لم تعد مخيماتهم صالحة للعيش.. الشتاء يُفقد أهالي شمالي سوريا أرواحهم
تاريخ النشر: 24th, November 2023 GMT
شمال سوريا – بالإبرة والخيط يحاول محمد الدرقلي إصلاح ما فسد في جدران خيمته، استعدادا لفصل الشتاء في منطقة سرمدا شمال سوريا.
يتخوف محمد الدرقلي -وهو نازح منذ 6 أعوام من ريف إدلب الجنوبي- من تجربته في الشتاء الماضي، إذ يقول "في السنة الماضية دخلت مياه الأمطار إلى خيمتي وأغرقتها، والآن ينتابني حالة من الخوف من قدوم شتاء قارس يزيد من معاناتنا".
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف الدرقلي "أعيش في هذه الخيمة منذ 3 سنوات، وأعمل في نهاية كل صيف على إصلاح الشقوق في جدران وسقف الخيمة التي تضررت جرّاء حرارة شمس الصيف ورياح الخريف، بهدف استقبال فصل الشتاء الذي اعتدنا أن يكون فصلا للتعب والمعاناة".
مع دخول فصل الشتاء، يبدأ القلق والخوف من الزائر الثقيل الذي يتسلل إلى خيام وقلوب النازحين في مخيمات شمال غربي سورية، نظرا للكارثة التي تحل بهم في هذه الفترة من كل عام، حتى باتوا يتمنون أن لا يأتي الشتاء عليهم.
كارثة التدفئة
بدوره يؤكد ياسر الحمود، وهو نازح ويعيش في خيمة بمنطقة البردقلي شمال إدلب، أن الشتاء الماضي تدفأ على العيدان وبعض الملابس القديمة التي حصل عليها من جيرانه، ولا أمل لديه هذا في تركيب مدفأة، بسبب حالة الفقر الشديد التي يعاني منها.
ويضيف الحمود طبقة جديدة لسقف الخيمة يمكنها أن تخفف البرد عن أطفاله في فصل الشتاء، ويرفع التراب على جدران الخيمة وتدعيمه ببعض الحجارة، لكي يمنع جدران الخيمة من التطاير في العواصف الهوائية والمطرية، بحسب حديثه للجزيرة نت.
وبعد ارتفاع أسعار الطاقة البديلة في البلاد إلى حد كبير، تكررت معاناة آلاف العائلات النازحة ضِمن مخيمات الشمال السوري، وبات السكان أمام وضع صعوبته لا توصف مع غياب مستلزمات الشتاء الأساسية.
وتراوح سعر طنّ الحطب ما بين 130 و175 دولارا، في حين تراوح سعر طن القشور بأنواعها ما بين 190 و275 دولارا، مما جعل العائلات النازحة تبحث عن بديل معقول.
ويحرق السكان قطع البلاستيك والألبسة البالية وأكياس النايلون، وغيرها من مواد أخرى يتم جمعها من مجمعات القمامة، لاستخدامها في التدفئة، رغم خطورة المواد المتطايرة والأبخرة التي ترافق عملية الحرق.
أرقام صادمة
في مشهد مماثل تلملم صبحية الحسان بعض العيدان من المنطقة الجبلية الواقعة بالقرب من مخيمها بمنطقة رأس الحصن شمال سوريا، كما تقوم بحطب بعض الأشجار الجبلية وجلبها لتدفئة أطفالها خلال فصل الشتاء.
تقول صبحية للجزيرة نت إنها تكافح على مدار الساعة لجلب أكبر كمية من العيدان والحطب مع دخول فصل الشتاء، لأنها لا تملك الأموال لشراء الحطب ولا الديزل ولا حتى شراء مدفأة جديدة؛ بسبب غياب مدخول، وعدم كفاية مدخول زوجها الذي لا يتجاوز 3 دولارات في اليوم.
وأكدت المتحدثة ذاتها أن العائلات التي تملك ثمن التدفئة تكاد تكون نادرة، مشيرة إلى أن كثيرا من العوائل في المخيمات أخبروها بعدم تركيب مدافئ لشتاء هذا العام.
وكشف بيان لفريق "منسقي استجابة سورية" أن أكثر من 94% من العائلات والنازحين في مناطق ومخيمات شمال غربي سوريا، عاجزة عن تأمين مواد التدفئة لفصل الشتاء.
وأضاف البيان نفسه أن أسعار هذه المواد ارتفعت خلال موسم الشتاء الحالي 120% مقارنة بالعام الماضي، بينما لا يتجاوز دخل 83% من العائلات 50 دولارا شهريا، مما يعني أن الحصول على مواد التدفئة أمر صعب المنال.
ولفت الفريق إلى أن 67% من العائلات تسعى إلى تخفيض الاحتياجات الأساسية خاصة الغذاء، في محاولة يائسة للحصول على التدفئة خلال موسم الشتاء.
وأشار المصدر ذاته إلى أن 79% من العائلات النازحة -خاصة داخل المخيمات- لم تحصل على مساعدات التدفئة خلال موسم الشتاء الماضي، الذي شهد وفيات بسبب انخفاض درجات الحرارة، إضافة إلى الحرائق والأضرار في المخيمات نتيجة استخدام مواد غير صالحة للتدفئة.
دعم شحيح
بدوره، يشكو أحمد المرعي من طريقة عمل المنظمات الإنسانية في توزيع مواد التدفئة على مخيمات النازحين، بسبب تأخرهم في منح المدافئ والأغطية والملابس الشتوية لمنتصف الشتاء وحتى نهايته.
وقال المرعي للجزيرة نت إن إحدى المنظمات، خلال العام الماضي، وزعت مواد التدفئة بعد مضي 3 أشهر على فصل الشتاء، والملابس الشتوية للأطفال مع نهايته، وبرروا ذلك بأنهم لا يستطيعون تقديمها بداية الفصل حتى انتهاء حملات التبرع والتي تدوم أشهرا، مؤكدا أن معظم العائلات ترتجف بردا في بداية الشتاء.
كذلك طالب بيان فريق الاستجابة المنظمات الإنسانية والفرق التطوعية والأمم المتحدة، بتجهيز مشاريع الشتاء، وتأمين الدعم اللازم لأكثر من مليونَيْ مدني في المخيمات.
وأكد مدير فريق إدلبيون التطوعي إبراهيم الزيدان، أنهم يطلقون في كل شتاء حملات مكثفة بالتنسيق مع المنظمات والفرق التطوعية لتأمين مستلزمات التدفئة لأكبر قدر من الأهالي.
وأضاف في حديثه للجزيرة نت، أن أعداد النازحين هائلة، والحاجة كبيرة جدا، ولا يمكن للفرق التطوعية والمنظمات الإنسانية تغطية كل احتياجات الشتاء للأهالي، لأن الدعم شحيح.
وطالب الزيدان المانحين الدوليين بتكثيف الدعم، لأن كل فصل شتاء يُفقد الأهالي أرواحا بسبب البرد والصقيع، وخصوصا أن خيام المخيم معظمها يتطاير بسبب الرياح، أو تغرق بسبب السيول.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مخیمات النازحین من العائلات للجزیرة نت فصل الشتاء شمال سوریا
إقرأ أيضاً:
مجلة إسرائيلية: تدمير مباني غزة يهدف إلى جعل القطاع غير صالح للعيش
أجرت مجلة "972+" الرقمية الإسرائيلية تحقيقا يوثق بالصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو حجم الدمار الهائل في قطاع غزة، الذي تسببت فيه الغارات الجوية والجرافات الإسرائيلية، وأوقعت أعدادا كبيرة من الشهداء والجرحى.
وفي التحقيق المشترك الذي أجراه الصحفي ميرون رابوبورت وزميله المصور الصحفي أورن زيف، تحدث جنود إسرائيليون عمّا وصفوها بحملة إسرائيلية ممنهجة لجعل القطاع مكانا غير صالح للعيش.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2أم من غزة: أطفالنا مجرد جلد على عظمlist 2 of 2أستاذ بهارفارد: الأمر مع ترامب أشبه بمشاهدة دولة تنتحرend of listوتظهر الصور والفيديوهات التي تضمنها التحقيق، دبابات تجوب أرجاء غزة، وجرافات تستعد لهدم المباني، وجنودا تعلو وجوههم الابتسامة ومن خلفهم منازل تلتهمها النيران.
ويكشف مشهد مصور التُقط من الجو، كيف بدا مخيم تل السلطان شمال غربي مدينة رفح في جنوب قطاع غزة، في 14 فبراير/شباط 2025، وكيف أصبح في 10 مايو/أيار الجاري، حيث سويت مبانيه أرضا.
تدمير 90% من المساكن
ويقول المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إن جيش الاحتلال دمر -خلال الحرب- أكثر من 50 ألف وحدة سكنية في رفح، أي 90% من الأحياء السكنية في المدينة.
والآن، شرع الجيش في تسوية ما تبقى من مبانيها أرضا، محولا المدينة بأكملها إلى منطقة عازلة، وقاطعا معبر غزة الحدودي الوحيد مع مصر.
ووصف جندي عاد أخيرا من الخدمة الاحتياطية في رفح، لمجلة +972 الأساليب التي يتبعها الجنود الإسرائيليون في هدم المباني، "كانوا يهدمون 60 منزلا في اليوم الواحد. المنزل المكون من طابق أو طابقين يهدمونه في غضون ساعة، أما المنزل المكون من 3 أو 4 طوابق فيستغرق وقتا أطول قليلا، وكنت أنا أقوم بتأمين 4 أو 5 جرافات".
إعلانوأضاف أن مهمتهم الرسمية كانت فتح طريق إمدادات للمناورة، إلا أن الجرافات كانت في واقع الأمر تدمر المنازل، مشيرا إلى أن الجزء الجنوبي الشرقي من رفح دُمِّر بالكامل ولم تعد هناك مدينة.
وتتوافق أقوال هذا الجندي -بحسب المجلة- مع شهادات 10 جنود آخرين خدموا في أوقات مختلفة في قطاع غزة وجنوب لبنان منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كما تنسجم مع مقاطع الفيديو التي نشرها جنود آخرون، وتصريحات مسجلة وغير مسجلة لضباط كبار حاليين وسابقين، وتحليل صور الأقمار الصناعية، وتقارير المنظمات الدولية.
التدمير هو الهدف الأساسي
وترسم هذه المصادر مجتمعة صورة واضحة لواقع الحال في قطاع غزة، حيث أصبح التدمير المنهجي للمباني السكنية والمنشآت العامة جزءا محوريا من عمليات الجيش الإسرائيلي، وفي كثير من الحالات، هدفها الأساسي.
ووفق التحقيق الصحفي، فإن بعض هذا الدمار ناجم عن القصف الجوي، والمعارك البرية، والعبوات الناسفة التي زرعها المسلحون الفلسطينيون داخل المباني في غزة، ولكن من الصعب الحصول على أرقام دقيقة.
ومع ذلك، يبدو أن معظم الدمار في غزة وجنوب لبنان لم يتم تنفيذه من الجو أو أثناء القتال، بل بواسطة الجرافات الإسرائيلية أو المتفجرات، وهي أعمال متعمدة ومقصودة تنفيذا لقرار إستراتيجي بتسوية المباني أرضا، كما يقول الصحفيان رابوبورت وزيف.
ونقلت المجلة عن موقع إخباري إسرائيلي يسمى (أسخن مكان في الجحيم) أن جيش الاحتلال دمر بشكل منهجي وكامل جميع المباني القريبة من السياج الحدودي على بعد كيلومتر واحد داخل القطاع، رغم أنها لم تُصنّف على أنها "بنية تحتية للإرهاب"، لا من المخابرات ولا الجنود على الأرض.
تدمير غير ضروري عسكريا
ونسب الموقع في تقرير -نُشر في يناير/كانون الثاني 2024- إلى الجنود القول، إن ما بين 75 و100% من المباني في المناطق القريبة من السياج الحدودي مثل بيت حانون وبيت لاهيا وحي الشجاعية في شمال القطاع، وكذلك في خربة خزاعة في ضواحي خان يونس، تم تدميرها بدون تمييز.
إعلانولكنّ التدمير الذي بدأه الجيش الإسرائيلي في خربة خزاعة ما لبث أن أصبح أسلوبا شائعا في جميع أنحاء غزة لجعلها مناطق غير صالحة لعيش الفلسطينيين.
ومن جانبه، قال المحامي الإسرائيلي والخبير في حقوق الإنسان، مايكل سفارد، -في تصريح لمجلة +972- إن تدمير ممتلكات الناس الذي لا تقتضيه ضرورات الحرب، يعد جريمة حرب، مضيفا أن هناك أيضا جريمة حرب أشد خطورة تتمثل في التدمير المتعمد الواسع النطاق الذي لا تبرره الضرورة العسكرية.
وبحسب المجلة، فمنذ أن انتهكت إسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/آذار، استشهد نحو 2800 فلسطيني في غزة، ليبلغ إجمالي الشهداء نحو 53 ألفا، بينما أصيب 120 ألفا آخرين بجروح مختلفة على مدار الحرب.
خطة ترامب
لكنها ترى رغم ذلك أن التدمير المنهجي للمناطق الحضرية في غزة هو الذي يمهد الطريق للتطهير العرقي للقطاع، وهو الذي يشار إليه في الحوارات والخطب الإسرائيلية بـ "تنفيذ خطة ترامب".
وأفادت المجلة في تحقيقها الصحفي، أن السلاح الرئيسي في ترسانة الجيش الإسرائيلي للتدمير هو الجرافة المدرعة (دي 9) التابعة لشركة كاتربيلر التي طالما استخدمت في ارتكاب انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أساليب أخرى للهدملكن الجنود الذين تحدثوا إليها ذكروا أن هناك أساليب أخرى مفضلة تُستخدم لهدم كتل سكنية بأكملها؛ وهي ملء الحاويات أو المركبات العسكرية المعطلة بالمواد الناسفة، ومن ثم تفجيرها من بعد.
وشهد عدد من جنود الاحتياط، أن أسلوب الجيش في التسوية المنهجية والمتعمدة للبنية التحتية المدنية بالأرض قد استخدم أيضا في جنوب لبنان، خلال الاجتياح البري الذي وقع في أكتوبر/تشرين الأول ونوفمبر/تشرين الثاني 2024.
وكشف تحليل لصور الأقمار الصناعية في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2024، بعد فترة وجيزة من التوصل إلى وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، أن 6.6% من جميع المباني في المناطق الواقعة جنوب نهر الليطاني في لبنان قد دمرت بالكامل أو بشكل كبير.
إعلان