حظيت أوامر الإخلاء الإسرائيلية التي أُلقيت على سكان قطاع غزة خلال الحرب المستمرة منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 باهتمام واسع، ليس فقط بوصفها أحد مظاهر العمليات العسكرية الإسرائيلية، بل أيضًا كقضية قانونية وإنسانية تثير جدلا عالميًا حول مدى التزام الاحتلال الإسرائيلي بالقانون الدولي الإنساني.

ونشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ورقة بحثية لتسليط الضوء على هذه القضية، وهي من إعداد الباحث الفلسطيني ضياء نعيم الصفدي، بعنوان "أوامر الإخلاء الإسرائيلية: بين الواقع والقانون"، وجعل الباحث الحرب على قطاع غزة نموذجًا ليفضح التناقض بين الصورة التي تحاول إسرائيل تسويقها دوليًا وحقيقة ما يجري على أرض الواقع.

بين النص القانوني والواقع

وحسب ما تناوله الصفدي في ورقته، فإن إسرائيل تسعى لإظهار التزامها "بحُكم القانون" عبر إصدار تحذيرات مسبقة للسكان المدنيين في غزة قبيل الهجمات، متذرعةً بأن هذه الإجراءات تهدف إلى حماية المدنيين.

وأضاف الصفدي أن هذه التحذيرات، أو ما تعرف "بأوامر الإخلاء"، تتخذ أشكالًا متعددة من منشورات ورقية تُلقى من الطائرات، أو اتصالات هاتفية مباشرة أو مسجلة، أو رسائل نصية ومنشورات عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

إعلان

لكن الورقة البحثية تؤكد أن هذه الأوامر في جوهرها ليست سوى وسيلة لتبرير عمليات التهجير والاستيلاء على الأراضي وإحداث تغيير ديموغرافي قسري في القطاع، وهو ما يتعارض مع روح ونصوص القانون الدولي الإنساني.

متى يكون الإخلاء مشروعا؟

وتستعرض الورقة التي نشرها مركز الزيتونة الإطار القانوني للإخلاء، مستندةً إلى اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 وغيرها من المواثيق الدولية، التي تتيح لدولة الاحتلال إخلاء مناطق معينة لدواع عسكرية ملحة أو لحماية السكان، لكنها تضع في الوقت ذاته شروطًا صارمة على هذا الإجراء، ومن هذه الشروط:

أن يكون الإخلاء مؤقتًا وبأضيق الحدود اللازمة. ضمان سلامة المنقولين وأمانهم، وتوفير مكان بديل آمن لهم. عدم التفريق بين العائلات وإعادة السكان إلى منازلهم بأسرع وقت ممكن.

وبعد النظر في تطبيق إسرائيل هذه الشروط، يخلص الباحث إلى أنها لم تلتزم بأي من هذه المعايير، بل تحولت الأوامر إلى ذريعة للتهجير الجماعي والتدمير الممنهج.

استيلاء على الأرض

وتكشف الورقة عن تصعيد في استخدام الإخلاء الكلي، كما جرى في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2023 عندما أصدرت إسرائيل أوامر بإخلاء شمال قطاع غزة بالكامل.

إذ لم تقتصر الآثار على انتقال السكان نحو الجنوب فحسب، بل رافقتها عمليات قصف جوي وبري وتدمير واسع للممتلكات، فضلًا عن احتجاز عدد من المدنيين وتفريق أفراد العائلة الواحدة، وتركهم من دون مأوى أو ضمانات صحية وغذائية في مناطق لم تتوفَّر فيها أدنى شروط الحياة الإنسانية.

ويشير الصفدي إلى أن هذه العمليات لم تأت استجابة للحاجة العسكرية الملحة، بل في إطار إستراتيجية ترمي لتقليص عدد السكان الفلسطينيين في مناطق محددة، تمهيدًا للسيطرة عليها. وبذلك، تتحول "أوامر الإخلاء المشروعة" إلى انتهاك صارخ يعد جريمة نقل قسري، ترتقي إلى مستوى جريمة حرب أو جريمة ضد الإنسانية.

إعلان خلط وتضليل

وتتناول الورقة بإسهاب الفوضى الاصطلاحية التي توظفها إسرائيل في خطابها الإعلامي والقانوني، فتلجأ لخلط مفهومي الإخلاء المشروع بالنقل القسري، متجاهلةً الفوارق الجوهرية التي نص عليها القانون الدولي ومبادئ العدالة.

ففي حين أن الإخلاء المشروع إجراء استثنائي مقيّد بظروف واضحة، فإن النقل القسري، والتهجير، والنزوح؛ كلها جرائم دولية موصوفة لا يجوز تبريرها تحت أي ظرف.

ويشير الصفدي إلى أن المعايير الدولية تشترط أيضًا حق الاختيار للسكان في مغادرة مساكنهم من عدمه، وهو ما يُسلب عمليًا تحت التهديد بالقصف أو القتل، حيث يجبر المدنيون على ترك مناطقهم من دون رغبة حقيقية.

انتهاك صارخ

وتطرق الباحث إلى أن آلاف أوامر الإخلاء التي ألقتها إسرائيل على سكان غزة منذ بدء العمليات في أكتوبر/تشرين الأول 2023 وحتى اليوم لا ترقى لمستوى التحذير الإنساني أو الالتزام القانوني، بل هي أداة للتهجير المنظم والتشريد الجماعي.

وتصنف الورقة هذه الممارسات ضمن "جرائم النقل القسري والتشريد الداخلي"، مؤكدة أن إسرائيل باتت في مواجهة استحقاقات المساءلة الجنائية الدولية.

وتضيف أن القانون الدولي لم يحدد بدقة ما يُسمى "الأسباب العسكرية القهرية"، مما أتاح لإسرائيل استغلال هذا الغموض لتبرير سياسات الإخلاء، رغم أن الجوهر الحقيقي لهذه الإجراءات يتعارض جذريًا مع القيم الإنسانية والقانونية.

وتخلص الورقة البحثية إلى أن ما يجري في غزة ليس مجرد إجراءات "تحذيرية" لحماية المدنيين كما تزعم إسرائيل، وإنما عمليات تهجير وتدمير تستهدف البشر والحجر، وتستدعي تدخلا دوليًا عاجلًا لضمان احترام القانون الدولي ومحاسبة الجناة، فقد كشف الواقع عن أن أوامر الإخلاء في غزة لا تقي من الموت أو التشريد، بل كانت في معظمها بداية لمعاناة أكبر وجرائم لا تُمحى من الذاكرة الجمعية للفلسطينيين.

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات القانون الدولی أوامر الإخلاء أن هذه إلى أن

إقرأ أيضاً:

السيسي يطلب من ماكرون زيادة الضغط الدولي على إسرائيل لوقف انتهاكاتها

مصر – أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في اتصال هاتفي مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون على ضرورة وقف الانتهاكات الإسرائيلية والانتقال إلى تنفيذ المرحلة الثانية من خطة ترامب للسلام.

ووفق الرئاسة المصرية، تلقى السيسي اتصالا هاتفيا من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون “تناول مستجدات الأوضاع الإقليمية، وفي مقدمتها قطاع غزة”، وأعرب السيسي عن “تقدير مصر للدعم الفرنسي للجهود المصرية التي أفضت إلى التوصل إلى اتفاق وقف الحرب”.

وشدد السيسي، وفق البيان، على أهمية تعزيز إدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، والبدء الفوري في مرحلة التعافي المبكر وإعادة الإعمار.

وحول تطورات الأوضاع في الضفة الغربية، أكد الرئيس المصري رفض بلاده القاطع للانتهاكات الإسرائيلية، مشددا على ضرورة دعم الشعب الفلسطيني وزيادة الضغط الدولي لوقف هذه الانتهاكات، ودعم السلطة الفلسطينية في الوفاء بالتزاماتها تجاه شعبها.

واتفق الرئيسان، وفق البيان، على أن الجهود الراهنة يجب أن تفضي إلى إطلاق عملية سياسية شاملة تؤدي إلى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

وفيما يتعلق بالشأن السوداني، أكد السيسي دعم مصر الكامل لوحدة وسيادة السودان وسلامة أراضيه، ورفضها لأية محاولات تهدد أمنه، معربا عن مساندة مصر لجهود إنهاء الحرب واستعادة السلم والاستقرار في السودان الشقيق.

المصدر: RT

مقالات مشابهة

  • زكي القاضي: ازدواجية المجتمع الدولي تمنح إسرائيل حصانة مفتوحة من العقاب
  • الهباش: الجرائم التي يرتكبها الاحتلال في فلسطين تزيد موجة العنف
  • مستشار الرئيس الفلسطيني: الجرائم التي يرتكبها الاحتلال بفلسطين تزيد من موجة العنف
  • عن اغتيال "سعد".."خبير أمني لـ"صفا": "إسرائيل" تُطبق نظرية "جز العشب" بغزة لمنع نمو المقاومة
  • أردوغان يشدد على ضرورة التزام إسرائيل بوقف إطلاق النار بغزة
  • السيسي يطلب من ماكرون زيادة الضغط الدولي على إسرائيل لوقف انتهاكاتها
  • "أونروا": لدينا مخزون غذائي لـ 1.3 مليون شخص بغزة ترفض "إسرائيل" دخولها
  • أردوغان يدعو المجتمع الدولي لدعم وقف إطلاق النار بغزة وإشراك الفلسطينيين في جهود السلام
  • أردوغان: على المجتمع الدولي تقديم دعم قوي لترسيخ وقف النار بغزة
  • اعلام عبري: إسرائيل وافقت على تحمل تكاليف إزالة الركام بغزة