بين تهميش السلطة وصراعات القيادة.. اتحاد الشغل يواجه اختبار البقاء بتونس
تاريخ النشر: 23rd, January 2025 GMT
تونس- يرى بعض المراقبين أن الأزمة الحادة داخل الاتحاد العام التونسي للشغل "توفر فرصة سانحة للسلطة لاستثمارها في إضعاف الاتحاد"، معتبرين أن إضعافه يشكل ضربة قاصمة للمجتمع المدني ككل باعتبار دوره التاريخي حاملا للقضايا الوطنية وفاعلا رئيسيا في الدفاع عن الحقوق الاجتماعية والسياسية.
ويشهد اتحاد الشغل أزمة داخلية غير مسبوقة تحولت إلى كرة ثلج متدحرجة، نتيجة انقسامات حادة بين قيادات مكتبه التنفيذي، دفعت 5 أمناء عامين مساعدين (أنور بن قدور، وصلاح الدين السالمي، والطاهر البرباري، ومنعم عميرة، وعثمان الجلولي) للمطالبة باستقالة الأمين العام للاتحاد نور الدين طبوبي.
ويطالب الأعضاء الخمسة بتبكير موعد عقد المؤتمر الانتخابي، والسبب الرئيس يعود لرفضهم توجهات القيادة الحالية، ورغبتهم في إنهاء المدة النيابية الحالية قبل موعدها المقرر عام 2027.
يقول الأمين العام المساعد باتحاد الشغل صلاح الدين السالمي وأحد الداعين لإقالة نور الدين الطبوبي إن استمرار القيادة الحالية قد يؤدي إلى مزيد من الانقسامات وإضعاف المنظمة.
ويضيف للجزيرة نت أن الاتحاد يعاني، في هذه المرحلة من تاريخ البلاد، من ضعف القيادة وتقهقر في التعامل مع قضايا العمال في ظل سيطرة السلطة الحالية واستحواذها على الملفات الاجتماعية، بما فيها تنقيح مجلة الشغل وملف الزيادة في الأجور وملف صندوق البطالة وقانون الوظيفة العمومية، وغيرها.
ويرى مراقبون أن تعامل الرئيس قيس سعيد مع الاتحاد خصوصا بعد اتخاذه الإجراءات الاستثنائية في 25 يوليو/تموز 2021 اتسم بالتباعد والتوتر، إذ بدى جليا أن الرئيس سعى إلى تقليص تأثير الاتحاد في المشهد السياسي والاجتماعي، مما اعتبر تهميشا لدوره التقليدي كوسيط وشريك في القضايا الوطنية.
إعلانوكان الرئيس قد تجاهل مبادرة الحوار الوطني لاتحاد الشغل، الذي اشتهر بدوره المركزي في حلحلة الأزمة السياسية في سنة 2013 برعايته للحوار الوطني آنذاك، وتجاهل تصوراته للخروج من الأزمة السياسية والاقتصادية معتمدا على قراراته بشكل أحادي، مما قلص من دور الاتحاد بوصفه سلطة مضادة.
هل يعيش اتحاد الشغل أزمة انتخابية وديمقراطية؟من جهة أخرى، قال السالمي، خلال ندوة صحفية لمجموعة أعضاء المكتب التنفيذي الخمسة، أمس الأول، بمقر اتحاد الشغل، إن خلافهم مع بقية أعضاء المكتب التنفيذي (10 أعضاء بمن فيهم الأمين العام نور الدين الطبوبي) يتمثل في رفض هؤلاء الأعضاء مطلبهم بتقديم الموعد الانتخابي إلى الربع الأول من عام 2025، ويتمسكون بعقده في 2027.
ويرى أن تقديم موعد المؤتمر الانتخابي خطوة ضرورية لتعزيز مبدأ التداول الديمقراطي على المسؤوليات داخل الاتحاد الذي يحتاج -حسب تقديره- إلى قيادة جديدة تعزز دوره كفاعل رئيسي في الساحة الوطنية، محملا الطبوبي مسؤولية تصعيد الأزمة برفضه تقديم المؤتمر.
من جهة أخرى، يشير المحلل والناشط السياسي عبد الوهاب معطر -في حديثه مع الجزيرة نت- إلى أن جزءا من الأزمة الداخلية للاتحاد تعود إلى تنقيح الفصل 20 من قانونه الأساسي خلال المؤتمر الاستثنائي غير الانتخابي الذي انعقد بمدينة سوسة في يوليو/حزيران 2021، مما أحدث جدلا كبيرا وانقساما داخله، على حد قوله.
ويرى بعض النقابيين أن تنقيح الفصل 20، للسماح لأعضاء المكتب التنفيذي بالترشح لعدد غير محدود من الدورات، خطوة لإطالة عهد القيادة الحالية، وضرب التداول على المسؤوليات من خلال تعديل شروط الترشح للمسؤوليات القيادية في الاتحاد، بعد أن كان الترشح محددا بدورتين فقط.
وحسب معطر، فإن "تعديل الاتحاد لبعض قوانينه الداخلية جعلت الديمقراطية داخله تهتز"، وفضلا عن ذلك يرى المتحدث أن صورة الاتحاد اهتزت لدى الرأي العام ولدى الطبقة السياسية والمجتمع المدني، خاصة بوقوفه إلى جانب الرئيس سعيد عند اتخاذه التدابير الاستثنائية وإمساكه بجميع السلطات.
إعلان ما تداعيات أزمة الاتحاد على دوره التاريخي في الدفاع عن الحقوق والحريات؟من وجهة نظر المحلل السياسي التونسي صلاح الدين الجورشي فإنه لا يختلف اثنان على أن دور اتحاد الشغل قد تراجع وتضاءل بشكل مهول لأسباب عدة، بدءا بصراعه مع الرئيس الذي قرر في سياساته تهميش الاتحاد وتحجيم دوره، وصولا إلى الخلافات الداخلية وأزمة الثقة بين الكوادر في الاتحاد.
ويقول للجزيرة نت إن "كل هذه العوامل جعلت الاتحاد غير قادر على أن يلعب دوره الأساسي في الدفاع عن حقوق العمال والحريات ومناصرة المجتمع المدني بالشكل القوي كما كان من قبل"، متوقعا أن يجد نفسه في مزيد من المناورات من قبل أطراف تريد إضعافه بمن فيهم نقابيون، إذا لم يراجع وضعيته.
ويرى مراقبون أن الاتحاد العام التونسي للشغل أصبح مقسوما بين تيار يسعى للحفاظ على استقلالية المنظمة ودورها الاجتماعي، في حين ينسجم تيار آخر مع سياسات الرئيس سعيد ويرى أن الاتحاد يجب أن يكون جزءا من مسار 25 يوليو/تموز 2021. وبالتالي اتسمت قراراته بالتصدع وغياب الوحدة.
ويضيف الجورشي "يفترض الآن بعد هذه الأزمة أن يراجع الاتحاد سياسته وخطابه وأن يراجع هياكله ويعيد انتخابها من جديد"، مشيرا إلى أن هناك أسبابا عميقة تسببت في اهتزاز أركانه وخروج أزمته للعلن نتيجة تراكم لممارسات وخلافات بين كوادره وغموض في إدارة بعض القضايا الداخلية المالية.
يقول معطر إن اتحاد الشغل يعيش أزمة داخلية، لكن توجد مؤشرات على تدخل السلطة الحالية في أزمته، مشيرا إلى أن السلطة شنت حملة على الاتحاد عبر وسائل التواصل، وعن طريق نواب بالبرلمان لإضعافه وتحجيم دوره وتشويهه أمام الرأي العام.
ورغم أن معطر ينتقد دور الاتحاد بفترة الحكومات المتعاقبة بعد الثورة وقبل صعود الرئيس قيس سعيد "بسبب تغوله على الحكومات بأذرعه النقابية وعبر تنفيذه للكثير من الإضرابات والاعتصامات"، فإنه يرى أن هناك حاجة ماسة للوقوف إلى جانب الاتحاد لإصلاح نفسه وتقوية صفوفه وتعزيز مناعته.
إعلانويوضح أن "إضعاف الاتحاد سيشكل ضربة قاصمة لكل مكونات المجتمع المدني"، في ظل السلطة السياسية الحالية التي لا تعترف بالأجسام الوسيطة وتسعى للتفرد بالحكم، مذكرا بأن الاتحاد كان قبل الثورة قبلة لكل السياسيين المعارضين الذين تلحفوا بالغطاء النقابي من أجل تجنب القمع السياسي.
أما الجورشي فيقول إن السلطة استغلت الخلافات المتراكمة داخل الاتحاد كي تزيد في إضعافه وتفجيره من الداخل، ملاحظا أن دخول الاتحاد في هذه الأزمة سيضعفه من جهة، كما سيضعف المجتمع المدني من جهة أخرى باعتبار دوره التاريخي في الدفاع عن الحقوق.
ولعب الاتحاد العام التونسي للشغل دورا مركزيا في الدفاع عن حقوق العمال وفي المشهد السياسي التونسي منذ الاستقلال. وفي عام 2015، حاز الاتحاد جائزة نوبل للسلام لدوره المحوري في الحوار الوطني لحل الأزمة السياسية التي تفجرت سنة 2013 إثر اغتيالين سياسيين مما هدد استقرار البلاد.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات أعضاء المکتب التنفیذی المجتمع المدنی الأمین العام فی الدفاع عن اتحاد الشغل أن الاتحاد من جهة
إقرأ أيضاً:
انتشار البرباشة في شوارع تونس يعكس الأزمة الاقتصادية في البلاد
يزداد عدد "نبّاشي القمامة" أو "البرباشة" باللهجة العامية في تونس، والذين يجوبون الشوارع بلا كلل في القيض والبرد بحثا عن أي قارورة بلاستيكية، مما يشكل انعكاسا للأزمة الاقتصادية وأزمة الهجرة.
يضع حمزة الجباري منشفة على رأسه تقيه أشعة الشمس الحارقة، ويثبت كيسين مليئين بالقوارير البلاستيكية على ميزان في نقطة تجميع في حي البحر الأزرق الشعبي في الضاحية الشمالية للعاصمة تونس.
كان قد جاب منذ الرابعة صباحا، شوارع عدة قبل أن يقوم عمّال النظافة بتفريغ حاويات القمامة.ويقول الرجل الأربعيني الذي يعيش من جمع البلاستيك منذ خمس سنوات "هذا هو العمل الأكثر توفرا في تونس في غياب فرص العمل".
لكن هذا العمل مرهق جدّا فيما يُباع الكيلوغرام الواحد من القوارير البلاستيكية الموجهة لإعادة التدوير ما بين 500 و700 مليم (16 إلى 23 سنتا).
ولذلك فهو في سباق لا ينتهي مع الزمن والمكان لملء أكبر عدد ممكن من الأكياس للحصول على بضعة دنانير لتوفير قوته اليومي.
انتشرت في تونس خلال السنوات الأخيرة مهنة جمع المواد البلاستيكية وبيعها للتدوير. فبات من المألوف رؤية نساء يبحثن عن القوارير المستعملة على جوانب الطرق، أو رجال يحمّلون أكواما من الأكياس على دراجاتهم النارية يجوبون الشوارع ويقفون عند كل ركن تلقى فيه القمامة للبحث فيها.
"عمل إضافي"
تؤكد منظمات غير حكومية محلية أنه من الصعب تحديد عدد "البرباشة"، إذ إن نشاطهم غير منظم قانونا.
لكن وفق حمزة الشاووش، رئيس الغرفة الوطنية لمجمعي النفايات البلاستيكية، التابعة لمنظمة التجارة والصناعة، فإن هناك 25 ألف "برباش" في تونس ينشط 40% منهم في العاصمة.يقول الجباري إن "الجميع أصبحوا برباشة!".
ويوضح الشاوش الذي يدير أيضا مركز تجميع للمواد البلاستيكية في ضاحية تونس الجنوبية، أن "عددهم ازداد في السنوات الأخيرة بسبب غلاء المعيشة".
ويلفت إلى تحول في القطاع الذي كان "من ينشطون فيه بالأساس أشخاصا بلا دخل" لكن "منذ نحو سنتين، بدأ عمال ومتقاعدون وخادمات في المنازل في ممارسة هذا النشاط كعمل إضافي".
في العام 2024، تجاوزت نسبة الفقر في تونس 16%، بحسب الأرقام الرسمية.وما تزال الأزمة الاقتصادية تلقي بثقلها في تونس مع نسبة بطالة تناهز 16% ونسبة تضخم تقارب 5,4% في العام 2025.
ومنذ العام الفائت، بدأ عدد كبير من المهاجرين غير النظاميين من دول إفريقيا جنوب الصحراء أيضا بجمع القوارير البلاستيكية وبيعها لتحصيل رزقهم.يعيش معظم هؤلاء المهاجرين في فقر مدقع.
وقد عبروا دولا كثيرة بهدف واحد هو الوصول إلى أوروبا عبر البحر، لكنهم وجدوا أنفسهم محاصرين في تونس التي شدّدت الرقابة على السواحل بعد إبرامها اتفاقا بهذا الخصوص مع الاتحاد الأوروبي.
"منافسة"
يقول المهاجر الغيني عبد القدوس إنه صار "برباشا" لكي يتمكن من العودة إلى بلده.ويعمل الشاب البالغ 24 عاما منذ شهرين في محطة لتنظيف السيارات ولكنه يحتاج إلى تكملة لراتبه المتدني.
يساعد جمع النفايات القابلة لإعادة التدوير الشاب الذي حاول مرتين عبور البحر إلى أوروبا بشكل كبير في حياته ويمكنه من دفع الإيجار وشراء أغراض مثل الأدوية.يقول عبد القدوس لفرانس برس متنهدا بعمق "الحياة هنا ليست سهلة".
اضطر الشاب إلى مغادرة مدينة صفاقس الساحلية الكبيرة في الوسط الشرقي إلى العاصمة تونس بعد أن تلقى "الكثير من التهديدات".
وقد شهدت بلدات قريبة من صفاقس تفكيك عدة مخيمات غير منظمة للمهاجرين هذا العام.في العام 2023، تفاقمت أزمة المهاجرين بعدما اعتبر الرئيس قيس سعيّد أن "جحافل المهاجرين من جنوب الصحراء" تهدد "التركيبة الديموغرافية" لتونس.
وانتشرت بعد ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي خطابات حادة وعدائية ضد المهاجرين.ألقت هذه التوترات بظلالها على قطاع جمع القوارير البلاستيكية.
ويقول حمزة الجباري "هناك منافسة قويّة في هذا العمل"، في إشارة إلى المهاجرين.
ويضيف "هؤلاء الناس جعلوا حياتنا أكثر صعوبة... لم أعد أستطيع جمع ما يكفي من البلاستيك بسببهم".
ويذهب الشاوش أبعد من ذلك، فمركز التجميع الذي يشرف عليه "لا يقبل الأفارقة من جنوب الصحراء" ويمنح "الأولوية للتونسيين".
في المقابل، يؤكد عبد الله عمري وهو صاحب مركز تجميع في البحر الأزرق على أنه "يقبل الجميع".ويضيف الرجل البالغ 79 عاما "من يقوم بهذا العمل هم بحاجة" سواء "كانوا تونسيين أو من جنوب الصحراء أو غيرهم".
ويختم بفخر "نحن ننظّف البلاد ونوفر لقمة العيش للعائلات".