عبد الباري عطوان يحتل “المهاجرون” السوريون العناوين الرئيسية في بلاد عديدة هذه الأيام، ففي لبنان ضجة كبرى في الأوساط السياسية والإعلامية أثر قرار للبرلمان الأوروبي بدعم بقاء هؤلاء (تعدادهم غير الرسمي حوالي مليونين) على الأراضي اللبنانية، ويتهم البرلمان الحكومة اللبنانية بتصعيد خطاب الكراهية ضدهم، اما في تركيا التي يوجد على ارضها اكثر من ثلاثة ملايين لاجئ، فالموقف مختلف، ولكنه الأكثر سوءا، خاصة مع اقتراب الانتخابات البلدية، التي لا تقل أهمية عن نظيرتها الرئاسية والتشريعية التي جرت في شهر آيار (مايو) الماضي، وتكللت بفوز حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان، فاللافت ان الاتفاق الوحيد وبالإجماع بين المعارضة المهزومة، وحزب السلطة الفائز، هو كراهية اللاجئين السوريين، وحتمية ابعادهم من البلاد بأسرع وقت ممكن، لانهم باتوا يشكلون خطرا على أمن البلاد واستقرارها، ومصدر “كل” ازماتها الاقتصادية وحتى البيئية والاجتماعية وربما الزلازل أيضا.

*** لنبدأ بالبنان أولا، باعتباره الأقرب والاصغر مساحة، واحد اكبر ضحايا المؤامرة الامريكية في الجوار السوري، حيث تفيد معظم المؤشرات بأن هذا القرار البرلماني الأوروبي وقد يكون مقدمة لـ” التوطين”، الكلمة التي تثير رعب وحساسية معظم اللبنانيين، وعلى اختلاف مذاهبهم، ودياناتهم، وتوحدهم في جبهة واحدة للتصدي لها، فبالكاد تخلصوا من أكثر من 200 الف لاجئ فلسطين هاجروا او هجّروا الى أوروبا، ليجدون انفسهم، أي اللبنانيين، في مواجهة أزمة اكبر، وهي النازحون السوريون. السيد عصام شرف الدين وزير المهجرين اللبناني شجب القرار الأوروبي، واكتشف “فجأة” ان الغرب يتعامل مع لبنان بلغة المستعمر، ويتبرعون بأراضيه للغير، وكأن لبنان مستعمرة لهم، ويعمل على توطين مليون و200 الف سوري، ويختم تصريحه بإطلاق صرخة “من انتم”، التي تعود ملكيتها الفكرية للعقيد الراحل معمر القذافي. مخاوف اللبنانيين “مشروعة”، ولكن هذه الصرخة في غير محلها، فهؤلاء الذين يقول لهم “من انتم” هم الذين يقدمون السلاح والطعام للجيش اللبناني، ويدعمون القوى التي حولت لبنان فعلا الى مستعمرة أمريكية، ويشجعون السوريين على الهجرة اليه، بفرض الحصار التجويعي على سورية أولا، وتقديم المساعدات المالية لهؤلاء اللاجئين، لتصعيب عودتهم الى بلادهم. بعض المسؤولين اللبنانيين ليسوا بارعين في الصراخ والشكوى فقط، وانما قصر النظر أيضا، والبحث عن الحلول الناجعة للازمات التي تواجههم، وابرزها “ازمة” النازحين، فكيف يمكن حل هذه الازمة التي يتحدثون عنها ليل نهار وهم يغلقون قنوات الحوار كليا مع سورية استسلاما وتنفيذا للتعليمات الامريكية، ولم يزر أي رئيس لبناني، او رئيس حكومة لبنانية دمشق منذ بداية الحرب على سورية قبل 12 عاما، فمع من ستتفاوضون على عودة النازحين مع الهند مثلا؟  اما اذا انتقلنا الى تركيا فالعداء العنصري الطابع للمهاجرين السوريين يبلغ ذروته، مع اقتراب الانتخابات البلدية بعد عدة اشهر، فالرئيس اردوغان يريد استعادة مدن كبرى خسرها في الانتخابات الماضية، مثل انقرة العاصمة السياسية، وإسطنبول العاصمة الاقتصادية والتاريخية، ولهذا يكثف الحملات لطرد المهاجرين السوريين عمليا، والعرب أيضا وبدرجة اقل. وتفيد ارقام وزارتي الداخلية والدفاع انه “ابعد” حوالي مليون لاجئ الى الشمال السوري، وتجري قوات الامن حملة اعتقالات موسعة هذه الأيام في اطار مضايقتها لهؤلاء، بحجة خرق قوانين الإقامة، حيث ممنوع عليهم مغادرة الولايات التي يقيمون فيها. العديد من المليارات وبالعملات الصعبة تدخل الخزينة التركية سنويا من الاتحاد الأوروبي كمساعدات للاجئين السوريين ولا تقدم الحكومة التركية لهم الا القليل، ومع ذلك تتصاعد الحملات لترحيلهم بالقوة الى المجهول، او الى دولتهم المدمرة المحاصرة بفعل المؤامرة الامريكية الأوروبية الاعداد والعربية التنفيذ، وكانت تركيا والرئيس اردوغان وحزبه الحاكم تحديدا رأس حربتها. من يتابع الحملات السياسية والإعلامية التي تستهدف المهاجرين السوريين في تركيا هذه الأيام يشعر بالصدمة، ولا يمكن ان يصدق اذنيه او عينيه، “فـ”فوبيا” اللاجئين السوريين استفحلت وتفاقمت لدرجة ان رئيس بلدية ازمير التابعة للمعارضة (تونغ سوير) انهم هؤلاء (السوريين) بانهم سبب انتشار التلوث في الولاية، ويرتادون الشواطئ المحظور السباحة فيها، اما اوميت اوزداغ رئيس حظب “الظفر” القومي المتعصب، ذهب الى ما هو ابعد من ذلك في التحريض عندما حذر من ان اللاجئين السوريين يستعدون للاقدام على احتجاجات في المدن التركية على غرار اقرانهم المهاجرين العرب الآخرين في فرنسا مما يعرض امن واستقرار تركيا للخطر، ملمحا ان احتجاجات هؤلاء ربما تكون أخطر لوجود السلاح في ايدي بعض التنظيمات الإرهابية، ولا ننسى في هذه العجالة اقدام بعض المجالس البلدية وازمير تحديدا، على إزالة جميع اللافتات المكتوبة باللغة العربية “لغة القرآن الكريم”. *** ما دفعنا الى التعجيل في كتابة هذا المقال ليس فقط ما يرد هذه الأيام بكثافة عن هذه العنصرية الشرسة ضد اللاجئين السوريين عبر وكالات الأنباء العالمية، وانما ايضا ما نشاهده على بعض محطات التلفزة التابعة للمعارضة السورية التي طفح كيلها فيما يبدو من هذه الممارسات، وتغير الموقف التركي في تقارير مصوره بالصوت والصورة. احد هذه المحطات (سبحان مغير الأحوال) بثت تقارير إخبارية حول كيفية اعتقال الشرطة التركية بعض الشباب السوريين وبطريقة شرسة لانهم اخترقوا قانون الإقامة، وجاءوا الى إسطنبول بحثا عن عمل، علاوة على الاعتداءات المتكررة على اللاجئين السوريين والعديد من الاشاعات الفتنوية التحريضية التي تهدف الى تجريمهم، وآخرها الاتهام بسرقات وحتى تسميم كلب مدلل! أبواب سورية مفتوحة لكل، او معظم، السوريين في المنافي، ولكن يجب أولا تهيئة الظروف الملائمة لعودتهم، وابرزها تقديم اعتذار، وتعويض الدولة السورية عن كل الجرائم التي جرى الحاقها بحقها وشعبها، من القوى الاستعمارية وحلفائها العرب، والالتزام بإعادة الاعمار وتمويله، وإصدار عفو عام يشمل كل من يلتزم بأمن البلاد واستقرارها، وإقامة دولة المؤسسات والعدالة والمساواة، والإصلاحات السياسية والانتخابات الشفافة على أرضية المصالحة والحكم الدستوري. الرئيس السوري بشار الأسد اكد لي عندما التقيته في آيار (مايو)  الماضي ان المرحلة القادمة هي مرحلة تحرير ما تبقى من الأراضي المحتلة، وطرد المحتلين جميعا، وإقامة دولة المؤسسات، ومكافأة الشعب السوري على صموده والتفافه حول دولته، وتخفيف معاناته، ونأمل، والكلام لنا، ان تتهيأ الظروف اللازمة من كل الجهات لتطبيق هذه الوعود، ومما يعيد سورية الى مكانتها الإقليمية والعالمية التي تستحق.

المصدر: رأي اليوم

كلمات دلالية: اللاجئین السوریین

إقرأ أيضاً:

من الجمهوريين والديمقراطيين.. ما سر الهجمات العنصرية على ممداني؟

قالت صحيفة نيويورك تايمز إن زهران ممداني، المرشح الديمقراطي لمنصب عمدة نيويورك يقود حملة انتخابية تثير حفيظة البعض وهذا ما يعرضه لسيل من الهجمات من كل حدب وصوب، كثير منها لا يخلو من صبغة عنصرية.

ووصفت الصحيفة في مقال رأي بتوقيع تريسي ماكميلان كوتوم، المرشح ممداني (33 عاما) بأنه شاب وله كاريزما وهو شخصية جذابة وينتمي إلى يسار الوسط، ويُزعزع الوضع السياسي الراهن، إضافة لكونه مسلما من أصول هندية وأوغندية.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2كاتبة إسرائيلية: تصاعد حاد في معدلات الانهيار بين جنود الجيشlist 2 of 2حاخام شهير: إسرائيل والصهيونية أصبحتا محط إحراج لبعض الشباب اليهودend of list

ولاحظت كاتبة المقال أن الهجمات على ممداني تأتي من كل الجهات، سواء من الحزب الجمهوري أو الديمقراطي ومن لوبيات قطاع العقارات، وقالت إن بعض تلك الجهات له خلفيات ومصالح سياسية.

وترى كوتوم أن الكثير من تلك الهجمات ذو صبغة عنصرية مُبطَّنة لأنه يخلط بين توجهات ممداني السياسية اليسارية وبين خلفيته العرقية والإثنية، وقالت إن هذه النغمة العنصرية قديمة واستُخدمت سابقا ضد الرئيس باراك أوباما، ومغزاها أن هذا ليس "أميركيا حقيقيا" وإنه خطير لأنه يقف إلى جانب الفقراء في وجه الأغنياء.

وتعتبر الكاتبة أنه من المنطقي أن يلعب الجمهوريون هذه الورقة العنصرية لأنهم مهووسون بخيالات العرق ويعتقدون أن الأميركيين البيض يشكلون أغلبية مضطهدة، لكنها تستغرب كيف أن الديمقراطيين، الواعين بجوهر موضوع العرق وخاصة بعد الهجمات التي تعرض لها أوباما، يميلون حاليا لتصديق ما يقال عن ممداني في هذا الباب.

ولفهم هذه النقطة، تدعو الكاتبة القارئ إلى النظر في الواقع السياسي والديمغرافي في الولايات المتحدة وكيف أن الأميركيين أصبحوا أكثر تنوعا مما كانوا عليه قبل 50 عاما، وهو ما يعني أن أميركا أصبحت وستظل أقل بياضا تحت مفعول الهجرة وتغير الأعراف المتعلقة بالحب والزواج.

وفي هذا الصدد، توقفت الكاتبة عند مفارقة مفادها أن الرئيس دونالد ترامب نجح في استمالة بعض الأقليات العرقية خلال الانتخابات الأخيرة، وهي المجموعات نفسها التي قد تكتوي بنار سياساته، وهو الأمر الذي أثار قلقا بالغا لدى الليبراليين ومراقبي الانتخابات.

إعلان

وتحاول الكاتبة تفسير هذه النزعة العنصرية في أميركا بما سماه ديلان رودريغيز، الأستاذ بجامعة كاليفورنيا، "إعادة الإعمار البيضاء"، وهو مصطلح مستوحى من محاولة القرن الـ19 تمكين الأميركيين السود حقوقيا بعد الحرب الأهلية. وفي الظرف الحالي فإن ذلك المصطلح يعني جعل الأميركيين البيض أكثر قوة على حساب الفقراء والأقليات والنساء.

وعلى أرض الواقع، تلاحظ الكاتبة أن أنصار الترامبية المحافظين يؤيدون هذا التوجه لأنه يحمي امتيازاتهم الاقتصادية والسياسية، ويمنحهم في الوقت نفسه صفة الضحية الأخلاقية، وهو ما ينطبق في بعض الأحيان على بعض الليبراليين والديمقراطيين كما يتجلى في انتقاداتهم لزهران ممداني.

أنصار الترامبية المحافظون يؤيدون التوجه لجعل الأميركيين البيض أكثر قوة على حساب الفقراء والأقليات والنساء لأن ذلك يحمي امتيازاتهم الاقتصادية والسياسية ويمنحهم في الوقت نفسه صفة الضحية الأخلاقية وهو ما ينطبق في بعض الأحيان على بعض الليبراليين والديمقراطيين كما يتجلى في انتقاداتهم لزهران ممداني

وحسب الكاتبة، فإن هذه الخلفية التاريخية والسياسية تساعد على فهم الجدل حول صعود ممداني، إذ يتم تصويره بأنه تهديد وتجسيد للحلم الأميركي في آن واحد، فهو مهاجر عمل بجدّ، ودرس في كلية بودوين، وسعى لأن يكون موظفًا حكوميًا. لكن البعض من كلا الحزبين السياسيين يتحدون المؤسسات، وخاصة جامعات النخبة، التي انبنت عليها تجربته الأميركية.

إضافة إلى ذلك فإن ممداني يقترح سياسات تجعله قريبا من المستضعفين في المجتمع وليس من الناجحين، وأن سياسات ممداني الاقتصادية، خلافا للديمقراطيين الذين يركزون على الطبقة المتوسطة، تعطي الأولوية للفقراء والطبقة العاملة.

زهران ممداني يشد على يد أحد المؤيدين خلال مهرجان انتخابي (رويترز)

وعلى خلفية ذلك التباين، فإن البعض يميل للقول إن ممداني خان استثمار الليبراليين البيض في المؤسسات التي مكّنته من ذلك. ولهذا السبب أصبحت الأضواء مسلطة بشدة على المعلومات التي أدلى بها من أجل الالتحاق بجامعة كولومبيا وخاصة ما يتعلق بالعرق.

وخلصت الكاتبة إلى أن التركيز على اختيار ممداني لإجابات متعددة، أحدها أنه "أسود أو أميركي من أصل أفريقي"، يعكس الاعتقاد الحزبي بأن العرق هو بمثابة عملة وأن الأقليات العرقية تنفقها على حساب البيض.

وردا على تلك الانتقادات، سبق لممداني أن قال في أكثر من مناسبة إن التعريف بنفسه في طلب الالتحاق بالجامعة ليس مبنيا على شرط واحد، بل على استيفائه لمجموعة من الشروط التي تعكس هويته الكاملة والمركبة.

وفي نظر الكاتبة فإن منتقدي ممداني لا يكترثون بعرقه، بل يهتمون باحتواء قرن من الحقوق المدنية والديمقراطية الليبرالية والتعددية الثقافية، وإن المحافظين صادقون في هذا الشأن، وإن الأمر ليس كذلك في صفوف الكثير من الليبراليين.

مقالات مشابهة

  • رئيس الحكومة اللبنانية يطمئن: فرنسا مستمرة في دعم لبنان وتجديد مهمة قوات «اليونيفيل» وشيك
  • متى ستنحسر موجة الحرّ وكيف ستكون درجات الحرارة في مطلع الأسبوع؟
  • من الجمهوريين والديمقراطيين.. ما سر الهجمات العنصرية على ممداني؟
  • زيادة ملحوظة بعودة اللاجئين السوريين من الاردن لبلادهم
  • تركيا تطلق شهادة العقار: فرصة استثمارية جديدة بأسعار تبدأ من 7.59 ليرة فقط
  • ماذا وراء حرب «التحريض» ضد مصر؟
  • نداء من النادي اللبناني لليخوت إلى رئيس الجمهورية... ماذا تضمن؟
  • لماذا تكره القبائل التي تشكل الحاضنة العسكرية والسياسية للجنجويد دولة 56؟
  • خشية الصدام مع واشنطن.. الغرب يترك ماكرون وحيدًا في معركة الاعتراف بفلسطين
  • باريس تستضيف لقاءات سورية - إسرائيلية - فرنسية - أميركية