسالة الضمنية كانت أن ما بين هذين التاريخين، لم يكن ذا جدوى أو اعتبار!
هذا التشبيه لم يكن جديدًا؛ فقد ظهر في مقالات وتصريحات متفرقة، وكان أبرزها إعلان تحالف عبد العزيز خالد انضمامه للحركة في 2002، مستحضرًا رمزية ثورة 1924 وأبطالها: علي عبد اللطيف، وعبيد حاج الأمين، وعبد الفضيل الماظ.

ياسر عرمان، الناطق الرسمي باسم الحركة الشعبية، كان من أكثر من روّج لهذا التشبيه، مؤكدًا أن اختيار علي عبد اللطيف زعيمًا لحركة اللواء الأبيض كان صفعة قوية للاستعمار البريطاني.

لكن هذا التشبيه لا يخلو من تعقيدات؛ فكثير من الجنوبيين لا يرون في عبد اللطيف رمزًا جامعًا.
فصورته لديهم إما لشخص مستلب الهوية، أو لبطل تم استغلاله من قبل النخبة العربية، ثم تُرك لمصيره في مستشفى العباسية، حيث تُوفي دون ضجيج في 29 أكتوبر 1948.
كما أن حصر رمزية قرنق في امتداد لعلي عبد اللطيف قد يُقيّده بقالب تاريخي ضيّق، ويحول دون تحوله إلى قائد قومي جامع، متجاوز للحدود الجهوية والعرقية.
قرنق ومانديلا: حلم لم يكتمل
كان الجنوبيون أكثر ميلًا لتشبيه قرنق بمانديلا، وهو ما بدا أقرب إلى وجدانه هو نفسه، نظرًا لارتباطه الرمزي بكبار الاشتراكيين الأفارقة: لوممبا، نيريري، ومانديلا.

الحركة الشعبية حاولت تقديم الصراع في السودان كصورة مكررة من نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، ولذلك استعارت كثيرًا من أدبيات تلك التجربة.
لكن الواقع السوداني مختلف.
فمانديلا بدأ بنضال سلمي، ثم انتقل إلى الكفاح المسلح بعد سنوات طويلة.

أما قرنق، فدخل الحلبة السياسية من بوابة البندقية، وظل يحتفظ بجيشه حتى بعد توقيع اتفاق السلام، تحسّبًا لأي انتكاسة.
قال مانديلا: “كنت أعرف ضد ماذا أقاتل أكثر من معرفتي بما أقاتل لأجله.”
بينما ظل قرنق يرى أن الخيار العسكري يظل قائمًا إذا ما اقتضت الظروف.

ويبقى السؤال:
هل كان قرنق سينجح في التحول من ثائر إلى رجل دولة، قادر على بناء السلام، وتسليم السلطة طواعية؟
أم كان سينضم إلى قافلة الزعماء الذين يختزلون الأوطان في كراسيهم؟
قرنق وسافيمبي: المصير الذي كان يخشاه

أما المقارنة التي تُثير أقسى الهواجس، فهي مع جوناس سافيمبي، زعيم حركة “يونيتا” في أنغولا، التي خاضت حربًا منذ 1966 ضد الحكومة، بدعم أمريكي، مستفيدة من تجارة الماس، والسيطرة على نحو 30% من البلاد.

في 1994، وقّعت “يونيتا” اتفاق سلام بضغط أمريكي، لكن سافيمبي عاد إلى العمل المسلح بعد رفض نتائج الانتخابات.

وفي 2002، اغتيل في ظروف غامضة، وتُركت جثته بلا غطاء… من قبل الحلفاء أنفسهم الذين رافقوه طويلًا!
قرنق كان يدرك هذا المصير جيدًا،
ويبدو أنه كان يتحسب له، كما نقل د. أمين حسن عمر، عندما قال إن الغربيين لوّحوا له به، إنذارًا مبطنًا:
“إياك أن تكون سافيمبي آخر!”
وقد بذل قرنق جهدًا للحفاظ على تماسك جيشه، وعدم السماح باستقطاب قادته أو تفكيك قواته.

لكنه لم يحرص بما يكفي على عدم التورط في أي سلوك قد يجعل الغرب ينقلب عليه… كما انقلب على سافيمبي.
خاتمة
هل كان قرنق يرى نفسه في مرآة عبد اللطيف، ويتطلع لأن يُقارن بمانديلا، بينما يخشى أن يُكتب له مصير سافيمبي؟

ربما كانت هذه الأسئلة تملأ ذهنه… قبل أن تسقط طائرته في جبال الأماتونج، في 30 يوليو 2005.
واليوم، بعد مرور عشرين عامًا على تلك اللحظة المفصلية، لا يزال اسمه حاضرًا بقوة.
والنقاش حول مصيره: هل كان بيد الأقدار والصدف، أم بفعل فاعل؟… لم ينتهِ بعد.

ضياء الدين بلال

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • كسوف القرن.. 9 دول عربية على موعد مع الظاهرة الأندر
  • في الذكرى العشرين لاحتراق طائرة قرنق: بين تحذير الغرب… ومصير سافيمبي!
  • جدى توفى يوم نتيجتي وكان نفسه أكون دكتور.. محمد أيمن السابع على الجمهورية في الثانوية الأزهرية بالشرقية يروى سر تفوقه
  • والد الأمير الوليد بن طلال يرد على الدكتور جمال شعبان: ابني كان يتنفس ويتحرك .. فيديو
  • حكم إخراج الزكاة لمؤسسة رعاية مرضى أمراض معينة.. الإفتاء تجيب
  • وضع بئر جامع النور في مدينة حلفايا بريف حماة بالخدمة
  • مفيش غير ضرب..موظف البدرشين وقف علي تكه وكان هيموت..القصة الكاملة
  • في فيلم عبر الجدران.. الفقراء الذين لا يستحقون الستر
  • فعاليات خطابية في سنحان وجحانة وهمدان وصنعاء الجديدة بذكرى قدوم الإمام الهادي إلى اليمن
  • خص منهم النساء.. الأمم المتحدة تتعهد بدعم الفقراء في العراق