قوات سوريا الديمقراطية وخياراتها الصعبة بعد سقوط الأسد
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
يعد تنظيم "قوات سوريا الديمقراطية" -المعروف بـ"قسد"- أحد العقد المستمرة في سوريا التي تعوق التوصل إلى إدارة انتقالية تشمل كل البلاد، على الرغم من خلع بشار الأسد من الحكم، إذ ينضوي في التنظيم آلاف المقاتلين الأكراد المتحالفين مع حزب العمال الكردستاني، كما أنه يضم في صفوفه مقاتلين أتراكا وإيرانيين وعراقيين، مما يعطيه امتدادات إقليمية لا تنحصر في الجغرافية السورية فحسب.
وما أن انهارت قوات نظام الأسد وألقت السلاح أمام تقدم عملية "ردع العدوان"، التي أطلقتها فصائل الثورة السورية المسلحة نهاية نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حتى ازداد تركيز المعارضة على تنظيم قسد، إذ تمّ انتزاع مواقع مهمة منه، أبرزها تل رفعت شمال حلب على الطريق الواصل بين تركيا ومدينة حلب، بالإضافة إلى منبج عقدة الوصل المهمة بين شمال سوريا وشرقها، ومدينة دير الزور، والتركيز حاليا على عين العرب (كوباني)، آخر المواقع التي يستحوذ عليها التنظيم في محافظة حلب، بالإضافة إلى مدينة الرقة.
الواقع الميدانيبات جليا أن قوات المعارضة التي تعيش أفضل حالاتها بعد تمكنها من إسقاط نظام الأسد عسكريا، تتجه لتركيز ثقلها على تنظيم قسد الذي أثار المخاوف طوال الأعوام الماضية من اتجاهه إلى قيادة مشروع تقسيم مستفيدا من دعم التحالف الدولي.
إعلانوتفيد المعلومات المستقاة من مصادر في المعارضة بتمكنها من السيطرة مؤخرا على دير حافر شرق مدينة حلب، مما أضعف آمال قسد في الوصول إلى حيي الأشرفية والشيخ مقصود ضمن المدينة، اللذين تطبق عليهما قوات المعارضة الحصار نظرا لتمركز مجموعات تتبع لقسد داخلهما.
من جهة أخرى، تحشد قوات المعارضة باتجاه مدينة عين العرب، والهدف فتح الطريق الواصل بين قوات المعارضة بريف الرقة والحسكة التي سبق أن سيطرت عليها بعد عملية نبع السلام أواخر 2019، مع منطقة غرب نهر الفرات.
وشهدت مدينتا الحسكة والرقة يوم 11 ديسمبر/كانون الأول الجاري انتفاضة للعشائر العربية -التي تشكل أغلبية السكان في المحافظتين- ضد سيطرة تنظيم قسد، مما أدى لسقوط ضحايا مدنيين، وهو ما زاد من حالة الاحتقان الشعبي ضد التنظيم.
وعلى وقع التصعيد الميداني، انطلقت المسارات السياسية بين الدول الفاعلة في هذا الملف، والحديث هنا عن تركيا والولايات المتحدة، فقد وصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إلى أنقرة الأربعاء 11 ديسمبر/كانون الأول الحالي، للتباحث مع نظيره التركي هاكان فيدان حول الملف السوري.
ووفقا لمصادر دبلوماسية مطلعة، فإن المباحثات تدور حول إخراج العناصر غير السورية من تنظيم قسد، وتحوّله إلى مكوّن سوري ينخرط في عملية التغيير، ويشارك ضمن العملية الانتقالية التي تناقشها الدول الفاعلة، ومن ضمنها روسيا، بالإضافة إلى نزع يده عن حقول النفط التي يستحوذ عليها.
وتعمل أنقرة على إقناع الجانب الأميركي بمقاربة الحل وتقدم تطمينات حول قدرتها على الاستمرار في مكافحة التنظيمات الإرهابية، وعدم السماح لداعش بالعودة مجددا، وهذا يسحب ورقة مهمة من يد قسد تستخدمها لاستجلاب الدعم الأميركي.
وتتحدث مصادر كردية عن طرح قسد فكرة إطلاق حوار مع باقي المكونات الكردية، وعلى رأسها المجلس الوطني الكردي الذي كانت ترفض الانخراط فيه طوال السنوات الماضية على الرغم من الضغوط الأميركية. لكن لا يبدو أن هذا المسار له فرص نجاح كبيرة نتيجة شعور مختلف المكونات بحالة الضعف الذي يعاني منها التنظيم بعد فقدانه لكامل مناطق انتشاره غرب الفرات، والانتفاضة الشعبية في الرقة والحسكة ضده.
إعلانوغالبا لا ترغب مختلف المكونات السورية في التقارب مع قسد لاعتبارات سياسية، تتعلق بتجنب إغضاب أنقرة التي ازدادت فعاليتها في الملف السوري بالتوازي مع انحسار دور إيران وروسيا.
خيارات صعبةوقد استطاعت قسد طوال الأعوام الماضية الاستفادة من دعم وغطاء دولي متعدد، نظرا لكثرة الفاعلين الدوليين المنخرطين في الملف السوري، وتضارب المصالح بينهم. فمن جهة تتلقى الدعم الأميركي وتعتمد على الغطاء الذي توفره القواعد الأميركية لها في المنطقة، كما أنها فتحت قنوات اتصال مع روسيا أيضا بعد أن أسست الأخيرة قواعد ونقاطا عسكرية لها شمال شرق سوريا منذ عام 2019، أبرزها قاعدة القامشلي الجوية.
ووفقا لمصادر عراقية مطلعة، فإن قسد باتت تنشط في تحالف وثيق منذ عام 2022 مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يتزعمه بافل طالباني، وهو الآخر مدعوم من إيران، وبالتالي أصبح لقسد تموضع ضمن المحور الإيراني، كما تحظى قوات دفاع عفرين -إحدى الأجنحة ضمن قسد- بعلاقات قوية مع ضباط الحرس الثوري الإيراني، منذ أن كانت هذه القوات تنتشر في شمال حلب وعلى مقربة من بلدتي نبل والزهراء اللتين كانتا تحت سيطرة الفصائل الموالية لإيران.
وبعد المتغيرات التي طرأت على الساحة السورية، باتت قسد أمام خيارات صعبة في ظل الشك حول مستقبل الوجود العسكري الروسي في سوريا بعد سقوط الأسد، كما أن موسكو حتى إن احتفظت بقواتها، فإنها لن تنخرط على الأغلب في أي نشاط مستفز للجانب التركي، حيث نقلت وسائل إعلام روسية عن مصادر في السلطة تأكيدات بأنه سيتم التنسيق مع تركيا لضمان أمن القواعد الروسية في سوريا.
من جهة أخرى، أكدت مصادر ميدانية لموقع الجزيرة نت أن قسد تعرّضت لضغوط أميركية من أجل الانسحاب من مدينة منبج شرق حلب ومدينة دير الزور، وبموجب تفاهمات تركية أميركية تمت بعد عملية تفاوض على الأراضي السورية، ومن المتوقع أن يتكرر الأمر ذاته في مدينة الرقة التي تتصاعد فيها حالة التمرد على سيطرة التنظيم.
إعلانإيران هي الأخرى تعاني من تضييق كبير على نفوذها في المنطقة، وفي سوريا خصوصا، حيث تقوم القوات الأميركية المنتشرة على الحدود العراقية السورية بمراقبة أي تحركات للفصائل المدعومة إيرانيا، وتمنعها من الدخول إلى سوريا، وهذا يجعل التعويل على الدعم الإيراني أمرا غير مجدٍ من الناحية العملية.
ونتيجة تبدل الأوضاع السياسية وتصاعد الضغط عليها، فقد تبنت قسد في 12 ديسمبر/كانون الأول الجاري رفع العلم السوري الموحّد الجديد (علم الثورة السورية)، في خطوة تبدو مؤشرا على إمكانية اندماجها ضمن المرحلة القادمة، والتخلي عن فكرة الإدارة الذاتية، لكن مع الاحتفاظ بمكتسبات سياسية وثقافية واضحة.
ومن المحتمل أن تنحسر سيطرة قسد خلال الفترة المقبلة إلى محافظة الحسكة، وهذا السيناريو متداول بشكل كبير في أوساط التنظيم، مما قد يفرض عليه الاضطرار للانخراط في الحل السوري خلال المرحلة الانتقالية بعد التحرر من سلطة حزب العمال الكردستاني، خاصة أنه يعيش هواجس احتمال انسحاب القوات الأميركية من سوريا عند تسلم دونالد ترامب دفة الحكم رسميا في الولايات المتحدة، فهو يكرر في الآونة الأخيرة تصريحات تؤكد عدم انخراط واشنطن في الملف السوري مستقبلا، وضرورة أن يتولى السوريون إدارة الحل في البلاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات قوات المعارضة الملف السوری تنظیم قسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
روسيا تنفض يدها من الدم السوري وتصافح الإدارة الجديدة.. نخبرك ما نعرفه
وصل وزير الخارجية في الإدارة السورية الجديدة، أسعد الشيباني، إلى روسيا، الخميس، والتقى نظيره الروسي سيرغي لافروف، في أول زيارة لمسؤول سوري رفيع بعد سقوط نظام الرئيس المخلوع، بشار الأسد.
ما اللافت؟
تعتبر الزيارة إلى روسيا بعد أشهر فقط على سقوط نظام الأسد، أمرا لافتا، كون الأخير لاجئ في روسيا حاليا، وكانت موسكو حليفته في قمع المعارضة والثورة في سوريا على مدى عقد كامل قبل أن يصبح معارضو الأسد في السلطة اليوم.
ماذا تريد سوريا من موسكو؟
تريد سوريا "تصحيح العلاقة" مع موسكو في الوقت الحالي، كما تريد دعم روسيا في الوصول إلى "سوريا موحدة وقوية" وذلك وسط دعوات لتقسيم البلاد على شكل فيدرالية، إلى جانب نزاعات طائفية مع العلويين في الساحل، والدروز في الجنوب، والأكراد في شمال شرق البلاد.
انفتاح مبكر؟
بعد أشهر فقط على سقوط الأسد، وبالتحديد في نيسان/ أبريل الماضي، أكد الرئيس السوري أحمد الشرع، في مقابلة مع صحيفة "نيويورك تايمز" أن روسيا تحتفظ بوجود عسكري على الأراضي السورية، وأن حكومته تجري مفاوضات مع موسكو بهذا الشأن، مشيرًا إلى احتمالية تقديمها دعما عسكريا لدمشق.
وأكد في هذا السياق أن حكومته أبلغت موسكو بضرورة التزام الوجود العسكري الأجنبي بالقانون السوري، وأن أي اتفاق مستقبلي يجب أن يحفظ سيادة البلاد وأمنها.
وأشار الرئيس السوري إلى أن موسكو كانت ولا تزال أحد أبرز مزوّدي الجيش السوري بالسلاح، فضلاً عن تقديمها الدعم الفني لمحطات الطاقة. وقال: "لدينا اتفاقيات في مجالي الغذاء والطاقة مع روسيا منذ سنوات، ويجب أخذ هذه المصالح بعين الاعتبار".
ماذا عن تسليم الأسد؟
بشأن الأسد، رفضت السلطات الروسية تسليم الأسد الذي قدم طلب لجوء إلى موسكو "لأسباب إنسانية".
وقال المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف إن الرئيس بوتين هو من قرر بصفة شخصية منح حق اللجوء الإنساني للرئيس السوري السابق بشار الأسد وعائلته.
متى بدأ التدخل العسكري الروسي في سوريا؟
بدأ الدعم السياسي لنظام الأسد منذ اليوم الأول لاندلاع ثورة شعبية ضد نظام حزب البعث في عام 2011.
وكانت أولى الضربات العسكرية الروسية ضد المعارضة في سوريا في أيلول/ سبتمبر من عام 2015 بطلب من رئيس النظام المخلوع آنذاك بشار الأسد.
وافق مجلس الاتحاد الروسي على تفويض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين استخدام القوات المسلحة خارج البلاد.
وقال الائتلاف السوري المعارض آنذاك أن الضربات الروسية استهدفت المدنيين، وليس مقاتلين من تنظيم الدولة كما زعمت وزارة الدفاع الروسية.
لاحقا، بدأت روسيا بتعزيز حضورها العسكري في البلاد من ذلك الوقت عبر قواعد برية، وجوية، وبحرية.
ماذا حصل بعد سقوط الأسد؟
سحبت روسيا قواتها من الخطوط الأمامية في شمال سوريا ومن مواقع في جبال الساحل لكنها لم تغادر قاعدتيها الرئيسيتين حميم الجوية، وطرطوس البحرية.
وبعد أيام من سقوط الأسد، أظهرت صور التقطتها أقمار صناعية طائرتين على ما يبدو من طراز أنتونوف إيه.إن-124، وهي من بين أكبر طائرات الشحن في العالم، في قاعدة حميميم وكانت مقدمتاهما مفتوحتين استعدادا للتحميل.
وقالت مصادر عسكرية وأمنية سورية على اتصال بالروس إن موسكو تسحب قواتها من الخطوط الأمامية وتسحب بعض المعدات الثقيلة وضباطا سوريين كبارا.
لاحقا، ذكر معهد دراسات الحرب في واشنطن، أن صور الأقمار الصناعية تظهر سحب روسيا أسطولها من قاعدة طرطوس البحرية.
وأظهرت الصور إخلاء روسيا ثلاث فرقاطات حربية وغواصة وسفينتين مساعدتين من القاعدة البحرية.
ماذا قالوا؟
◼ قال وزير الخارجية السوري، أسعد الشيباني، إن هناك فرص عديدة لسوريا موحدة وقوية، ونأمل أن تقف روسيا إلى جانبنا في هذا المسار.
◼ تابع الشيباني: اتفقنا مع وزير الخارجية الروسي على تشكيل لجنتين لإعادة النظر في جميع الاتفاقيات السابقة مع النظام البائد وإعادة تقييمها بما يصب في مصلحة شعبنا.
◼ قال وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، إن موسكو مهتمة بالتعاون مع دمشق وتم مناقشة عمل السفارتين واتفقنا على تشكيل لجنة روسية سورية مشتركة للنظر في المسارات الاقتصادية متبادلة المنفعة.
◼ تابع لافروف بأن موسكو تعارض أن تتحول سوريا إلى ساحة للمنافسات الجيوسياسية للدول الكبرى.
ماذا عن إيران؟
وليست روسيا وحدها هي من دعم الأسد في وجه المعارضة المسلحة، حيث وقفت طهران بكامل ثقلها خلف الأسد بشكل رسمي، إلى جانب المليشيات الإيرانية المسلحة.
لكن إيران قالت إنها ليست في عجلة من أمرها لإقامة علاقات مع السلطات السورية الجديدة، واكتفت بتمني الخير لسوريا وشعبها في ظل الإدارة الجديدة.
وعليه لم تبد أيضا السلطات السورية الجديدة أي رغبة في علاقات سريعة مع إيران، على غرار ما تفعله مع موسكو.
وقال وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، إن العلاقات مقطوعة حاليا بين إيران وسوريا، و"لسنا على عجلة، لإقامة العلاقات".
وأوضح عراقجي، أنه في حين ترى الحكومة السورية، مدى قدرة العلاقات مع إيران، على مساعدة الشعب السوري، فنحن مستعدون للرد على طلبها.
والمتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، في حينه على احترام بلاده لخيار الشعب السوري بعد سقوط نظام بشار الأسد.
وقال بقائي إن "مواقف إيران تجاه سوريا واضحة، ومنذ بداية التطورات تم التأكيد على أن إيران تحترم خيار السوريين، وأي شيء يقرره الشعب السوري يجب أن تحترمه جميع دول المنطقة".
وشدد بقائي على ضرورة أن "تكون سوريا قادرة على تقرير مصيرها ومستقبلها دون التدخل المدمر للأطراف الإقليمية أو الدولية، وألا تصبح مكانا لتزايد الإرهاب والتطرف العنيف"، بحسب تعبيره.
ماذا ننتظر؟
ربما تنتقل العلاقات الروسية السورية إلى مستوى جديد إذا قرر الرئيس الشرع تلبية الدعوة الروسية وحضور "القمة العربية الروسية" في موسكو في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل.
وقال لافروف إن موسكو تأمل حضور الشرع إلى القمة.