في كل موسم حج، تحضر مشاهد الإيمان والخشوع بقوة، لكنها باتت تتجاور اليوم مع مشاهد من نوع مختلف تمامًا، تحمل طابعًا عصريًا يوثق التجربة من زوايا لم تكن مألوفة قبل سنوات.

فكاميرات الهواتف المحمولة تحولت إلى رفيق لا يغيب عن أي خطوة في رحلة الحجاج، والصور الذاتية "السيلفي" أصبحت جزءًا من سرد الحكاية التي يرويها كل حاج على طريقته.

منذ اللحظات الأولى لانطلاق الرحلة، يظهر حرص كثير من الحجاج على توثيق كل تفصيل، في المطارات، في الحافلات، وأثناء الإحرام، تلتقط الصور تباعًا وكأنها مشاهد سينمائية متسلسلة.

وعند الوصول إلى الأراضي المقدسة، يتحول الهاتف الذكي إلى عين ثالثة لا تنام، تتابع الطواف والسعي، وتسجل دعوات الحجاج ودموعهم وهم يقفون على صعيد عرفات، أو أثناء رمي الجمرات في منى.

في لقاءات أجراها موفد اليوم السابع بالأراضي المقدسة مع عدد من الحجاج، عبّر كثير منهم عن رغبتهم في أن يحتفظوا بكل لحظة من هذه الرحلة التي قد لا تتكرر مرة أخرى.

يقول حاج خمسيني إنه أراد أن يشارك أبناءه هذه اللحظات العظيمة، فكان يصور مقاطع قصيرة يرسلها إليهم أولًا بأول. يضيف أن ابنه الأصغر، الذي لم يتجاوز الثانية عشرة، كان يتابع كل فيديو ويطلب منه أن يصور أماكن بعينها في الحرم ليراها.

أما حاجة أخرى فأنشأت مدونة مصغرة على منصات التواصل الاجتماعي، توثق فيها يوميات الحج منذ لحظة الاستعداد في مصر حتى وصولها إلى مكة والمدينة.
تقول إنها شعرت أن هذه الرحلة تمثل "رحلة العمر" فعلًا، وكان من الطبيعي أن توثقها بكل ما تستطيع، لتبقى الذكرى حية في قلبها وقلب من تحب.

لكن الظاهرة لم تمر دون جدل، فهناك من يرى أن الإفراط في التصوير، خصوصًا في أوقات المناسك الكبرى، قد يشتت الحاج عن التركيز والخشوع.

ويرى البعض أن التوثيق ليس في حد ذاته مخالفًا، لكنه يصبح مشكلة حين يتحول إلى شاغل دائم للحاج، ويأخذ من وقته وجهده وتركيزه، وأن بعض الحجاج يلتقطون عشرات الصور في وقت الوقوف بعرفة، وهو وقت يعد من أشرف اللحظات في عمر المسلم، وكان الأولى أن يُستثمر في الدعاء والذكر لا في ترتيب زوايا التصوير.

وفي مقابل هذا الرأي، يرى آخرون أن التوثيق بات جزءًا من ثقافة العصر، ولا تعارض بين العبادة وبين تسجيل اللحظات المهمة. فالحاج، في نظرهم، يملك الحق في أن يحتفظ بما يساعده على تذكر تلك اللحظات، ومشاركتها مع من لم ينالوا فرصة الحج بعد.

اللافت أن بعض الحملات المنظمة للحج أصبحت تتجاوب مع هذا التوجه الجديد، حيث تقوم بعض الشركات بتوفير خدمات تصوير احترافية للحجاج، أو تنظيم جلسات تصوير تذكارية في مواقع رمزية، مع التأكيد على احترام خصوصية المناسك وعدم الإخلال بأجواء العبادة.

من جانبها، أطلقت وزارة الحج والعمرة في السعودية عدة حملات توعوية على مدار السنوات الماضية، تحث الحجاج على الالتزام بالضوابط الشرعية والتنظيمية خلال التصوير، خاصة في المناطق المزدحمة أو أثناء أداء المناسك الجماعية، حفاظًا على النظام العام وسلامة الجميع.

ويرى البعض أن هذه الظاهرة قد تتطور في المستقبل لتصبح جزءًا من منظومة تنظيمية، حيث يمكن للحاج أن يوثق رحلته بطريقة منظمة، دون أن يتسبب ذلك في أي إرباك أو إخلال بالمناخ الروحي العام، بل وربما تصبح الصور والفيديوهات لاحقًا جزءًا من أرشيف رقمي عالمي يسجل مشاعر ملايين المسلمين في بقاع الأرض أثناء أدائهم هذا الركن العظيم.

تتفاوت الآراء بين مؤيد يراها ذاكرة مرئية تبقى للأجيال، ومعارض يخشى أن تُفقد الرحلة طابعها الروحاني، لكن المؤكد أن الحج اليوم ليس فقط رحلة روح، بل أيضًا رحلة توثيق ومشاركة، تسافر فيها المشاعر والإيمان والعدسات معًا، وتحمل كل صورة قصة، وكل مقطع فيديو دعاء.







مشاركة

المصدر: اليوم السابع

كلمات دلالية: حج حجاج منى المشاعر المقدسة بعثة الحج جزء ا من

إقرأ أيضاً:

تقدم الى محكمة التعزية الأخ/ محمود أسعد بطلب تذييل حكم

تقدم الى محكمة التعزية الأخ/ محمود أسعد بطلب تذييل حكم

مقالات مشابهة

  • تقدم الى محكمة التعزية الأخ/ محمود أسعد بطلب تذييل حكم
  • #هذه_أبوظبي.. بعدسة محمد بن خالد
  • شهداء الحركة الرياضية .. الحلقة 331 (عبد الرحمن أبو غولة)
  • منال الشرقاوي تكتب: «يلا بابا!» فيلم يصالح الماضي
  • عوائل أسرى المؤبدات من مناطق الـ48: خُذلنا باستبعاد أبنائنا من الصفقة
  • حين تُزيّف الكاميرا الحقيقة.. هل أصبحت الفلاتر مرآة النساء الجديدة؟
  • تمديد آجال إيداع عروض خدمات حجاج الجزائر
  • منذر بودن: لن نسمح بإعادة سيناريو العشرية السوداء
  • فضل الصدقة اليومية للأحياء والأموات.. 27 سببا تجعلها عادة
  • الطريق إلى مكة يبدأ من العيادة: فحص إلزامي قبل التسجيل للحج.. وزارة الأوقاف تعتمد شروط الاستطاعة الصحية