عربي21:
2025-08-02@15:16:05 GMT

سيرك ترامب والأنظمة العربية

تاريخ النشر: 23rd, November 2024 GMT

عينٌ تتابع الأخبار والتطورات في العالم، وأخرى تتابع التعليقات والتحليلات في الإعلام العربي، خاصةً في ما يخص الشأن الأمريكي، في محاكاةٍ واستدعاءٍ لأيام يدٍ تبني ويد تحمل السلاح، المجيدة (أو المزعومة المجد وفقاً للقناعات والانحيازات الشخصية)، وذلك قبل أن تلقي السلاح الذي ما حملته إلا مضطرةً، كما يتبين الآن مع التأمل والتمحيص في ما صار تاريخاً ممتداً من الهزائم، وتتحول عوضاً عنه إلى يدين بل أيادٍ تدمر وتقمع بوتيرةٍ متسقة ومستمرة.



المهم، لا شك أننا نعيش الآن أوقاتاً شيقة، حروبٌ مستعرة في الشرق والغرب، منها حرب التطهير العرقي التي تخص وجودنا وكياننا، وأخرى توشك أن تهدد السلالة البشرية والكوكب، ناهيك عن تلك التي توشك أن تندلع في المناطق ذات التوتر التقليدي، كالذي بين تايوان والصين والكوريتين كأقرب مثال.

لكن وصلة المنوعات الممتدة، التي يبدو للوهلة الأولى كأنها تجمع بين «الفارس والسيرك» هي التطورات في الولايات المتحدة، خاصةً عقب انتخاب دونالد ترامب، الذي كأنه ملتزمٌ ومتعهدٌ بأن لا يرشح لحكومته، إلا المتعصبين وأرباب السوابق، أو من سبق اتهامهم ومحاكمتهم في دعاوى الاغتصاب وتسهيل دعارة الأطفال، وكلهم يتماثلون متميزين في انعدام الخبرة، في الملفات والوزارات الموكلة إليهم، أو مواقفهم المعادية والمتطرفة، مثل القس الإنجيلي الذي رشحه سفيراً لإسرائيل، والذي ينكر لا حق الشعب الفلسطيني في الأرض وحسب، بل ينكر وجوده كشعبٍ من الأساس، وآخر متهم بالاغتصاب، لوظيفة المدعي العام.

من الثابت أن ترامب لا يقيم أي وزنٍ أو اعتبارٍ سوى للولاء الشخصي الصارم والتام لشخصه التافه الجاهل الضئيل، لكن النرجسي لأبعد مدى والمعتد المنتفخ بنفسه حد الانفجار. غير أن هذه التطورات في البلد الأقوى عسكرياً في التاريخ، تفضح خللاً وسقماً وسأماً غايةً في العمق في نسيج هذا البلد ومجتمعه نتيجةً لأوضاعٍ اقتصادية متردية وتفاوتاتٍ طبقية وخوفٍ من المستقبل، أي ظاهرةٍ معقدة ليس هنا مجال تحليلها، إلا أنه ـ راكباً على هذه الموجة ـ يسعى ترامب في استغلال آليات الديمقراطية النسبية لبناء ديكتاتورية، وبذا فإن هذا السيرك المضحك والمسلي للوهلة الأولى، له جانبه المظلم المخيف الذي يدخلنا إلى عالم الـ»ديستوبيا».
مواقف ترامب ومن حوله مناوئةٌ لمصالح شعوبنا وحقوقنا التاريخية في طبعةٍ هي الأشمل والأكثر صفاقة
والذي لا شك فيه أن مواقف ترامب ومن حوله مناوئةٌ لمصالح شعوبنا وحقوقنا التاريخية في طبعةٍ هي الأشمل والأكثر صفاقة، لذا، مدركين ذلك تماماً حيث لا مواربة تسمح بالتحايل على النفس، أو على الجمهور، فقد مضى المحللون العرب في العويل والندب على الأربع سنوات العجاف التي تنتظرنا، ولعلهم محقون في ذلك.

إلا أن ما لا يُعار ما يستحقه من التفات هو السؤال الجوهري: هل تشارك الأنظمة الرسمية العربية الجمهور والمحللين هذه المخاوف؟ أعني بطبيعة الحال وراء الخطاب الرسمي والأبواب المغلقة في أروقة السلطة. الإجابة في رأيي هي النفي القاطع، بل العكس تماماً، فلعل مجيء ترامب، باندفاعه الأهوج الذي لا يثمن سوى القوة والمصالح المادية، والذي لا يعير التفاتاً إلى أي قيمة معنوية أو للحقوق التاريخية، هو بالضبط ما ينتظره ويحتاجه وما كان ينتظره النظام الرسمي العربي.

ترامب «المقاول»، رجل الصفقات الذي يفاخر بذلك يرى أن لكل شيءٍ سعراً، فهو يختلف جذرياً مع الراحل أمل دنقل، فكل الأشياء لديه تُشترى، الذمم والتاريخ والحق، كلها قابلةٌ للتشفير والتحويل إلى أرقام، هو نفسه قابلٌ لذلك يخضع لقانون السوق والعرض والطلب لذا، فكل الاعتبارات التي كانت تحكم الحسابات سابقاً خاصةً في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية، التي كانت تُحجم الخطاب والطرح الرسمي الأمريكي نوعاً ما، وتجبره على الرياء والتظاهر بالموضوعية، وإقامة اعتبارٍ للحق والوجود الفلسطينيين، الإنساني قبل الوطني والقومي، كل ذلك لا يعني ترامب في شيء.

إن أجندة ترامب المعلنة في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية تتوافق تماماً مع أجندة الأنظمة وهي باختصار: تصفية هذه القضية، أو اعتبارها بمثابة «الدَين المُعد».

لقد خض طوفان الأقصى الشعوب العربية خضاً عنيفاً، فأيقظها من خمولٍ نجحت الأنظمة بعد عناء من زرعه بعد هزة الثورات العربية، كما أن أجيالاً بأسرها نشأت في ظل مشاريع السلام والتطبيع، متصورةً أن ذلك هو «السلام العادل» ونهاية الصراع، بل التاريخ، أوقِظت وأثير فضولها وأنشأت تتعرف على هذه القضية، الأمر الذي لا تريده هذه الأنظمة، فهي تدرك وتخشى من أن تعود قضية التحرر الفلسطيني إلى السطح لتصير عنواناً وقاطرةً للتحرر العربي من هذه الأنظمة الميتة منتهية الصلاحية.

كما أن ترامب لا تهمه الشعوب العربية ولا حقوق الإنسان ولن يكلف نفسه مشقة التظاهر بالاهتمام، فهو يرى أن «ديكتاتوره المفضل» القاتل وإخوانه، كما وصفه بالحرف مناسبٌ تماماً لهذا البلد ولهذه المنطقة وهذه «العينات» من البشر والمخلوقات، والمقياس الحقيقي لصلاحيته من عدمها هو نجاحه في البقاء ومدى فائدته للمصالح الأمريكية، فانطلاقاً من مدرسة القوة والواقع، طالماً أنه نجح في الاستمرار، أياً كانت الوسائل ومهما سالت من الدماء، تعني أنه الذي يستحق البقاء.

لعل الأدق هو أن نزعم أن الأنظمة العربية تراهن على ترامب ليجهز برعونةٍ على هذه القضية بصيغةٍ ما؛ هي تتمنى ألا تثير هذه الطريقة شعوبها، لكنها تأمل في حلٍ باترٍ سريع، يجعل هذه القضية تاريخاً لا يلبث أن يُنسى، كما تستبشر به لأنه لن يحاسب أياً منه على أشياء من قبيل حقوق الإنسان والحريات. الأنظمة العربية متوافقة مع إسرائيل في ما يخص القضية الفلسطينية/ التي لم تعد تشكل بالنسبة لها سوى صداعٍ مزمن يطل برأسه كلما حسبته خمد؛ غاية ما هنالك ربما أنها لا ترى مبرراً ولا جدوى وربما لا تستسيغ كل هذه الدماء.

لا بد لنا من أن نفيق ونرى خلل الدخان، الحقيقة المؤلمة: إسرائيل وأمريكا والأنظمة العربية أجزاءٌ من منظومة واحدة. لا شك أن الأدوار تتفاوت بين قائدٍ كأمريكا ومقودٍ مفعول به كهذه الأنظمة، إلا أنها جميعاً في النهاية منظومةٌ واحدة متداخلة ومترابطة.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الولايات المتحدة ترامب الولايات المتحدة غزة الاحتلال الدول العربية ترامب مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة العربیة هذه القضیة الذی لا

إقرأ أيضاً:

ماذا يمكن أن يفعل المرشح الذي عينه ترامب في بنك الاحتياطي الفيدرالي؟

نشرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، تقريرًا، ناقشت فيه، ما وصفته بـ"سيناريو تعيين دونالد ترامب، لرئيس جديد لمجلس الاحتياطي الفيدرالي "الفيدرالي الأمريكي" في حال تمكن من إقالة جيروم باول، رغم أن ذلك غير قانوني ما لم يثبت وجود سبب مشروع".

وذكرت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، أنّ: "إقالة دونالد ترامب لرئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، تُعد خطوة معقدة قانونيًا، ولا يمكن تنفيذها إلا بوجود سبب مشروع، ما دفع ترامب للتفكير في توجيه تهمة احتيال كغطاء قانوني محتمل".

وأضافت: "رغم ما قد تسببه مثل هذه الخطوة من اضطراب واسع في الأسواق المالية"، مبرزة أنّ: "صلاحيات رئيس الاحتياطي الفيدرالي تستند إلى أعراف توافقية بين مجلس المحافظين واللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، أكثر من اعتمادها على القانون". 

وأوضحت: "تضم اللجنة أعضاء مجلس المحافظين ورئيس الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك وأربعة رؤساء بنوك إقليمية بالتناوب، وغالبًا ما تصدر قراراتها بالإجماع، ما يعكس تقليدًا باتباع القيادة".

"إذا استمر هذا النمط من السلوك، واستطاع الرئيس الجديد المعيَّن من قبل ترامب (والأرجح أنه سيكون رجلًا) أن يحشد أصوات مجلس المحافظين، فسيكون بيده مجموعة من الصلاحيات المهمة" بحسب التقرير نفسه.

وأشارت الصحيفة إلى أنّ: "رئيس الاحتياطي الفيدرالي المُعيَّن من قِبل ترامب سيتمكن من تحديد سعر الفائدة على الاحتياطيات ومتطلبات الاحتياطي، وهي أدوات رئيسية في توجيه السياسة النقدية. ورغم أن تحديد هذه الأسعار عادةً ما يتم بناءً على قرارات لجنة السوق المفتوحة، إلا أن مجلس المحافظين يمتلك الصلاحية القانونية لوضعها، ما يمنح الرئيس الجديد نفوذًا فعليًا على السياسة النقدية".

وأضافت أنه: "سيكون بوسع الرئيس المعيّن تعيين المستشار القانوني العام للاحتياطي الفيدرالي، وهو الشخص المسؤول عن إبلاغ مجلس المحافظين بما يمكنهم فعله قانونيًا وما لا يمكنهم فعله. وقد تؤدي مرونة هذا المستشار في تأويل القوانين وتوسيع حدودها التقليدية إلى تمكين رئيس فيدرالي متشدد من استخدام صلاحيات واسعة وغير مسبوقة".

إلى ذلك، تابعت  أنّ: "الرئيس المعيّن من قِبل ترامب يمكنه مراجعة تعيين رؤساء البنوك الفيدرالية الإقليمية، ما يتيح له تعزيز نفوذه داخل لجنة السوق المفتوحة وضمان تمرير سياسات نقدية غير تقليدية، مثل طباعة الأموال لتمويل مشاريع كبرى، شرط تأمين الأصوات اللازمة".


وذكرت الصحيفة أنّ: "رئيس الاحتياطي الفيدرالي المعيَّن من قبل ترامب، إذا استطاع التحكم في أصوات لجنة السوق المفتوحة، فبإمكانه تحديد الدول المخوّلة باستخدام خطوط المبادلة وشروط الوصول إليها"؛ فيما اعتبرت الصحيفة أنّ: "هذه الخطوط تُشكّل شريان الحياة للنظام المالي العالمي بأكمله"، مشيرة إلى: "صعوبة تخيّل أداة ضغط أكبر من ذلك بيد الإدارة الأمريكية".

وأفادت الصحيفة أنّ: "السؤال المحوري هو ما إذا كان رئيس يعينه ترامب سيتمكن من حشد أصوات مجلس المحافظين لتمرير سياساته. ويُرجّح أن المجلس الحالي لن يتعاون معه، إذ إن خمسة من أعضائه عُيّنوا من قبل بايدن أو أوباما ويملكون فترات ولاية طويلة، ما قد يعيق تنفيذ أجندة ترامب النقدية ما لم يُبدّل تركيبة المجلس بالكامل".

واختتمت الصحيفة، تقريرها، بالتحذير من أنّ: "إقالة ترامب لرئيس الفيدرالي قد تمهد لإقالة باقي أعضاء مجلس المحافظين واستبدالهم بموالين، ما يمنحه نفوذًا واسعًا لطباعة الأموال أو تعطيل خطوط المبادلة النقدية، ما يهدد النظام المالي العالمي. ورأت أن الكونغرس قد يكون العقبة الوحيدة أمام هذا التوسع في السلطة، لكنها لم تُبدِ تفاؤلًا كبيرًا بذلك".

مقالات مشابهة

  • تصنيف الدول حسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب (إنفوغراف)
  • ماهو سر الصيحات الكبيرة التي اخترقت حاجز الصوت في ميدان السبعين (تفاصيل خطيرة)
  • ماذا يمكن أن يفعل المرشح الذي عينه ترامب في بنك الاحتياطي الفيدرالي؟
  • ما هي الدول التي تغيرت رسومها الجمركية منذ إعلان ترامب في يوم التحرير؟
  • ما هي نسب الرسوم الجمركية الجديدة التي فرضها ترامب؟
  • الدكتور محمد عبد اللاه: الهجمات الإعلامية التي تتعرض لها مصر بسبب موقفها من القضية الفلسطينية مؤامرة
  • قائد أنصار الله: مليار دولار قدمتها أمريكا في العدوان على قطاع غزة من التريليونات العربية
  • ما مصدر المعلومات الذي يثق به ترامب وبه غير موقفه من تجويع غزة؟
  • ما الذي دفع ترامب لتغيير موقفه من المجاعة في غزة خلال 48 ساعة؟
  • كيف أصبحت المقاومة البديل الذي لا يُهزم؟