خلف كل طلقة رصاص قاتلة، ومتفجرات تُزرع، ودماء تُهدر، ودعوات تحريضية مضلِّلة تنتشر، هناك عقل خفي يُخطط، وراعٍ يُموّل، وغطاء يحمي.
التنظيمات الإرهابية، مهما بلغت من تطرف ووحشية، لا يمكن أن تنمو أو تنتشر من تلقاء نفسها، فهي بحاجة إلى تمويل، وحماية، وإيواء. من يُحرّك الزناد ليس سوى أداة، أما العقل المدبّر، فهو من يقف في الكواليس، يوجّه ويوفّر المنابر، ويُغذّي ماكينة الكراهية والتحريض.
عضو التنظيم الإرهابي ليس هو ذاك الذي نراه يلوّح بسلاحه، أو يتبجّح في مقاطع الفيديو المموّلة، أو يتراقص فرحًا بفيديو مفبرك يستهدف التحريض على الفوضى والخراب والدمار، بل هو مجرد مُجند، دمية تُحرّكها أيادٍ خفية تعرف جيدًا كيف تُخفي بصماتها.
العقل المدبّر هو من يستقبل هؤلاء في مطاراته دون مساءلة، ويمنحهم إقامات استثنائية في لمح البصر، ويوفر لهم مساكن، ودراسة، وتأمينًا صحيًا، ووظائف. ثم يتظاهر بالالتزام بمنظومة حقوق الإنسان، ويدّعي الدفاع عن مظلومين، أو يروّج لمزاعم حماية الديمقراطية واحتضان فكر "مضطهد"، بينما يقف من وراء الواجهة فرحًا بجرائمه.
المُموّل الحقيقي ليس بالضرورة هو من يدفع نفقات التهريب أو يزوّد الجماعات بالسلاح، بل هو من يُدير منظومة كاملة: من شركات وهمية، إلى شبكات غسل أموال، إلى واجهات إعلامية، تحت شعارات براقة مثل "نصرة القضايا القومية" أو "دعم الحريات"، بينما تُدار الحرب بالوكالة لنهب خيرات الدول وإضعاف مؤسساتها.
الإرهابي الأخطر لا يسكن الكهوف، بل المكاتب الفارهة. لا يتحدث بلغة الدم، بل بلغة القانون الدولي وحرية التعبير. لكنه، بتواطؤ مقصود، يغُض الطرف عن الشبكات الرقمية التي تحتضن صفحات الكراهية، وتصنع الشائعات، وتقود حملات منسقة للفوضى.
إنه من يملك مفاتيح المنصات، ويتركها مفتوحة على مصراعيها أمام حملات التحريض الممنهج، ويُمكّن أدوات التضليل من العمل على أراضيه، ويتذرع بسياسات "الحياد المزيف".
في ساحة أخرى من ساحات الفوضى، تتكرر الجريمة بثوب مختلف. الإساءة إلى رؤساء الدول، والتشهير بالقادة والمسؤولين، وتحويل الشخصيات العامة إلى مادة للتجريح، ليست تعبيرًا عن "النقد الحر"، بل أداة ممنهجة لإسقاط الرموز وتشويه صورة الدولة.
والفاعل هنا ليس صاحب الحساب المأجور الذي يطير فرحًا ببضعة دولارات، بل من يموّله، ويزوّده بالأدوات، ويهيّئ له المنصات، ويدعمه بسياسات ناعمة ومحيط إعلامي متكامل.
التنظيمات الإرهابية لا تتحرك في فراغ، بل تمتلك قنوات إعلامية متكاملة: استوديوهات، بثًا مباشرًا، حملات ترويج، ومنصات تُعيد تدوير خطاب الكراهية. فهل يمكن لكيانات مطاردة أن تُدير مثل هذه الإمبراطوريات؟ بالطبع لا.
من يمنحها هذا النفس الطويل، ويمدّها بالتمويل، والتقنيات، والحماية، هو جهة تملك نفوذًا وتدير أجندات تتجاوز الحدود.
السؤال الذي يتجاوزه الكثيرون: من يفتح للإرهابيين أبواب التنقّل من دولة إلى أخرى؟ من يسهّل عبورهم رغم قوائم الحظر والمراقبة؟ الإرهابي لا يتحرك بمفرده ولا يتسلل كأشباح. بل هو جزء من منظومة محمية، يُرفع اسمه من قواعد البيانات، وتُمنح له التأشيرات في دقائق.
من يتحكم في المعابر، ويُخفي الملفات، ويقدّم التسهيلات.. .هو من يزعم محاربة الإرهاب بينما يمهد له طريق العبور أو ينقله إلى دولة أخرى عند الضرورة.
"الأمير والمرشد" الحقيقي للتنظيمات الإرهابية ليس ذلك الذي يطلّ من مخبئه بعمامة وخطاب تكفيري مُضلل، بل من يحتضن تلك التنظيمات ويمنحها مظلة الأمان، ويتقن إخفاء نواياه خلف ابتسامة السلام والسلمية، بينما يمدّها بأدوات الحرب.
الإرهاب لا ينمو في فراغ، بل يتغذّى في أحضان ناعمة تُجيد التخفي خلف الخطابات الدبلوماسية.
المأوى هنا لا يعني بيتًا أو سقفًا، بل يعني غطاءً سياسيًا، وشرعية قانونية، ومنابر إعلامية مفتوحة.هذا هو الأوكسجين الذي تتنفسه تلك التنظيمات، ويُبقيها على قيد الحياة رغم كل محاولات الحصار والملاحقة.
التنظيمات الإرهابية، مهما بدت شرسة، تظل كيانات هشّة لا تملك مقومات البقاء بمفردها. فهي لا تعيش إلا في المياه الملوثة التي تُفرزها بعض الدول تحت شعارات الحرية والنفوذ الجيوسياسي.
لذلك، فإن الحرب على الإرهاب لا يجب أن تُوجّه نحو الرصاصة، بل إلى اليد التي أطلقتها، والعقل الذي خطّط، والفراش الذي منحه دفء الأمان.
تجفيف منابع الإرهاب لا يعني فقط وقف التمويل المالي أو ملاحقة العناصر الإجرامية، بل يعني مواجهة صريحة مع من يحرك هذه المنظومة.
وإذا كانت العلاقات الدبلوماسية تقف حائلًا، فعلى الأصوات الوطنية أن تقوم بواجبها في فضح أصحاب الأدوار الخفية، وتُسمي الفاعل الحقيقي الذي يطلق الرصاص ويوجه منصات التضليل.
نحن لا نحارب أشباحًا، بل نواجه منظومة كاملة تُخفي الإرهاب تحت عباءتها، وتُجيد التلاعب بخطاب مكافحة التطرف. والانتصار الحقيقي لا يبدأ من مطاردة الأدوات، بل من إسقاط القناع عن الفاعل الحقيقي، وكشف من يرعى، ويموّل، ويوجّه من خلف الستار.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: هو من ی
إقرأ أيضاً:
اتحاد أمهات مصر : مدارس التكنولوجيا التطبيقية المستقبل الحقيقي للتعليم الفني
أكدت عبير أحمد، مؤسس اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، وائتلاف أولياء الأمور، أن افتتاح 8 فروع جديدة من مدارس التكنولوجيا التطبيقية يُمثل نقلة نوعية حقيقية في مسار تطوير التعليم الفني في مصر، وخطوة استراتيجية نحو إعداد جيل قادر على مواكبة تطورات سوق العمل المحلي والدولي.
وقالت مؤسس اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، وائتلاف أولياء الأمور، إن مدارس التكنولوجيا التطبيقية ، تقدم نموذجًا متطورًا للتعليم يجمع بين المناهج الدراسية الحديثة والتدريب العملي داخل كبرى الشركات، وهو ما يفتح آفاقًا حقيقية أمام الطلاب للحصول على فرص عمل مباشرة بعد التخرج، إلى جانب إمكانية استكمال الدراسة الجامعية في مجالات تكنولوجية متقدمة.
و أوضحت مؤسس اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم ، أن التوسع في هذه مدارس التكنولوجيا التطبيقية يعكس اهتمام الدولة بإعداد كوادر رقمية قادرة على التعامل مع متطلبات العصر الرقمي، مؤكدة أن مثل هذه المدارس تمثل المستقبل الحقيقي للتعليم الفني والتكنولوجي في مصر، خاصة في ظل الطفرة الرقمية التي يشهدها العالم.
ودعت مؤسس اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، أولياء الأمور إلى إعادة النظر في ثقافة التوجه إلى التعليم الفني، خاصة عندما يكون بهذا المستوى من الجودة والتطوير، مؤكدة أن هذه المدارس تفتح أبواب المستقبل لأبنائنا، وتوفر فرصًا متميزة للعمل والتعليم، بدلاً من التكدس في الكليات النظرية التي لا ترتبط بسوق العمل.
وكان قد أكد محمد عبد اللطيف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني ، أن نموذج مدارس التكنولوجيا التطبيقية يعد مثالا ناجحا ومتميزا للتعليم الفني وتستهدف الوزارة التوسع في أعدادها حيث سيتم إطلاق ٩٠ مدرسة خلال العام الدراسي المقبل
وأضاف وزير التربية والتعليم والتعليم الفني ، أن الوزارة تسعى لعقد شراكات مع شركات دولية في عدد من دول العالم من بينها ألمانيا وإيطاليا واليابان وغيرها لوضع برامج التدريب للطلاب في مدارس التكنولوجيا التطبيقية بما ينعكس على مهارات وقدرات خريجي هذه المدارس بما يتواكب مع متطلبات سوق العمل المحلي والدولي.
وتابع وزير التربية والتعليم والتعليم الفني محمد عبد اللطيف أن تحديد تكلفة المصروفات والرسوم الدراسية الخاصة بالتعليم الثانوي التكنولوجي، وحالات الإعفاء منها، ترجع إلى طبيعة الدراسة والمواد التخصصية الدراسية في كل برنامج دراسي تكنولوجي وجداراته المطلوبة.
وضع خطط وبرامج مدروسة لبناء منظومة تعليمية متكاملةوأكد وزير التربية والتعليم والتعليم الفني ، أن الوزارة تمضي قدمًا في تنفيذ استراتيجية الدولة لتطوير التعليم، وتقوم بوضع خطط وبرامج مدروسة لبناء منظومة تعليمية متكاملة، ومعالجة التحديات التي تعوق مسيرة التقدم.