صراع التيارات بهدف سلطة أم تغيير..؟
تاريخ النشر: 4th, November 2023 GMT
معلوم في الفكر السياسي؛ أن نتائج و أثر الصراع السياسي في أية مجتمع محكوم بفاعلية و دور الطبقة الوسطى الاستناري في المجتمع، باعتبار أن الطبقة الوسطى تنشأ و تتوسع عندما تكون هناك هياكل و بناء طبقي في المجتمع، الأمر الذي يمكن الطبقة الوسطى أن تلعب دورا مهما و مؤثرا في قيادة التغيير، و بما أن الطبقة الوسطى برز دورها الاستناري تاريخيا في أوروبا و استطاعت أن تحدث تغيير كبيرا على نظم كانت تسيطر عليها طبقة الاقطاع، و هي نظم سياسية مغلقة يقودها أبناء هذه الطبقة الاقطاعية، إلي نظم ديمقراطية مفتوحة لكل أبناء الوطن.
أن الإشكالية التي تعيق عملية الديمقراطية في السودان، تتمحور في عاملين اساسيين.. الأول ضعف الطبقة الوسطى و ضعف دورها الاستناري، و أيضا دورها في الإنتاج الفكري. توقفت قوة دفع هذه الطبقة في المجتمع السوداني منذ سبعينيات القرن الماضي، حيث تراجع دورها الريادي، و كانت تأخذ صفة الريادية لتركيزها على القضايا الكبرى في حل الأزمات، و التي تتعلق بالوطن و المواطن، و بدأ يتراجع دورها في المجتمع بسبب طول فترات الأنظمة الشمولية، و ألتي ساهمت في تآكل الثقافة الديمقراطية، مما جعلها تعاني حالة من الضعف. و كان قد بدأ ظهور الثقافة الديمقراطية في السودان عندما تخرجت الأجيال الأولى للتعليم الحديث في السودان، الذي مكنهم على الاطلاع على تيارات الفكر في العالم، و متابعة التطورات السياسية في العديد من المجتمعات. العامل الثاني طول فترات الحكم الشمولي الذي أضعف الأحزاب السياسية التي كانت تقود عميلة التغيير في المجتمع، و كانت هذه الأحزاب قادرة أن تتجاوز خلافاتها من خلال حوارات مفتوحة بينها، هذه الضعف في الأحزاب كان له أثرا كبيرا على نوعية القيادات السياسية، حيث تراجعت ألأجندة الوطنية لصالح الأجندة الحزبية و الرغبات الشخصية، كان لابد أن يكون له أثرا سالبا في عملية أي تغيير. كانت القيادات من قبل تجاوب على الأسئلة المطروحة من قبل المجتمع، و كانت أيضا تعدلها بهدف أن يجيب عليها المجتمع باعتبار أن الوعي ينشأ من خلال المتقابلات المعرفية و ليس الوقوف ضدها، المقابلات هي التي تنتج الحوار الايجابي، عندما يشعر كل جانب أنه قادر على على الإسهام فيه، و الذي يعجز يبحث عن طرق لوقف مرور تيارات الهواء النقي.
أن حالة الضعف الاقتصادي التي شهدها السودان، منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي، و أدت إلي نزوح العديد من المواطنين في الاقاليم إلي المدن و خاصة العاصمة، و هؤلاء النازحين كانوا منتجين في اقاليمهم و يدعمون الدخل القومي، و نزوحهم جعلهم يعيشون على هامش المدن، و يعملون في أعمال هامشية غير منتجة، كل ذلك أثر في الدخل القومي و انعكس سلبا على مستوى معيشة المواطن و خاصة الطبقة الوسطى، الأمر الذي أضعفها و أضعف دورها في عملية الاستنارة، خاصة الأحزاب؛ حيث لا تجد أي إنتاج معرفي و ثقافي للأحزاب يمكن أن يسهم في الوعي الشعبي، يساعد على تأسيس ثقافة ديمقراطية تقود لوعي يدفع بعملية التحول الديمقراطي. أن الصراع الدائر حتى الآن هو صراع حول السلطة؛ كل يحاول أن يقنع الآخر أنه يمثل الثورة؛ و يجب على الأخرين أن يقدموا لهم فروض الطاعة و الولاء، و الغريب في الأمر أن أي رأي أخر غير مطلوب، لأنه متهم أنه رأي يخالف شعارات الثورة، هذه المسألة ليست محصورة فقط وسط عضوية الأحزاب، أيضا تمددت وسط المثقفين و قادة الرآي، الأمر الذي أغلق منافذ الحوار. رغم التاريخ السياسي للشعوب و التغييرات التي حدثت لها تؤكد أن عمليات التغيير دائما تواجه تحديات من قبل القوى المحافظة و القوى التي تعتقد أن التغيير يؤثر سلبا على مصالحها الخاصة، و الطمأنة لهؤلاء دائما تأتي من دعاة التغيير حتى يزيلوا كل الحواجز التي تعترض طريق التغيير.
أن صراع التيارات السياسية في السودان غير مبني على الأفكار أنما على شعارات فوقية لا تلامس الواقع، و حتى رؤى التغيير ليست مطروحة للحوار، بل هي رؤى وجدت لكي يلتزم بها الآخرين رغم شعارات الديمقراطية المرفوعة. و في الثقافة السياسية؛ معلوم أن الحوار هو أنجع وسيلة لإبعاد أدوات العنف عن الساحة السياسية، و هو وحده الذي يجعل العقل أداة للتفاهم و حل المعضلات. أن الخلافات، و الانقسامات التي تشهد الساحة السياسية السودانية، و التي أدت للحرب، و تشريد الملايين من المواطنين من دورهم، يجب الوقوف عندها و دراستها و التعامل معها بعقل مفتوح، إذا كان الهدف فعلا هو عملية التحول الديمقراطي. الساحة الآن تنقسم إلي قوى الحرية و التغيير "المركزي" و معها بعض الحركات و مجموعة من القوى المدنية... و قوى الحرية "الديمقراطي" و معها بعض الحركات و قوى مدنية أيضا، تحالف الجذريين الحزب الشيوعي و عدد من القوى المدنية... الإسلاميين و هم ليس مجموعة واحدة متعددي الانتماءات.. و أيضا قوى أخرى بأسماء مختلفة لها رؤى مغايرة للأخرين... إضافة للقوات المسلحة.. ميليشيا الدعم و عدد من الحركات.. كل هذا الكم من التحالفات المختلفة فكريا هي في حاجة لهندسة فكرية. بمعنى الحاجة لقيادات سياسية منتجة للأفكار.. باعتبار أن الفكر هو الأداة الناجعة و الفاعلة في عملية التغيير، و إرساء القواعد لعملية التحول الديمقراطي.
السؤال الذي يجب أن تجاوب عليه النخب السياسية، و أيضا صانعي الرأي: كيف الاستفادة من هذا الكم المتنوع، و المتعدد الأفكار و التوجهات، و تحويله من الاتجاه السالب الذي يؤدي إلي الاحتراب، إلي حوار منتج للثقافة الديمقراطية و يحترام الرأى الأخر، و في ذات الوقت منتج للثقافة الديمقراطية التي تعبد طريق عملية التحول الديمقراطي...؟ هو سؤال واحد و لكنه صعب لتخوف البعض من ردة فعل الآخرين.. الإجابة عليه تحدد مسار العمل و تفرق بين السلبي و الايجابي. هل هناك أداة إعلامية لها اتساع في الأفق يجعلها تسهم في حوار يجمع تيارات مناهضة لبعضها البعض. أنها عملية ليست باليسر لآن حدة الاستقطاب تجعل هناك العديد من الفزاعات التي تحول دون الفعل. لكنه الوطن الذي يجب دفع الضريبة من أجله. و التجربة تبدأ متعثرة أولا، لكنها حتما سوف تجد الدعم من القوى التي تؤمن بعملية التحول الديمقراطي دون "منً أو أذى " ثم يدلف إليها الباقين. نسأل الله حسن البصيرة.
[email protected]
/////////////////////
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الطبقة الوسطى الأمر الذی فی السودان فی المجتمع
إقرأ أيضاً:
في بولندا.. العثور على فارس من العصور الوسطى مدفونًا تحت متجر آيس كريم
دبي، الإمارات العربية المتحدة (CNN) -- اكتشف علماء الآثار رفات فارس من العصور الوسطى، مدفونًا تحت محل آيس كريم مغلق في مدينة غدانسك البولندية.
وقد عمل الخبراء في المكان الواقع بحي Śródmieście (وسط المدينة) التاريخي منذ العام 2023، حيث اكتُشف بداية شاهد قبر من العصور الوسطى مزين بصورة محفورة لفارس، وفق بيان صادر عن مؤسسة الآثار البولندية "ArcheoScan" أُرسل إلى CNN، الثلاثاء.
وفي وقت سابق من شهر يوليو/ تموز، رفع شاهد القبر، ليتم الكشف عن هيكل عظمي كامل لرجل بالغ يُعتقد أنه عاش في القرن الثالث عشر أو الرابع عشر.
وأشارت سيلفيا كورزينسكا، عالمة آثار ومديرة مؤسسة "ArcheoScan"، في البيان إلى أنّ هذا الاكتشاف "ذو أهمية استثنائية" ويُعد "من أهم الاكتشافات الأثرية ببولندا في السنوات الأخيرة".
والضريح مصنوع من حجر غوتلاند الجيري، الذي كان يُعتبر ثمينًا جدًا في العصور الوسطى، ويُظهر النقش البارز فارسًا يرتدي درعًا من حلقات السلسلة، وسراويل مدرعة، ويحمل سيفًا وترسًا.
ويبلغ طول اللوح حوالي 150 سنتيمترًا، ولا تزال التفاصيل المهمة في العمل الفني مرئية، رغم تعرّضه لضرر جزئي.
وأوضحت كورزينسكا أن "شاهد القبر محفوظ بشكل رائع، بالنظر إلى أنه نُحت من حجر جيري ناعم وظل مدفونًا تحت الأرض لقرون".
وأضافت: "يظهر الفارس واقفا منتصبًا وهو يحمل سيفًا مرفوعًا، وهي وضعية يُرجح أنّها ترمز إلى السلطة والمكانة الاجتماعية الرفيعة".
وبحسب كورزينسكا، فإن هذا ما يميز شاهد القبر عن غالبية فنون القبور في أواخر العصور الوسطى، التي كانت تقتصر غالبًا على نقوش تأبينية، أو لوحات شعارات نبالة، أو صلبان مسيحية.
ومن الغريب أيضًا أن العمل الفني وسياقه الأثري لا يزالان سليمين.
وبعد رفع الحجر، وجد علماء الآثار بقايا رجل كان طوله يتراوح بين 170 و180 سنتيمترًا ، وهو أطول بكثير من المتوسط في العصور الوسطى، وفقًا لما ذكرته كورزينسكا.
وقالت: "كانت العظام مرتبة بشكل طبيعي، ما يؤكد أن شاهد القبر يحدد موقع الدفن الأصلي، وتشير التحليلات الأولية إلى 'حالة حفظ ممتازة'".
وأضافت كورزينسكا: "رغم عدم العثور على أي مقتنيات جنائزية، فإن جميع الأدلة المتاحة تشير إلى أن المتوفى كان شخصًا يتمتّع بمكانة اجتماعية رفيعة، ويُرجح أن يكون فارسًا أو قائدًا يحظى بتقدير واحترام كبيرين".
وكان القبر جزءًا من مقبرة تضم نحو 300 مدفن، وكانت ملحقة بأقدم كنيسة معروفة في غدانسك.
وبُنيت الكنيسة من خشب البلوط الذي تبيّن أنه قُطع في العام 1140، وكانت تقع في معقل من العصور الوسطى المبكرة، استُخدم من أواخر القرن الحادي عشر حتى مطلع القرن الرابع عشر، وفق ما جاء في البيان.
وأوضحت كورزينسكا: "كان هذا مكانًا للقوة والإيمان والدفن، مساحة تكتسب أهمية رمزية واستراتيجية في تاريخ غدانسك".
وأضافت أن الاكتشاف الأخير "يوفر مصدرًا لا يُقدّر بثمن من المعرفة حول حياة وموت النخبة العسكرية في غدانسك خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر، وعن تقاليد الدفن في العصور الوسطى، وعن الروابط الثقافية عبر بحر البلطيق".
ويعمل الخبراء الآن على إجراء المزيد من التحاليل لكل من شاهد القبر والهيكل العظمي.
ويتم تنظيف اللوح الحجري وتثبيته بحيث يمكن توثيقه ومسحه ضوئيًا بتقنية ثلاثية البعد للسماح بإعادة بناء الأجزاء المفقودة رقميًا، في حين سيخضع الهيكل العظمي لتحليل أنثروبولوجي وجيني للكشف عن المزيد حول حياة الفارس، كما سيتم إجراء إعادة بناء لملامح الوجه استنادًا إلى الجمجمة.
بولنداآثاراكتشافاتنشر الثلاثاء، 29 يوليو / تموز 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.