الجامعة الأمريكية بالقاهرة توقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة التراث بالسعودية
تاريخ النشر: 19th, December 2023 GMT
وقعت مكتبات الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومؤسسة التراث غير الربحية بالمملكة العربية السعودية والمتخصصة في الحفاظ على التراث السعودي والعربي والإسلامي على مذكرة تفاهم لإطلاق مبادرة جديدة، تهدف إلى تطوير أساليب رقمية مبتكرة للحفاظ على التراث والتاريخ.
يأتي ذلك كجزء من التزام المؤسستين المشترك لحماية التراث والحفاظ عليه.
وتوضح لمياء عيد، العميد المؤقت لمكتبات الجامعة الأمريكية بالقاهرة وتقنيات التعلم أن مكتبات الجامعة الأمريكية بالقاهرة ومؤسسة التراث تشتركان في رؤية وهدف مشترك وهو الالتزام بالحفاظ على التراث الثقافي الغني وحمايته. "نحن ملتزمون بخلق وإنتاج ونشر المعرفة ليس على المستوي الوطني والإقليمي فحسب بل أيضاً على نطاق عالمي."
تتضمن الشراكة بين الجامعة ومؤسسة التراث على التعاون في مجالات الأدب والترجمة إلى جانب مبادرات بحثية نظرية وميدانية لا سيما في مجال التراث الحضري والترميم المعماري. تهدف المبادرة أيضاً إلى إثارة اهتمام المجتمع بالتاريخ والتراث والاستثمار في الحفاظ على الهوية والثقافة الوطنية وذلك عن طريق تسهيل الاطلاع على التراث الثقافي من خلال المنصات الرقمية والتركيز على التوثيق من خلال البحث والنشر وإنتاج الأفلام الوثائقية والفاعليات الثقافية المشتركة.
ترى عيد أن تأثير هذه الشراكة سيكون موضع تقدير للأجيال القادمة. " في عصر يتسم بالتقدم التكنولوجي السريع، لا غنى عن هذه الجهود المشتركة لضمان حماية مجموعاتنا الفريدة والنادرة لصالح الأجيال القادمة، لا سيما من خلال أساليب رقمية مبتكرة."
اقرأ أيضاًتعيين عميد «إدارة أعمال» الجامعة الأمريكية عضوا بمجلس إدارة البنك المركزي
طلاب الجامعة الأمريكية بالقاهرة الأول في التحدي العربي للتكنولوجيا
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: الجامعة الأمريكية بالقاهرة المملكة العربية السعودية رئيس الجامعة الأمريكية بالقاهرة مذكرة تفاهم الجامعة الأمریکیة بالقاهرة على التراث
إقرأ أيضاً:
شرط الحرية وجماهير مصر الثائرة.. والصامتة أيضا
وصل المناضل اللبناني جورج عبد الله إلى مطار رفيق الحريري في بيروت، يوم 25 تموز/ يوليو، وبينما كان يحدّث ويحمّس الجماهير حول استمرارية المقاومة ضد إسرائيل، ذكر مصر، فلم يتكلم عن النظام المصري، فهو ربما لا يعرف عنه الكثير بسبب سجنه، بل تكلم إلى من يرى نفسه جزءا منهم، عن الجماهير، الجماهير المصرية التي ربط شرط الحرية لنا جميعا بتحرّكها ونزولها إلى الشوارع.
الجماهير المصرية تحديدا لها تأثير بالغ وعميق في وجدان الشعوب العربية كافة، ولا سيما أهل غزة، إذ لا يمضي يوم إلا وأرى فيه منشورا كتبه ابن لمدينة غزة المُدمّرة، وهو يتحدث بأن خذلان العرب، بالنسبة له، كلّه في كفّة وخذلان المصريين وحده في أُخرى. إن أهل غزة والمصريين بينهم ترابط تاريخي، نسبَي وثقافي، ومهما حاولت سرديات ما بعد كامب ديفيد فصلها أو محوها لن تنجح كلية، ربما نجحت نسبيا، لكن سرعان ما يأتي حدث عنيف، مثل الإبادة، ليذكّرنا نحن المصريين بأن غزة وشعبها جزء منَّا، ونحن منه أيضا.
لكن، لماذا تخلّينا عن هذا الجزء؟ ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي.
ليس صحيحا أن الشعب المصري تخلّى عن أهل غزة، كذلك ليس صحيحا أنه تحرك بشكل كاف من أجلها، إذ وقف في المنتصف، ثار ولم يثُر، حاول ولم يحاول بشكل كاف، لأن محاولاته كانت ضعيفة مقارنة بحجم الإبادة التي يتعرض لها أهل غزة، وكذلك بحجم القمع الذي فرضه النظام المصري بقيادة السيسي
هذه المحاولات كانت من خلال مظاهرات جماعية بالآلاف كما حدث يوم 20 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، أي بعد أقل من أسبوعين من بدء الإبادة، فانتفض الآلاف من المصريين واقتحموا ميدان التحرير رغما عن القوى الأمنية، واستمر الهتاف لساعات. لكن سرعان ما تجمّعت قوات الأمن وفُضت المظاهرة بالقوة، واعتُقل العشرات. من بعد هذا اليوم، بدأت حملة مسعورة لاعتقال المئات من المصريين بسبب دعمهم لفلسطين بشكل حركي لا كلامي على منصات التواصل فحسب، وهم سجناء إلى الآن. اعتقل الطلاب من الجامعات، والرجال والنساء من البيوت بسبب جمعهم تبرعات لأهل غزة، وأيضا من الشوارع بسبب صرخاتهم فرادى من أجل غزة، وكذلك من قاموا بعمليات مسلحة ضد إسرائيليين في مصر طاردتهم قوات الأمن، كما اعتقلت كل من يشتبه بمعرفتهم.
كل هذه المحاولات لم تكن كافية للضغط على النظام -الذي يملك قوة أمنية كبيرة- لوقف تواطئه وتنسيقه مع إسرائيل والضغط عليها لوقف الإبادة وإدخال المساعدات، وأخذ مواقف سياسية ودبلوماسية أكثر صلابة. لكن من المهم معرفة ما هو التشخيص الموضوعي الذي جعل هذه المحاولات ضعيفة وغير كافية!
بإيجاز، توجد أسباب متباينة ومتداخلة للإجابة، أولها، أن الشعب المصري منذ عام 2011 حتى 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، قد مورس عليه عنف لم يشهده من قبل في تاريخه الحديث. آلاف القتلى في الشوارع بدءا من ثورة يناير مرورا بأحداث ثورية عنيفة جدا مثل أحداث محمد محمود (تشرين الثاني/ نوفمبر 2011) واستاد بورسعيد (شباط/ فبراير 2012) وفض اعتصامي رابعة والنهضة (آب/ أغسطس 2013)، هذا بجانب التصفيات الجسدية والقتل تحت التعذيب في مقرات الاحتجاز والسجون، فالمصريون منذ كانون الثاني/ يناير 2011 وصولا إلى عام 2016، لم يتركوا الشوارع، وكانوا في ثورة وقمع دائمين.
نتج عن هذا العنف آلاف القتلى ومئات المختفين قسريا، فضلا عن مئات الآلاف من المعتقلين، إذ منذ تموز/ يوليو 2013، دخل وخرج مئات الآلاف من المواطنين السجون بتهم سياسية، واستقر منهم بشكل كبير قرابة 40 ألف سجين سياسي، وعشرات الآلاف من "المنفيين"، فمصر تحتل المراتب الأولى في مؤشرات القمع العالمي، هذا فضلا عن تمثلات أُخرى من القمع عبر المراقبة والمتابعة الدائمة لأجساد المواطنين.
هذا العنف، بجانب الإفقار المعيشي، تسبب في إنهاك المصريين بشكل كبير، جعلهم في حالة موات مشاعري تجاه أنفسهم، وتجاه أي حدث، فضلا عن غياب أي تنظيمات سياسية أو اجتماعية، ما تسببَّ في نفي أي تحرك جماعي كبير سواء من أجل مطالبات داخلية أو خارجية مثل وقف الحرب على غزة. ومع هذا، دائما ما وُجدت صرخات ثورية فردية، في دلالة على تغيير الحالة الثورية المصرية من الجماعية إلى الفردية، فتجد شابا أو امرأة تصرخ وحدها في الشارع من أجل فلسطين، والناس يرونها، لكنهم لا ينضمون إليها، مع حاجتهم الشديدة للصراخ مثلها، لكنهم لا يستطيعون بعد كل هذا الإنهاك أن يصرخوا، لمعرفتهم اليقينية بأن أجسادهم ستُقتل بشكل مباشر أو حتى ستقتل ببطء، حين تدخل في ظلامات السجون لسنوات طويلة، وسينساها الناس، ويدفع الإنسان وحده الثمن والذي لا يستطيع تحمل تكلفته.
أيضا، تغيرت كثير من المفاهيم والتمثلات لدى المجتمع المصري، لا سيما عند الأجيال الجديدة، فلم تعد الثورة هي حدث يشغل بال المصريين، بكل أجيالهِم، فلا تأتي الثورة كل يوم، الثورة تحتاج إلى عمل ورؤى وأفكار، تبنى لسنوات كثيرة، كما أن المفاهيم الحياتية الحالية، والناعمة، باتت أيديولوجيا عند فئات كثيرة من الشعب، من الفردانية والإنجاز والنجاة الفردية والاستهلاك بكل تمظهراتِه. هذه هي الممارسات اليومية للمصريين؛ لا ممارسات تخص الفكر السياسي والعمل للتغيير، وهذه حالة عمّت المنطقة كلها وليست حصرا في مصر.
الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة
أيضا، يتملّك المصريون الخوف من الفوضى. نعم، وصل جزء كبير من الشعب المصري، بشكل لا واع، إلى تبني فكرة العيش المُذلّ تحت الاستبداد أفضل من العيش المذل تحت الفوضى. يرى المصريون كل البلاد من حولهم وقد تحولت إلى ساحات اقتتال داخلي، مثل سوريا وليبيا واليمن والسودان، أو خارجي متمثل في حروب الاحتلال على غزة ولبنان. لذا، يخاف المصريون من الفوضى، والنزوح، واللجوء، والحروب الأهلية، وتفشي جماعات التطرف. وقد لعب النظام المصري الحالي على أوتار هذه السردية منذ توليه الحكم، ففي كلماته الشهيرة والمُكررة، يقول السيسي دائما "مش أحسن ما نبقى زي سوريا والعراق". وقد تأثر الشعب وخاف كثيرا من تلك السردية.
إن النظام المصري خذل غزة، واستطاعت أمريكا وإسرائيل توظيفه، بإرادته، كمنسق وشاهد صامت على حرب الإبادة، بل وقامع لأي تحرك يضغط لوقف الحرب وكسر الحصار. لذا، الضغط على النظام بالاحتجاجات أمام مقرات السفارات المصرية يسبب له مزيدا من الضغط، وربما يدفعه للتمرّد على الصمت تجاه الإبادة في غزة، مع الالتزام بأولوية الضغط على من يقومون بالإبادة ذاتها، إسرائيل ومن ورائها الولايات المُتحدة، فلا يُصبُّ كل الضغط والحشد تجاه النظام المصري الذي لا يملك قرار وقف الحرب، ولا يملك إدخال المساعدات من الجانب الإسرائيلي، لكنه يملك إدخالها أو على الأقل حشدها، مع مؤسسات دولية، أمام معبر رفح من الجهة المصرية، وهذا ما يفترض أن يفعله.
الشعب المصري -لا النظام- لا يرضى بحرب الإبادة وكل تمثلاتها المأساوية التي نراها يوميا بحق أهلنا، لكنه شعب أُنهك وخُوّفَ وأُفقرَ وقُمع، بطريقة لن يدركها سوى من اختبر تمثلات القمع نفسها، وبات لا يحمل أي أيديولوجيا أو تنظيم يتحرك من خلاله لمنع أحداث مأساوية. إن التقاط الأنفاس للشعوب بعد سنوات من التدمير شيء طبيعي، ويأخذ سنوات وسنوات، كما الوصول إلى الإصلاح والثورة يأخذ سنوات من العمل والتنظيم وتراكم الاحتجاج، وقد وقع من أجل قضايا الحرية والتحرر، ومنها قضية فلسطين، خلال السنوات الماضية، عشرات الآلاف من الشهداء؛ لا شخص واحد! فكانت فلسطين حاضرة في كل المنعطفات الثورية المصرية.
ختاما، هذا التشخيص ليس دعوة أو تبريرا للصمت على الاستبداد بحجة التقاط الأنفاس، أو التيه والخوف والاستسلام، بل -عن نفسي- أتمنى أن يُكسر هذا الصمت، اليوم قبل الغد، لكنه تشخيص نفهم من خلاله ما وصلنا إليه، وأسبابه، ونحاول معالجته. فهكذا المُجتمعات تصمت أو تثور، بنسب متبانية، بسبب دوافع وشروط، تحيا وتموت وتختفي عبر العقود.