أثارت الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قلقًا عالميًا، حيث تم فرض رسوم جمركية غير مسبوقة تراوحت بين 10% و145 % على معظم صادرات دول العالم إلى الولايات المتحدة، في مخالفة صريحة لمبادئ وأحكام منظمة التجارة العالمية، هذا التوجه أدى إلى مخاوف كبيرة بشأن تأثيره على نمو قطاع الصناعات التحويلية، وانسيابية حركة البضائع عالميًا، مما قد يسهم في تراجع الطلب الكلي، وتباطؤ الاقتصاد العالمي، واضطراب سلاسل الإمداد، وبدوره، فإنَّ هذا الوضع سينعكس على انخفاض الطلب على الطاقة، وبالتالي تراجع أسعار النفط، مما يشكل ضغطًا مباشرًا على موازنات دول الخليج المعتمدة بشكل رئيسي على صادرات النفط والغاز.

رئيس معهد «إيفو» الألماني، المعروف في مجال البحوث الاقتصادية، كليمنس فوست، يتوقع حدوث أزمة اقتصادية عالمية بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وذكر في مقال له في صحيفة «زود دويتشه تسايتونج» الألمانية، أن الخطر الكبير يتمثل في انتشار الحمائية بشكل أسرع من أي وقت مضى. كما أشار رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في مقال له نشرته صحيفة التلغراف البريطانية أن العولمة قد انتهت، مع فرض الولايات المتحدة هذه الرسوم الجمركية التي ستكون لها تداعيات كبيرة على الاقتصاد العالمي. وفي تصريح حديث لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون أشارت إلى أن النظام العالمي ينهار ويتم استبداله بالاضطرابات الناجمة عن التنافس التجاري بين الولايات المتحدة والصين وحثت أوروبا على التحرك بشكل استباقي لتشكيل النظام العالمي الجديد.

لا شك أن هذه الرسوم الجمركية قد أسهمت في تعميق حالة عدم اليقين التي تسيطر على الاقتصاد العالمي، وربما تكون هذه الرسوم الترامبية القشة التي تقصم ظهر البعير، إيذاناً بنهاية حقبة اقتصادية امتدت لأكثر من سبعة عقود، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية، التي خرجت منها الولايات المتحدة الأمريكية منتصرة وبرزت كقوة عظمى، عملت على تأسيس أسس النظام العالمي الجديد، على الصعيدين التجاري والمالي، وتشكلت على أثره العديد من المنظمات الدولية التي تحرس هذه المنظومة الجديدة، وتدعم استمراريتها، ومع سقوط الاتحاد السوفييتي في عام 1989، وانهيار المنظومة الاشتراكية التي كانت تناصب الرأسمالية العداء، تفردت الولايات المتحدة بالهيمنة كقطب أوحد يتحكم في مفاصل القرار الاقتصادي والسياسي على مستوى العالم.

وفي غمرة انشغال العالم بصراع العملاقين في الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي وبينما كان الضجيج العالمي مشحونًا بالاستقطاب بين الرأسمالية والاشتراكية، كانت الصين تعمل بصمت، وتسير بهدوء وثبات نحو تشكيل نموذج اقتصادي فريد، يجمع بين خصائص الرأسمالية والاشتراكية، واستفادت بذكاء من قواعد النظام التجاري العالمي الجديد، وفي غضون سنوات قليلة، غزت المنتجات الصينية الأسواق العالمية، مما أثار قلق الغرب بقيادة الولايات المتحدة، التي بدأت منذ أكثر من عقدين محاولات مستميتة لكبح صعود هذا العملاق القادم من الشرق، لكن جميع هذه المحاولات أخفقت في الحد من زحفه المتنامي للتربع على عرش الاقتصاد العالمي.

ومع تفاقم عجز الميزان التجاري الأمريكي مع الصين، وتزايد المديونية العامة، وهجرة عدد كبير من المصانع والشركات الى الخارج، وفقدان الاقتصاد الأمريكي لملايين الوظائف، لم يجد الرئيس الأمريكي بُدًا من الانقلاب على المنظومة التجارية العالمية التي كانت بلاده قد أسستها عقب الحرب العالمية الثانية، لكن قد يغيب عن ذهن راسم سياسة الرسوم الجمركية الجديدة هو أن سقوط هذه المنظومة التجارية سيترتب عليه تبعات اقتصادية وسياسية جسيمة، وقد يُشكل ذلك إيذانًا بولادة نظام عالمي جديد، ستكون الصين أحد أقطابه المحورية.

خلاصة القول، العالم يعيش مرحلة تحول عميقة نحو نظام عالمي جديد، في ظل تصاعد المنافسة التجارية بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية، ومن المتوقع أن تكون الصين أحد الأقطاب المحورية في المنظومة القادمة، إلا أن مرحلة التغيير قد تطول أو تقصر، وفقًا لتفاعلات الحرب التجارية الراهنة.

ومع تصاعد الحمائية التجارية وتوجه العديد من الدول نحو الانغلاق الاقتصادي، بات من الضروري على الدول النامية، أن تتبنى سياسات وطنية جريئة واستباقية، تهدف إلى حماية المصالح الوطنية، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام، وتحسين تنافسية الصناعات المحلية، وتفعيل أدوات المعالجات التجارية، لا سيما مكافحة الإغراق، وغيرها من الممارسات الضارة. كل ذلك يتطلب قرارات جريئة وسريعة، وتنسيقًا فاعلًا بين الجهات الحكومية والخاصة، بما يضمن خلق بيئة اقتصادية مرنة في وجه المتغيرات الدولية المتسارعة.

د. صالح بن سعيد مسن وكيل وزارة التجارة والصناعة وترويج الاستثمار للتجارة والصناعة

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الولایات المتحدة الاقتصاد العالمی الرسوم الجمرکیة عالمی ا

إقرأ أيضاً:

ترامب يعتزم تحديد الرسوم الجمركية

يعتزم الرئيس دونالد ترامب إبلاغ شركائه التجاريين بنسب الرسوم الجمركية الأحادية الجانب خلال الأسابيع المقبلة، مع اقتراب الموعد النهائي في يوليو لبدء فرض رسوم جمركية أعلى على عشرات الدول.
وصرح ترامب لصحافيين في ساعة متأخرة الأربعاء في مركز كينيدي بواشنطن حيث كان يحضر عرضاً مسرحياً «سنبعث برسائل خلال أسبوع ونصف أو أسبوعين تقريباً إلى الدول لإبلاغها بمضمون القرار».
وفرض ترامب في أبريل رسوماً جمركية بنسبة 10%على معظم شركاء الولايات المتحدة التجاريين، وكشف النقاب عن معدلات رسوم فردية أعلى على عشرات الاقتصادات، بينها الهند والاتحاد الأوروبي، علما بأنه سارع إلى تعليق قراره.
ومن المقرر أن ينتهي قرار التعليق في 9 يوليو، فيما تتواصل المفاوضات بين واشنطن وشركاء تجاريين.
وحتى الآن لم تعلن واشنطن سوى عن اتفاق تجاري مع المملكة المتحدة، إلى جانب تخفيف موقت للرسوم الجمركية مع الصين.

 

أخبار ذات صلة عمليات توقيف واسعة خلال حظر التجوّل في لوس أنجلوس ترامب يُقيّم الاتفاق التجاري مع الصين المصدر: آ ف ب

مقالات مشابهة

  • ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا برئيس الولايات المتحدة الأمريكية
  • سمو ولي العهد يجري اتصالًا هاتفيًا برئيس الولايات المتحدة الأمريكية
  • معركة الرسوم الجمركية تهدأ مؤقتاً.. ماذا يعني الاتفاق الأمريكي الصيني للأسواق؟
  • ترامب يعتزم تحديد الرسوم الجمركية
  • هدوء ما قبل العاصفة: الاقتصاد العالمي على مفترق طرق..!
  • الصين: محادثات لندن التجارية أحرزت تقدما في حل الخلافات مع الولايات المتحدة
  • ترامب: الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين تم الانتهاء منه
  • اتفاق أمريكي صيني بشأن الرسوم الجمركية.. هذه تفاصيله
  • هل انتهت أزمة الرسوم الجمركية؟ ترامب يعلن عن اتفاق شامل مع الصين
  • حول الرسوم الجمركية.. ترامب يعلن عن اتفاق مع الصين بانتظار موافقة الرئيس شي جين بينج