عيد الأضحى المبارك هذا العام.. بالنسبة لنا نحن أهالي محافظة الداخلية ليس كسائر الأعياد، فنهنئ أنفسنا بأن حل المقام السامي لمولانا جلالة السلطان هيثم بن طارق، أدام الله مجده، للصلاة على أرض نزوى المباركة، وكأن أبا مسلم البَهلاني (ت:1339هـ) يخاطبه:

انزل على عرصات كلها قدس

للحق فيهن أزهار وأفنان

انزل على عذبات النور حيث حوت

أئمة الدين بطنان وظهران

حيث الملائكة احتلت مشاهدهم

لها على الحل والتعريج إدمان

أرض مقدسة قد بوركت وزكت

تنصب فيها من الأنوار معنان

ما طار طائرها لله محتسبا

له جناحان إيقان وعرفان

إلا وقام يمين الله ساعده

والفتح والنصر والتأييد أعوان

أنْ يختار جلالته - حفظه الله - نزوى ليؤدي فيها صلاة العيد الأضحى، لهو تأكيد على كونها بيضة الإسلام وصرح الدين، منها خرج الإمام جابر بن زيد الأزدي (ت:93هـ) التابعي الكبير، الذي شاع علمه في الأمة، وتتلمذ عليه رجال أصبحوا أركانا في العلم بكل المدارس الإسلامية.

كما أن العمانيين لمّا تعرضت عاصمتهم صحار للهجوم الخارجي فأسقط دولتهم؛ كانت نزوى هي ملجأهم الحصين، فأقاموا عليها أعمدة السياسة العمانية؛ فأداروا منها دولتين مركزيتين: الأولى.. ما بين عامي 177 و272هـ، والثانية.. ما بين 1034و1131هـ، لم تكونا دولتين شملتا الإقليم العماني بأسره فحسب، وإنما كانتا إمبراطوريتين تمددتا في البحار الشرقية، ففاءَت إلى عدلها واحتمت بقوتها بلدان كانت تئن من مدافع الاستعمار وترزح تحت سطوة ظلمه.

إن هذه الدولة الراسخة باستقرارها وعدلها وتسامح أبنائها، وبنشرها السلام في الأرض، ومواصَلة المجد الذي أسسه حكام عمان؛ أئمةً وسلاطين، لجدير بها أن تكون نزوى حاضرة في عالم اليوم بعلومها التي أثّلها علماء عمان؛ فقها وعقيدةً، لغةً وتأريخا، أدبا وشعرا، فكرا وفلسفةً، وهل الحضارة الإسلامية إلا أحرفٌ متآصرة من هذه العلوم؟ وجدير بنا أن نسير على نهج الأسلاف، فنبني بالعلم والمعرفة، ونزدهي بالثقافة والحضارة.

وإني لأرى نزوى بهذه الزيارة الميمونة تصبو لمرحلة جديدة؛ بأن تصبح عاصمة دائمةً للثقافة وكرسيا مكينا للفكر، فما أحرى بها أن تسير على خطى مصر بأزهرها الشريف، وتونس بزيتونتها المباركة. وأن تسابق معاهد العلم العالمية كأوكسفورد في بريطانيا، والسربون في فرنسا، وهارفارد في أمريكا. وأن تحيي أمجاد قلعة جبرين؛ التي أرست كليةً للعلوم، أرسى قواعدها الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي (ت:1104هـ)، الذي آمن بالعلم، وتجمّل بالفن، وتهذّب بالأدب، فخرجت في زمانه قامات للعلم والأدب؛ كالفقيهة عائشة بنت راشد الريامية والقاضي محمد بن عبدالله ابن عبيدان والأديب خلف بن سنان الغافري والشاعر راشد بن خميس الحبسي، ولو أن هذه المدرسة استمرت لكانت اليوم كرسيا عالميا للعلم، ولكن قدر الله سابق، فحصل ما حصل؛ والأمة إن لم تتكئْ على عمود الأمن تنازع أبناؤها وتفكك بنيانها.

إن عمان اليوم أدركت كثيرا من مضامين تاريخها، ومولانا جلالة السلطان المعظم دام عزّه، بحضوره المهيب في عاصمة عُمان التاريخية، وصَلاته على ترابها الطاهر، يرسم للأمة العمانية طريقا للريادة الثقافية على المستوى العالمي، فأرجو أن نعمل بهذا التوجيه السديد، ونبني عليه بما يجعل حضورنا المستقبلي قائما على تأريخنا التليد.

وإذ إن شباب نزوى متحمسون للعمل، عصاميون في بناء مشاريعهم؛ فنرجو أن تدفع مؤسسات الدولة بهم إلى التوازن في نموهم الثقافي والعمراني؛ توازنا ناهضا غير مثبط. فنزوى هي قلب عُمان، الذي يحفظ لها أصولها، ففي عالم التحولات المتسارعة؛ تأرز الأمم إلى تراثها الأصيل وهُويتها المميزة، وليس شيء أقدر على تحقيق ذلك من العلم والثقافة.

إن خطبة العيد الأضحى؛ التي أُلقيت بمسمع من عاهل البلاد صاحب الجلالة هيثم بن طارق، حفظه الله، تؤسس لهذا البُعد الحضاري في عماننا المجيدة، حيث جاء الربط بين الفيض الإيماني والتدبر العقلي الذي تزخر به آيات قصة النبي إبراهيم وبين الولاء للوطن:

(«الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ»؛ نهى الله تعالى عن الجدال في الحج، ونهانا عنه كل حين، لأن الجدال لا يُنهي خلافا.. بل يثير كراهية، ولا يقرّب الناس.. بل يفتن بينهم. «لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ».. هو وعينا في بناء الوطن كيلا يتسلل الجدال إليه، فيكسر هيبته، ويطفئ نوره، ويشوش نداءه. في حب الوطن نطفئ الجدال بإحياء الحكمة فكما «لَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ»؛ لا جدال في ثوابت الوطن، ولكل فكرة توقيتها، ولكل نقد حدوده، وأن يحرس العقل الحروف قبل أن تخرج، وأن تحفظ المقامات والحرمات. مع الوطن وفاء لا يفنى، ونماء لا يغيب، وفي القلوب ميثاق ولاء يشدّ بعضنا إلى بعض، ويصون ما بُني بالعقل والعزم. نسير معا على إخلاص القصد ووضوح الطريق، نحاور بحكمة، وننتقد بمسؤولية، ونتقدم بثقة).

وملحظ مهم آخر تطرقت إليه الخطبة؛ وهو أنَّ ما أصبح قرآنا يتلى كان بالأساس عملا من الصالحين أُقرَّ قدوةً للعالمين: (ثم يتجلى: «إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ»؛ تحول سعي هاجر من نداء أم في وادٍ مقفرٍ إلى شعيرة تتلى، وخطوات تروى، وسِفر يحفظه الحجاج، ويقرأه العارفون؛ بأن ماء زمزم لم ينزل من السماء.. بل نبع من قَدَم أم صدقت الدعاء، وسعت بين الخوف والرجاء، وصلت صلاة اليقين. فسعي الأمس بين جبلين صار فريضة اليوم بين الأجيال، ومن بعدها رسالة؛ أن الحياة لا تُمنح لمن ينتظر.. بل لمن يسعى، وأن بركة الأرض تبدأ حين تتحرك النية في قلب يؤمن ثم يعمل: «وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى». فتصبح القِفار بالعمل مهبطا للأفئدة، وموطنا للثمرات والعمران).

لقد تحدثتُ عن هذا المعنى في كتاب «السياسة بالدين»؛ وهو أنَّ الأحكام إنما نزلت بسبب الفعل الإنساني، ولم تُلقَ من سماء حبكاء على أرض صماء: (جاء القرآن لمعالجة عمل العقل الإنساني، فإن كان قد تقرر أن كل ما يصدر عن الإنسان هو بفعل تعقله، فالقرآن جاء ليعالج هذا الفعل العقلي. فالعقل الإنساني.. هو سبب نزول الوحي، والوحي عالج قضايا صادرة عن العقل).

ثم عقّب الخطيب بقوله: (فالأوطان.. يبدؤها قائد يخلص في توجيه البوصلة، ثم تتبعه أجيال تُؤمِّن خلف دعائه، وتقيم صلاة الولاء، وتؤدي طواف الشكر، وتشرب زمزم القيم، وتقف على صدق العمل، وتبيت على ثرى الانتماء، فيأتي الرزق ويستوجب الشكر: «وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ»). وهذا يؤكد على النهج القرآني في سياسته للاجتماع البشري كما ذكرته في «السياسة بالدين»: (عندما نتحدث بالذات عن الدولة فعلينا ألّا نتحدث عن الدين فيها بكونه تنزيلا علويا، فالدولة.. بسياقها التطوري وهيكلتها التي انبنت عليها؛ هي وضع اجتماعي متغيّر باستمرار، والدين كما يراه دعاته أمر متعالٍ، غير تابع للصيرورة الاجتماعية.. بل عندهم هو العكس، حيث يجب أن يخضع الاجتماع للدين بكونه أوامر ناجزة، عند هذه النقطة بالضبط يحصل الصراع)، ولتجنب هذه النقطة؛ أؤكد بأن (الدين ستبقى له قدسيته وتأثيره النفسي والاجتماعي، إلا أنه لابد من دراسته بكونه نسقا اجتماعيا، يدخل ضمن قوانين الاجتماع البشري؛ وفي مقدمته الدولة).

إن خطبة العيد الأضحى هذا العام تشق لنا طريقا لاحبا للتفكير الموضوعي في فهم الأحكام الشرعية؛ من حيث كونها فعلا بشريا، جرى تقويمه بالتنزيل الإلهي وتسديده بالحكمة النبوية.

أسأل الله لقائدنا المعظم هيثم بن طارق الذي جدد عمان بثوب الازدهار والعز والتمكين؛ أن يكون عونه الفتح والنصر والتأييد، وأرجو الله أن تكون الملائكة قد انصبّت بالأنوار الإلهية عليه، وعلى نزوى، وعلى الربوع العمانية جمعاء.

خميس العدوي كاتب عُماني مهتم بقضايا الفكر والتاريخ ومؤلف كتاب «السياسة بالدين».

المصدر: لجريدة عمان

إقرأ أيضاً:

من التحدي إلى التمكين .. كيف غيرت المسيرة القرآنية موازين السياسة والأمن في اليمن

شكلت اليمن نموذجًا معقدًا للأزمات السياسية والأمنية، حيث تداخلت الصراعات الداخلية مع التدخلات الخارجية، مما أدى إلى حالة من الهشاشة الأمنية والاجتماعية في هذا السياق، برزت المسيرة القرآنية المباركة كمبادرة متعددة الأبعاد تجمع بين الدعوة الدينية، العمل الثقافي، والدور الأمني الحيوي، لتقديم نموذج متكامل في مواجهة تحديات الوطن.

يمانيون / تقرير / طارق الحمامي

الخلفية الأمنية .. أسباب الأزمة وتعقيداتها

لفهم دور المسيرة القرآنية يجب التعمق في خلفية الأزمة الأمنية التي سبقتها، شهدت اليمن نزاعات سياسية متجذرة في الفوارق الإقليمية والمذهبية، تفاقمت بعد عام 2011 وتزامنت مع انهيار مؤسسات الدولة، مما أدى إلى انتشار الفوضى الأمنية ونشطت جماعات القاعدة وداعش التي ارتكبت أبشع الجرائم .

أدى هذا الواقع إلى تعطيل الحياة المدنية، مما أثر سلبًا على الروابط الوطنية، وتراجع دور المؤسسات الثقافية والدينية، وتصاعد مظاهر التطرف، وهو ما شكل تحديًا أمام جهود إعادة الاستقرار.

 

المسيرة القرآنية .. أمل يتجاوز البعد الديني إلى الأفق السياسي والأمني

أثبتت المسيرة القرآنية المباركة أنها إطار شامل يعيد تشكيل الوعي المجتمعي والسياسي ويؤسس لواقع أمني مختلف، ويكمن تميز المسيرة في قدرتها على التحول من خطاب الوعظ إلى مشروع بناء شامل للدولة والمجتمع، بما يتجاوز المفهوم التقليدي للدين إلى واقع مادي ملموس يلامس حياة الناس اليومية،

من الإيمان إلى الوعي السياسي .. أحد أبرز التحولات التي قادتها المسيرة هو رفع سقف الوعي السياسي في المجتمع اليمني، من خلال تقديم تفسير قرآني واقعي لطبيعة الصراع القائم، ووضعه في سياق مواجهة الهيمنة الخارجية والتبعية، لقد أعادت المسيرة توجيه الوعي الشعبي نحو إدراك العدو الحقيقي ، المتمثل في القوى الصهيوأمريكية وأدواتها الإقليمية وهو ما شكل تحولًا جذريًا في المفهوم العام للمواجهة السياسية.

كما تبنت المسيرة مفهوم التحرر السياسي من الوصاية الخارجية كركيزة للعمل السياسي، وقدمت نموذجًا في القيادة القائمة على القيم لا المصالح، وهو ما جذب شريحة واسعة من الشعب الباحث عن مشروع سياسي أخلاقي بعيد عن الفساد والتبعية.

المسيرة كعامل تماسك وطني .. في ظل الانقسام السياسي والمناطقي الذي ساد اليمن لعقود، جاءت المسيرة لتطرح خطابًا وحدويًا جامعًا يتجاوز الحزبية والمناطقية والمذهبية، اعتمدت على الهوية الإيمانية المشتركة كأساس للانتماء الوطني، ورفضت الانخراط في مشاريع التقسيم أو الاستقطاب، ما جعلها عامل توازن واستقرار في المشهد السياسي.

الخطاب الذي تتبناه المسيرة لا يستثني أحدًا، بل يدعو الجميع إلى الانخراط في مشروع وطني جامع، يحفظ السيادة ويواجه العدوان، دون تمييز على أساس الانتماء السياسي أو الجغرافي.

التحول من رد الفعل إلى صناعة القرار .. في الوقت الذي بقيت فيه معظم القوى السياسية الأخرى أسيرة ردود الفعل أو المناكفات الداخلية، استطاعت المسيرة أن تبني مشروعًا استراتيجيًا واضح الأهداف والمسارات، يشمل الأبعاد العسكرية، الأمنية، الاقتصادية، والإعلامية، وصولًا إلى الرؤية السياسية للدولة.

وهو ما جعلها شريكًا رئيسيًا في صناعة القرار السياسي والأمني، ليس فقط من خلال التوجيه الخطابي، بل من خلال التأسيس العملي لمؤسسات تحاكي مشروع الدولة المستقلة. ومن اللافت أن هذا المشروع السياسي نما في قلب المعركة، لا من خارجها، ما منحه المصداقية والفاعلية.

بناء الثقة بين المواطن والدولة .. نجحت المسيرة أيضًا في إعادة ترميم العلاقة بين الشعب والسلطة، بعد سنوات من فقدان الثقة بسبب الفساد والخذلان السياسي. اعتمدت على مفهوم “خدمة الناس كواجب إيماني”، وسعت إلى تخفيف معاناة المواطن في كل المجالات الممكنة، ضمن الإمكانيات المتاحة.

هذا النهج جعل الناس شركاء في الدفاع عن بلدهم ومشروعهم، لا مجرد متفرجين أو ضحايا.

 

دور المسيرة القرآنية المباركة في تثبيت الأمن والقضاء على التهديدات الداخلية

منذ انطلاقها، لم تكتفِ المسيرة القرآنية المباركة بخوض معركة الوعي والتثقيف، بل سرعان ما تحوّلت إلى قوة فاعلة في إعادة صياغة المشهد الأمني الداخلي في اليمن، لا من خلال أدوات القمع أو الاستعراض الأمني، وإنما عبر ترسيخ منطلقات قرآنية تؤمن بأن الأمن يبدأ من الإنسان المؤمن والواعي والمسؤول.

في بيئة داخلية ممزقة، تنشط فيها التهديدات المتنوعة، خلايا نائمة، عناصر إجرامية، شبكات تخابر، وفساد إداري، لعبت المسيرة دورًا محوريًا في تفكيك التهديد من جذوره لا من سطحه، من خلال ثلاث مسارات رئيسية:

تجفيف بيئة الاختراق والتجنيد .. أحد أبرز نجاحات المسيرة في المجال الأمني هو قدرتها على تجفيف البيئة التي تتغذى منها التهديدات الداخلية، وخاصة بيئة الجهل، الانفلات، والفراغ الفكري، فمن خلال تنشيط الحراك الثقافي الإيماني، وتكثيف المحاضرات القرآنية، وتوسيع حملات التوعية داخل الأحياء، نجحت في رفع منسوب الوعي المجتمعي، ما جعل الشباب أقل قابلية للاستدراج من قبل الجهات المعادية التي تعتمد على تجنيد العاطلين والمهمشين.

وقد تم في هذا السياق، إجهاض عشرات المخططات لتجنيد عناصر داخل الأجهزة الأمنية، وكشف حالات كانت تستهدف شباب الجامعات لاستغلالهم في أعمال تخريبية، وتحصين المناطق الحساسة مجتمعيًا من الاختراقات الناعمة (إعلاميًا وفكريًا).

تفكيك الخلايا والعملاء داخليًا ..  دعمت المسيرة المباركة بشكل فعّال جهود الأجهزة الأمنية في تفكيك الخلايا التخريبية المرتبطة بقوى العدوان، والتي تنشط داخل المدن والمؤسسات،  وقد أُعلن خلال السنوات الماضية عن عشرات العمليات الأمنية النوعية التي أفضت إلى، ضبط خلايا تجسس تعمل ضمن الوزارات والمرافق السيادية، وإحباط محاولات تفجير واغتيال كان مخططًا لها بدقة عالية، وتفكيك شبكات تهريب للمعلومات والاتصالات كانت مرتبطة بسفارات وجهات استخبارية أجنبية.

ويرجع الفضل في كثير من هذه الإنجازات إلى حالة الارتباط الشعبي بالمشروع القرآني، الذي وفّر بيئة موثوقة لتبادل المعلومات، وأسّس لشراكة حقيقية بين المواطن والأمن.

الردع الأخلاقي والسلوكي للظواهر التخريبية .. اعتمدت المسيرة نهجًا مختلفًا عن النمط الأمني التقليدي، من حيث أنها لم تكتفِ بملاحقة التهديد بعد وقوعه، بل استهدفت البنية النفسية والسلوكية التي تُنتج الانحراف والتخريب، سواءً عبر الإعلام التربوي، أو بناء القدوات، أو تبنّي حملات إصلاح اجتماعي وسلوكي داخل الأحياء والمدارس والمراكز الشبابية، وكانت الرسائل القرآنية حاسمة في تقليل نسب الجريمة والانحراف في المناطق التي تتبنى المشروع القرآني، وإضعاف الحاضنة الاجتماعية للجريمة والارتزاق الأمني، وتعزيز القيم التي تحصّن الفرد من الوقوع في دوائر العمالة أو الفساد.

وكانت النتيجة أمن متماسك نابع من قناعة داخلية يتميز بوعي مجتمعي حي ومشاركة شعبية متفاعلة، وجهاز أمني يعمل من منطلقات قيمية،

 

الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في تعزيز الجانب الأمني

لا يمكن فهم نجاح المسيرة القرآنية الأمني بمعزل عن الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والسياسية:

البعد الاجتماعي .. تعزيز اللحمة الوطنية عبر بناء جسور التواصل بين مكونات المجتمع وتقوية الروابط الأسرية والقبلية على أساس القيم القرآنية، مما خلق شبكة دعم مجتمعية قللت فرص الفتنة والاختراقات الأمنية.

البعد الاقتصادي .. دعم مبادرات تنموية بسيطة تحفز التعاون والتكافل الاجتماعي، تعزز صمود السكان وتقلل من استغلال الفقر والبطالة في تجنيد الشباب ضمن جماعات مسلحة.

البعد السياسي .. توفير فضاء للحوار البناء وتوحيد الأطراف على قواسم وطنية ودينية مشتركة، مما ساهم في تهدئة الاحتقان السياسي وتعزيز التعاون الأمني.

تكامل هذه الأبعاد شكل دعائم صلبة لإنجاح الجانب الأمني للمسيرة.

 

خاتمة 

تُظهر المسيرة القرآنية نموذجًا فاعلًا في استثمار القيم الدينية والثقافية لبناء الاستقرار السياسي والأمني، وتفتح الباب أمام تجارب مشابهة إقليميًا، وتحليل دور المسيرة القرآنية يبرز الترابط بين الأبعاد الدينية والثقافية والسياسية والأمنية، ويؤكد أن المبادرات القائمة على القواسم المشتركة وبناء الوعي المجتمعي تشكل أدوات فعالة في مواجهة الأزمات، في ظل تعقيدات اليمن، تُعد المسيرة مثالًا حيًا على قدرة الخطاب الديني المعتدل على تحفيز التغيير الإيجابي وتحقيق الاستقرار.

مقالات مشابهة

  • “بي بي سي”: قرار ستارمر الاعتراف بدولة فلسطينية يعد تغيّراً في السياسة البريطانية
  • هل تشهد السياسة التركية في ليبيا تحولا استراتيجيا جديدا؟
  • بعد زلزال روسيا والتسونامي الذي ضرب عدداً من البلدان... هذا ما كشفه خبير جيولوجي عن لبنان
  • كاتب إسرائيلي: السياسة تجاه غزة انهارت والحرب عالقة
  • من التحدي إلى التمكين .. كيف غيرت المسيرة القرآنية موازين السياسة والأمن في اليمن
  • اتفاق كابل وإسلام آباد التجاري.. اقتصاد يتجاوز السياسة أم امتداد لها؟
  • دراسة لجامعة نزوى: 4% من أراضي سلطنة عمان صالحة لزراعة القمح حتى عام 2080
  • "موديز" ترفع التصنيف الائتماني لبنك نزوى إلى درجة الاستثمار "Baa3"
  • الحمد لله الذي جعلنا يمنيين
  • برشلونة يعيد روجر مارتينيز إلى كامب نو.. تدعيم مستقبلي لفريق الشباب