قال الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إن دار الإفتاء المصرية لديها منهجية محددة للحكم في قضايا الإعدام، وتلك المنهجية لا علاقة لها بأي انتماءات، وإنما يحكمها الإطار الشرعي والقانوني، حيث إن دار الإفتاء لا تلتفت إلى اسم الشخص المحالة قضيته لتأييد حكم الإعدام من عدمه، بل يتم النظر إلى قيد ووصف الجريمة وإدراجها تحت أي باب من الأبواب، حيث يتم تكييفها شرعيًّا، وهذا هو مسلك كل المفتين على مر العصور، ومن ثم فعلماء الدار في تجرد تام من هذه المسألة ولا علاقة بالشخص أو انتمائه، وإنما يتم الوقوف عند حجم خطورة الأفكار والجرائم فحسب، فضلًا عن أن رأي المفتي في التصديق على قضايا الإعلام يبقى استشاريًّا غير مُلزِم لهيئة المحكمة.

جاء ذلك خلال لقائه مع الإعلامي الدكتور محمد الباز، كشاهد على عشر سنوات من الإنجازات للرئيس السيسي في برنامج "الشاهد"، على قناة إكسترا نيوز الفضائية، الذي أُذيع على مدار يومين، مضيفًا أن دار الإفتاء المصرية مستقلة في كل أطروحاتها ولا يملى عليها، وليست الدولة في حاجة إلى أن تملي علينا، بل نقوم بمهمتنا من واقع الضمير الديني والإفتائي.

ولفت  النظر إلى أن الرئيس عبد الفتاح السيسي أول رئيس يهتم بالملف الديني صراحة، ويطالب بتجديده عن طريق تصحيح الصورة المغلوطة عن الإسلام في الخارج بسبب الصورة المشوهة التي صدرتها جماعة الإخوان الإرهابية.

وأكد  المفتي أن ثورة 30 يونيو جاءت استجابة طبيعية لإرادة الشعب المصري العظيم الذي رفض الخضوع لتهديدات جماعات التطرف والإرهاب، التي تلاعبت بالنصوص والقوانين، وحافظت على هذا الشعب من الانقسام والحرب الأهلية.

 وأيدت دار الإفتاء ثورة 30 يونيو انطلاقًا من ميراثها الإفتائي الكبير في تحقيق الاستقرار المجتمعي، مشيرًا إلى أن اعتصام الإخوان في منطقة رابعة وغيرها كان مرفوضًا؛ لأنه كان تعطيلًا لمصالح الناس، وكذلك أعمال التخريب والعنف، حيث إن أي إتلاف أو استحلال للمال العام هو اعتداء بشكل مباشر على الوطن، وعلى ملكية الشعب ذاته.

وقال مفتي الجمهورية إننا رأينا دعوة الرئيس لتجديد الخطاب الديني تكليفا لنا وكلامه قرارا، وقد لبَّت دار الإفتاء دعوته، فهي دعوة منطلقة من الحفاظ على الثوابت لمعالجة قضايانا المعاصرة في ضوء فهم سديد للنصوص الشرعية.

واستعرض المفتي الجهود الكبيرة التي قامت بها دار الإفتاء المصرية خلال السنوات الأخيرة بعد دعوة  الرئيس لتجديد الخطاب الديني، حيث أصبح لدار الإفتاء بُعد دولي وعالمي بإنشائها الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم لتكون كيانًا عالميًّا يضم أكبر المؤسسات الإفتائية في العالم، فضلًا عن تطوير خدماتها الداخلية كالتوسع الأفقي في إنشاء فروع جديدة في المحافظات، وإنشاء إدارات جديدة داخل الدار وكذلك الاهتمام بالإرشاد الزواجي للحفاظ على الأسرة المصرية.

وأردف : لسنا مع تسييس الفتوى، ولم تكن الفتوى الرشيدة بمفهومها الحقيقي كذلك يومًا من الأيام. وأضاف أن دعم الدولة ودعم مؤسساتها الرسمية وقادتها الأكفاء ودعم المصلحة العامة لا يُعد من تسييس الفتوى، بل تسييس الفتوى هو استخدامها في أغراض مُعادية للوطن وللدولة الوطنية.

وأكد  المفتي أن الرئيس عبد الفتاح السيسي إنسان نبيل وحكيم عفيف اللسان ذو ذاكرة نقية وقوية، مهموم بقضايا الوطن، ومهتم بتفاصيل التفاصيل، يواجه العديد من التحديات والمؤامرات التي تستهدف أمن واستقرار مصر والمنطقة العربية؛ حيث إنه يعمل بجد وإخلاص لتحقيق التنمية والرخاء للشعب المصري، ويحافظ على السيادة والكرامة الوطنية. فضلًا عن كونه يتمتع بثقة واحترام الشعب المصري والقادة العرب والدوليين، ويعتبر رمزًا للسلام والتعاون والحوار، بل يتحلى بالتحمل والصبر والحكمة، ويتعامل مع الأحداث الجسام بمنتهى الرقي.

ولفت  مفتي الجمهورية النظر إلى أن دار الإفتاء تتخذ عدةَ تدابير وقائية من أجل تحصين بناء الأسرة؛ فعلماء دار الإفتاء لديهم من الخبرة ما يستطيعون به معرفة هل ألفاظ الطلاق كانت طلاقًا واقعًا أم يمينَ طلاق؛ وذلك من خلال خبرتهم المتراكمة التي تلقَّوها عن مشايخهم ولا توجد في الكتب.

وأضاف أن دار الإفتاء المصرية تتبعت مناهج الجماعات المتطرفة في العديد من إصداراتها ككتاب التأسلم السياسي وغيره، وانتهينا إلى أن هذه المجموعات استغلَّت الدين من أجل تحقيق أجندتها تحت غطاء ديني، ووجدنا أنها فشلت على مرِّ التاريخ وفي كل زمان ومكان.

واختتم  حواره بالثناء والتأييد لإنجازات الدولة المصرية والتجربة المصرية خلال السنوات العشر الأخيرة بقيادة الرئيس السيسي، فهي تجربة رائدة، فقد كان ملهمًا للعديد من المسئولين للعمل بجد واجتهاد وتفانٍ، وعلى هذا بذلت مؤسسات الدولة جهودًا مضنية وكأنها تسابق الزمن، وقدمت العديد من المشروعات المشرفة والمحفزة إلى العمل والتنمية كمشروع حياة كريمة وغيره.

المصدر: صدى البلد

كلمات دلالية: قضايا الإعدام دار الإفتاء المصرية ثورة 30 يونيو الخطاب الديني دار الإفتاء المصریة إلى أن

إقرأ أيضاً:

ليبيا.. من أين نبدأ؟ دعوة لبناء مجتمع قبل الدولة

في خضمّ الفوضى والانقسام والانتظار الطويل لحلول تأتي من الخارج أو لا تأتي، يطرح الليبي اليوم سؤالًا صعبًا وبسيطًا في آن: إلى أين نحن ذاهبون؟ وهل ما نعيشه قدرٌ لا مفر منه؟

الجواب يبدأ من الاعتراف، لا من التبرير. علينا أن نعترف بما نحن فيه: انقسام سياسي، انهيار في مؤسسات الدولة، تراجع في التعليم، تفكك اجتماعي، تفاقم الفساد، وتغوّل السلاح على الدولة والقانون.
لكن الاعتراف وحده لا يكفي، إن لم يكن مقرونًا بـ تقييم صادق لما مررنا به.

قراءة في المراحل الثلاث

عهد المملكة الليبية (1951–1969):

مرحلة تأسيس الدولة، حكم القانون، والاستقلال. لكن التنمية بقيت محدودة، وغياب المشاركة الشعبية أضعف البناء السياسي.

عهد سبتمبر (1969–2011):

مرحلة يُفترض أن تكون ذهبية من حيث الاستقرار والموارد، لكنها افتقرت للحريات الحقيقية الواعية. نعم، كانت هناك دولة، لكن تم تغييب المجتمع المدني، وتمحور الحكم في يد سلطة مركزية ألغت المؤسسات تدريجيًا.

قد يرى البعض أن هناك هامشًا للحرية من منظور “سلطة الشعب”، فيما يراه آخرون مجرد شعارات. ومع كل ذلك، فقد كانت هناك سيادة، مقارنة بما نعيشه من انفلات وفوضى بعد 2011، حيث ضاعت الحرية في ظل غياب الدولة وانتشار الفساد وظهور ممارسات غريبة.

مرحلة ما بعد فبراير (2011–اليوم):

تحرر سياسي شكلي، قاد إلى فوضى وانقسام، نتيجة غياب مشروع وطني موحد، وتدخلات خارجية، وصراع على السلطة والثروة.

كل مرحلة قدمت ما قدمت، وأخفقت فيما أخفقت. لكن من المسؤول؟

نحن جميعًا، بدرجات متفاوتة: من صمت، من شارك، من انتفع، ومن تواطأ.

هل ما حدث بعد 2011 كان طبيعيًا؟

لا يمكن تبرير الفوضى والانقسام باسم الثورة أو التغيير.

حتى لو وُجدت مظالم حقيقية، فإن ما حدث لاحقًا من دمار ونهب وقتل وتشريد لا يمكن اعتباره “ثمنًا طبيعيًا”، بل هو نتيجة غياب الوعي والبوصلة، وافتقاد القيادة الراشدة، وتضارب المصالح بين الداخل والخارج.

علينا أن نُميّز بين:

مصالح الخارج في ليبيا

ومصالحنا كليبيين

الخلط بينهما هو ما سمح باستمرار الأزمة.

سؤال اللحظة: هل نحن في الطريق الصحيح؟

بعد أكثر من عقد، هل نملك مشروعًا وطنيًا؟

أم أننا فقط نُراكم خيبات، ونتبادل الاتهامات؟

كيف نُطالب بدولة، ونحن لم نُؤسس مجتمعًا ناضجًا ومسؤولًا؟

ألسنا نحن من يُعيد إنتاج الفشل، بسبب ثقافة الشك، والتقليد، ورفض الاعتراف بالخطأ؟

الحقيقة القاسية: المشكلة فينا

نعم، المشكلة فينا، في كل واحد منا: في المواطن الذي يصمت عن الفساد، في النخب التي تهادن الانقسام، في المثقف الذي يلوذ بالصمت، في الإعلام الذي يُبرر ولا يُوجّه.

“إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم”

من أين نبدأ؟

نبدأ من الاعتراف أولًا، ثم من المجتمع، قبل الدولة.

خطوات واقعية:

1. تشخيص صريح للمشكلة، بلا مواربة

2. حملة توعية وطنية عبر الإعلام والمدارس والجامعات

3. مصالحة مجتمعية قاعدية، بعيدًا عن النخب المتصارعة

4. مشروع وطني جامع، تتبناه شخصيات نزيهة وذات مصداقية

5. قيادة انتقالية راشدة، لا تحتكر القرار بل تقوده نحو الوفاق

ونظرًا لتغوّل التعصب القبلي والمناطقي والجهوي، نعتقد أنه ليس أمامنا سوى دعم العمل الحزبي الوطني، باعتباره الإطار القادر على تمثيل الجميع، بشرط أن يتكوّن من مختلف شرائح المجتمع، بعيدًا عن الإقصاء والتمحور حول الجهوية أو القبيلة.

كما أن وجود دستور جامع أصبح ضرورة لا يمكن تجاوزها، يضع الأساس القانوني لنظام ديمقراطي عادل، ويضمن الحقوق، ويحد من الانقسام.

دور التدخل الإقليمي والدولي: واقع وتأثير

لا يمكن الحديث عن الأزمة الليبية دون الاعتراف بأن التدخلات الإقليمية والدولية لعبت دورًا كبيرًا في تعقيد المشهد.

هذه التدخلات غالبًا ما جاءت بدوافع ومصالح خارجية، لا علاقة لها بخدمة الشعب الليبي، بل بأجندات سياسية واقتصادية وجيوسياسية.

الإقليمي: دول تتنافس على النفوذ، عبر دعم أطراف متنازعة.

الدولي: قوى كبرى تتصارع على النفط والموقع الجغرافي.

لكن رغم ذلك، لا يمكن تحميل كل شيء للخارج. التدخل الخارجي يستغل ضعفنا الداخلي، وانقسامنا، وتشرذمنا.

هل من قادوا التغيير ما زالوا قادرين على القيادة؟

نسأل اليوم:

هل الذين قادوا التغيير، ما زالوا يمثلون إرادة الشعب؟

أم أن بعضهم غرق في لعبة المصالح الشخصية والجهوية؟

هل يملكون رؤية وطنية قادرة على جمع الليبيين، أم يكرّرون أخطاء الماضي؟

القيادة الرشيدة هي حجر الأساس في أي مشروع نهضة.

في ظل الفوضى… كيف نلوم النظام السابق؟

لا يمكن تحميل النظام السابق وحده مسؤولية كل ما جرى.

رغم عيوبه، كان هناك حد أدنى من الدولة، مقارنةً بالفوضى الحالية.

الفوضى ليست فقط نتاج إسقاط النظام، بل هي نتيجة تراكمات داخلية، وانقسامات اجتماعية، وتدخلات خارجية.

النظام السابق جزء من التاريخ، أما المستقبل فهو مسؤولية كل الليبيين.

الخلاصة:

بناء الدولة يبدأ ببناء المجتمع.

والمجتمع لا يُبنى إلا بالوعي، والمصالحة، والإرادة.

لدينا الإمكانيات، ولدينا دروس الماضي، لكن ما ينقصنا هو القرار الجماعي بالانطلاق.

وفي ظل انتشار التعصب القبلي والمناطقي والجهوي، نؤمن بأن العمل الحزبي الوطني الحقيقي قد يكون أحد الحلول، إذا ما تكوّن من مختلف شرائح المجتمع، وتجاوز منطق الهيمنة والإقصاء.

كما لا يمكن بناء دولة دون دستور وطني جامع، يُعبّر عن إرادة الليبيين، ويضع الأساس القانوني لنظام ديمقراطي عادل، يكفل الحقوق ويمنع الانقسام.

فهل نملك الشجاعة لنبدأ من جديد؟

وهل نحن مستعدون لنقول: كفى؟

الآراء والوقائع والمحتوى المطروح هنا يعكس المؤلف فقط لا غير. عين ليبيا لا تتحمل أي مسؤولية.

مقالات مشابهة

  • أزهري: تجديد الخطاب الديني قضية تراكمية والمطلوب هو تجديد الفهم لا النصوص
  • المفتي: حين يتحوَّل الخطاب إلى أداة للتحريض والكراهية فإنه يتنكّر لوظيفته الأصيلة في بناء الوعي
  • المفتي: اليوم العالمي لمكافحة خطاب الكراهية دعوة ملحة لإعلاء قيم التعايش بين الشعوب
  • نقيب الأشراف: منصة الأوقاف مشروع عظيم لتجديد الخطاب الديني بأسلوب عصري
  • نقلة نوعية نحو تجديد الخطاب الديني.. الأوقاف تطلق أكبر منصة دينية رقمية في العالم
  • الأوقاف تطلق منصتها الرقمية الأكبر عالمياً لتجديد الخطاب الديني ومكافحة التطرف
  • أسامة الأزهري يطلق منصة الأوقاف الرقمية.. لتجسيد الخطاب الديني الوسطي
  • ليبيا.. من أين نبدأ؟ دعوة لبناء مجتمع قبل الدولة
  • الصفدي: خطاب الملك دعوة لإنقاذ البشرية من سقوط المعايير الأخلاقية
  • الرئيس التركي: الحرب على إيران لا تخص الدولة الإيرانية فحسب ونتنياهو أكبر تهديد بالمنطقة