في عصر تنوعت فيه المغريات وتعاظمت تحديات الواقع المادية والاجتماعية عزّ على الأفراد وحتى الجماعات الثبات على المبدأ، ورسوخ القناعات حول قضايا أخلاقية، قومية أو حتى إنسانية عامة، لكن رغم تهاوي العالم القيمي في خضّم عالم مادي متهافت تبقى ثمَّ قامات لا تموت، وبصمات لا تفنى وإن تجاوزتها الأضواء وأريد لها الفناء والخفوت، بين مساحات الضوء الراسخة تلك يسكن الصادقون من حملة المبدأ صنّاع الأثر فنا خالدا وصوتا لا يموت.
بعد أربعة عقود من السجن، عاد المناضل اللبناني جورج إبراهيم عبدالله من فرنسا إلى بيروت الجمعة، بعد إدانته في ثمانينيات القرن الماضي بتهمة التواطؤ في اغتيال دبلوماسيين أمريكي وإسرائيلي، غادر سجن لانميزان الواقع في جنوب غرب فرنسا فجرا، برفقة موكب أمني ضم ست مركبات، بعد صدور قرار من محكمة الاستئناف في باريس الأسبوع الماضي يقضي بالإفراج عنه بشرط مغادرته الأراضي الفرنسية وعدم العودة إليها، محاكمة جورج سنة 1987 قضت بسجنه مدى الحياة متهما بالضلوع في اغتيال الدبلوماسيين عام 1982، ورغم استحقاقه الإفراج المشروط منذ 25 عاما، بقي رهن الاعتقال كل هذه العقود بعد رفض 12 طلبا لإطلاق سراحه.
التقت وكالة الأنباء الفرنسية عبدالله البالغ 74 عاما عصر الخميس بعد صدور القرار، مع النائبة عن اليسار الراديكالي أندريه تورينا في زنزانته المغطى أحد جدرانها بصورة تشي غيفارا على خلفية حمراء حيث علّق خريطة للعالم وملصقات فلسطينية، خلال اللقاء قال عبدالله وقد غزا الشيب لحيته الكثة إن «أربعة عقود هي فترة طويلة لكن لا تشعر بها متى كانت هناك دينامية للنضال» وقد اعتبر قضاة محكمة الاستئناف بفرنسا مدة احتجازه «غير متناسبة» مع الجرائم المرتكبة ومع سنّ القائد السابق لـ«الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» جاء في الحكم أن عبدالله بات «رمزا من الماضي للنضال الفلسطيني»، مشيرا إلى أن المجموعة الصغيرة التي كان يتزعمها وتضم مسيحيين لبنانيين علمانيين وماركسيين وناشطين مؤيدين للفلسطينيين، باتت منحلّة «لم ترتكب أي أعمال عنف منذ 1984» جورج عبدالله لم يقر يوما بضلوعه في عمليتي الاغتيال لكنه صنفها ضمن أعمال «المقاومة» ضد «القمع الإسرائيلي والأمريكي» في سياق الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990) والغزو الإسرائيلي لجنوب لبنان في العام 1978.
بدأ جورج حياته المهنية معلما في مدرسة، معرفا نفسه بأنه «كادح وليس من البَكَوات»، مستنكرا الظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، منضما في مراحله الأولى للثورة الفلسطينية، مبينا تأثره بحياة «المخيمات» في لبنان، متجولا بين أزقة مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين، مستخدما دراجته النارية، ليوزع مجلة «الآداب» على المهتمين، وبعد إنهائه الدورات التثقيفية، انضم إلى الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين رسميا، منتقلا من الشمال إلى منطقة «الجبل» في «مهمة جهادية» معلنا بذلك نهاية مرحلة «جورج المعلم» وولادة «جورج المقاتل» حتى أصبح جزءا من الجناح العسكري للجبهة الشعبية، لتصبح الأراضي اللبنانية كلها ساحة قتاله، خدم في الجنوب، والبقاع، والجبل، وبيروت، لكن بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي عقدته منظمة التحرير الفلسطينية مع الاحتلال الإسرائيلي قبيل اجتياح بيروت عام 1982، انفصل عن الجبهة، رافضا التهدئة مع العدو، متخذا مسارا خاصا به، متأثرا بمقولة وديع حداد «وراء العدو في كل مكان»، وانقطعت أخباره إلى حين سماع خبر اعتقاله في فرنسا. يوم 24 أكتوبر 1984، دخل جورج عبدلله مركزا للشرطة في ليون الفرنسية، طالبا الحماية من ملاحقة الموساد الإسرائيلي له، كان حينها يحمل جواز سفر جزائري، بعد أن استخدم جوازات سفر أخرى من مالطا والمغرب واليمن للعبور إلى يوغوسلافيا وإيطاليا وإسبانيا وسويسرا وقبرص، لكن الأجهزة الأمنية الفرنسية سرعان ما أدركت أن الرجل الذي يجيد اللغة الفرنسية ليس سائحا وإنما هو عبدالقادر السعدي؛ الاسم الحركي لجورج عبدالله، وعثر بعدها في إحدى شققه في باريس على أسلحة بينها بنادق رشاشة وأجهزة إرسال واستقبال.
في مشهد آخر للثبات على المبدأ في مواجهة التحديات أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية بيانا أعلنت فيه أن البحرية الإسرائيلية سيطرت على سفينة «حنظلة» التي كانت تحاول دخول المنطقة البحرية قبالة سواحل غزة، كانت السفينة جزءا من مهمة لكسر الحصار البحري المفروض على قطاع غزة، وهي تقل متضامنين دوليين وناشطين في حقوق الإنسان وصحفيين من عدة جنسيات، وصل عددهم إلى 21 شخصا، السفينة المنطلقة من شواطئ إيطاليا في 13 يوليو 2025، تعرضت لمحاولات عرقلة مثل تخريب محركها ووضع مادة حارقة في حاوية مياه على متنها، لكنها استمرت في الإبحار نحو غزة رغم التهديدات الإسرائيلية الواضحة، مساء 26 يوليو، اقتحمت قوات البحرية الإسرائيلية السفينة في المياه القريبة من غزة، وأجبرت جميع الركاب على التسليم، ثم أوقف البث المباشر الذي كان يوثق الاقتحام، بعد السيطرة، تم توجيه السفينة نحو شواطئ المناطق المحتلة، مؤكدة سلامة جميع الركاب.
هذه السفينة ضمن سلسلة من محاولات «أسطول الحرية» كسر الحصار الإسرائيلي على غزة، وقبلها محاولات سابقة لسفن مثل «مادلين» و«الضمير» تعرضت لهجوم بطائرات مسيرة إسرائيلية قبل أشهر، يأتي ذلك في وقت تشن فيه إسرائيل حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقفه، وقد خلفت الإبادة أكثر من 204 آلاف فلسطيني بين قتيل وجريح معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين. حنظلة التي تحمل السفينة اسمه شخصية ابتكرها الرسام الفلسطيني الراحل ناجي العلي، يظهر حافي القدمين، بملابس ممزقة وخدوش على رأسه، دلالة على مرارة حياة الفلسطينيين والصعوبات التي يواجهونها، ظهر أول مرة عام 1969 في جريدة «السياسة» الكويتية، لكنه منذ عام 1973 أدار ظهره وكتّف يديه خلف ظهره، في وضعية استياء واحتجاج على سياسات العالم تجاه القضية الفلسطينية.
ختاما: ما زال حنظلة الخالد عاقدا كفيه خلف ظهره، رافضا صمت العالم عن العدوان الإسرائيلي، رمزا مؤثرا رغم غياب مبدعه جسدا عن هذا العالم، وما زال جورج عبدالله معتنقا قضية فلسطين رغم أربعة عقود من السجن، مضحيا بالكثير في سبيل قناعاته، وما زلنا -وافقنا أم اختلفنا- نقلب صفحات الثبات والمقاومة متلمسين دربا للتأثير وتغيير الحدث إنقاذا لإنسان هذا العالم المنهك صراعات وحروبا.
حصة البادية أكاديمية وشاعرة عمانية
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
تظاهرة لأهالي المعاملتين استنكارا لقتل جورج وليليان تحومي
نفذ اهالي وابناء المعاملتين تظاهرة، استنكارا لجريمة قتل المغدورين جورج وليليان تحومي الاسبوع الماضي، واحتجاجا على الوضع الأمني المتفلت.
بداية، تجمع المتظاهرون على المدخل الجنوبي للمنطقة ووقفوا دقيقة صمت حدادا على ارواح المغدورين.
تحدث رئيس بلدية جونية فيصل افرام وشدد على "التزام البلدية الحفاظ على الأمن كما الإنماء وتطبيق القانون والنظام من اجل حفظ أمن المواطنين من سمان واهالي وزوار جونية وغزير والمعاملتين"، واكد "التنسيق بين الشعب والبلدية والقوى الامنية والعمل يدا واحدة لإنهاء الجريمة ".
وقال :"بعد اليوم، لن نقبل بهذا الواقع في هذه المنطقة واتخذنا التدابير والخطط الامنية لإعادة المعاملتين منطقة سياحية بإمتياز ، وسنتابع مسيرتنا ولن نتوقف من اجل استتباب الامن والحياة الكريمة في المعاملتين".
وألقى نجل المغدورين الدكتور عبدالله التحومي كلمة شكر خلالها الجميع على مواساتهم وصلاتهم، وسأل"ما كان ذنب والدي ليكون هذا مصيرهم ؟ "، ووعد روحهما "تحقيق العدالة ليس فقط بمحاكمة المجرمين بل بتنظيف هذه المنطقة من كل هذه الحال الشاذة والإجرام، من اجل الحفاظ على اهلنا واولادنا ."
وختم معلنا "اطلاق مؤسسة جورج وليليان تحومي الإجتماعية ، هدفها المحافظة على الإستقرار الاجتماعي والأمني". (الوكالة الوطنية)
مواضيع ذات صلة الخازن وصابر زارا وزير الداخلية: لمعالجة ظاهرة الدعارة والتفلت في المعاملتين Lebanon 24 الخازن وصابر زارا وزير الداخلية: لمعالجة ظاهرة الدعارة والتفلت في المعاملتين 31/07/2025 13:09:35 31/07/2025 13:09:35 Lebanon 24 Lebanon 24 ظاهرة تنتشر بين طلاب "الترمينال" وتثير جدلاً بين الأهالي Lebanon 24 ظاهرة تنتشر بين طلاب "الترمينال" وتثير جدلاً بين الأهالي 31/07/2025 13:09:35 31/07/2025 13:09:35 Lebanon 24 Lebanon 24 اجتماع درزي استنكاراً لأحداث السويداء بحضور شيخ العقل ومشايخ ونواب من الطائفة Lebanon 24 اجتماع درزي استنكاراً لأحداث السويداء بحضور شيخ العقل ومشايخ ونواب من الطائفة 31/07/2025 13:09:35 31/07/2025 13:09:35 Lebanon 24 Lebanon 24 جريمة تهز منطقة المعاملتين.. قتلوا الزوج وزوجته بهدف السرقة Lebanon 24 جريمة تهز منطقة المعاملتين.. قتلوا الزوج وزوجته بهدف السرقة 31/07/2025 13:09:35 31/07/2025 13:09:35 Lebanon 24 Lebanon 24 قد يعجبك أيضاً "حزب الله" يرفع السقف مجدّدًا.. ما مصير جلسة الثلاثاء الحكوميّة؟! Lebanon 24 "حزب الله" يرفع السقف مجدّدًا.. ما مصير جلسة الثلاثاء الحكوميّة؟! 13:00 | 2025-07-31 31/07/2025 01:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 جلسة تشريعية في مجلس النواب.. وهذه آخر المقرّرات Lebanon 24 جلسة تشريعية في مجلس النواب.. وهذه آخر المقرّرات 12:32 | 2025-07-31 31/07/2025 12:32:38 Lebanon 24 Lebanon 24 تغييرات داخل "الأمن الفلسطيني" في لبنان.. القرارات حاسمة Lebanon 24 تغييرات داخل "الأمن الفلسطيني" في لبنان.. القرارات حاسمة 12:00 | 2025-07-31 31/07/2025 12:00:00 Lebanon 24 Lebanon 24 في "ليلة المتاحف".. مواطنون "مُطربون" في خان الإفرنج Lebanon 24 في "ليلة المتاحف".. مواطنون "مُطربون" في خان الإفرنج 11:30 | 2025-07-31 31/07/2025 11:30:00 Lebanon 24 Lebanon 24 الكعكي: الجيش ضمانة وحدة لبنان وحصر السلاح بيده ضرورة وطنية Lebanon 24 الكعكي: الجيش ضمانة وحدة لبنان وحصر السلاح بيده ضرورة وطنية 13:02 | 2025-07-31 31/07/2025 01:02:13 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة بعد انتهاء تقبل التعازي بوفاة زياد الرحباني.. موقف لافت من ريما الرحباني: "خلصِت التمثيلية" Lebanon 24 بعد انتهاء تقبل التعازي بوفاة زياد الرحباني.. موقف لافت من ريما الرحباني: "خلصِت التمثيلية" 08:29 | 2025-07-31 31/07/2025 08:29:18 Lebanon 24 Lebanon 24 لهذا السبب ارتفعت فاتورة الكهرباء Lebanon 24 لهذا السبب ارتفعت فاتورة الكهرباء 14:40 | 2025-07-30 30/07/2025 02:40:22 Lebanon 24 Lebanon 24 بالصور.. هذا ما حصل داخل الضاحية Lebanon 24 بالصور.. هذا ما حصل داخل الضاحية 18:23 | 2025-07-30 30/07/2025 06:23:58 Lebanon 24 Lebanon 24 معلومات.. "سوق سوداء" جديدة في لبنان! Lebanon 24 معلومات.. "سوق سوداء" جديدة في لبنان! 21:39 | 2025-07-30 30/07/2025 09:39:29 Lebanon 24 Lebanon 24 في هذا التاريخ... مذكرة بإقفال الإدارات والمؤسسات العامة Lebanon 24 في هذا التاريخ... مذكرة بإقفال الإدارات والمؤسسات العامة 14:27 | 2025-07-30 30/07/2025 02:27:53 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 13:00 | 2025-07-31 "حزب الله" يرفع السقف مجدّدًا.. ما مصير جلسة الثلاثاء الحكوميّة؟! 12:32 | 2025-07-31 جلسة تشريعية في مجلس النواب.. وهذه آخر المقرّرات 12:00 | 2025-07-31 تغييرات داخل "الأمن الفلسطيني" في لبنان.. القرارات حاسمة 11:30 | 2025-07-31 في "ليلة المتاحف".. مواطنون "مُطربون" في خان الإفرنج 13:02 | 2025-07-31 الكعكي: الجيش ضمانة وحدة لبنان وحصر السلاح بيده ضرورة وطنية 12:55 | 2025-07-31 قردة تسللت من إسرائيل إلى هذه البلدة الجنوبية! فيديو انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) Lebanon 24 انحنى ليواسيها.. هذا ما قالته السيدة فيروز للسفير المصري (فيديو) 09:31 | 2025-07-30 31/07/2025 13:09:35 Lebanon 24 Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) Lebanon 24 ستنافس سامسونغ وآبل.. هذه مواصفات ساعة غوغل المنتظرة (فيديو) 08:32 | 2025-07-30 31/07/2025 13:09:35 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! Lebanon 24 لبنانيون يشربون البلاستيك.. هذا ما تحتويه مياهنا! 19:35 | 2025-07-29 31/07/2025 13:09:35 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان فيديو خاص إقتصاد عربي-دولي متفرقات أخبار عاجلة Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24