قبل أن تشرق شمس السادس من أكتوبر عام ١٩٧٣، كان رمضان ينسج أيامه بلُغته الروحانية، لكن قلبَ الوطن كان يخفق بوتيرة مختلفة. جنودٌ صائمون، أيديهم على الزناد، وقلوبهم معلقة بين دعاء السحور وصلاة الفجر، ينتظرون لحظةً كتبها التاريخ بأحرف من نور. اليوم، وبعد ٥٢ عامًا، ما زالت ذاكرة النصر تحمل في طياتها حكايات البطولة، والخُدع التي حوّلت المستحيل إلى انتصار، وشهداء صاروا نجوماً تُنير سماء الوطن.


لم تكن الحرب مجرّد معركة عسكرية، بل لعبة ذكاءٍ استثنائية. قُبَيل العاشر من رمضان، نسج القادة خيوط "خُطّة الخداع الاستراتيجي" بإتقان. جنود مصريون يلعبون الكرة على شاطئ القناة بلا اكتراث، إشاعات عن تأجيل الحرب أشهراً، بل وزيارات رسمية للقادة إلى الحجاز لأداء العمرة في رمضان! كل تفصيلة كانت جزءاً من خطة خداع كبرى، أقنعت العدو بأن الجيش يستسلم لروتين السلم. لكن تحت السطح، كانت القلوب تضجُّ بالعزم: "الضربة ستكون في أقدس أيامهم"، يوم الغفران الذي حوّلوه إلى يوم دمار.

-
عندما انهمرت طلقات المدافع مع أذان الظهر، لم تكن مجرّد أصوات حرب، بل كانت صيحة حقٍّ عاد. شبابٌ في العشرينيات، بوجوه لم تجفّ منها مياه الوضوء، حملوا سلالمهم الخشبية كأنها جسورٌ إلى السماء، واندفعوا عبر القناة تحت وابل النيران. بينهم كان "البطل أحمد حمدي"، المهندس الذي رسم بدمائه طريق العبور الأول، وسقط ليصير الجسر الذي عبر عليه الآلاف. وعلى الضفة الأخرى، كانت "خط بارليف" ينهار كقلعة من ورق، أمام إرادة رجالٍ آمنوا بأن الموت في سبيل الوطن حياة.

في تلك الأيام، كان الشهيد ليس مجرّد رقمٍ في إحصائية، بل قصة تُروى بدمعٍ وفخر. مثل "عبد المنعم خليل"، الطيار الذي اخترق طائرته سماء سيناء ليرسم فيها أول بصمة تحرير، والممرضة التي ظلت تُنقذ الجرحى حتى سقطت برصاص غادر. كانوا جميعاً يصومون رمضان، لكنهم صاموا أيضاً عن كل شيء إلا الوطن. دماؤهم الزكية لم تجفّ على رمال سيناء، بل صارت أغنية ترددها الأجيال: "النصر له ثمن، ونحن ندفعه".

 
لم تكن الحرب معركة أيام، بل إرادة شعبٍ رفض أن يُكتب له الهوان. بعد العبور، خاض الجيش حرباً أخرى: حرب تثبيت الانتصار. معارك الدفرسوار، وصمود الجنود في الثغرات، والمفاوضات التي أعادت الأرض والكرامة. هنا برزت عبقرية "الخداع السياسي"، حين حوّل القادة الهزيمة المُرتقبة في المفاوضات إلى انتصار، بإصرارٍ صامتٍ كجبال سيناء.

اليوم، ونحن نحتفي بالذكرى الـ٥٢، نرى في عيون كبارنا دموعاً تختلط بابتسامة. نسمع في صوت المؤذن صدى أصوات الجنود وهم يهتفون "الله أكبر" قبل العبور. ونلمس في نسمات رمضان عبق شهداء قالوا للوطن: "خُذنا فداءً لك". العاشر من رمضان ليس تاريخاً في كتب الماضي، بل هو جرس يُذكّرنا أن النصر يُبنى بالإيمان قبل السلاح، وبالذكاء قبل القوة، وبالقلوب التي لا تعرف إلا العلياء.

وها هي قناة السويس، التي شهدت ملحمة العبور، تهمس لكل مَنْ يمرُّ عليها:  
"هنا.. مرَّ أبطالٌ كانوا يُحبون الحياة، لكنهم أحبوكِ أكثر يا مصر".

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: رمضان قناة السويس السادس من أكتوبر المزيد

إقرأ أيضاً:

4 آلاف وثيقة بمعرض "ذاكرة وطن في أرض اللُبان" بصلالة

الضوياني: المعرض يسلط الضوء على عمق الوجود العماني في شرق إفريقيا

صلالة- الرؤية

افتُتح، الأربعاء، بموقع فعاليات عودة الماضي بولاية صلالة بمحافظة ظفار، المعرض الوثائقي "ذاكرة وطن في أرض اللُبان"، الذي تنظمه هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية، ويستمر حتى 18 أغسطس القادم، وذلك تحت رعاية سعادة الدكتور أحمد بن محسن الغساني رئيس بلدية ظفار.

ويضم المعرض أكثر من 4000 وثيقة (مطبوعة ورقمية) تتناول الدور الحضاري والتاريخي لسلطنة عُمان، وإسهام العُمانيين الفاعل في الحضارة الإنسانية، إلى جانب التعريف بالدور التاريخي والحضاري لمحافظة ظفار عبر الحقب الزمنية المختلفة، وتسليط الضوء على العلاقات الدبلوماسية والتاريخية بين سلطنة عُمان والجمهورية الكينية.

وقال سعادة الدكتور حمد بن محمد الضوياني رئيس هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية: إنَّ المعرض يركز على عرض عدد من الوثائق التاريخية عن محافظة ظفار وعلاقات السلطنة مع مختلف دول العالم، إلى جانب استضافته لأرشيف الجمهورية الكينية، مشيراً إلى أنه يتم خلال المعرض عرض مجموعة من الوثائق الكينية التي ترتكز على العلاقات التاريخية بين سلطنة عُمان وجمهورية كينيا وعلى عمق الوجود العماني في سواحل شرق إفريقيا الذي يمتد إلى القرن الأول الميلادي.

وأضاف: لقد أسهم هذا الامتداد الحضاري في تأسيس روابط متعددة الأبعاد ذات طابع اجتماعي وثقافي واقتصادي وسياسي، وقد أولت الجهات المعنية في البلدين اهتمامًا مشتركًا بتعزيز هذه العلاقات، وإبراز القواسم التاريخية والثقافية التي جمعت بينهما عبر العصور.

وأوضح: يأتي تخصيص جانب من المعرض الوثائقي لإبراز هذه العلاقات تأكيدًا على عمق الروابط المشتركة، وتوثيقًا للإرث التاريخي الذي تتقاسمه سلطنة عُمان وجمهورية كينيا، كما يمثل هذا المعرض منصة للتعاون الوثائقي والعلمي والثقافي بين هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ونظيراتها الكينية، بما يُعزز التفاهم المتبادل ويخدم جهود التوثيق والدراسة المشتركة.

من جانبها، قالت سعادة أمي محمد بشير وكيلة وزارة الثقافة والفنون والتراث الكينية، إنَّ العلاقات بين سلطنة عُمان وكينيا علاقات تاريخية متينة ووطيدة وممتدة منذ العصور القديمة، مشيرًة إلى أنَّ الوثائق المعروضة منتقاة لإظهار أهمية العلاقات التاريخية بين البلدين، كما إن الوثائق التي انتُقيت تُبين قوة العلاقات بين البلدين ونموها حتى وقتنا الحاضر.

وأضافت أن مثل هذه المعارض تمثل فرصة للتعريف بهذه العلاقات واستمرارها، مشيرًة إلى أنَّ هناك توجهًا مشتركًا للتركيز على التبادل الثقافي والمعرفي بين البلدين.

ويحوي المعرض أركاناً رئيسة هي، (عُمان عبر التاريخ، وظفار في ذاكرة التاريخ العُماني، وظفار في الصحف والمجلات، والعلاقات الدولية، والعلاقات العُمانية الكينية "ضيف شرف المعرض"، والمخطوطات، والمحتوى الرقمي).

وتستعرض أركان المعرض تاريخ عُمان والتطورات السياسية تاريخيًا إلى عصر النهضة، ومراسلات وخرائط وشواهد توثق تاريخ محافظة ظفار بمختلف ولاياتها، وجولات السلطان الراحل قابوس بن سعيد - طيب الله ثراه – في المحافظة، بالإضافة إلى سرد العلاقات الدبلوماسية والودية بين سلطنة عُمان ودول العالم.

كما يشتمل على ركن لعرض التاريخ الممتد من العلاقات التاريخية بين سلطنة عُمان والجمهورية الكينية حيث أفردت هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية ركناً خاصاً تبرز فيه أوجه التعاون الوثائقي والتاريخي بين عُمان والدول الإفريقية، وتسليط الضوء على الروابط الثقافية والاقتصادية التي جمعت بين الجانبين عبر التاريخ، بالإضافة إلى عرض عدد من المخطوطات؛ لتعريف الزائر بالمخطوطة العُمانية وطبيعتها وجمالية خطوطها ونقوشها والتمعن في شكل الخط ونوعية الورق والحبر المستخدم وتنوع موضوعاتها في الفنون والمعارف العلمية المتعلقة بعلوم الفقه والتاريخ واللغة وعلوم القرآن وعلم البحار والطب والفلك.

ويسلّط المعرض الضوء على الدور المحوري الذي لعبه اللبان العماني في حركة التجارة العالمية، وأهميته الثقافية والدينية والاقتصادية، وذلك من خلال وثائق ومقتنيات أصيلة توثق هذا الامتداد التاريخي. كما يستعرض هذا الركن العلاقة الحيوية لمحافظة ظفار باللبان كموروث حضاري مُمتد.

ويعرض في أركان المعرض عددٌ من العملات والطوابع البريدية التي وثّقت بعض الأحداث والمعالم البارزة في تاريخ سلطنة عُمان، وتطور العملة العُمانية، إلى جانب عرض عدد من الخرائط التي تُوضح امتداد الممالك العُمانية عبر التاريخ، والمسارات البحرية المهمة والمناطق التي تمر عليها حركة التجارة العالمية قديمًا.

كما يُولي المعرض الوثائقي اهتماماً خاصاً بفئة الأطفال والناشئة، حيث تمَّ تفعيل أنشطة تفاعلية مبتكرة باستخدام تقنية الواقع الافتراضي، تتيح لهم محاكاة مشاهد تاريخية عمانية بطريقة تعليمية مشوقة. كما تتضمن الفعاليات مسابقات ثقافية، وورشاً لتعليم كيفية كتابة الوثائق بالأدوات القديمة، في إطار جهود المعرض لغرس قيم الانتماء الوطني وتعريف الجيل الجديد بأهمية الوثائق وسبل حفظها والآليات الحديثة التي تعتمدها هيئة الوثائق والمحفوظات الوطنية لصونها ورقمنتها.


 

 

 

 

 

 

 

 

مقالات مشابهة

  • 4 آلاف وثيقة بمعرض "ذاكرة وطن في أرض اللُبان" بصلالة
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • باسل الطراونة يكتب : عن شخص معالي يوسف العيسوي رئيس الديوان الملكي العامر
  • إبراهيم شقلاوي يكتب: العبور إلى حكومة الكفاءات
  • وزير الزراعة: حجم الصادرات الزراعية المصرية يتجاوز 6.2 مليون طن
  • وزير الزراعة يعلن رقمًا قياسيًا جديدًا لصادرات مصر الزراعية
  • بعد القبض على رمضان صبحي في مطار القاهرة.. تعرف على الاتهامات والعقوبة التي يواجهها
  • مناقشة الترتيبات لانطلاق المعرض والمنتدى التقني الأول في العاشر من أغسطس المقبل
  • البطريرك يوحنّا العاشر يعزّي فيروز والعائلة الرحبانية
  • فضيحة مدوية.. شاهد ما الذي كانت تحمله شاحنات المساعدات الإماراتية التي دخلت غزة (فيديو+تفاصيل)