ترى، كم من رجلٍ ذاق الإهانة، وتعرض للجلد والجوع، وسُلبت ممتلكاته، وانتهى به المطاف مشردًا بلا مأوى، او مال يعينه على تكاليف الحياة؟ ترى كم من امرأة لاقت ذات المصير، لكنها حملت فوق ذلك أعباءً مضاعفة من العنف والانتهاكات الجسيمة التي منها الاغتصاب والمذلة؟ كم من طفل وطفلة فقدوا آباءهم وأمهاتهم، وديارهم التي نشأوا فيها، ومدارسهم التي تعلموا بين جدرانها، وشوارعهم التي احتضنت أحلامهم الصغيرة؟.
كم من طالب وطالبة هجروا مقاعد الدروس بجامعاتهم، وكم من شاب وشابة باتوا عاطلين عن العمل، وصاروا يعانون من آلام العجز عن توفير لقمة العيش أو بناء مستقبلٍ يستحقونه؟
أعدادٌ مهولة من النساء والرجال والأطفال والشباب، كلهم لم يقترفوا ذنبًا سوى أنهم وضعوا ثقتهم في قيادة عسكرية، وقائدٍ لها وعدهم بالأمان والاستقرار، فإذا به قد حنث قسمه، ونقض العهد، ومارس التضليل، بسوقهم إلى هاوية حربٍ طاحنة، هو من ضمن من يؤجج لنيرانها، ويطلق ذئابها، ويغذي شياطينها، ليسلم في النهاية مفاتيح البلاد إلى قيادة التنظيم الإخواني الذي لا يؤمن بشيء سوى العداء للإنسانية والوطن.
لقد أغرق الرجل مع غريمه البلاد في جحيمٍ لا يُطاق.
مئات الآلاف سقطوا قتلى.
بُقرت البطون في هذه الحرب، وذُبحت الرقاب، وأُلقيت الجثث في الأنهار، وقُتل الأبرياء بالرصاص في رؤوسهم وقلوبهم، وحتى في شرفهم.
لكن ماذا عن الذين نجوا؟
قد تبلغ أعداد المصابين بالأمراض النفسية جراء ويلات الحرب الملايين، ناهيك عن الذين يعانون من أمراض ذهنية مزمنة، والمعاقين الذين فقدوا أطرافهم تحت نيران القصف. هؤلاء جميعًا ليسوا مجرد أرقامٍ في تقارير المنظمات الإنسانية، بل أرواحٌ سوف تظل معذبةٌ تعيش على هامش الحياة، تحاول أن تجد طريقها وسط ركام الخراب واليأس. وكما قال أحد أوضح الروائيين في القرن العشرين إرنست همنغواى: (لا يفلت أحد من الحروب دون أن يكون متضررا. فحتى وإن نجا بجسده فان روحه تظل مجروحة). أو ما قاله احد شعراء الشعب العظماء محجوب شريف: ( كل الجروح بتروح إلا التي بالروح).
ترى، ماذا يعني كل هذا للمستقبل؟
إنها صورة قاتمة لمجتمعٍ مثخنٍ بالجراح، وغدٍ بائس ينتظر هؤلاء وأسرهم، وأجيالًا قادمة ستولد في بيئة مشوهة، تغيب عنها الثقة في الدولة، وتترسخ فيها مشاعر الغضب والخذلان. ستظل آلامهم محفورة في ذاكرة هذا الشعب، تهدد كل محاولةٍ لإعادة البناء، وتزرع الشك في كل قادم تأكيدا لما ذكره إليي وإيسل الناجي من الهولوكوست، عندما علق على حرب الإبادة الجماعية التي نفذها النظام النازي الألماني بقيادة هتلر، قائلا: (عندما يقتل الابرياء، لا يصبح السؤال عن من هو المذنب، بل من هو التالي؟) في إشارة إلى ان دوامة العنف ستستمر بأشكال نفسية مما يقضي على فرص التعايش السلمي لاحقا.
لكن، هل يمكن إصلاح هذا الخراب المتعدد الوجوه والأبعاد؟ هل تكفي الوعود السياسية لرأب الصدع وإعادة الإعمار؟ أم أن جراح الشعوب لا تُشفى بالكلمات، بل تحتاج إلى إرادةٍ صادقة، وأفعالٍ ملموسة، ومسؤوليةٍ حقيقية؟
إن الإجابة عن هذه الأسئلة تتطلب أكثر من مجرد الخطبٍ الطنانة، والدعوات للسلام، والشعاراتٍ باعادة التعمير الفيزيائي. فالمجتمع الذي دُمرت بنيته النفسية والاجتماعية، يحتاج،وقبل كل شئ، إلى عدالةٍ حقيقية، وإنصافٍ للضحايا، ومحاسبةٍ للجناة، وتعمير في الانفس، قبل أن يبدأ أي حديثٍ آخر . فالدماء التي سالت لن تجف بمجرد قراراتٍ سياسية فوقية، ووعود، بل تحتاج إلى خطواتٍ جريئة تعيد للناس حقوقهم، وتبني مستقبلًا لا يعيد إنتاج ذات المآساة، ودون أن يفكر أحد في الإنتقام وأخذ القانون باليد والقوة. فالإنتقام لن يكون حلاً أو كما قال غاندي: (العين بالعين ستجعل العالم كله أعمى).
وأخيرا، فإن تلك، وغيرها من المصائر الأليمة من الأسئلة الخشنة، والإجابات المُرَّة ستظل تطارد السودانيين على المدى القريب والبعيد، أينما كانوا، ، بلا هوادة، ودونما انقطاع.
wagdik@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
مجلس الوزراء يقرر الموافقة على إجراءات إتاحة خدمة الاستعلام الرقمي عن الملاءة المالية للأشخاص الذين يصدرون شيكات
صراحة نيوز ـ قرر مجلس الوزراء في جلسته التي عقدها اليوم الأحد برئاسة رئيس الوزراء الدكتور جعفر حسان، الموافقة على إجراءات إتاحة خدمة الاستعلام الرقمي عن الملاءة المالية للأشخاص الذين يصدرون شيكات من خلال كريف الأردن وكذلك التحقق من الهوية الرقمية والتوقيع الإلكتروني من خلال تطبيق سند؛ وذلك بهدف تحصين شروط حماية الحقوق المالية للأشخاص الذين يتعاملون من خلال إصدار الشيكات.
وتتيح هذه الخدمة للأفراد والمؤسسات، الاستفسار ومن خلال تطبيق “سند” عن الملاءة المالية للأشخاص الذين يصدرون شيكات.
وتشكل هذه الخدمة أدوات ومُمكنات لمتلقي الشيك حتى يستطيع تقييم الملاءة المالية للشخص الذي يصدر الشيك وبالتالي يتخذ قراره إما بقبول الشيك أو رفضه، سيما في ضوء قرب دخول الاستحقاق القانوني بوقف الإجراءات الجزائية المرتبطة بالشيكات.
يشار إلى أن خدمة الاستعلام الائتماني عبارة عن أداة تحقق إلكترونية تقوم كريف الأردن بإدارتها وتشغيلها، وعملا بأحكام القانون تقوم كريف الأردن بجمع البيانات والمعلومات الائتمانية عن الأفراد والشركات من مصادر محددة قانونيا وبحيث يتم معالجة هذه البيانات وإظهارها ضمن ما يسمى التقرير الائتماني الذي يحتوي على العديد من المعلومات و التي تساعد مزودي الائتمان في المملكة على اتخاذ القرارات المناسبة بناء على محتوى التقرير الائتماني الصادر والذي يلخص السلوك الائتماني ودرجة قوته .
إلى ذلك، قرر مجلس الوزراء الموافقة على الأسباب الموجبة لمشروع نظام معدل لنظام ترخيص شركات الصرافة لسنة 2025، تمهيداً لإرساله إلى ديوان التشريع والرأي، وإقراره حسب الأصول، ويأتي مشروع النظام المعدل في إطار مراجعة البنك المركزي الأردني المستمرة للتشريعات الناظمة لعمل شركات الصرافة المرخصة، وحرصًا على تعزيز كفاءتها ومواءمتها مع واقع القطاع الصيرفي وتعزيز متانة مراكزها المالية وتيسير الأعمال التي تقوم بها، وبما يحقق التوازن بين متطلبات الحوكمة والامتثال من جهة، ومرونة الإطار التنظيمي من جهة أخرى.
كما تأتي هذه التعديلات التي أعدها البنك المركزي الأردني في ظل النهج التشاركي مع جمعية الصرافين الأردنيين وشركات الصرافة واستجابةً للمطالب الواردة منها، والمتعلقة بتمديد المهلة الممنوحة لتوفيق الأوضاع بخصوص الحد الادنى لرأس المال المطلوب منها وفقًا لأحكام النظام المعمول به حاليا مما يتيح للشركات فرصة أكبر لتلبية المتطلبات دون ضغوط زمنية تؤثر على استمرارها -والتي سبق أن تم تمديدها من قبل مجلس إدارة البنك المركزي في عام 2023 لمدة سنتين تنتهي في شهر تموز من عام 2025- حيث قرر البنك المركزي تمديد هذه المدد ضمن تعديلاته الأخيرة، وكما يلي:
– الفئة (أ): منح الشركات المصنفة ضمن هذه الفئة مهلة سنة واحدة من تاريخ نفاذ أحكام النظام المعدل لتوفيق أوضاعها.
– الفئتان (ب) و(ج): منح مهلة سنة ونصف لتلك الشركات.
– الفئة (د): منح مهلة سنتين لتلك الشركات.
وفي حال عدم قيام أي شركة بتقديم ما يثبت توفيق أوضاعها خلال المدة المحددة، يُعتبر ترخيصها ملغى حُكمًا.
وقرر مجلس الوزراء الموافقة على مذكرة تفاهم للتعاون في مجال تدريب الكوادر الدبلوماسية وموظفي مؤسسات القطاع العام بين وزارة الخارجية وشؤون المغتربين في المملكة الأردنية الهاشمية / المعهد الدبلوماسي الأردني، ووزارة الخارجية والمغتربين في الجمهورية العربية السورية / المعهد الدبلوماسي السوري .
وتهدف مذكرة التفاهم إلى تبادل أساليب التدريب الحديثة بين البلدين ومواصلة تطويرها وإدخالها في المجالات الدبلوماسية والحكومية والعلاقات الدولية والقانون الدولي والعلوم السياسية وغيرها من المجالات التدريبية.
كما تهدف إلى تبادل المعلومات حول الموضوعات المتعلقة بالتقنيات والأساليب الحديثة في التدريب الدبلوماسي وتبادل المؤلفات والمنشورات ذات الصلة.
على صعيد آخر، أقر مجلس الوزراء تقنين تعليمات المكافآت والبدلات للموظفين عن عضويتهم في مجالس إدارة المؤسسات أو الشركات التي تساهم فيها أو في إدارتها الحكومة أو الدائرة لسنة 2025.
وتهدف هذه التعليمات إلى قوننة صرف وتقنين المكافآت والبدلات للموظفين الحكوميين لقاء عضويتهم في مجالس إدارة المؤسسات أو الشركات التي تكون الحكومة طرفًا فيها، وبما ينسجم مع التشريعات النافذة، ويعزز مبادئ العدالة والشفافية.
وتُحدّد التعليمات الإطار القانوني الذي يتم بموجبه تعزيز الانضباط المالي والإداري في المؤسسات أو الشركات التي تساهم فيها أو في إدارتها الحكومة، حيث نصّت التعليمات على توحيد مرجعية الصرف من خلال وزارة المالية، بصفتها الجهة المختصة باعتماد آلية الصرف ومتابعتها، وذلك لضمان الاتساق مع الأنظمة المالية المعتمدة.
وفي إطار تعزيز الشفافية والانضباط المالي وتقنين صرف المكافآت، شددت التعليمات على أن صرف أي مبالغ مالية للموظف خلافًا لأحكام هذه التعليمات مخالفة وتخضع للإجراءات والعقوبات القانونية ويجب إسترداد هذه المبالغ.
كما حددت التعليمات سقفًا ماليًا أعلى لمقدار هذه المكافآت والبدلات .
ونصّت كذلك على تحديد مدة العضوية بسنتين فقط، قابلة للتمديد لمرة واحدة ولمدة مماثلة، شريطة الحصول على الموافقات الأصولية مما يتيح فرص اوسع للموظفين بالتمثيل في عضويات المجالس الأمر الذي يعزز اكتساب ونقل الخبرات.
ويأتي إقرار هذه التعليمات ضمن جهود الحكومة لترسيخ الحوكمة المالية والإدارية وتقنين الإنفاق وتحقيق العدالة.
إلى ذلك، قرر مجلس الوزراء الموافقة على اتفاقية مشروع اعتماد التنقل الكهربائي في الأردن من خلال تطوير المعايير الوطنية ونشرها بين كل من وزارة البيئة ومؤسسة المواصفات والمقاييس في المملكة الأردنية الهاشمية والمكتب القطري للمعهد العالمي للنمو الأخضر في الأردن.
ويهدف المشروع إلى تطوير المعايير الوطنية لسلامة وشحن المركبات الكهربائية بما يتماشى مع أفضل الممارسات الإقليمية والدولية وتقديم التدريب وبناء القدرات لأصحاب المصلحة الرئيسيين بشأن معايير المركبات الكهربائية، وإنشاء إطار تنظيمي منظم للنقل الكهربائي في الأردن وزيادة قدرة الهيئات التنظيمية وزيادة الاستثمار في البنية التحتية للمركبات الكهربائية وزيادة ثقة المستهلك في الانتقال إلى السيارات الكهربائية.
ويتضمن المشروع دورات تدريبية لبناء وتعزيز القدرات لمتدربين من الجهات الحكومية ذات العلاقة وورش عمل وتصميم منصات على الإنترنت لنشر المواد التدريبية المطورة من أجل بناء القدرات في مجال المعايير المعتمدة لسلامة وشحن المركبات الكهربائية .
كما قرر مجلس الوزراء الموافقة على توصيات لجنة التسوية والمصالحة – المشكلة بموجب أحكام المادة (3) من أسس تسوية القضايا العالقة بين المكلفين وبين دائرة ضريبة الدخل والمبيعات لسنة 2019) – المتعلقة بالتسويات المالية مع (573) مكلفاً ترتبت عليهم التزامات مالية وفقا لأحكام قانون ضريبة الدخل وقانون الضريبة العامة على المبيعات.
وقرر المجلس الموافقة على مذكرة تفاهم بين حكومة المملكة الأردنية الهاشمية ممثلة بوزارة الداخلية / مديرية الأمن العام وحكومة دولة فلسطين ممثلة بوزارة الداخلية في مجال إنشاء وتطوير مركز الاستجابة الموحد للطوارئ (911) في دولة فلسطين.
وبموجب المذكرة يقوم الجانب الأردني بنقل المعرفة والخبرة للأشقاء في فلسطين في مجال استحداث وتطوير مركز للاستجابة الموحد لديهم.
وتأتي المذكرة ضمن جهود الأردن لدعم المؤسسات الفلسطينية في جهودها لبناء وتطوير اجراءتها ونقل الخبرات الأردنية المتراكمة في شتى المجالات لتمكين الاشقاء الفلسطينيين من بناء مؤسساتهم ودولتهم.
كما وافق مجلس الوزراء على اتفاقية تعاون بين وزارة الصحة وجمعية قديس اليوم الأخير لتوفير كراسي متحركة وغيرها من الوسائل المساعدة للأشخاص ذوي الإعاقة ومساعدتهم على الحركة والتدريب.
وتهدف الاتفاقية إلى توفير الكراسي المتحركة وغيرها من الوسائل المساعدة على الحركة والخدمات المتعلقة بها لتحسين تنقل الأفراد المعاقين جسدياً الذين يحتاجون أجهزة لاستخدامهم