«السلام» أكثر الكلمات تداولا في خطاب السياسة منذ عام 1945، وأكثر ما يفتقده العالم اليوم. تآكلت دلالة الكلمة مع مرور الزمن، من وعود ما بعد الحرب العالمية الثانية إلى سنوات ما بعد الحرب الباردة، لأن ما رُفع من شعارات لم يتحوّل إلى ترتيبات قابلة للعيش. لم يكن السلام الذي بشّر به السياسيون طهارة أخلاقية بقدر ما كان محاولة لترتيب المصالح وضبط القوة؛ ومع ذلك كان ضروريا في عالم خرج مُنهكا من حربين عالميتين لم تُبقيا سوى التفوق في صناعة أدوات الموت.
لم يطرح الفلاسفة السلام بوصفه طقسا فوق التاريخ. في الشرق والغرب، على السواء، قُدِّم السلام باعتباره غاية أخلاقية تُترجم بلغة المصلحة المنظّمة؛ تقييد القوة بالقواعد والأنظمة والقضاة، وبتحويل الخصومة إلى منافسة مقبولة، وربط الالتزام الأخلاقي بحوافز مادية ورمزية. لكن الهوّة بين المثال وواقع السياسة بقيت واسعة كلّما انفصل سؤالا القوة والشرعية، من يملك أدوات التنفيذ؟ ومن يمنح القبول الذي يحوّل الإذعان إلى قبول مستدام؟ عند هذا الانفصال الكبير تتوالد المآسي الإنسانية، حروب تبدأ بسهولة وبقرارات فردية أحيانا وتتعثّر عند لحظة السِّلم.
وتؤكد تجارب القرن العشرين ذلك بشكل واضح جدا. عصبة الأمم امتلكت غايات سامية لكنها افتقدت أدوات التنفيذ؛ والأمم المتحدة ربطت الشرعية بواقع القوة في مجلس الأمن، فانتقل العالم من حلم الـ«سلام شامل» إلى «هندسة تعايش» أطول نَفَسا.
وفي محطات لاحقة، نجحت ترتيبات محدودة حين احترمت طبائع السياسة عبر ضبط التسلح، وإدارة الأزمات، وخفض التصعيد، ومسارات عدالة تدريجية تُبقي الضحية داخل المعادلة لا في هامشها.
لكن السلام الحقيقي لم يكن يوما بيان نوايا ولا توقيعا متعجّلا؛ هو معادلة دقيقة توازن يستطيع أن يَحُدّ من أطماع القوة، وشرعية تمنح كل طرف مكانا داخل النظام، وقواعد قابلة للقياس.
وبين الطهرانية التي تفترض أن نقاء النص يكفي، والواقعية الخشنة التي تزعم أن ميزان القوى وحده يمكن أن يصنع قبولا دائما، يمكن الحديث عن مسار ثالث يتمثل في الاعتراف المتبادل الذي يثبّت حدا أدنى غير قابل للمساومة يقدس حماية المدنيين، ويرفض التغيير الديموغرافي القسري، ويمنع أي مستوى من التجويع واستخدامه في الابتزاز السياسي، ثم مرحلة من مراحل بناء الثقة التي تأتي عبر خلق «تحالف مصالح» الذي يجعل نقض أي اتفاق أغلى كلفة من الالتزام به.
هنا تبدو مهمة السياسة لا تتمثل في أن عليها اختراع تعريف نقي للسلام.. إنما عليها هندسة ترتيبات قادرة على احترام منطق القوة، وتُدخل مطالبَ الكرامة إلى عمق الحساب لا إلى هوامشه.
عليها أن تصنع قواعد لسلام قابل للحياة، وقابل لأن يقاس لا أن يكتفى بتخيله فقط! سلام تغذيه المصالح المشتركة وكلما طال به الزمن أصبح أكثر قوة وصلابة.
وإذا لم يستطع هذا العالم الجمع بين التوازن والشرعية فسنبقى نستهلك كلمة السلام بينما تتسع الهوة بين النص وبين الواقع، وستواصل الشعوب الضعيفة التضحية بأبنائها وبمواردها وبمستقبلها.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
عبد العال والسلاب والسجيني.. مصادر تكشف أبرز الوجه الغائبة عن انتخابات النواب 2025
كشفت مصادر خاصة عن أبرز الأسماء الغائبة عن السباق الانتخابي 2025، حيث تخلو قائمة الترشيحات لـ انتخابات مجلس النواب من أسماء بارزة وقادات حزبية كبيرة.
وذكرت المصادر أن هناك عملية تجديد دماء لمجلس النواب والدفع بأوجه جديد، تطلب توجيه الشكر لرموز برلمانية وحزبية بارزة وعدم الدفع بهم في الانتخابات التي ستجري في شهر نوفمبر المقبل.
أبرز الأسماء الغائبة عن انتخابات النواب 2025وجاء ضمن أبرز الأسماء الغائبة عن السباق الانتخابي، الدكتور علي عبد العال، رئيس مجلس النواب السابقالنائب محمد مصطفى السلاب، وعبد الهادي القصبي، زعيم الأغلبية البرلمانية، رئيس لجنة الصناعة بمجلس النواب، النائب ياسر عمر، أمين حزب مستقبل وطن بأسيوط، وكيل لجنة الخطة والموازنة، النائب أحمد السجيني، رئيس لجنة الإدارة المحلية بـ مجلس النواب وكذلك النائب أحمد سعد نويصر نائب مستقبل وطن.
وتجرى انتخابات مجلس النواب المرحلة الأولى في الخارج يومى 7 و8 نوفمبر، وفى الداخل 10 و11 نوفمبر، على أن تعلن النتيجة الرسمية يوم 18 نوفمبر.
وتجرى انتخابات مجلس النواب المرحلة الثانية فى الخارج 21 و22 نوفمبر وفى الداخل 24 و25 نوفمبر، على تعلن النتيجة للمرحلة الثانية يوم 2 ديسمبر.