تونس- عبّر نقيب الصحفيين التونسيين عن استيائه من صمت منظمات حقوقية، لما يحصل للصحفيين من ملاحقات أمنية وقضائية، في حين يستعد الصحفيون للاحتجاج الأسبوع المقبل أمام المحكمة الابتدائية بتونس، للمطالبة بإطلاق سراح 3 صحفيين مسجونين.

وقال نقيب الصحفيين زياد الدبار للجزيرة نت إنه رغم وجود شراكات مع العديد من المنظمات، فإن هناك نوعا من الصمت والتخاذل من قبل منظمات (لم يشأ ذكرها) في الدفاع عن حرية التعبير وعن الصحفيين "الذين أصبحوا يُلاحقون بشتى النصوص القانونية الزجرية"، حسب قوله.

نقيب الصحفيين للجزيرة نت "النيابة العمومية أصبحت أداة طيعة في يد السلطة" (الجزيرة) آخرها قضية زياد الهاني

واكتفت بعض المنظمات الحقوقية  بإصدار بيانات نعتت بـ"اليتيمة"، للتنديد بملاحقة الصحفيين، والمطالبة بإطلاق سراح الصحفي زياد الهاني، الذي اعتقل مساء يوم 28 ديسمبر/كانون الأول الماضي، على إثر تصريح انتقد فيه أداء وزيرة التجارة الحالية، مما أثار سخطا في قطاع الإعلام.

وقررت النيابة تقديم زياد الهاني للمحاكمة في حالة توقيف يوم 10 يناير/كانون الثاني الحالي، استنادا إلى الفصل 86 من قانون مجلة الاتصالات، بتهمة "الإساءة للغير عبر الشبكات العمومية للاتصالات"، الذي ينص على عقوبة بالسجن تتراوح من عام إلى عامين، وغرامة مالية بقيمة ألف دينار.

وأثار اعتقال زياد الهاني، من قبل فرقة أمنية اقتادته داخل سيارة مكبل اليدين، صدمة لدى الصحفيين، وفي حين شجبت منظمات توقيفه، لم تحرك منظمات أخرى ساكنا، على غرار جمعية القضاة التونسيين أو الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، وغيرها.

زرع الرعب

اكتفت منظمات عتيدة على غرار الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بنشر بيان يتيم، تعبيرا عن رفضها لملاحقة الصحفيين والتضييق على حرية التعبير، لكن مراقبين عدّوا بيانها "محاولة للحفاظ على ماء الوجه، بسبب تجاهلها وسكوتها عن العديد من الانتهاكات"، وفق رأيهم.

ولم ينشر الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) بشكل مباشر أي بيان لإدانة ملاحقة الصحفيين، واكتفت الجامعة العامة للإعلام المنضوية تحته بإصدار بيان، للإعلان عن رفضها سياسة التضييق على الصحفيين ومقاضاتهم خارج مرسوم 115 المنظم للصحافة.

ويرى صحفيون أن نظام الرئيس قيس سعيد، الذي أمسك بزمام الأمور عقب اتخاذه لإجراءات استثنائية يوم 25 يوليو/تموز 2021، وحله للبرلمان السابق، وزجه بالعديد من القيادات السياسية في السجون، وعزله لعشرات القضاة، "قد قذف الرعب في ممثلي المنظمات الحقوقية في تونس".

انصياع للسلطة

وفي السياق ذاته تابع نقيب الصحفيين للجزيرة نت أن "النقابة ستطلب من منظمات المجتمع المدني التحرك مع الصحفيين يوم محاكمة الصحفي زياد الهاني"، مذكرا بدفاع نقابة الصحفيين التونسيين عن المنظمات، وعن حرية تنظيمها واستقلاليتها في أحلك الفترات، دون خوف من السلطة أو تخاذل.

واستنكرت نقابة الصحفيين بشدة ما اعتبرته سلسلة من الاستهداف الممنهج للصحفيين، لزرع الرعب فيهم وترهيبهم ومنعهم من انتقاد المسؤولين والسلطة السياسية التي يقودها الرئيس قيس سعيد، متهمة النيابة العمومية بالانصياع لأوامر السلطة لتكميم الصحفيين الأحرار.

وقال زياد الدبار للجزيرة نت إنه لم يسبق في تاريخ تونس إيداع 3 صحفيين السجن، موضحا أن "النيابة العمومية أصبحت أداة طيعة في يد السلطة، وتستعمل كافة النصوص القانونية الزجرية، من قانون الإرهاب ومجلة الاتصالات ومرسوم 54 لمحاكمة الصحفيين وخنق عملهم".

وبغض النظر عن قضية زياد الهاني، يقبع في السجن كل من الصحفي خليفة القاسمي المحكوم عليه بـ5 سنوات، بموجب قانون الإرهاب، بسبب نقله معلومة عن تفكيك "خلية إرهابية"، والصحفية شذى الحاج مبارك المسجونة في إطار ما يعرف بقضية الشركة "إنستالينغو".

كما اعتقل -أمس الخميس- الصحفي بمكتب الجزيرة الفضائية في تونس سمير ساسي من قبل فرقة لمكافحة الإرهاب، واقتادته إلى جهة مجهولة دون معرفة أسباب الاعتقال، قبل أن تفرج عنه في وقت لاحق اليوم، ونددت نقابة الصحفيين باعتقاله دون إعلام العائلة بوجهته، ودون تمكينه من الاتصال بمحاميه أو مؤسسته.

مرسوم 115

يقول النقيب زياد الدبار إن "هناك استهدافا واضحا للصحفيين من خلال الملاحقات الأمنية والقضائية، واستعمال كافة القوانين الزجرية للتنكيل بهم، مع الضرب بعرض الحائط المرسوم 115 المنظم لمهنة الصحفيين، الذي تم سنّه عام 2011، بعد الإطاحة بنظام الرئيس زين العابدين بن علي".

وإذا استمرت السلطة القائمة في تتبع الصحفيين بقوانين زجرية، على غرار المرسوم 54 المتعلق بمكافحة الأخبار الزائفة، والذي حوكم به عدد من الصحفيين، يقول الدبار إن "قائمة الصحفيين الذين سيودعون السجون ستتسع بشكل خطير، لتشمل العشرات في الفترة المقبلة، في ظل هذا الظرف العام".

ويرى بعض الصحفيين أن القضاة يُسهمون اليوم بشكل كبير في سجن الصحفيين، على خلفية تعبيرهم عن آرائهم وممارسة مهنتهم بشكل مستقل عن السلطة، وذلك جراء خوفهم من انتقام السلطة، خاصة بعد عزل العشرات منهم بقرار سابق من الرئيس قيس سعيد بتهمة الفساد.

وعبّر العديد من الصحفيين خلال اجتماع بمقر نقابة الصحفيين التونسيين عن استنكارهم مما اعتبروه "استهدافا ممنهجا" ضدهم، من خلال اعتقال الصحفيين والزج بهم في السجون، وضرب حق النفاذ  للمعلومة، وعودة "الصنصرة"(الرقابة والعقاب) لمؤسسات الإعلام، وتفقير الصحفيين وانتهاك حقوقهم المادية.

دكتاتورية ناشئة

يقول المحامي العياشي الهمامي للجزيرة نت إن "تونس تعيش في مرحلة انتقال نحو الدكتاتورية، وتتسم بسعي محموم لضرب الكلمة الحرة وقمع الصحفيين والمحامين"، موضحا أن السلطة القائمة لم تستطع قضم جميع الحريات بسبب المكاسب التي تحققت بعد الثورة.

ويرى المحامي نفسه أن "السلطة مستمرة في مزيد تضييق الخناق والتنكيل بكل من يعارضها بهدف توسيع نفوذها"، مشيرا إلى أنه "لا يوجد خيار أمام المدافعين عن حرية التعبير والحقوق والحريات والديمقراطية سوى مواصلة النضال، رغم كل المخاطر التي سيواجهونها من سلب للحرية وتضييقات".

وكشف الهمامي للجزيرة نت أن لسان الدفاع عن الصحفي زياد الهاني سيقلبون محاكمته يوم 10 يناير/كانون الثاني الحالي، لمحاكمة النظام الحالي ومسؤوليه والنيابة العمومية، قائلا "يوم محاكمة زياد الهاني سنقلب السحر على الساحر، وسنحاكم النظام على ما اقترفه من تعسف واستبداد وتجاوز".

من جهته يقول رئيس المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية عبد الرحمان الهذيلي للجزيرة نت إن "ما يحدث من ملاحقات للصحفيين لا يمكن عزله عن السياق العام في البلاد، الذي يتسم خاصة بالانسداد السياسي وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية".

وبسؤاله عن سبب اكتفاء العديد من المنظمات العريقة بإصدار بيانات يتيمة للدفاع عن الصحفيين، يؤكد الهذيلي أن "منظمته كانت من أولى المنظمات المبادرة بنشر موقفها الرافض لسياسية التنكيل بالصحفيين"، مشيرا إلى أن السياق العام في البلاد أثر بشكل سلبي على مناخ الحريات.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: النیابة العمومیة نقابة الصحفیین نقیب الصحفیین زیاد الهانی العدید من

إقرأ أيضاً:

مختصون: البيانات المفتوحة محرك رئيسي للابتكار والنمو الاقتصادي

- د. أحمد الجهوري: أداة محورية في تكريس الشفافية وتعزيز حس المسؤولية

- حميدة المعمرية: تطوير الإنتاج الأكاديمي وتحسين موثوقية الأبحاث

- مبارك الحمداني: بناء نماذج اقتصادية دقيقة قائمة على السيناريوهات المتوقعة

- طوعة آل داوود: تسهم في تعزيز البنية الأساسية للأمن السيبراني

تَبرُز البيانات المفتوحة كأحد أبرز مرتكزات بناء اقتصاد قائم على المعرفة ومعزز بالشفافية، حيث أصبحت هذه البيانات أكثر من مجرد أرقام أو جداول، بل أداة استراتيجية لصنع القرار، ومحرّك رئيسي للابتكار والنمو الاقتصادي، وأكد عدد من الخبراء والمتخصصين في عدة قطاعات أن البيانات المفتوحة تصنع أثرا ذا أبعاد ممتدة بدءا من القطاع الاقتصادي، وتمتد لتشمل الأبعاد القانونية، والبحثية، والاجتماعية، من خلال تعزيز المساءلة، وتمكين المجتمع المدني، وتوفير بيئة خصبة للابتكار والبحث العلمي، مؤكدين على أهمية تبنّي سياسات تنظيمية واضحة، وبنية تحتية رقمية متقدمة، تضمن الاستخدام الأخلاقي والفعّال لهذه البيانات.

وقال الدكتور أحمد بن سعيد الجهوري، محام ومستشار قانوني إن البيانات المفتوحة تعد أداة محورية في تكريس مبدأ الشفافية وتعزيز حس المسؤولية داخل المؤسسات، لا سيما في الجوانب القانونية والتشريعية. فعندما تُتاح المعلومات المرتبطة بالقوانين، الميزانيات، العقود، والتقارير الرقابية للجمهور، تنخفض احتمالات التجاوزات الإدارية وتُصبح الرقابة المجتمعية أكثر فاعلية.

هذا الانفتاح يمنح الجهات الرقابية، والمجتمع المدني، وحتى الإعلام، إمكانية تتبع الأداء المؤسسي وكشف مكامن الخلل القانوني أو الإداري، الأمر الذي يفرض تلقائيًّا على الموظفين والقيادات التزامًا أكبر، مدفوعًا بإدراكهم أن أعمالهم أصبحت قابلة للتدقيق العام. وبذلك، تسهم البيانات المفتوحة في تضييق فرص الفساد، وترسيخ ثقافة المساءلة التي تشكل أساسًا لإدارة مؤسسية نزيهة.

القرارات القانونية

وأضاف الجهوري أن البيانات المفتوحة تؤدي دورا مهما في تطوير البحث والتحليل القانوني، ودعم اتخاذ القرار القائم على المعرفة، مشيرا إلى أنه: "في عصر المعرفة الرقمية، أصبحت البيانات المفتوحة مصدرًا لا غنى عنه للباحثين القانونيين وصنّاع السياسات، والمشرّعين. من خلال إتاحة قواعد بيانات ضخمة تشمل النصوص القانونية، والسوابق القضائية، والتقارير الرسمية، يمكن للباحثين إجراء تحليلات معمقة ترصد تطور التشريعات واتجاهات الأحكام القضائية عبر الزمن".

كما تتيح هذه البيانات فرصًا غير مسبوقة في دعم القرارات القانونية استنادًا إلى أرقام ووقائع ملموسة، ما يعزز من فعالية السياسات المقترحة ويقلل من الاعتماد على التقديرات الشخصية. علاوة على ذلك، تسهم هذه الشفافية في تعزيز العدالة، إذ تُستخدم البيانات لتحليل مدى التوازن في تطبيق القوانين، والكشف عن أي تفاوت أو تحيز، الأمر الذي يفتح المجال لإصلاحات قانونية عادلة مبنية على أدلة لا على تصورات.

وأوضح الجهوري أن البيانات المفتوحة أيضا تمكّن الأفراد والمجتمع المدني من المشاركة الفعالة في صياغة السياسات والتشريعات من خلال إعادة تعريف العلاقة بين المواطن والمشرّع، عبر تمكين الأفراد والمجتمع المدني من المساهمة الفعالة في رسم السياسات وصياغة التشريعات.

فعندما تُتاح المعلومات المتعلقة بالأداء الحكومي والتشريعات القائمة بشكل واضح ومفتوح، تصبح لدى المجتمع القدرة على فهم أعمق للواقع القانوني، وبالتالي المشاركة بمقترحات مدروسة، وليست مبنية فقط على آراء عامة. هذا الفهم المعمق يدعم بناء حملات ضغط أكثر وعيًا وتأثيرًا، ويتيح للمجتمع المدني الاستناد إلى أدلة وبيانات في المطالبة بالتغيير أو في الدفاع عن قضايا معينة، كما أن هذه المشاركة المعززة بالبيانات ترفع من مستوى الشفافية في العملية التشريعية، وتُسهم في تقليص الفجوة بين المواطن وصاحب القرار، مما يرسّخ ثقة المجتمع في النظام القانوني والتشريعي.

البحث العلمي

وأشارت حميدة بنت عبدالله المعمرية، أستاذ محاضر بجامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصحار إلى أن البيانات المفتوحة تشكل عنصرا أساسيا في تعزيز منظومة البحث العلمي داخل المؤسسات التعليمية، إذ تمكّن الباحثين والطلبة من الوصول إلى مصادر موثوقة ومحدثة، وتسهم في تطوير إنتاجهم الأكاديمي وتحسين جودة وموثوقية الأبحاث. فمع تزايد الطلب على البيانات الدقيقة وارتفاع وتيرة التحول الرقمي، أصبحت هذه البيانات أداة فاعلة لإجراء دراسات تحليلية معمقة، وإعادة إنتاج نتائج علمية، وتعزيز الشفافية. كما تساهم في بناء بيئة خصبة للتعاون البحثي محليا ودوليا، عبر تسهيل تبادل المعرفة والخبرات، مما يفتح المجال أمام الابتكار المشترك وتقديم حلول علمية لمختلف التحديات المعاصرة في مجالات مثل الصحة والبيئة والتعليم.

إلا أن هذا التوجه يواجه تحديات، أبرزها حماية الخصوصية، وضمان موثوقية البيانات، ونقص المهارات التقنية، فضلا عن الحاجة إلى بنية تحتية متطورة وتشريعات واضحة، وللتغلب على هذه العقبات، تبرز أهمية التوعية والتدريب، وتبنّي سياسات مؤسسية تشجع على الاستخدام الآمن والفعال للبيانات، وتطوير منصات رقمية داعمة لمشاركة الأبحاث. وتُعد تجربة جامعة التقنية والعلوم التطبيقية بصحار مثالًا ملهمًا في هذا الإطار، من خلال تقديم برامج لبناء القدرات في التعامل مع البيانات المفتوحة.

وقد أطلقت جامعة التقنية والعلوم التطبيقية مبادرة رائدة لتعزيز ثقافة البيانات المفتوحة، عبر تقديم برامج تدريبية تستهدف جميع الفئات الأكاديمية من طلاب وباحثين؛ بهدف رفع الوعي بكيفية استخدامها بشكل فعّال. كما وضعت الجامعة سياسات واضحة لتنظيم التعامل مع البيانات، بما يضمن حمايتها وسلامتها، كما أن تبنّي منصة وطنية مفتوحة للنشر الأكاديمي يعزز من الحضور البحثي لسلطنة عُمان، ويرتقي بتصنيف جامعاتها عالميا، وذلك في انسجام تام مع مستهدفات رؤية عُمان 2040 والتي تتبنّى عملية ترسيخ الريادة العلمية والمعرفية.

ووضحت أن "عددًا من التقارير الدولية من ضمنها التقرير الصادر عن معهد البيانات المفتوحة Open Data Institute بالمملكة المتحدة، تشير لنمو حجم البيانات المفتوحة خلال السنوات الخمس الأخيرة، حيث إن 20-30% من البيانات البحثية في المجالات العلمية (مثل الفيزياء، البيولوجيا، علوم البيئة) تُنشر كبيانات مفتوحة في مستودعات مثل Zenodo ،Figshare، أو بوابات الحكومات المفتوحة، وهذه النسبة تزداد في بعض المجالات مثل علوم المناخ أو الصحة العامة، كما أن عددا من الجامعات العالمية تخصص تمويلا لنشر بعض الأبحاث للوصول الحر دون مقابل، في الدوريات ذات معامل التأثير العالي والمنشورة عبر دُور النشر العالمية المعروفة؛ دعما لوصول مخرجات ونتائج تلك الدراسات إلى شرائح أكبر من المجتمع".

التخطيط الاقتصادي

من جهته أوضح مبارك بن خميس الحمداني، باحث في السياسات العامة أن البيانات المفتوحة تعمل على تمكين الاقتصاد وتحفيز النمو المستدام، إذ باتت أداة لا غنى عنها في دعم التخطيط الاقتصادي وصناعة السياسات المبنية على الأدلة والمعطيات الواقعية. وتتيح هذه البيانات للجهات المعنية بناء نماذج اقتصادية دقيقة قائمة على السيناريوهات المتوقعة، ما يسهم في رفع كفاءة التعامل مع المتغيرات وتخفيف أثر المخاطر الاقتصادية المحتملة، حيث لا يقتصر أثر البيانات المفتوحة على الجانب الحكومي فحسب، بل امتد ليشمل القطاع الخاص، حيث تمثل موردا استراتيجيا يعزز من قدرة المستثمرين، المحليين والأجانب، على اتخاذ قرارات أكثر وعيًا ودقة.

وأشار الحمداني إلى أنها تشكل مصدرا جوهريا للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، يساعدها على فهم الأسواق، وتقليل نسب المخاطرة، وبناء دراسات جدوى أكثر واقعية، في ظل بيانات توفر تصورًا واضحًا للحالة الاقتصادية والاجتماعية والتشريعية وحتى السياسية في بيئة الاستثمار. وقد باتت بعض الدول المتقدمة تعتمد استراتيجيات شاملة لإتاحة البيانات المفتوحة بصورة تكاملية وعالية الكفاءة، تتجاوز المؤشرات الاقتصادية والتشريعات إلى إتاحة صور الأقمار الصناعية وبيانات متخصصة لبعض القطاعات الحيوية، ما يمنح المستثمرين رؤى أعمق وأكثر شمولية عن البيئة الاستثمارية.

جذب الاستثمارات

كما ترتبط البيانات المفتوحة ارتباطًا وثيقًا بجذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة، كما أثبتته دراسات حالة لعدد من الدول التي تبنّت نهج الشفافية والانفتاح، حيث أدت إتاحة البيانات المتعلقة بالمخاطر والبيئة التنظيمية إلى تعزيز ثقة المستثمرين، وتحقيق تأثير مباشر وفوري على حجم الاستثمارات الوافدة. فالشفافية، إلى جانب البيئة التشريعية والحوافز، تُعد من الركائز الأساسية في تحسين مناخ الاستثمار.

وأضاف الحمداني: إن البيانات المفتوحة تتيح تحسين الامتثال التنظيمي في المؤسسات الاقتصادية، بصرف النظر عن حجمها أو مجالها، حيث تساعد في رصد الاتجاهات السائدة ومواكبة التغيرات في أنماط الطلب الاستهلاكي. وتؤدي هذه القدرة إلى تعزيز الابتكار، وتوسيع فرص الدخول إلى السوق، لا سيما أمام رواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة، بما يعزز تنافسيتها واستدامتها. وبذلك نستشف أن نجاح منظومة البيانات المفتوحة يبقى مرهونًا بعدة عوامل، أبرزها التنسيق الحكومي المستمر، واعتماد تقنيات تحليل وعرض حديثة، وتسهيل الوصول إلى البيانات، مع ضمان التحديث المنتظم لها. كما تبرز الحاجة إلى ترسيخ مبادئ الاستخدام الأخلاقي والمهني لتلك البيانات لضمان استدامة أثرها الاقتصادي الإيجابي.

في المحصلة، تمثل البيانات المفتوحة موردا استراتيجيا قادرا على دفع عجلة النمو الاقتصادي، وتعزيز الشفافية، وتحفيز الاستثمار، شريطة أن تتوفر لها البنية المؤسسية والتقنية والتنظيمية الداعمة، وأن تُدار برؤية تستشرف المستقبل وتستثمر في الفرص.

الأمن السيبراني

طوعة بنت عبدالله آل داوود، رئيسة قسم التطوير والدراسات بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات تقول إن "البيانات المفتوحة تسهم إسهاما كبيرا في تعزيز البنية الأساسية للأمن السيبراني وتطوير آليات الاستجابة للتهديدات الرقمية"، لافتة إلى أنها "تدعم تطوير أدوات الذكاء الاصطناعي حتى تكون قادرة على التنبؤ بالتهديدات والتعامل معها بشكل استباقي، مما يعزز آليات الاستجابة وسرعة التنبيه والتحليل، ويتمثل ذلك عبر تمكين تبادل المعلومات بين الجهات المختلفة، الأمر الذي يساعد على كشف الأنماط الشائعة للهجمات السيبرانية، وتحسين جاهزية الأنظمة الدفاعية". ومن خلال إتاحة بيانات حول الحوادث والثغرات الأمنية، يتمكّن الباحثون والخبراء من تحليلها وتقديم حلول مبتكرة تُسهم في تعزيز البنية الأساسية للأمن السيبراني ورفع مستوى الحماية الرقمية بشكل عام.

وأوضحت آل داوود أن تصميم خدمات رقمية فعالة وشفافة بات يعتمد كثيرا على توفر البيانات المفتوحة؛ فعند إتاحة البيانات للمطورين والقطاع الخاص والجهات الحكومية، يمكن استخدامها في بناء تطبيقات وخدمات ذكية موجهة لاحتياجات المواطنين والمستخدمين، كما تتيح البيانات المفتوحة تعزيز الرقابة المجتمعية وقياس كفاءة الأداء الحكومي، مما يرفع من مستوى الثقة ويعزز الشفافية. وبهذا الأمر فهي تشكل عاملا محوريا في التحول الرقمي الحكومي، إذ تسهم في تحقيق التكامل بين الجهات وتسهيل الوصول إلى المعلومات الموثوقة.

التحديات

أما عن التحديات المرتبطة بإتاحة البيانات المفتوحة في بيئة رقمية تعتمد على الخصوصية والحماية أشارت آل داوود إلى أن التحديات الرئيسية في ضمان عدم الإفصاح عن بيانات حساسة أو شخصية، والحفاظ على سرية المعلومات الأمنية، خاصة في ظل تزايد المخاطر السيبرانية، ولتحقيق التوازن بين الشفافية والأمن ينبغي اتباع نهج شامل يشمل عدة جوانب مثل: تطبيق معايير صارمة لإخفاء الهوية، تصنيف البيانات بحسب مستويات الحساسية، وضع سياسات واضحة تحكم ما يمكن نشره وما يجب حمايته، بالإضافة إلى تعزيز ثقافة الأمن السيبراني داخل الجهات المنتجة للبيانات، قبل نشر البيانات، وذلك بما يضمن الاستفادة من البيانات المفتوحة دون الإخلال بمبادئ الخصوصية أو تهديد الأمن الوطني.

وختاما تُظهر آراء المختصين من خلال هذا الاستطلاع أن البيانات المفتوحة أصبحت أداة استراتيجية تعزز الاقتصاد، والبحث العلمي، والشفافية المؤسسية والرقمية في سلطنة عُمان، ويتجلى دورها في دعم اتخاذ القرار، وجذب الاستثمارات، وتمكين الابتكار، إلى جانب ترسيخ الحوكمة الرشيدة وبناء منظومة رقمية آمنة.

مقالات مشابهة

  • أي أفق لمبادرات القوى الديمقراطية تجاه النظام في تونس؟
  • الخارجية الأميركية توضح للجزيرة رؤية ترامب بشأن سوريا
  • مختصون: البيانات المفتوحة محرك رئيسي للابتكار والنمو الاقتصادي
  • مصادر مطلعة.. فضيحة فساد مدوية جديدة لوزير في حكومة عدن بملايين الدولارات
  • عبدالله آل حامد: قيادتنا الرشيدة لا تكتفي بمواكبة المستقبل بل تصنعه بثقة واقتدار
  • اعتقال مفحط قطع الطريق في الموصل.. فيديو
  • عاجل | مصادر للجزيرة: أكثر من 40 آلية عسكرية إسرائيلية تقتحم مدينة نابلس من جهة حوارة
  • أسباب تباطؤ النمو السكاني بتونس وتداعياته الاقتصادية والاجتماعية
  • سفير سابق عمل في اليمن يفضح انحياز منظمات دولية كبيرة لصالح الحوثيين ويؤكد إن ''إنهاء الحوثي يبدأ بتمزيق اتفاق ستوكهولم واستعادة الحديدة''.. عاجل
  • تخفيفًا عن أولياء الأمور.. الحزاوي تشيد بقرار وزير التعليم بإصدار البوكليت كبديل للكتب خارجية