شهادات عمال فلسطينيين طردتهم إسرائيل إلى غزة المدمَّرة بعد أن اعتقلتهم وعذبتهم
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
ضمن مجموعات صغيرة، يتدفق بشكل متواصل الجمعة رجال طردتهم إسرائيل إلى قطاع غزة ويسقط بعضهم على ركبتيه من شدة الإجهاد، لكنهم جميعا يريدون إظهار آثار احتجازهم في إسرائيل من علامات تقييد المعصمين إلى الرقم المربوط إلى كواحلهم.
بدأت إسرائيل الجمعة طرد آلاف الغزاويين الذين دخلوا أراضيها للعمل قبل السابع من تشرين الاول/أكتوبر، إلى قطاع غزة الذي يتعرض لقصف إسرائيلي عنيف.
وأكد بعضهم إنهم يجهلون إن كانت لا تزال لديهم عائلات أو منازل يذهبون إليها.
ويقول نضال عابد "منذ بداية الحرب سلمنا أنفسنا للجيش الإسرائيلي لأنهم أعلنوا سحب التصاريح منا، كنا مسجونين لا نعرف أي شي، اليوم اطلقوا سراحنا من السجن" مشدداً على أن لا فكرة لديهم عن الوضع القائم.
والوضع الذي يتحدث عنه والذي بدأ قبل شهر تقريباً هو الحرب التي بدأت بعد هجوم غير مسبوق لحركة حماس داخل الأراضي الإسرائيلية. وتقول إسرائيل إن 1400 شخص قتلوا على أراضيها في اليوم الأول من هذا الهجوم خصوصاً.
جاءت الشرطة واعتقلتنا، عذبونا بالكهرباء، وأطلقوا علينا الكلاب ..بعدها أخذونا الى معسكر حيث وضعونا في مكان لا يصلح لإيواء الحيواناتومنذ ذلك الحين تقصف إسرائيل من دون هوادة قطاع غزة الذي يسكنه نحو 2,4 مليون فلسطيني محاصرين ومحرومين من المياه والكهرباء والمواد الغذائية. وقتل أكثر من 9227 غالبيتهم من المدنيين في عمليات القصف الإسرائيلي بحسب وزارة الصحة التابعة لحركة حماس.
وبعد ثلاثة أيام على هجوم حماس ألغت إسرائيل 18500 تصريح عمل ممنوحة لفلسطينيين في قطاع غزة.
"لا نعرف بأي وقت نموت"
عند معبر كرم أبو سالم يمر هؤلاء العائدون من دون مقتنيات شخصية.
يروي ياسر مصطفى أبو طه إنه أوقف في أيام الحرب الأولى عندما كان في إسرائيل.
ويوضح "جاءت الشرطة واعتقلتنا، عذبونا بالكهرباء، وأطلقوا علينا الكلاب ..بعدها أخذونا الى معسكر حيث وضعونا في مكان لا يصلح لإيواء الحيوانات".
فيديو: "نحن ضحايا على الهواء مباشرة".. مراسل تلفزيون فلسطين في غزة ينهار باكيا بعد مقتل زميلهعلى بعد مسافة قصيرة، يعرض رجال عدة أيديهم مع جروح لم تلتئم وكواحلهم التي طوقت بقيود بلاستيكية زرقاء مرقمة وقد حملت احداها رقم 061962" و أخرى "062030".
ويشير رجل إلى معصميه اللذين لا يزالان يحملان أثار الجروح والضرب والقيود.
لا نعرف شيئا عن أهلنا ولا أهلنا يعرفون إن كنا أحياء أو أمواتا.ويؤكد رمضان العيساوي "اعتقلونا 23 يوماً في سجن عوفر" الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.
ويوضح "أقاموا هناك معسكر اعتقال، لا نعرف بأي وقت نموت فيه فقط نعيش بالماء".
ويروي "لا نعرف شيئا عن أهلنا ولا أهلنا يعرفون إن كنا أحياء أو أمواتا".
شاهد: إسرائيل تعيد "آلاف" العمال الفلسطينيين إلى غزة بعد طردهم"أفلام رعب"
ويضيف "معنوياتنا دمرت. لو كنا خلال الحرب هنا لكان أهون علينا أن نموت مع أولادنا".
في اثناء توجهه إلى داخل قطاع غزة المدمر، يروي صبري فايز أبو قمرة أن "ما حدث لا يحكى، أفلام رعب ليس لها نهاية، ناس يطلقون عليهم الكلاب، ناس يؤخذون من بيننا للتحقيق لدى جهاز شين بيت (الأمن الداخلي)والاستخبارات العسكرية وكل أجهزة الأمن، الرشاشات ..نحن عمال لا نعرف أي شي لا نعرف سوى رزقنا".
ويضيف "نحن متنا مليون ميتة".
المصادر الإضافية • أ ف ب
شارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية فيديو: الناخبون المسلمون يبتعدون عن بايدن في ظل خيبة أملهم من دعمه لإسرائيل شاهد: قصف مدفعي إسرائيلي في محيط مستشفى القدس في غزة طائرات مسيّرة أميركية في سماء غزة للمساعدة في البحث عن الأسرى اعتقال عمال غزة تعذيب فلسطين الصراع الإسرائيلي الفلسطينيالمصدر: euronews
كلمات دلالية: اعتقال عمال غزة تعذيب فلسطين الصراع الإسرائيلي الفلسطيني غزة إسرائيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فلسطين حركة حماس قصف قطاع غزة ضحايا قتل عاصفة حرية الصحافة غزة إسرائيل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني فلسطين حركة حماس قصف یعرض الآن Next قطاع غزة لا نعرف فی غزة
إقرأ أيضاً:
بين الجَغِم والبلّ: خرائط الموت التي ترسمها الجبهة الإسلامية على أجسادنا
إبراهيم برسي
في بلادٍ تكسّرت فيها البوصلات، ولم يتبقَّ للناس سوى البكاء على ما لا يُبكى عليه، وجدنا أنفسنا في زمنٍ تُحكمه مفردتان فقط: “الجَغِم والبلّ”. ليستا مجازًا، بل تقنية للقتل الشعبي، تُمارَس في وضح النهار، ويباركها العقل المغسول تحت إيقاع أناشيد الحرب.
“الجَغِم” لم يعد فعلاً بدائيًا لشخص يبتلع ما ليس له، بل تحوّل إلى ماكينة مؤسسية تلتهم الذهب، والنفط، والموتى، وتُنتج بلاغات وفتاوى.
أما “البلّ”، فقد صار طقسًا شعبيًا لإضفاء الشرعية على هذا الجشع. كلمة تُقال بصوت خافت، لكنها تحمل في طيّاتها استسلامًا جماعيًا. كأنك تقول: دع الأمر للقدر، فالعدو دائمًا هو الآخر، والحرب دائمًا هي الحل.
تقول عالمة النفس الفرنسية ماري فرانس هيريجوين:
“الأنظمة السلطوية لا تحتاج لإقناعك، بل فقط لإرباكك، لتخلق مساحة ذهنية تُمكِّنها من غرس أفكارها كحقائق.”
وهذا بالضبط ما فعلته الجبهة الإسلامية حين تسلّلت إلى المؤسسة العسكرية، لا كضيف، بل كمضيفٍ أعاد تعريف معنى الوطن، والعدو، والموت.
في بورتسودان، تُدار الدولة من ثكنة عسكرية، ويُحكم البلد عبر فتاوى القهاوي.
في نيالا، يُدفن الموتى دون أسماء.
في الفاشر، صارت المقابر أكبر من المدارس.
في أم درمان، تُخفي العائلات أبناءها لا من العدو، بل من الجيش.
ولفهم ما نحن فيه، لا بد أن نتذكّر ما حدث في رواندا عام 1994.
حينها، لم يكن السلاح هو المشكلة، بل الكلمة. في راديو “ميل كولين”، كانت الأغاني الشعبية تُغنّى، ثم تتبعها دعوة صريحة:
“اقطعوا التوتسي كالأنشاب.”
هكذا تبدأ المجازر: بمصطلحات تبدو عفوية، بعبارات يُردّدها الناس دون إدراك، ثم ينفجر العنف.
“بلّ بس”، اليوم، تُشبه تمامًا تلك العبارات. تُفتح بها أبواب الجحيم، وتُشرعن بها مجازر لا تُشبه المجازر، بل تُشبه النشيد الوطني بصيغة جنائزية.
يقول أنطونيو غرامشي:
“الهيمنة لا تتحقق بالعنف وحده، بل بالموافقة الصامتة للمقهورين.”
وهذه الموافقة هي ما تفعله الجبهة الإسلامية كل يوم، حين تحوّل المواطن إلى “متلقٍ”، ثم إلى “مُبرِّر”، ثم إلى “جلّاد”، باسم الدولة أو الدين أو القبيلة.
أما الذين يجغمون بالفعل، فهم ليسوا على الجبهات، بل في البنوك، في دبي، في أنقرة، في الدوحة، وفي القاهرة.
يجغمون العقود، والشركات، والذهب، والمستقبل.
يحرقون البلاد، ثم يتهمون المواطن بأنه لم “يبلّ بما فيه الكفاية”.
هل هذا وطنٌ أم مسرح عمليات؟
هل هذه حربٌ أم إعادة تموضع للجبهة تحت رايات جديدة؟
هل ما زلنا بشرًا، أم مجرّد وقود بين “الجَغِم والبلّ”؟
لكننا نعرف.
نعرف أن الجبهة لا تحارب لتنتصر، بل لتحكم.
وأن المواطن لا يموت فقط، بل يُعاد إنتاجه كأداة للقتل.
نعرف أن “الجَغِم” صار مصيرًا، و ”البلّ” صار عقيدة.
لكننا، رغم كل شيء، نعرف.
ومن يعرف، لا ينجو بالمعرفة… بل يُساق بها إلى النفي.
أشد أنواع الغسيل دموية، ليس ذاك الذي يُبيّض القميص، بل الذي يُغطّي الجريمة بلون الراية.
وحين تتدفق الأكاذيب من الشاشات إلى الدماغ، يتحوّل المواطن إلى جندي دون أن يرتدي الزي العسكري.
يضحّي بابنه، ويصفّق لمن نهب راتبه، ويقولها دون تفكير:
“بلّ بس… نحنا في معركة وجود وكرامة.”
تستعيد ذاكرتنا نموذج سيراليون، حيث تحوّل الأطفال إلى قتلة باسم “الوطن”.
تقول الباحثة الكندية نومي كلاين:
“حين يُعاد تعريف العنف كضرورة أخلاقية، تنهار البنية النفسية للإنسان، ويصبح القتل فعلَ طمأنينة.”
وهذا ما نراه:
مواطنون يتعاملون مع الحرب كأنها زواج مقدّس، ومع الموت كأنه استثمار مضمون في سوق الوطنية.
في “الخوي والنهود”، لم يعد الناس يتساءلون عمّن هو على حق، بل عمّن لا يزال على قيد الحياة.
في “دنقلا وكسلا”، لا يُسأل الأب عن حلم ابنه، بل عن موقعه على الخارطة:
في الجيش؟ في الدعم؟ أم في المقابر؟
السودان اليوم ليس بلدًا، بل سجن مفتوح يدور فيه الحارس والضحية في حلقة “بلّ وجَغِم”، بين رصاصتين، ورايتين، وبيانين.
نحن الذين كُتب علينا أن نعيش بين “الجَغِم والبلّ”، لا نملك حتى ترف الصمت.
لأن الصمت نفسه صار مشاركة في الجريمة.
لأن “البلّ” اليوم يعني أنك قبلت أن تُمحى،
و ”الجَغِم” يعني أنك صرت جزءًا من ماكينة المحو.
وحدهم الذين لا يبلّون ولا يجغمون، من يكتبون بأجسادهم معنى الوطن.
أما الباقون، فقد اختاروا شكلهم في الجنازة: بين قاتلٍ يبتسم، ومبرّرٍ يبرّر، وجثةٍ تصفّق في الغياب.