كيف تستغل إسرائيل أوامر الإخلاء لارتكاب الجرائم وتهجير السكان بغزة؟
تاريخ النشر: 25th, May 2025 GMT
حظيت أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي أُلقيت على سكان قطاع غزة خلال الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 باهتمام واسع، ليس فقط بوصفها أحد مظاهر العمليات العسكرية الإسرائيلية، بل أيضًا كقضية قانونية وإنسانية تثير جدلا عالميًا حول مدى التزام الاحتلال الإسرائيلي بالقانون الدولي الإنساني.
ونشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة بحثية لتسليط الضوء على هذه القضية، وهي من إعداد الباحث الفلسطيني ضياء نعيم الصفدي، بعنوان "أوامر الإخلاء الإسرائيلية: بين الواقع والقانون"، وجعل الباحث الحرب على قطاع غزة نموذجًا ليفضح التناقض بين الصورة التي تحاول إسرائيل تسويقها دوليًا وحقيقة ما يجري على أرض الواقع.
بين النص القانوني والواقع
وحسب ما تناوله الصفدي في ورقته، فإن إسرائيل تسعى لإظهار التزامها "بحُكم القانون" عبر إصدار تحذيرات مسبقة للسكان المدنيين في غزة قبيل الهجمات، متذرعةً بأن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية المدنيين.
وأضاف الصفدي أن هذه التحذيرات، أو ما تعرف "بأوامر الإخلاء"، تتخذ أشكالًا متعددة من منشورات ورقية تُلقى من الطائرات، أو اتصالات هاتفية مباشرة أو مسجلة، أو رسائل نصية ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
إعلانلكن الورقة البحثية تؤكد أن هذه الأوامر في جوهرها ليست سوى وسيلة لتبرير عمليات التهجير والاستيلاء على الأراضي وإحداث تغيير ديموغرافي قسري في القطاع، وهو ما يتعارض مع روح ونصوص القانون الدولي الإنساني.
متى يكون الإخلاء مشروعا؟وتستعرض الورقة التي نشرها مركز الزيتونة الإطار القانوني للإخلاء، مستندةً إلى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وغيرها من المواثيق الدولية، التي تتيح لدولة الاحتلال إخلاء مناطق معينة لدواع عسكرية ملحة أو لحماية السكان، لكنها تضع في الوقت ذاته شروطًا صارمة على هذا الإجراء، ومن هذه الشروط:
أن يكون الإخلاء مؤقتًا وبأضيق الحدود اللازمة. ضمان سلامة المنقولين وأمانهم، وتوفير مكان بديل آمن لهم. عدم التفريق بين العائلات وإعادة السكان إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن.وبعد النظر في تطبيق إسرائيل هذه الشروط، يخلص الباحث إلى أنها لم تلتزم بأي من هذه المعايير، بل تحولت الأوامر إلى ذريعة للتهجير الجماعي والتدمير الممنهج.
استيلاء على الأرض
وتكشف الورقة عن تصعيد في استخدام الإخلاء الكلي، كما جرى في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما أصدرت إسرائيل أوامر بإخلاء شمال قطاع غزة بالكامل.
إذ لم تقتصر الآثار على انتقال السكان نحو الجنوب فحسب، بل رافقتها عمليات قصف جوي وبري وتدمير واسع للممتلكات، فضلًا عن احتجاز عدد من المدنيين وتفريق أفراد العائلة الواحدة، وتركهم من دون مأوى أو ضمانات صحية وغذائية في مناطق لم تتوفَّر فيها أدنى شروط الحياة الإنسانية.
ويشير الصفدي إلى أن هذه العمليات لم تأت استجابة للحاجة العسكرية الملحة، بل في إطار إستراتيجية ترمي لتقليص عدد السكان الفلسطينيين في مناطق محددة، تمهيدًا للسيطرة عليها. وبذلك، تتحول "أوامر الإخلاء المشروعة" إلى انتهاك صارخ يعد جريمة نقل قسري، ترتقي إلى مستوى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.
إعلان خلط وتضليلوتتناول الورقة بإسهاب الفوضى الاصطلاحية التي توظفها إسرائيل في خطابها الإعلامي والقانوني، فتلجأ لخلط مفهومي الإخلاء المشروع بالنقل القسري، متجاهلةً الفوارق الجوهرية التي نص عليها القانون الدولي ومبادئ العدالة.
ففي حين أن الإخلاء المشروع إجراء استثنائي مقيّد بظروف واضحة، فإن النقل القسري، والتهجير، والنزوح؛ كلها جرائم دولية موصوفة لا يجوز تبريرها تحت أي ظرف.
ويشير الصفدي إلى أن المعايير الدولية تشترط أيضًا حق الاختيار للسكان في مغادرة مساكنهم من عدمه، وهو ما يُسلب عمليًا تحت التهديد بالقصف أو القتل، حيث يجبر المدنيون على ترك مناطقهم من دون رغبة حقيقية.
انتهاك صارخ
وتطرق الباحث إلى أن آلاف أوامر الإخلاء التي ألقتها إسرائيل على سكان غزة منذ بدء العمليات في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم لا ترقى لمستوى التحذير الإنساني أو الالتزام القانوني، بل هي أداة للتهجير المنظم والتشريد الجماعي.
وتصنف الورقة هذه الممارسات ضمن "جرائم النقل القسري والتشريد الداخلي"، مؤكدة أن إسرائيل باتت في مواجهة استحقاقات المساءلة الجنائية الدولية.
وتضيف أن القانون الدولي لم يحدد بدقة ما يُسمى "الأسباب العسكرية القهرية"، مما أتاح لإسرائيل استغلال هذا الغموض لتبرير سياسات الإخلاء، رغم أن الجوهر الحقيقي لهذه الإجراءات يتعارض جذريًا مع القيم الإنسانية والقانونية.
وتخلص الورقة البحثية إلى أن ما يجري في غزة ليس مجرد إجراءات "تحذيرية" لحماية المدنيين كما تزعم إسرائيل، وإنما عمليات تهجير وتدمير تستهدف البشر والحجر، وتستدعي تدخلا دوليًا عاجلًا لضمان احترام القانون الدولي ومحاسبة الجناة، فقد كشف الواقع عن أن أوامر الإخلاء في غزة لا تقي من الموت أو التشريد، بل كانت في معظمها بداية لمعاناة أكبر وجرائم لا تُمحى من الذاكرة الجمعية للفلسطينيين.
إعلانالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات القانون الدولی أوامر الإخلاء أن هذه إلى أن
إقرأ أيضاً:
غوتيريش: لن نشارك في خطة لا تحترم القانون الدولي بغزة
شدد أمين عام الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش الجمعة على رفض المشاركة في أي خطة لا تحترم القانون والمبادئ الإنسانية في قطاع غزة، الذي يتعرض لحرب إبادة جماعية من جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وتأتي تصريحات غوتيريش ردا على إعلان إسرائيل، أنها تعاملت مع شركة أميركية لتوزيع المساعدات في القطاع، بدل ترك المهمة للوكالات الأممية المعنية.
وقال غوتيريش، إن "الأمم المتحدة لن تشارك في أي خطة لا تحترم القانون الدولي والمبادئ الإنسانية والنزاهة والاستقلال".
وأوضح أمين عام الأمم المتحدة، أن "80% من غزة مصنف، إما منطقة عسكرية إسرائيلية أو منطقة مأمور سكانها بمغادرتها".
ودعا إلى تسهيل إجراءات التفتيش في المعابر والعمل على توزيع المساعدات على سكان غزة.
وأضاف "دون إدخال المساعدات إلى غزة كثيرون سيلقون حتفهم".
وذكّر إسرائيل بأن عليها التزامات واضحة بموجب القانون الدولي، ويجب عليها معاملة المدنيين بإنسانية مع احترام كرامتهم.
متى يتحرك الاتحاد الأوروبي؟
أما كلاوديو فرانكا فيلا، المدير المساعد في هيومن رايتس ووتش فتساءل: متى سيتحرك الاتحاد الأوروبي لجعل إسرائيل تحترم القانون الدولي؟
وقال "لم يكن ضروريا مرور 80 يوما كي نتحرك لإنقاذ قطاع غزة".
إعلانمن جانبه دعا وزير التنمية الدولية النرويجي آشموند أوكورست إلى احترام القانون الدولي والسماح للمنظمات بإدخال المساعدات لغزة.
وقال في تصريحات للجزيرة "يجب وقف الحرب في غزة، وعلينا التحرك لأن عدد القتلى والجرحى يتزايد كل يوم.
وأضاف "ما يحدث في غزة انتهاك للقانون الدولي ويجب إيصال جميع المساعدات للقطاع.
ووصف الوزير النرويجي الوضع في غزة بأنه مخيب للآمال حيث تستخدم المساعدات الإنسانية كسلاح.