نافذ الرفاعي يكتب: السهو الكبير للكتّاب العرب
تاريخ النشر: 20th, November 2023 GMT
اعذرونى أيها الكتاب العرب، وأنتم لستم أقل منِّى وجعاً وحيرة وريبة بنا نحن معشر البلهاء، وهل توقيتنا ضمن ساعة غزة مكتظ بالحزن والوجع؟!
تكلم حتى أراك، وما الذى أسكتك زمن نفير الكلام ووطيس الصمت ألجمك، كرنفال الموت لا يحتاج إلى أهازيج خائبة، يا عازف البوق لا تنَم الآن، وأيقظ كل من فى الزقاق العربى الضيق، لا تتسلح بالتحليلات السياسية الرثة وأنصت لصوت الوجع.
قد نفيق أيها الأدباء وأشياء غريبة فى أحشائنا زرعها الدمار، لا حاجة للتعرف على قدسية دم الأطفال والأبرياء، تقف مشدوهاً أيها الكاتب العربى، وعاجزاً أيها الشاعر مدعياً معاندة الحروف لحزنى، وهذه اللحظة التاريخية الشاردة من المثقف الذى طوق روحه بيديه المقطوعة افتراضياً.
يا أيها الشعراء والأدباء.. ألم تروا حورية البحر تغرق بين ثنايا موج غزة الرابض فى زخات الرصاص، تكلم حتى أراك قبل انصهار الكلمات والحروف مع وقع حرارة جحيم زنادقة الحرب.
أتحاشى الجواب لأن ذلك يقرع بشدة على بوابة السجن الكبير الذى صنعنا زرده باضطرابنا، كنت قد كتبت تخيلاً عن راهن الحال فى أرض المحنة، ولكننى مزقته مع اقتراب أحذية الجنود من بيتى، سمعت صراخ النساء.
قلت ما هى الملحمة ومن كتبها فى ظلنا، أبحث عن وردة فى أرض غزة لعل عطرها يخفف من رائحة البارود والموت الذى ترسله الطائرات.
سألت نفسى: متى تنتهى الحرب وتملأ العصافير البلاد؟ هل نحن بحاجة إلى أن ننشد لموتنا ونغنى القصائد الممنوعة لتخفف العنت الذى يملأ عالمنا؟
اعذرونى أيها الكتاب العرب، وأنتم لستم أقل منِّى وجعاً وحيرة وريبة بنا نحن معشر البلهاء، وهل توقيتنا ضمن ساعة غزة مكتظ بالحزن والوجع؟!
امسح التقويمات الميلادية والهجرية، واكتب التاريخ الجديد السابع من أكتوبر الذى كسر سيف «جدعون» الذى طالما أدمانا وحمل نبوءات الأضواء المهلكة فى سماء غزة.
هل أرسل لكم برقية عزاء، أم نداء استغاثة، أم تحريضاً على الصمت، أو أطلعكم على أحلام طفل أضاع لعبته تحت الردم؟
سادتى وأنا منكم تلفنى الحيرة عن خطابى لكم، هل هو رسالة، أم تحذير من أحلام عابث بالكون يريد مملكة من النيل إلى الفرات، وجيشاً من الأقنان يخدمون تفوقه، هل أخبركم أن هذا الأمريكى هرع يلملم سمعته فى انخطاف مذهل؟!
هل هذا البوح المحرم يؤذى قلقكم المبهم، أم يسبب اكتئاباً متلاشياً؟ صدقونى أن خرائط وطنى العربى لا تعطى لذة لقطيع خارج اللوحة العربية الباهرة، ولكن حذارِ لأن رخاوتها قيد مربوط بخيط نحيل، وأن الاستغراب لن ينفعكم.
فى دقائق معدودة عليكم وأنا منكم لن ينفعنا الخجل الزائغ عن مصيرنا، لن يفيد أن نتعامل مع المحنة كمضغ القات بمتعة التنطع، أيها الأدباء ما زالت خيلنا تصهل والغرب الإمبريالى يريد تشويه السابع من أكتوبر، يعبر رقم العشرة آلاف قتيل أو شهيد فى معادلة رقمية باهتة، وكأن هؤلاء ليسوا بشراً وأطفالاً لهم أحلام ونساء لهن حكايا، وفنان بُترت يده سيمسك الريشة بأصابع قدميه، أرقام يريدها بلا قيمة مجردة من كينونتها. فى الممر الإجبارى لكم مسار واحد، أن تكتبوا وتتمردوا على الصمت وعلى انكسار الأقلام، لتنشدوا رغم اللحظة الطاغية.
لن تنتهى الأعداد ولكن أنتم من تبثون فيها روحاً جديدة، تعيدون مواعيد وأحلام العاشقين، تحكون أمنيات جائع مُحاصر لرغيف الخبر، وطعم مياه البحر لمحروم من الشرب، وعن جدران بيته المهدود بين الركام، عن أحلام مرحلة داهمتنا فى غفلة ما واجتازت البلاد بحدودها، وكنا نتجادل حول رأس الدبوس الذى يسكن على قمته تسع وتسعون إبليسا.
ونحن هنا رمادٌ للحرب الذى يحترق فى مهبل الشيطان الأمريكى، ورغم ذلك الله فى قلبى، رائحة العطر للأطفال الذين ينامون على وجه القمر، يغفون ويبتسمون لكم، وتحرضكم: اكتب فى اللحظة الطاغية كى أراك، أو لا أعود أراك.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الأدب الفلسطيني فلسطين وزير الثقافة
إقرأ أيضاً:
معركة هارفارد وضرب غزة بالنووي
صراع الإرادات الناشب بين الرئيس الأمريكى، وجامعة هارفارد، يعكس فى جوانبه معركة اليمين المتطرف المناصر لإسرائيل ظالمة ومظلومة، مقابل رغبة دوائر أمريكية فى التحرر من قيود، وضعها التحالف الدائم بين الإدارات الأمريكية المتعاقبة، على كل من يتجرأ على الخروج عن الخط المرسوم فى تأييد الكيان الصهيونى، حتى وإن تعارض الأمر مع القيم الإنسانية، وحرية الاختيار التى تقوم عليها فكرة الدولة الأمريكية ذاتها.
فقبل أن يعود ترامب إلى منصبه فى البيت الأبيض، شهدت جامعة هارفارد والعديد من الجامعات الأمريكية احتجاجات ومظاهرات ضد عمليات الإبادة التى تمارسها إسرائيل فى غزة، التى تجاوزت حد الرد على هجوم حماس فى 7 أكتوبر 2023 إلى انتقام وحشى أدى إلى استشهاد أكثر من 50 ألف فلسطينى غالبيتهم من الأطفال والنساء والمدنيين العزل، وهو ما أثار استياء الملايين عبر العالم.
التظاهرات المنددة بالعدوان الإسرائيلى على غزة، فى جامعة هارفارد خصوصا، أثارت حفيظة ترامب ومناصريه من مؤيدى إسرائيل، ودفعت بالرئيس الأمريكى إلى اتهام هارفارد بـ«الترويج لأيديولوجيات ماركسية ويسارية متطرفة، ومعادية للسامية»، وطالب ترامب باخضاع الجامعة التى تخرج فيها 162 فائزا بجوائز نوبل، عمليات التسجيل والتوظيف لهيئة إشراف قبل أن تلغى إدارته، الخميس الماضى، حق هارفارد فى تسجيل الطلاب الأجانب.
القرار جاء تتويجا لصراع ممتد بين هارفارد وترامب، بعد أن رفضت الجامعة تسليم سجلات سلوك الطلاب الأجانب التى طلبتها وزارة الأمن الداخلى الشهر الماضى، وهو ما تعتبره قيادة الجامعة أمرا يتجاوز بكثير دور الحكومة الفيدرالية وقد ينتهك الحقوق الدستورية للجامعة التى تقاتل بشراسة دفاعا عن استقلالها الأكاديمى.
وفى مواجهة قرار ترامب ضد هارفارد الذى يهدد مستقبل نحو 7 آلاف طالب أجنبى بينهم ملكة بلجيكا المستقبلية الأميرة إليزابيث التى تدرس السياسة العامة ضمن برنامج مخصص لطلبة الماجستير، طعنت الجامعة قضائيا على القرار الذى اعتبره البعض وسيلة فى «صراع أوسع بين الديمقراطية والاستبداد».
وفى اليوم التالى لقرار ترامب حصلت هارفارد على أمر قضائى، أصدرته القاضية الفيدرالية فى محكمة بوسطن أليسون بوروز، بوقف مؤقت لحظر تسجيل الطلاب الأجانب، والتى اعتبرت القرار «انتهاكا صارخا» للدستور.
الحكم بوقف قرار ترامب مؤقتا هو جزء من معركة يبدو أنها ستمتد مع العديد من المؤسسات الأمريكية المماثلة لجامعة هارفارد، ومع كل من يناصر القضية الفلسطينية التى يريد حلفاء ترامب تصفيتها بشتى الطرق، حتى وإن تطلب الأمر استخدام السلاح النووى.
فالنائب الجمهورى، من حزب ترامب، راندى فاين، دعا بشكل صريح إلى ضرب قطاع غزة بالسلاح النووى على غرار ما فعلته الولايات المتحدة مع مدينتى هيروشيما وناجازاكى فى اليابان قبل نهاية الحرب العالمية الثانية.
فاين اعتبر خلال مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية، فى اليوم نفسه الذى أصدر فيه ترامب قراره ضد هارفارد، أن «القضية الفلسطينية.. قضية شريرة»، والحل التخلص منها بالسلاح النووى قائلا: «لم نتفاوض على استسلام النازيين، ولم نتفاوض على استسلام اليابانيين، قصفنا اليابانيين مرتين نوويًا للحصول على استسلام غير مشروط، ويجب أن يكون الأمر نفسه هنا» فى إشارة إلى غزة.
لا يرى النائب الأمريكى المتطرف فى القضية الفسطينية غير «الشر» الذى يجب القضاء عليه بالقنابل النووية، منكرا حقيقة أن الشر نفسه يكمن فى أمثاله، وأمثال حلفائه من الإسرائيليين، حيث تتلاقى أفكاره مع مواقف وزير التراث الإسرائيلى المتطرف أميخاى إلياهو، الذى دعا فى نوفمبر 2023 إلى إلقاء قنبلة نووية على قطاع غزة، باعتبار الأمر«أحد الخيارات» لتحقيق هدف القضاء على حركة حماس.
يتجاهل فاين حق الشعب الفلسطينى فى أرضه التى سلبها الإسرائيليون، لكن الغريب أننا لم نسمع، حتى الآن صوتا واحدا من داخل الكونجرس الأمريكى يدين تصريحات هذا النائب المتطرف الذى يتفاخر بضرب اليابان بالقنابل النووية، ويدعو جهارا إلى تكرار الأمر مع غزة، وهى ثقافة «إرهابية» يبدو أنها متأصلة فى بعض النفوس الأمريكية.
(الشروق الجزائرية)