ضج العالم اليوم الإثنين، بنبأ وفاة بابا الفاتيكان الذي رحل في ذكرى الاحتفال بعيد القيامة المجيد، وودع العالم رمزا من رموز السلام، استثمر حياته في الدعوة إلى الحوار، وتجلى هذا واضا في علاقته بشيخ الأزهر.

ونستعرض خلال السطور التالية بعض المواقف التي جمعته بشيخ الأزهر.

علاقة الإمام الطيب وبابا الفاتيكان

لم تكن العلاقة بين الإمام الطيب والبابا فرنسيس مجرد لقاءات بروتوكولية أو عبارات دبلوماسية، بل كانت تجسيدًا حيًا لفكرة الأخوة الإنسانية، التي ترجمها الطرفان إلى مواقف ومبادرات حقيقية، في عالم يموج بالصراعات والكراهية.

بدأت فصول هذه العلاقة في مارس 2013، عندما بادر الإمام الأكبر بتهنئة البابا فرنسيس فور تنصيبه، وهي خطوة كسرت جليدًا دام لسنوات بين الأزهر والفاتيكان، مؤكّدًا أن عودة العلاقات مرهونة باحترام متبادل وتقدير صادق للإسلام والمسلمين، وسرعان ما لقيت هذه الخطوة تجاوبًا من البابا، الذي كان قد صرّح عقب تنصيبه بأيام بأهمية الحوار مع الإسلام، معتبرًا أن لا سلام في العالم دون جسور تواصل بين الأديان.

وبالفعل، أُعيد تفعيل لجنة الحوار بين المؤسستين في 2014، وتم الإعلان رسميًا عن استئناف التعاون بين الجانبين، ثم جاء اللقاء التاريخي الأول في مايو 2016، عندما استقبل البابا فرنسيس الإمام الطيب في الفاتيكان، وهو اللقاء الذي وصفه البابا نفسه بأنه «رسالة في حد ذاته».

البابا فرانسيس بابا الفاتيكان

ومن هناك بدأت سلسلة لقاءات حافلة بالود والتفاهم العميق، امتدت من القاهرة إلى روما، ومن قاعات المؤتمرات إلى الموائد الخاصة، حيث شارك البابا في مؤتمر الأزهر العالمي للسلام في 2017، وعانق الإمام الطيب أمام أنظار العالم، في مشهد تصدّر عناوين الصحف العالمية.

وثيقة الأخوة الإنسانية من بابا الفاتيكان

لم تكن العلاقة بين بابا الفاتيكان والإمام الطيب، مجرد لقاءات، بل شراكة فكرية وروحية حقيقية، أسفرت عن توقيع «وثيقة الأخوة الإنسانية» في أبوظبي عام 2019، والتي مثلت إعلان نوايا عالمي من أجل ترسيخ ثقافة السلام، ومواجهة التطرف والكراهية، والدفاع عن حقوق الإنسان، وخصوصًا الفقراء والمهمشين.

تميز كلا الرمزين بتواضعهما وزهدهما، وبمواقف إنسانية تتجاوز حدود الدين والمذهب، وهو ما جعل العلاقة بينهما تُضرب بها الأمثال، بوصفها نموذجًا نادرًا في التلاقي الفكري والإيماني بين قيادتين دينيتين من أكبر ديانات الأرض.

ورغم اختلاف العقائد والمسارات، إلا أن الإمام الطيب والبابا فرنسيس تقاطعا في لحظة نادرة من تاريخ الإنسانية، لحظة اتفق فيها رمزان دينيان على أن الدين لا يمكن أن يكون أبدًا مصدرًا للكراهية، بل هو جسر للرحمة والعدل، هذا التفاهم لم يكن سهلًا، بل كان ثمرة سنوات من الجهد والإرادة الحقيقية التي قادها الاثنان في مواجهة موجات العنف والتشدد باسم الدين.

البابا فرنسيس، الذي اختار اسمه تيمنًا بالقديس فرانسيس الأسيزي، ظل حتى لحظاته الأخيرة وفيًا لخطّه الإنساني الداعم للفقراء واللاجئين والمستضعفين، مؤمنًا بأن الكنيسة يجب أن تكون ملجأ للجميع، لا منبرًا للفصل والإقصاء. وبهذا النهج، اقترب قلبًا من قلب الإمام الطيب، الذي طالما دعا إلى خطاب ديني عالمي جديد يضع الإنسان أولًا، أيًّا كانت ديانته أو لونه أو ثقافته.

واليوم، وبعد رحيل البابا فرنسيس، يفقد العالم صوتًا عاقلًا كان ينادي بالمحبة والتعايش، وتفقد الإنسانية رجلاً حمل على عاتقه همّ الفقراء والمهمشين، كما يفقد الإمام الطيب “أخًا وصديقًا”، طالما شاركه الحلم بعالم يسوده السلام والرحمة.

اقرأ أيضاً«ليست حربا بل وحشية».. العالم يستذكر بابا الفاتيكان مدافعا عن غزة

بابا الفاتيكان يدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة

بابا الفاتيكان يقوم بزيارة مفاجئة لكاتدرائية القديس بطرس بعد استقبال ملك بريطانيا

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: بابا الفاتيكان وفاة بابا الفاتيكان بابا الفاتيكان والسلام الأخوة الإنسانیة بابا الفاتیکان البابا فرنسیس الإمام الطیب

إقرأ أيضاً:

قُصف الخبز في غزة، فماتت الإنسانية في العالم

بسم الله الرحمن الرحيم

قُصف #الخبز في #غزة، فماتت #الإنسانية في #العالم

دوسلدورف/أحمد سليمان العُمري

في أروقة التاريخ الحديث، حيث تُسجَّل الفظائع بأحرف من دم ودموع؛ تقف غزّة اليوم شاهدة على فصل جديد من فصول العار الإنساني.

مقالات ذات صلة القدر المخفي: حينما يرسم الغيب ملامح حياتنا 2025/06/07

إنّ العدوان الإسرائيلي على قطاع غزّة ليس حرب تقليدية، كتلك القائمة بين روسيا وأكرانيا ولا نزاعٌ سياسيٌ عادي، إنّما احتلال بداية، وهو الأطول في التاريخ الحديث وإبادةٌ ممنهجةٌ تُنفَّذ بتُؤدَة ودموية، تحت سمع العالم وبصره، بينما الضمير العالمي يغضّ الطرف ويُشيح بوجهه.

الجوع كسلاح والمجازر كأداة إبادة مزدوجة

لم يعد القصفُ وحده هو القاتل الأكبر في غزّة، بل صار الجوعُ والمجازرُ المتعمّدة أدوات متكاملة للقتل البطيء والسريع، فمنذ أكتوبر 2023، تحوَّل الحصار إلى آلة للطحن البطيء، بينما حوّلت مجازرُ مثل مجزرة رفح قبل أيام مراكزَ المساعدات إلى «مصائد موت» تُدار بأيدي قوات الاحتلال وشركائها.

إحصائيات صادمة صدرت خلال الأشهر الماضية من 2025 تؤكّد أن أكثر من 66 ألف طفل فلسطيني يعانون من سوء تغذية حاد، وفق بيانات وزارة الصحة في غزّة ومنظمة الصحة العالمية. وفي ذات الفترة، أفادت تقارير طبية بأن أكثر من 50 طفلاً فلسطينيًا توفوا نتيجة الجوع أو مضاعفاته في المستشفيات الحكومية خلال أقل من 4 أشهر.

كما أن نسبة الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي تجاوزت 96% من سكان غزّة، مع وجود قرابة 495،000 شخص في حالة انعدام أمن غذائي كارثي، حسب دراسة حديثة نشرتها اليونيسف في مارس/آذار 2025 وتقارير أممية ودولية مشتركة.

تتزامن هذه الأرقام مع تدمير ما لا يقل عن 94% من المرافق الصحية الحيوية في القطاع، وفقا لتقارير منظمة الصحة العالمية حتى أواخر مايو/أيّار 2025. وقد وثّقت المنظمة 516 هجوما على المرافق الصحية ووسائل النقل الطبي، مما أسفر عن ارتقاء 765 شخصاً وإصابة ما يقرب من 1000 آخرين.

هذا التصعيد المُمنهج في استهداف البنية التحتية الصحية يعكس الوحشية الإسرائيلية وتفاقم الأزمة الإنسانية، ويحول دون تلقي المرضى والمصابين الرعاية اللازمة، مما يزيد من عدد الوفيات بين المدنيين، وخاصّة الأطفال والنساء.

وآخر المجازر البشعة، التي تجاوزت الوصف في مايو/أيّار ويونيو/حزيران 2025، حين ارتكب الجيش الإسرائيلي سلسلة مجازرَ في رفح، حيث استُهدف المدنيون الجوعى وهم ينتظرون المساعدات الإغاثية: 31 مايو/أيّار 2025: 37 شهيدًا و170 جريحًا برصاصٍ أُطلق على طوابير الخبز.

3 يونيو/حزيران 2025: 27 شهيداً ونحو 500 جريح في المشهد ذاته، بينما العالم يصفها بـ «الحوادث المأساوية» ولا يتجاوز الوصف ذلك.

هنا، يُختزل التاريخ في حلقة مفرغة: ففي 1956، ذبح الجيش الإسرائيلي 111 فلسطينيًا في رفح بعد استدراجهم إلى مدرسة تحت ذريعة «التفتيش»، والأمثلة أكثر من حصرها في مقالة. اليوم، يعيد التاريخ نفسه، لكن بأساليب أكثر إجراما: مساعدات أمريكية مغموسة بالدماء، حيث يُستدرج المجوّعين إلى نقاط محددة ليتم إعدامهم جماعيًا.

المفارقة التاريخية… عندما يصبح الصمت أداة للقتل

في رواندا والبوسنة، انقسم العالم بين مُندِّدٍ ومتواطئ، أمّا في غزّة، فالجميعُ يُشارك في جريمة واحدة: الصمت. المفارقة الأكثر إيلامًا أن إسرائيل، بعد 70 عامًا من استخدام ذريعة «عداء السامية» و «الدفاع عن النفس» المُصنّعة غربيا، تُنفِّذ إبادةً جماعية، بينما تُستخدم الذخائر الأمريكية نفسها التي قُتِل بها أجداد الإسرائيليين لحرق أطفال فلسطين.

الأمم المتحدة تصف الوضع بأنه «أسوأ أزمة إنسانية»، لكن قراراتها تتحوَّل إلى حبر على ورق. حتى محكمة العدل الدولية، التي أمرت بوقف الهجوم على رفح وأصدرت مذكّرات اعتقال بحقّ «نتنياهو» و «غالانت»، تُنتهك أوامرها علنًا. والنتيجة؟ غزّة 2025 تُكرر مأساة 1948: تهجيرٌ جماعي، مجاعةٌ مخطَّط لها، ومجازرُ تُرتكب بذات الأسلوب ولكن بأدوات «حديثة».

دليل آخر على ذلك هو القصف الإسرائيلي الذي تعمّد استهداف الفلسطينيين وهم يحاولون الحصول على المساعدات الإنسانية، حيث راح ضحيته قرابة 40 شخصًا إضافة إلى إصابة حوالي 200 آخرين في غارات استهدفت نقاط تجمع للمساعدات خلال الأسابيع القليلة الماضية، ما يؤكّد أن هذا الهجوم لا يقتصر فقط على السلاح التقليدي، بل يشمل استدراج المجوعين إلى مراكز إغاثية تم إعدادها بشكل ممنهج لتكون كميناً دموياً للعزّل.

إبادة لا تشبه سابقاتها

التاريخُ يعرف الإبادات الجماعية، لكن غزّة كسرت القوالب: إبادةٌ مصوَّرةٌ بالبثّ المباشر، بينما تُختزل الضحايا في «أرقام مؤقّتة».

وفي سياق التعتيم المُتعمّد، ارتقى حتى يونيو/حزيران 2025 ما لا يقل عن 212 صحفياً، حسب تقرير قناة الجزيرة، في ما يمكن تسميته بـ «الإبادة الإعلامية» التي تهدف إلى إسكات العدسة والكلمة، ومنع توثيق الجريمة في زمن البثّ المباشر.

تكتيك مُزدوج: تجويعٌ بطيءٌ يسبق المجازر السريعة، كما في رفح حيث يُجبر المجوعون على التجمُّع ثم يُقتلون. تواطؤٌ مُركّب: الذخائر الأمريكية تُستخدم لتنفيذ المجازر، بينما الإعلام الأمريكي يصفها بـ «الأخطاء المأساوية».

كما كشفت تقارير أممية أن جيش الاحتلال استخدم الذكاء الاصطناعي لتحديد الأهداف البشرية والمنازل والمركبات في وقت لا يتجاز الثواني، ما يجعل من الخطأ احتمالا محسوباً ضمن هامش الإبادة، ويحوّل الذكاء الاصطناعي من أداة تطوير إلى أداة فتك.

حتى القانون الدولي، الذي وقف عاجزًا أمام مجازر «سربرنيتشا»، يُظهر عجزه الأكبر اليوم: ففي 2025، تُنتهك اتفاقية منع الإبادة الجماعية (1948) علنًا، بينما واشنطن تُزوِّد الجلّاد بالأسلحة الفتّاكة.

ما يزيد الألم عمقًا هو أن إسرائيل تعتمد على شركات أمريكية لإدارة توزيع المساعدات الإغاثية في القطاع، مما يجعل هذه المؤسسات شركاء في الجريمة. فقد أصبحت المساعدات، التي كان يفترض أن تخفّف من معاناة الغزيين، أداة لاستدراج المجوعين، حيث يتم استغلال حاجتهم الماسّة إلى الغذاء والإغاثة، ثم تُقصف مراكز التجمّع، في أبشع أنواع القتل المنهجي.

غزّة، الشاهدة على إنسانية ميتة

إنّ رفح وقطاع غزّة عامّة اختبار للضمير العالمي: في 1956، ذُبح أهلها لأنهم «مقاومون»، وفي 2025، يُذبحون لأنهم أيضاً قاوموا، فحُوصروا وجُوّعوا وها هم الآن على مرأى من العالم يقتلون صبرا.

الضحايا نفسهم، والجلّاد نفسه، ولكن الذرائع تتجدَّد، والصمت يتعمَّق.

السؤالُ الذي يُطارد التاريخ الآن ليس «كيف نوقف هذه الجريمة؟»، بل «هل بقي للعالم ضميرٌ ليُدان؟».

غزةُ تكتب فصول إبادتها بدماء أطفالها، والعالم يُدوّن إفلاسه الأخلاقي والإنساني بحروف من ذهب وصمت من تآمر.

Ahmad.omari11@yahoo.de

مقالات مشابهة

  • شيخ الأزهر يُعزِّي أسرة البطل «خالد محمد شوقي» هاتفيًّا
  • شيخ الأزهر يعزِي أسرة البطل خالد شوقي ويوجه بتلبية احتياجات أسرته
  • قرار يفتقد للخبرة.. أحمد الطيب يعلق على لقاء الأهلي وباتشوكا
  • «الأمر غير مع بابا الشغلانة».. إبراهيم فايق يرد على انتقادات عدم الحياد مع الأهلي في مونديال الأندية
  • بابا الفاتيكان يندد بالإقصاء والخوف من الآخر
  • برلمانى: مباحثات البابا تواضروس وبابا الفاتيكان حسمت ملف الحفاظ على سانت كاترين
  • قُصف الخبز في غزة، فماتت الإنسانية في العالم
  • البابا ليو الرابع عشر يستقبل الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي في الفاتيكان
  • طفل وشيخ في صفٍ واحد يجمعهما الخشوع وتوحدهما الصلاة .. صورة
  • بعد الاطمئنان عليه .. الإمام الدبشة يشيد بمواقف الرئيس السيسي الإنسانية