فلسطين من المتن إلى الهامش.. ماذا فعلوا لتقزيم القضية الفلسطينية؟!
تاريخ النشر: 24th, December 2024 GMT
ما دمنا في شهر كانون الأول/ ديسمبر فالفرصة قائمة للتذكير ببدء المأساة الفلسطينية في العام 1917، حينما دخل الجنرال البريطاني إدموند ألنبي القدس في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1917، وذلك بعد 39 يوما على وعد بلفور الذي كشف سعي بريطانيا إلى إقامة وطن قوميّ لليهود في فلسطين، إذ لا يمكن، والحالة هذه، فصل الانتداب البريطاني على فلسطين، والسياسات الانتدابية الخاصّة التي انتهجتها بريطانيا في فلسطين والمختلفة عن سياسات الانتدابين البريطاني والفرنسي في العراق وشرقي الأردن وسوريا ولبنان، عن المشروع الصهيوني، الذي استكمل نفسه، وأعلن عن دولته على أنقاض الفلسطينيين المشرّدين، على أساس تلك السياسات البريطانية، كما لا يمكن القفز عن المعاناة الفلسطينية الهائلة في ظلّ الانتداب البريطاني الذي انتهج سياسات غاية في الوحشية في قمع الفلسطينيين والتمكين للصهاينة، لا سيما وأنّ سياسات القمع هذه، كما في الثورة الفلسطينية الكبرى (1936-1939)، أفضت إلى إنهاك الفلسطينيين، وتسهيل مهمة العصابات الصهيونية في حرب العام 1948.
في السنوات الأخيرة، وفي إطار خطابات تجاوز القضية الفلسطينية، ووضعها في مقارنات تهدف إلى التحقير من معاناة أهلها، لجعل جانب المعاناة وحده المعيار في تقييم القضايا من حيث الثقل والأولوية، لم تَكن تُؤخذ هذه السنوات الطويلة الممتدة من الاستعمار والمعاناة بوصفها معاناة كمّية، إذ كان يوضع البطش الصهيوني وما ينجم عنه من معاناة يمكن قياسها كمّيّا (مثلا: أعداد الشهداء والجرحى والمشرّدين وأوضاع المعتقلين في السجون) في مقارنة مع البطش الذي تقترفه أنظمة سياسية عربية، كالنظام الأسدي في سوريا،أكثر من قرن من الزمان من الاستعمار المتصل ببعضه هو في حدّ ذاته معاناة كيفية، علاوة على كونه معاناة كمّية تتحوّل إلى إضافة كيفية للكيف الموجود أصلا، فطوال هذا القرن والعقد تقريبا، الذي ولدت فيه أجيال وماتت والمعاناة قائمة، لم تنقطع الاعتقالات ولا القتل ولا هدم البيوت ولا الحصار في الأرزاق ولا تقييد الحركة، علاوة على أوجه من المعاناة الكمّية التي لا يقدر على تصوّرها من لم يعانها مباشرة كمصادرة الأراضي وتحويل البلاد إلى سجن كبير وشلّ حركة الناس وتقطيع البلاد عن بعضها والخلوص بذلك للقول إنّ القضية الفلسطينية لا تستحق تلك الأهمية بالنظر إلى الحساب الكمّي للمعاناة، وذلك لأنّ الكمّ المتراكم والمتفاحش من البطش بالضرورة يتحوّل إلى كيف، فالقضية ليست حسابا كمّيّا يُصادر الانفعال بالمعاناة والتي هي نسبيّة، ولكنه كمّ يتحوّل إلى كيف بحيث يجعل المعاناة متمايزة بالضرورة.
لكن وبقطع النظر عن دقّة التصوّر للمعاناة الكمّية الناجمة عن الاستعمار الصهيوني، طالما لا يأخذها في الإطار الزمني الممتد وبالقياس إلى عدد الفلسطينيين، كتشريد 51 في المئة من الفلسطينيين الذين سكنوا عموم فلسطين حتى عام 1948، و82 في المئة من سكان الأراضي التي احتلت عام 1948، وهو تشريد مدفوع بأنماط متوحشة من المجازر، فإنّ احتساب العقود الطويلة المتلاحقة واجب حين إرادة النظر إلى المعاناة من الجهة الكمية أو المادية القابلة للقياس. فأكثر من قرن من الزمان من الاستعمار المتصل ببعضه هو في حدّ ذاته معاناة كيفية، علاوة على كونه معاناة كمّية تتحوّل إلى إضافة كيفية للكيف الموجود أصلا، فطوال هذا القرن والعقد تقريبا، الذي ولدت فيه أجيال وماتت والمعاناة قائمة، لم تنقطع الاعتقالات ولا القتل ولا هدم البيوت ولا الحصار في الأرزاق ولا تقييد الحركة، علاوة على أوجه من المعاناة الكمّية التي لا يقدر على تصوّرها من لم يعانها مباشرة كمصادرة الأراضي وتحويل البلاد إلى سجن كبير وشلّ حركة الناس وتقطيع البلاد عن بعضها.. الخ.
ذلك كلّه بقطع النظر عن كون المعاناة نسبية، من حيث إنّه لا يمكن لأحد تقدير انفعال غيره بما يصيبه وأثر مصابه على حياته، حتى لو اتفقنا على كون الكمّ بالضرورة يتحوّل إلى كيف، وبقطع النظر عن كون مصادرة معاناة الآخرين أمرا معيبا أخلاقيّا ومبدئيّا مهما كانت دوافعه، وبقطع النظر عن المضامين الجوهرية الأخرى التي تمنح القضية الفلسطينية أهمّيتها الخاصّة، وبقطع النظر عن القصور الأخلاقي الذي كان ينتظر إبادة الفلسطينيين لاستكشاف أهمّية قضيتهم، ولكن الذي أردت قوله هنا، جرى بالفعل توظيف المعاناة الكمّية لتحقير القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض قد تورّط في ذلك في غمرة المأساة الذاتية والانفعال الغريزي بذلك، فقد تحوّلت هذه الخطابات إلى ظاهرة ثقافية وإعلامية، تصبّ في طاحونة التطبيع العربي التحالفي مع "إسرائيل"، يتورّط فيها مثقفون وإعلاميون لا يمكن عدّهم من الذباب الإلكتروني الذي أهمّ وظائفه تسويغ التخلّي عن القضية الفلسطينية وشيطنة أهلها، ومن ثمّ لا يختلف هؤلاء في النتيجة عن ذلك الذباب!كيف أنّه جرى بالفعل توظيف المعاناة الكمّية لتحقير القضية الفلسطينية، وإذا كان البعض قد تورّط في ذلك في غمرة المأساة الذاتية والانفعال الغريزي بذلك، فقد تحوّلت هذه الخطابات إلى ظاهرة ثقافية وإعلامية، تصبّ في طاحونة التطبيع العربي التحالفي مع "إسرائيل"، يتورّط فيها مثقفون وإعلاميون لا يمكن عدّهم من الذباب الإلكتروني الذي أهمّ وظائفه تسويغ التخلّي عن القضية الفلسطينية وشيطنة أهلها، ومن ثمّ لا يختلف هؤلاء في النتيجة عن ذلك الذباب!
والحاصل أنّ كمّ تلك الخطابات تحوّل بدوره إلى كيفية في التعامل مع القضية الفلسطينية، باتت تجد لها مساغا في التداول العام وفي الطرح السياسي، وهذا الكيف يتبلور في صيغ متعددة، منها الحساب الكمّي المضلّل للمعاناة الذي جرت الإشارة إلى بعضه، أو تحويل القضية الفلسطينية إلى فاعل ضارّ بالأمن العربي لا من جهة الاستعمار الصهيوني بل من جهة الاستغلال الإيراني لها، فتصير الأولوية هي مكافحة الاستغلال الإيراني لا تحرير فلسطين ولا إسناد أهلها، بل يتولّد موقف نفسي يمكن ملاحظته في أوساط معينة من فلسطين وأهلها، سببه "استغلال" إيران للقضية الفلسطينية أو التذكير المستمرّ بالقمع الذي مارسته أنظمة عربية بحقّ شعوبها متغطية بفلسطين، وفي الإطار نفسه جعل قضية التحرر من الاستبداد متعارضة مع قضية التحرر من الاستعمار الأجنبيّ وتهميش الثانية لصالح الأولى، ودون أن يطرح هؤلاء الأسئلة الصحيحة عن السبب الذي يفسح المجال لإيران لـ"استغلال القضية الفلسطينية" في حين أنّ الدول العربية أولى بذلك، على الأقل إن لم يكن إدراكا منها لخطر المشروع الصهيوني عليها، فلقطع الطريق على إيران، ومن ثمّ وبعدما صارت فلسطين عند البعض على هامش هموم عربية أخرى؛ فلن يكون مستغربا ضيق ذلك البعض من مخاوفنا من التمدّد الإسرائيلي، وعدم تبلور طرف معادٍ له حتّى اللحظة بعد مُصاب قوى المقاومة واختلال التوازن الإقليمي لصالح "إسرائيل".
x.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الفلسطينية الصهيوني المعاناة إسرائيل التحرر إسرائيل احتلال فلسطين معاناة صهيوني مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة سياسة اقتصاد سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القضیة الفلسطینیة من الاستعمار علاوة على إلى کیف لا یمکن
إقرأ أيضاً:
شيخ الأزهر لرئيس الأركان الباكستاني: حان الوقت للاتحاد حول القضية الفلسطينية
كتب- محمود مصطفى أبوطالب:
استقبل فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، اليوم الخميس، بمشيخة الأزهر، الفريق أول ساهر شمشاد مرزا، رئيس هيئة الأركان المشتركة لجمهورية باكستان الإسلامية.
وفي مستهل اللقاء، أكَّد فضيلة الإمام الأكبر، عمق العلاقات التي تربط الأزهر الشريف بجمهوريَّة باكستان الإسلامية، مشيرًا إلى أنَّ الطلاب الباكستانيين الوافدين للدراسة في الأزهر لعبوا دورًا كبيرًا في توثيق هذه العلاقات وتعزيزها.
وأضاف أن باكستان تُعد نموذجًا لتقدم العقل الإسلامي وقوته، وأن الأزهر حريص على رفع مستوى التعاون العلمي والثقافي مع باكستان، واستعداده لافتتاح مراكز لتعليم اللغة العربية هناك؛ خدمةً لأبناء باكستان في تعلُّم لغة القرآن الكريم.
كما أعلن استعداد الأزهر لزيادة عدد المنح الدراسية المقدمة للطلاب الباكستانيين، التي يبلغ عددها حاليًا 30 منحة سنويًّا، بما يلبي احتياجات الشعب الباكستاني، مع إمكانية تخصيص جزء من هذه المنح لدراسة العلوم التطبيقيَّة؛ مثل الطب والصيدلة والهندسة، إلى جانب العلوم الشرعية، معربًا عن ترحيب الأزهر باستقدام وفود جديدة من أئمة باكستان للتدريب في أكاديمية الأزهر العالمية لتدريب الأئمة والوعَّاظ، وصقل مهاراتهم في تفنيد الشبهات المعاصرة والتعامل مع القضايا الفكرية الراهنة.
وفي سياق حديث عن قضايا الأمة، صرَّح شيخ الأزهر أنَّ الحديث عن معاناة أهل غزة هو حديث ذو شجن يثير الألم والحزن في النفوس، بما يمثله من جرح ينزف في ضمير الإنسانية، مؤكدًا أن الوقت قد حان لاتحاد الأمة الإسلامية والالتفاف حول القضية الفلسطينية، التي أصبحت اليوم قضية العالم، وأكَّد فضيلته قائلًا: "لا استقرار في الشرق الأوسط، بل في العالم كله، دون حلٍّ عادل للقضية الفلسطينية، يضمن للشعب الفلسطيني حقوقه الكاملة في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".
وأشار الإمام الأكبر إلى غياب القضية الفلسطينية عن مناهج التعليم في معظم دول العالم الإسلامي، مما أثَّر سلبًا على وعي الأجيال بأهمية هذه القضية، في الوقت الذي يحرص فيه الطرف الآخر على تدريس روايته المزيفة في جميع المراحل التعليمية.
من جانبه، أعرب الفريق أول ساهر شمشاد مرزا عن سعادته بلقاء الإمام الأكبر، وتقدير باكستان؛ قيادةً وشعبًا لفضيلته ولمكانة الأزهر الشريف، وأكَّد قائلًا: "لقاؤكم يُمثل شرفًا كبيرًا، فأنتم رمز لوسطية الإسلام، وتبعثون الأمل في نفوس المسلمين بمواقفكم الشجاعة"، مضيفًا أن الشعب الباكستاني يثق بمنهج الأزهر، ويتابع مواقفه باهتمام واحترام بالغ، ويدعم رؤيته تجاه قضايا العالم الإسلامي.
كما أعرب رئيس الأركان الباكستاني عن شكره العميق للأزهر الشريف على ما يقدِّمه من رعاية واهتمام بالطلاب الباكستانيين الدارسين فيه، مثمنًا مبادرة الأزهر بإنشاء مراكز لتعليم اللغة العربية في باكستان، لافتًا أنَّ الأجيال الباكستانيَّة السابقة اعتادت على دراسة اللغة العربية كمادة أساسية في المدارس، نظرًا لأهميتها في فهم القرآن الكريم، كما أشاد بدور الأزهر في دعم العلوم التطبيقية إلى جانب العلوم الشرعية، مؤكدًا أنَّ بناء الأمم لا يكتمل إلا بالتقدم في مجالات الطب والهندسة وسائر العلوم الحديثة.
وفي ختام اللقاء، قدَّم رئيس الأركان الباكستاني دعوة رسميَّة إلى فضيلة الإمام الأكبر لزيارة باكستان، مؤكدًا أن الشعب الباكستاني يتطلع لهذه الزيارة بكل شوق، وقد رحَّب فضيلة الإمام بالدعوة، مؤكدًا عزمه على تلبيتها في أقرب فرصة ممكنة.
اقرأ أيضًا:
رياح وأمطار وانكسار الموجة الحارة.. توقعات طقس الـ6 أيام المقبلة
بعد زعم سيدة انتسابها لعائلة مبارك.. ما عقوبة انتحال الشخصية؟
أبرزها حجر رشيد ورأس نفرتيتي.. توضيح من وزير السياحة بشأن عودة الآثار المنهوبة
لمعرفة حالة الطقس الآن اضغط هنا
لمعرفة أسعار العملات لحظة بلحظة اضغط هنا
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف القضية الفلسطينيةتابع صفحتنا على أخبار جوجل
تابع صفحتنا على فيسبوك
تابع صفحتنا على يوتيوب
فيديو قد يعجبك:
الأخبار المتعلقةإعلان
أخبار
المزيدالثانوية العامة
المزيدإعلان
شيخ الأزهر لرئيس الأركان الباكستاني: حان الوقت للاتحاد حول القضية الفلسطينية
روابط سريعة
أخبار اقتصاد رياضة لايف ستايل أخبار البنوك فنون سيارات إسلامياتعن مصراوي
اتصل بنا احجز اعلانك سياسة الخصوصيةمواقعنا الأخرى
©جميع الحقوق محفوظة لدى شركة جيميناي ميديا
القاهرة - مصر
37 26 الرطوبة: 25% الرياح: شمال غرب المزيد أخبار أخبار الرئيسية أخبار مصر أخبار العرب والعالم حوادث المحافظات أخبار التعليم مقالات فيديوهات إخبارية أخبار BBC وظائف اقتصاد أسعار الذهب الثانوية العامة فيديوهات تعليمية رياضة رياضة الرئيسية مواعيد ونتائج المباريات رياضة محلية كرة نسائية مصراوي ستوري رياضة عربية وعالمية فانتازي لايف ستايل لايف ستايل الرئيسية علاقات الموضة و الجمال مطبخ مصراوي نصائح طبية الحمل والأمومة الرجل سفر وسياحة أخبار البنوك فنون وثقافة فنون الرئيسية فيديوهات فنية موسيقى مسرح وتليفزيون سينما زووم أجنبي حكايات الناس ملفات Cross Media مؤشر مصراوي منوعات عقارات فيديوهات صور وفيديوهات الرئيسية مصراوي TV صور وألبومات فيديوهات إخبارية صور وفيديوهات سيارات صور وفيديوهات فنية صور وفيديوهات رياضية صور وفيديوهات منوعات صور وفيديوهات إسلامية صور وفيديوهات وصفات سيارات سيارات رئيسية أخبار السيارات ألبوم صور فيديوهات سيارات سباقات نصائح علوم وتكنولوجيا تبرعات إسلاميات إسلاميات رئيسية ليطمئن قلبك فتاوى مقالات السيرة النبوية القرآن الكريم أخرى قصص وعبر فيديوهات إسلامية مواقيت الصلاة أرشيف مصراوي إتصل بنا سياسة الخصوصية إحجز إعلانك