مفتي الجمهورية:احتكار العملة الأجنبية لبيعها بسعر أعلى داخل في الاحتكار المحرم
تاريخ النشر: 2nd, December 2023 GMT
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علام -مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم: إنه لا خلاف بين الفقهاء في أن الاحتكار حرامٌ في الأقوات؛ حيث إن الشرع الشريف قد نهى عن الاحتكار وحرَّمه، ودَلَّت النصوص الشرعية على أَنَّ الاحتكار من أعظم المعاصي، فقد اشتملت الأخبار على لعن المحتكر وتَوعُّدِه بالعذاب الأخروي الشديد؛ وكذلك تم وصفه بالخاطئ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ» وغيره من الأدلة.
جاء ذلك خلال لقائه الأسبوعي في برنامج نظرة مع الإعلامي حمدي رزق على فضائية صدى البلد، مضيفًا فضيلته أن المحتكر منعدم الضمير وآثم إذا قصد حجب السلع عن أيدي الناس إضرارًا بهم حتى يصعب الحصول عليها وترتفع قيمتها؛ وبهذا يحصل المحتكرون على الأرباح الباهظة دون منافسة تجارية عادلة، وهو من أشدِّ أبواب التضييق والضرر، والسلع التي يجري فيها الاحتكار هي كل ما يقع على الناس الضرر بحبسها، ولا مانع من اتِّخاذ الدولة لإجراءات تمنع الاحتكار.
وأشار فضيلته إلى حرص الشريعة على تحري الكسب الحلال وكذلك إظهار الرضا الصحيح من العقود والمعاملات، حيث إن العقود الأصل فيها الرضا، لقول الله سبحانه وتعالى: {إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} بمعنى لا تدليس ولا نزاع ولا جهالة ولا غش، وغيرها من الضوابط والمعايير التي رسختها المذهبية الفقهية وهي الموافقة للشرع الشريف في الحفاظ على المال.
وأكد فضيلة مفتي الجمهورية على أن الله سبحانه وتعالى أباح لنا الكسب المشروع الذي يكون مبنيًّا على الرضا وطيب النفس لَا على الغش والخيانة، وحَرَّم علينا اتخاذ الأسباب المحرَّمة في المكاسب، وأمر بالسعي في طلب الرزق الحلال والبعد عن الكسب الحرام، وأن يكون الإنسان حريصًا على إطابة ماله؛ لأنه مسئول أمام الله سبحانه وتعالى.
وأوضح فضيلة المفتي أن المكسب المقبول هو الذي أصله مشروع لا غش فيه ولا خيانة ولا خداع، ولا شك في أنَّ المكسب المبني على الغش والكتمان واستخدام الحيل المنهي عنها التي يستغل بها احتياج الناس إلى السلع أمر محظور شرعًا؛ لما فيه من الإضرار بالناس والتضييق عليهم.
وشدد فضيلة مفتي الجمهورية على أن معايير الكسب الحلال تغيب عن عمل بعض التجار الجشعين. فمَنْ يَسْتَغل ظروف الناس ويبيع بأسعار مُبالغ فيها فقد ارتكب مُحرَّمًا؛ للضرر الناجم عن استغلاله احتياج الناس إلى مثل هذه السلع، فهو يضر الناس ويضيق عليهم وهذا يؤدي إلى إيذائهم ماديًّا ومعنويًّا وقد نهى الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن الإضرار.
وناشد فضيلته التجار بضرورة الكسب الحلال وتحري الصدق والأمانة وتفعيل وترسيخ قيمة المراقبة، وهي قيمة عظيمة في الشريعة الإسلامية؛ حيث إنها أساس تربية الضمير، وإرساء قواعد التعامل مع النفس ومع الآخر ومع الله، وذلك من خلال المكاشفة التي تحافظ على اتساق الإنسان مع نفسه؛ فإذا ما التزم كل واحد منا بهذه القيمة العظيمة في نفسه أولًا ومع غيره ثانيًا فضلًا عن علاقته بربه يصبح عامل بناء في مجتمع يحاول أن تكون نفوس أبنائه سوية، وعلاقاتهم صحيحة، بعدها يبدأ بناء الحضارة والرقي والازدهار وإفشاء السلام والأمان في المجتمعات.
وردًّا على سؤال عن حكم احتكار العملة الأجنبية لبيعها بسعر أعلى، وهل يدخل في الاحتكار المحرم؛ قال مفتي الجمهورية: «نعم، يدخل ذلك في الاحتكار المحرم شرعًا، وهو أيضًا مُجَرَّمٌ قانونًا، ومرتكبُ هذا الفعل مرتكبٌ لإثمٍ كبير؛ لأنه يضيق على عامة الناس من خلال ارتفاع أسعار السلع والخدمات ومتطلبات الحياة بسبب شحِّ العملة، فيلحق الضرر باقتصاد البلاد، ويؤثر سَلْبًا في الاستقرار ومسيرة البناء والتنمية، ويوقع المحتاجين في المشقة والحرج».
وشدد فضيلته على أنه لا يجوز التعامل في النقد الأجنبي إلا عن طريق البنوك وشركات الصرافة المعتمدة المرخص لها في هذا النوع من التعامل، والمال المكتسب مما يعرف بـ«تجارة السوق السوداء» كسبٌ غير طيِّبٍ.
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية احتكار العملة الأجنبية المحرم مفتی الجمهوریة
إقرأ أيضاً:
فتاوى :يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
هل يجوز لبس النظارة عند أداء الصلاة؟ وإذا كانت النظارة ذكية فهل يجوز أن نقرأ منها القرآن الكريم في النوافل؟
الجواب عن النظارات المعتادة التي يلبسها الناس، أما لأجل نظرهم فهذه لا حرج في لبسها في الصلاة، شريطة ألا تمنع المصلي من الإتيان بالسجود على صفته الشرعية، وهو أن يسجد على جبهته وأنفه؛ فإن السجود على الوجه يُقصد به أن يضع المصلي في سجوده جبهته وأنفه على موضع سجوده، مع باقي الأعضاء التي يسجد عليها، وهي: اليدان، والركبتان، وأطراف القدمين، فإذا لم تمنعه النظارة عن ذلك، فلا حرج في لبسها.
وإن كان مضطرًا إليها لعلة طبية تلزمه بلبسها فإنه يُتسامح في موضع سجوده؛ مراعاةً للضرورة فقط، وإلا ففي الأحوال العادية لبس النظارة لا مانع منه شريطة أن تُوفي ما تقدم ذكره، ولكن مع ذلك حتى هذا الشرط إن وُجدت ضرورة لا مناص منها؛ فإن الضرورة تُقدَّر بقدرها، هذا ما يتعلق بالشق الأول من السؤال.
أما النظارة الذكية فالنظارات المستعملة إلى الآن لا تصلح للصلاة، لكن ما الذي يخبئه المستقبل؟ ما الذي ستأتي به الصناعة؟ يُنظر حينئذ، أما الآن فهذه النظارات الموجودة في الأسواق لا تصلح للصلاة؛ لأنها كبيرة، وتحتاج إلى ضبط وإعدادات، ولأنها ستمنع السجود، ستمنع وصول الجبهة والأنف إلى موضع السجود، وبحاجة إلى تشغيل وانتباه، ولن يلتفت المصلي إلى ما حوله البتة، سيكون كل الذي يراه هو ما يراه من خلال عدسات هذه النظارة الذكية، ولا يعرف ما الذي يجري حوله.
ولا يُطلب من المصلي أن يكون على مثل هذه الهيئة، بل ينبغي أن يكون هناك شيء من الوعي بما حوله، مع حضور قلبه أيضًا، لكن ذلك لا يصرفه عما حوله، فينظر فيما ستأتي به الصناعة مستقبلاً، ويكون الحكم بناءً عليه، أما في ما هو متاح الآن فلا أرى وجهًا للقول بجواز الصلاة بها، والله تعالى أعلم.
المسافر إن أدرك الإمام المقيم في الركعة الأخيرة بعد الركوع الأخير؛ هل يُتم معه أم يقصر؟
نعم، في هذه المسألة خلاف شهير، خلاصة هذا الخلاف أن من الفقهاء من يعوّل على حديث: «من أدرك الركعة فقد أدرك الصلاة»، وفي رواية: «من أدرك من الجمعة ركعة فقد أدرك الصلاة»، فأخذوا أن ما كان دون الركعة فليس بإدراك للصلاة، وعلى هذا فإنه يرجع إلى صلاة نفسه؛ لأنه لم يدرك من صلاة الجماعة شيئًا، وهذا قول أكثر الفقهاء، ويفهم من كلام في مواضع عديدة نقلت في آثار أصحابنا أنه هو الذي عليه العلامة الشيخ الكبير أبو سعيد الكدمي - رضي الله تعالى عنه -.
يتفرع عن هذا أنه إن أدرك ما بعد الركوع من الركعة الأخيرة، فإنه يصلي صلاة نفسه، هذا المستدرك، فإن كان في الجمعة أيضًا -يعني من تفريعاته - فإنه سيصلي ظهرًا إن كان مقيمًا، وسيصلي أربعًا، وإن كان مسافرًا فسيصلي ركعتين، وهذا هو ما قلت بأنه قول أكثر الفقهاء: أنه إن أدرك بعد الركوع من الركعة الأخيرة كأن يدرك السجود، أو يدرك التشهد فقط من الركعة الأخيرة، وغلب على ظنه أنه في الركعة الأخيرة؛ فإنه سيصلي في هذه الحالة صلاة نفسه.
وذهب البعض إلى الأخذ بعموم حديث: «فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فاقضوا»، وعلى هذا؛ فإن إدراكه لأي جزء من الصلاة يعني أنه أدرك الجماعة، وصار ملزمًا بالإتيان بما صلّاه إمامه متابعةً له، وبعضهم يفرّق، يقول: هذا في غير حالة الجمعة، من هؤلاء الذين يرون أنه يقضي ما فاته من الصلاة في أي موضع أدركه، ولو كان ذلك بعد الركوع من الركعة الأخيرة، منهم من استثنى الجمعة، فقال: إلا في الجمعة، فإنه يصلي ظهرًا.
إذًا هناك إطلاقان وتفصيل، الإطلاقان هما القول الأول، وقلتُ بأنه قول أكثر الفقهاء، أنه إن لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة فإنه يصلي صلاة نفسه، وفي حالة الجمعة فإنه يصلي ظهرًا، والقول الذي يقابله هو: أنه يقضي ما فاته، والتفصيل أنه يقضي ما فاته من أي صلاة، سواء كانت خلف مقيم أو خلف مسافر إلا في الجمعة؛ فإنه يأتي بها ظهرًا إن لم يدرك إلا ما دون الركوع من الركعة الأخيرة، هذه هي أقوال المسألة وأشهر أدلتها، والله تعالى أعلم.
في قوله تعالى: «فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين» هل يعني ذلك أن موسى وهارون عليهما السلام لم يكونا من بني إسرائيل في سنوات التيه الأربعين؟ وخلافًا لما يُروى أنه مات معهم في الصحراء؟
لا يُؤخذ هذا من الآية الكريمة، فمعنى الآية الكريمة حينما امتنع قوم موسى عليه السلام من بني إسرائيل عن الدخول إلى القرية التي أمرهم الله تبارك وتعالى بدخولها، وطلبوا من موسى أن يذهب هو وربه - كما جاء في كتاب الله عز وجل -، وبعد أن نصحهم الرجلان اللذان أنعم الله تعالى عليهما تبين لموسى أنه لا رجاء في هؤلاء القوم؛ لضعف إيمانهم، وتعلقهم بالدنيا، وترددهم فيما أمرهم الله تبارك وتعالى به، فلجأ إلى ربه قائلًا: « قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي ۖ فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ».
فأكثر القول أن أخاه المقصود هنا هو هارون عليه السلام، ومن المفسرين من قال: إنه يوشع بن نون؛ لأن هارون في ذلك الوقت – حسب هؤلاء – كان قد مات - عليه سلام الله -، ولكن الظاهر أنه يقصد هارون عليه السلام، وهذا الدعاء من موسى عليه السلام وإن كان على أسلوب الخبر لكنه بثّ شكوى إلى الله تبارك وتعالى، وإعلان براءة مما كان عليه حال قومه، ولذلك سماهم فاسقين، قال: «فافرق بيني وبين القوم الفاسقين».
والمقصود من هذا الدعاء، من هذه الضراعة وشكاية الحال، هو توقِّي أن يعمهم عذاب من عند الله تبارك وتعالى على حالتهم تلك، أي في دنياهم، فأراد موسى عليه السلام أن يعتذر إلى ربه، وأن يشكو قومه، وأنه قد اجتهد غاية ما يستطيع، فلم يستجيبوا له، فإن كان من عذاب فإنه لا يملك إلا نفسه، ويملك نفس أخيه في الاستجابة لأمر الله تعالى، وفي الطاعة، والالتزام بما يأمر الله تبارك وتعالى به، لكنه يعلن الانفصال: «فافرق بيني وبين»، أي: افصل، فالفرق هو بمعنى الفصل؛ لذلك يُقال «مفرق الشعر»، أي حيث يُفصل الشعر ويُقسَّم.
فهذا الذي أراده موسى عليه السلام، ولذلك، لما جاءت العقوبة لم يُدخِلهم الله تبارك وتعالى، وإنما قال: «فإنها محرمة عليهم أربعين سنةً يتيهون في الأرض»، ولا إشكال في أن موسى عليه السلام كان معهم في التيه؛ لأن هذا التيه لم يكن في حقه عقوبة، لأنه رسولهم، مأمور بإصلاحهم، وبدعوتهم، وبسياسة أمرهم، فذلك يزيده درجات عند الله تبارك وتعالى، ولا يغير من حقيقة ما أُرسل به موسى إليهم، فهو على أصل ما أُرسل به من إيصال دعوة الحق، وتبليغ شريعة الله تبارك وتعالى إليهم، وإخراجهم مما ألفوه من الذلة والهوان والاستعباد الذي كانوا عليه حينما كانوا عند الفراعنة.
فذلك الإذلال والاسترقاق أورثهم - كما يقول السيد رشيد رضا - طباعًا سيئة، أورثهم مذلة ومهانة، وجعلهم خانعين، أذلاء، ضعفاء، يتوقون إلى ما كانوا عليه من الاستعباد والاسترقاق، ليست لهم همة ولا طموح، وللسيد رشيد رضا في هذا الموضع من تفسيره كلام رائع في تأثير الظلم والاستبداد واستعباد الناس في تغيير طباعهم وصفاتهم وخصائصهم.
ولذلك؛ فمثل هؤلاء الذين استمرؤوا الضعف والذلة والهوان لا يصلحون لفتوحات، ولا لإقامة دين الله تبارك وتعالى، فكتب الله - عز وجل - عليهم التيه أربعين سنة، كان فيها موسى وهارون عليهما السلام يؤديان رسالة الله عز وجل إلى بني إسرائيل بالتوجيه، والنصح، والإصلاح، وإقامة شرع الله عز وجل، والتربية والتعليم للأجيال التي نشأت، فانقرض ذلك الجيل الضعيف الذليل المهان، وجاء جيل جديد، قاده يوشع بن نون، فتمكنوا من دخول الأرض المقدسة. هناك رواية فيها إشارة إلى أن - موسى عليه السلام - قضى نحبه في هذه المدة؛ ولذلك لما جاءه ملك الموت في الحديث الشهير، قال: «إذن فالآن»، وسأل ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم -: «وإن قبره عند الكثيب الأحمر، لو أني أريتكم إياه...»، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلمه الله عز وجل بمكان قبر سيدنا موسى عليه السلام، ووصفه، أما في نصوص التوراة والعهد القديم، فإنهم لا يعرفون مكان وفاة موسى، هذا هو الذي عليه أكثر المفسرين.
هناك بعض المفسرين الذين يرون بأن موسى بقي إلى ما بعد التيه، قلت: قلة من المفسرين، هذا القول موجود، لمن أراد أن يطالعه سيجد أن بعض المفسرين يقولون بأن موسى عليه السلام عاش إلى ما بعد التيه، وأنه دخل معهم إلى الأرض المقدسة، يستندون إلى ما ورد في كتاب الله - عز وجل -؛ لأن مدة التيه هذه حصلت فيها حوادث، أنعم الله عز وجل عليهم بالمن والسلوى، ولكنهم كان لهم حنين إلى القثاء والبصل والثوم والفوم، فأمروا أن يهبطوا مصرًا، كان ذلك في فترة التيه، أيضًا تفجر العيون كان في فترة التيه، جملة من الأحداث حصلت، فلا يستقيم في رأي هؤلاء أن ذلك كان في فترة التيه، والتيه في الصحراء، وأريد منه الإغلاق والشدة، بينما هذه المطالب تشي بأنهم تحضروا، نزلوا إلى حواضر، إلى مدن. وأن مقتضى التربية والرسالة أنها تحتاج إلى تحضر، ومدنية، وعمران مدني، لكن هذا لا يكدر على قول الجمهور؛ لأنهم عند الجمهور في فترة التيه، فإن مثل هذه المطالب لم تكن على جهة الديمومة، لم ينتقلوا من حالة التيه، ولم يتمكنوا من الوصول إلى الأرض المقدسة، وإنما كان ذلك في فترات مستثناة، وكانت لازمة عندهم أيضًا لمزيد من الابتلاءات التي تمحصهم، والتي تربي الأجيال الجديدة على مختلف أنواع الاستجابة لأوامر الله تبارك وتعالى، التي يبلغهم إياها موسى وهارون - عليهما السلام -، وشرع هذه الشريعة المنزلة عليهم، والله تعالى أعلم.
المساجد التي يكثر فيها المسافرون تُصلي الجماعة الأولى ويستدرك البقية، الآن تأتي الجماعة الثانية، هل ينتظرون المستدركين أم يُقيمون الصلاة مباشرة؟
انتظارهم للمستدركين أولى وأفضل، ولا يؤثر على جمعهم، فصحيح أن الفقهاء اختلفوا في المدة التي تكون بين الصلاتين في الجمع: هل يلزم أن تكون الصلاتان متواليتين وليس بينهما فاصل، أم يسوغ الانتظار؟ والصحيح أنه لا حرج في الانتظار إذا كان له سبب فلا حرج، ولن يؤثر ذلك على الجمع، ونظرًا لأنهم ينتظرون المستدركين، وقد يكون هؤلاء المستدركون أيضًا ممن يرغبون في الجمع معهم؛ فلا حرج عليهم في انتظارهم، ولو بالقدر الذي يُمكنهم من قضاء ما فاتهم من الصلوات، ثم إذا شارفوا على الانتهاء أقاموا الصلاة الثانية، فيلتحقون بهم دون أن يفوتهم شيء من الصلاة الثانية، والله تعالى أعلم.
الأطفال ما داموا ليسوا مكلفين، وحدث أنهم أخذوا شيئًا من المحلات التجارية؛ فهل هم ملزمون فعلا بردها لاحقًا؟
الأطفال غير مكلفين فيما يتعلق بحقوق الله - تبارك وتعالى -، بمعنى أن المؤاخذة والإثم مرتفعان عنهم، فلا مؤاخذة عليهم فيما يقعون فيه من أخطاء أو مخالفات شرعية؛ لأنهم لم يبلغوا سن الرشد، ولم يكلفوا بعد، تقبل منهم صالحاتهم، يؤجرون عليها، ويؤمر أولياؤهم بتأديبهم على أحكام الإسلام وأخلاق الإسلام، لكنهم إن أتلفوا شيئًا، أو أخذوا مال الغير دون وجه حق؛ فهذه حقوق الآدميين يجب أن تؤدى، فالضمان يلزمهم إن كان لهم مال، وعلى أوليائهم إن لم يكن لهم مال.
فما يحصل حينما يتذكر الناس بعد بلوغهم سن الرشد، وهداية الله - تعالى - لهم، تذكرهم لبعض الأموال التي أخذوها من هنا أو هناك، من مزارع أو دكاكين، فهم نعم غير مؤاخذين، لا إثم عليهم فيما وقع منهم في صغرهم، أما الضمان فإنه يلزمهم؛ لأنها حقوق للعباد، حقوق العباد مبنية - كما يقول الفقهاء - على المشاحة، وحقوق الله - عز وجل - مبنية على المسامحة؛ لأنه رب كريم غفور رحيم، وقد نصت الأدلة الشرعية على أنه لا تكليف على الصغار حتى يبلغوا الحلم.
أما الضمان فإن من أتلف شيئًا فإنه يغرمه، يضمنه في ماله إن كان له مال، أو في مال وليه إن لم يكن له مال، إذن هذا هو السبب في إلزام من صدر منه صغيرًا كان أو كبيرًا، سواء كان راشدًا أو غير راشد، بالضمان، وأداء حقوق أصحاب الحقوق، فلا يصح أن تؤكل أموال الناس بالباطل، لا من الصغار ولا من الكبار، فإن وقع ذلك فلابد من الضمان إليهم، برد الشيء الذي أخذ، أو مثله، أو بضمان قيمته، والله تعالى أعلم.