ثمة شبه اجماع عند العديد من شعراء فلسطين الشبان، على أن غسان زقطان يخدعنا حين يصدر كتبه الشعرية على أنها قصائد مكتوبة، انه يغنيها، نعم يغنيها، بلحن عال ومنشدين غير مرئيين، وموسيقة كامنة بين السطور بآلات لا أعرف كيف يخبئها في الكتاب، هذا الشاعر الستيني الوسيم صاحب التجربة الشعربة الانضج بين مجايليه. في كتابه الشعري المختلف و الذي سيصدر قريبا جدا عن (دار المتوسط) تصدح الصفحات بالاغاني، ويشعر القارئ أن هذا الكتاب صوتي أكثر منه مكتوبا بالكلمات، كتاب يشعرك بالسعادة، أنت تقرؤه فتبتسم وتحب الحياة، وتثق بالحب وتذهب الى العمل دون توقع لمعركة مع المدير.

هذا كتاب ُيحمل في الحقيبة، ويسافر معنا الى كل مكان، نستطيع أن نقرؤه من أية صفحة، بإمكان كل نص شعري فيه أن يكون بداية الكتاب أو أخره، أو منتصفه، لكن ذلك لا يعني أنه لا ينتظمه شيء، ثمة انتظام ورؤية وعنوان عام أستطيع أن ألخصه بكلمتين: الاحتراق بالحنين.

(البلدة التي لم أحدثكم عنها) كالعادة عناوين غسان ملفتة وجزء من منظومة القصائد، عفوا أقصد الأغاني، قال لي شاعر شاب أن قراءة شعر غسان تشبه مفعول دواء (الزنكس) الذي يأخذه كلما أحس بغصة او قلق معمم أو أراد بعض الثقة في مواجهة جمهور اثناء أمسية او محاضرة، شعره (أضاف الشاعر الشاب) مطمئن، مثل رحلة مع أصدقاء، وودود مثل نادل مبتسم.

فلنسمع طمأنينة هذه الاغنية:

حجر بجناحين

(أبحث عن أثاثٍ صالحٍ في ذكرياتنا لأزجّه في رسالةٍ

الانتظارُ هو قطعة الأثاث الكبيرة هناك.

مقعد يواصل النمو في غرفة عارية.

الحاكي الخشبي في الزاوية البعيدة محاطٌ بأزهار بلاستيكية

وهو يدور ويخشخش في الفراغ.

البيانو الأسود القديم في القاعة الفارغة، المضروب بضوء العصر،

حزمة الضوء أصابت مقعد العازف وأضاءت الغبار على سطح

الماهجوني.

هذا هو الانتظار أيضاً.

الانتظار بهيئاته التي تنتظرُ

هو كل ما أجده كلما ذهبت لأحضر أثاثاً للرسالة.

المقعد الذي ينمو في غرفةٍ عاريةٍ

الحاكي الذي يخشخش

والبيانو الذي يحدّق في قاعة فارغة.

ليست الرسالة يا سارة سوى انتظار تعلّم المشي.

تمارين الذهاب

تذكّر أشياءٍ لم تحدث.

ثم ما هو الانتظار يا سارة سوى غصن جاف نحرّك به الذكريات

لتصبح أحلاماً.

الانتظار، يا سارة، حجر بجناحين).

في تجربته الشعرية يذهب غسان باستمرار الى القليل من الكلمات، ليصنع بحرا من المعاني وظلال المعاني، قالت لي مرة الشاعرة اللبنانية عناية جابر:( فقط غسان وبسام حجار من يقنعاني باتساع العالم،).

غسان شاعر يشير بيده فقط، يده التي من حكمة وطيش (مع الاعتذار لوليد الشيخ طبعا) لا يقول كل شيء، هو شاعر الفجوات الذهبية والنقص الرائع، لا يعرف الثرثرة، لا تفاصيل غير ضرورية، لا كلمة في مكان غير مكانها، وإن استغلقت علينا بعض المعاني، فهذا الكتاب مخصص للشعور بأن المعنى الغامض يعطي شعورا بالراحة الغامضة، ربما لأن الإيقاع لطيف ومثقف، ويعوض عن الغموض، مرة قال لي أبي: وهو بالمناسبة شاعر عامودي: (حين تقرأ شعرا للمتنبي ولا يصلك معنى محدد فاستعض عنه يايقاع الشعر، هذا يكفي) وهذا أيضا يعطينا نوعا من الثقة بأن ثمة معنى رهيب هنا، سنؤجل تأمله لاحقا، فلننتقل إلى قصيدة أخرى، هكذا أقول لنفسي، حين أقرأ غسان، ومحمود درويش. صور غسان العجيبة تفتن يومي، وتغيره، من توقع مثلا أن يسمع هذا التعبيرات الغريبة (أثاث الرسالة، أمشي وينحتني الهواء، المقعد الذي ينمو في غرفة عارية)، ثمة غواية في ثيمة أحبها داخل شعر غسان، هي ثيمة انتظاره أو تذكره لأحباء ابتلعهم الغياب و لا يأتون، طريقة ندائه عليهم ساحرة، وغريبة، معظم شعراء العالم يتذكرون ينادون على أحبائهم، لكن مناداة غسان خاصة، وغامضة ومرتبطة بتفاصيل مفاجئة، و بسياقات مختلفة، أما الحنين فهو العنوان العام لمشروعه، لكنه ليس الحنين العادي الى الماضي.

قبل وفاته بأشهر جمعتني جلسة مع محمود درويش أنا وغسان، ولا أعرف كيف جننت وسألت محمودا سؤالا محرجا أربك غسان.

أستاذ محمود من ترشح بعدك ليكون شاعرا كبيرا مثلك؟

أجاب محمود: نعم لديّ من أرشحه، انه شاعر يجلس معنا الآن. ذاب غسان في مقعده.

الشاعر في سطور

غسان زقطان شاعر وكاتب ولد عام 1954 في بيت جالا، حيث كان يعمل والده الشاعر خليل زقطان. عاش في مخيم الكرامة بالضفة الشرقية حتى عام 1967، قبل أن ينتقل إلى عمّان حيث أنهى دراسته المدرسية وأصبح مدرسا للرياضة البدنية. انتقل زقطان إلى بيروت في عام 1979 وظل فيها حتى عام 1982 ليتنقل بين دمشق وتونس، إلى أن استقر في الضفة الغربية مع اتفاقية أوسلو عام 1994. منذ انتقاله إلى دمشق عمل في عدة مجلات مثل الحرية، والبيادر. أصدر زقطان أكثر من عشرة دواوين شعرية منذ منتصف السبعينيات، منها (استدراج الجبل، و تحدث أيها الغريب تحدث،و كثير من القش يتبوعني، حيث أختفى الطائر وغيرها) كما نشر عدة روايات مثل "وصف الماضي" و"عربة قديمة بستائر.".

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

شهيد برصاص الاحتلال خلال هجوم للمستوطنين قرب رام الله

أعلنت مصادر طبية فلسطينية استشهاد شاب فلسطيني إثر إصابته في مواجهات عنيفة شهدتها بلدة سلواد شمال شرق مدينة رام الله فجر اليوم الخميس، بين أهالي البلدة ومستوطنين وقوات الاحتلال.

وأظهرت مقاطع مسجلة وثقتها كاميرات مراقبة في البلدة، لحظة اقتحام عدد من المستوطنين وإضرامهم النيران في مركبات ومنازل.

وأوضحت مصادر من البلدة أن قوات الاحتلال سارعت لاقتحام البلدة وتأمين الحماية للمستوطنين، مما أدى لاندلاع مواجهات عنيفة بين السكان وقوات الاحتلال التي أطلقت قنابل الغاز السام والرصاص بكثافة، على منازل الفلسطينيين مما أسفر عن استشهاد الشاب خميس عياد داخل منزله، إضافة إلى إصابة عشرات بحالات اختناق.

وأكدت مصادر فلسطينية أن هجوم المستوطنين امتد لاحقا ليطال قريتي رَمّون وأبو فلاح المجاورتين، حيث أضرم المستوطنون النيران في عدد من المركبات وممتلكات ومنازل المواطنين دون وقوع إصابات بشرية.

وتشهد عدة بلدات وقرى فلسطينية شمال شرق محافظة رام الله والبيرة وسط الضفة الغربية تصعيدا متواصلا من قبل المستوطنين المدعومين من جيش الاحتلال الإسرائيلي، في ظل دعوات فلسطينية متكررة لتوفير الحماية الدولية للسكان.

اعتقالات

كما اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي فجر اليوم مدينتي نابلس وقلقيلية شمالي الضفة الغربية، وقالت مصادر فلسطينية إن قوات الاحتلال اقتحمت أيضا مخيم بلاطة في نابلس، وأضافت أن القوات المقتحمة نفذت اعتقالات في مخيم بلاطة ومدينة قلقيلية.

وأوضحت مصادر محلية أن جيش الاحتلال اعتقل شابين بعد مداهمة بناية سكنية في منطقة رفيديا بمدينة نابلس، وشابا آخر من وسط المدينة، ولم تعرف هوياتهم بعد.

كما اعتقل الاحتلال الشابين مالك المحسن من بلدة أودلا، وعهد سلمان من بلدة قوصين بمحافظة نابلس، في حين دهم الاحتلال عددا من المنازل في مخيم بلاطة واللبن الشرقية، دون أن يبلغ عن اعتقالات.

إعلان

مقالات مشابهة

  • تنسيقية القوى المدنية تدين اختطاف مليشيا الانتقالي لرئيس نقابة مصافي عدن
  • كيف يُحكم الاحتلال قبضته على بلدة الزعيّم بالقدس؟
  • قردة تسللت من إسرائيل إلى هذه البلدة الجنوبية!
  • شهيد برصاص الاحتلال خلال هجوم للمستوطنين قرب رام الله
  • ملتقى الكتاب السوريين يختتم فعالياته ويكرم الأدباء والمثقفين المشاركين
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • بلدة روسية تغمرها المياه بعد موجة تسونامي
  • ملتقى الكتاب السوريين يطرح قضايا فكرية ونصوصاً أدبية غير مسبوقة
  • من كلكتا إلى نوبل.. طاغور شاعر الطبيعة والحزن وفيلسوف الحياة
  • الانتقالي يواصل اختطاف رئيس نقابة مصافي عدن لليوم الثالث على التوالي