نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للصحفية نسرين مالك، أشارت فيه إلى أن التفصيل قد يكون صغيرا لكنه يحكي قصة كبيرة وواضحة: إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن لم تعين سفيرا لها في القاهرة إلا في آذار/ مارس من العام الماضي. بعد وصوله إلى منصبه، كانت أوامر الرئيس بايدن لموظفي السياسة الخارجية هي "إبقاء الشرق الأوسط بعيدا عن مكتبي".

وكانت الفكرة أن القضية العربية قد أغلقت إلى حد كبير.

ولفتت إلى تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، في خطاب ألقاه قبل أسبوع واحد فقط من هجمات حماس، حيث قال إن "الشرق الأوسط أصبح أكثر هدوءا اليوم مما كان عليه منذ عقود من الزمن".

وقالت الصحفية في مقالها الذي ترجمته "عربي21"، إن الخطة كانت تهدف إلى "دمج" المنطقة في نهاية المطاف من خلال تشجيع المزيد من التطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، وبالتالي عزل إيران وترويضها. وكما قال الباحث إدوارد سعيد ذات مرة: "من الشائع جدا أن نسمع كبار المسؤولين في واشنطن وأماكن أخرى يتحدثون عن تغيير خريطة الشرق الأوسط، كما لو أن المجتمعات القديمة والشعوب التي لا تعد ولا تحصى يمكن أن يتم هزّها مثل عدد من حبات الفول السوداني في جرة".


وأضافت أن الأمر لم ينجح، فقد أعادت هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر الشرق الأوسط إلى مكتب بايدن. إن المنطقة ليست مكونة من عدد من حبات الفول السوداني في جرة، والدول العربية لديها عادة التصرف بطرق تمليها الحسابات المحلية والطموحات الإقليمية بدلا من أولويات السياسة الخارجية الغربية. والنتيجة هي أن جميع الرهانات قد انتهت بشكل كبير. وفي غضون أسابيع، انجذب الشرق الأوسط والعالم العربي الأوسع إلى الحرب بطريقة لم يقابلها إجراء مناسب من جانب الولايات المتحدة وحلفاء إسرائيل الآخرين من شأنه أن يفرض وقف الأعمال العدائية وتهدئة التوترات الإقليمية.

وذكرت أن السبب وراء هذا الشلل يشكل ركيزة أساسية في سياسة الولايات المتحدة الخارجية في الشرق الأوسط: أن إسرائيل هي الشريك الأمني الرئيسي للولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي فإن إعادة النظر في تسليحها ودعمها أمر غير وارد. قالت المرشحة الرئاسية الجمهورية نكي هالي الأسبوع الماضي إن "إسرائيل هي نقطة مضيئة في منطقة صعبة. لم يكن الأمر أبدا أن إسرائيل بحاجة إلى أمريكا. لقد كان الأمر دائما أن أمريكا بحاجة إلى إسرائيل".

وقالت الصحفية، إن تكلفة هذا المنطق باهظة، ومتصاعدة. الحديث يدور عن "مخاوف من حرب أوسع نطاقا في الشرق الأوسط"، لكن الحقيقة هي أن الحرب موجودة بالفعل. وقد امتد الآن إلى لبنان واليمن وإيران والبحر الأحمر وبحر العرب. لقد تم تبادل الضربات والهجمات المضادة بين إسرائيل وحزب الله على طول حدود جنوب لبنان منذ أسابيع. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر، استهدفت غارات إسرائيلية مطار دمشق، ما أدى إلى خروجه من الخدمة.

وفي الأسبوع الماضي، أدت غارة جوية بطائرة بدون طيار في قلب بيروت إلى مقتل أحد قادة "حماس" وستة آخرين، ما أدى إلى توسيع مسرح الحرب بعيدا عن معاقل حزب الله في جنوب البلاد. ومن اليمن، قامت ميليشيا الحوثي بضرب واحتجاز سفن تقول الجماعة إن لها علاقات بإسرائيل، احتجاجا على قصف غزة.

ويحدث كل هذا في سياق أوسع من الأزمات والانقسامات في كل دولة على حدة. ويؤدي كل تصعيد إلى سلسلة متتالية من التداعيات. أدت هجمات الحوثيين في البحر الأحمر إلى تحويل حركة المرور التجارية المتجهة إلى أمريكا الشمالية وأوروبا بعيدا عن الممر المائي، ما أثر على إيرادات مصر التي تحتاجها بشدة من قناة السويس وربما استقرار البلاد في خضم أزمة مالية طويلة الأمد، وفقا للمقال.

ونوهت مالك إلى أنه على المستوى العالمي، إذا لم يكن من الممكن جعل البحر الأحمر آمنا، فسوف نشهد ارتفاع تكاليف التجارة وأقساط التأمين، وازدحام سلسلة التوريد في سوق السلع العالمية التي تعاني أصلا من عدم الاستقرار بسبب الحرب في أوكرانيا. وقد أدى هذا بالفعل إلى زيادة النشاط العسكري في المنطقة – ففي الأسبوع الماضي، أغرقت مروحيات تابعة للبحرية الأمريكية قوارب الحوثيين التي أطلقت النار عليها. وأي شيء أكثر تنسيقا من جانب الولايات المتحدة وحلفائها، الذين أرسلوا بالفعل رسالة قوية بالتوقف والكف عن طريق استهداف قواعد الحوثيين في اليمن، يهدد بزعزعة استقرار هدنة ضرورية في البلاد ويزيد من احتمال نشوب اشتباكات مفتوحة مع إيران، التي أعلنت نشر سفنا حربية في البحر الأحمر.

ووفقا للمقال، فليس هناك خطر كبير من أن تعلن أي من هذه الدول الحرب علنا على إسرائيل، فهذا سيكون بمثابة انتحار. ولكن هنا تكمن الراحة الزائفة والتهديد الخفي. ويمكن للجهات الفاعلة المؤذية من غير الدول والوكلاء وعدم الاستقرار السياسي أن يقوضوا السلام بنفس الفعالية تقريبا. وأعلن تنظيم الدولة الإسلامية مسؤوليته الأسبوع الماضي عن الهجوم الأكثر دموية في إيران منذ ثورة 1979. ويشير توقيت الهجوم إلى وجود مجموعة مهزومة تستغل التقلبات السياسية من أجل جعل نفسها ذات أهمية.

ونقلت الصحيفة عن آرون زيلين، وهو زميل بارز في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، قوله للإذاعة الوطنية العامة، إن داعش "يشبه الجوكر نوعا ما. إنهم يريدون رؤية العالم يحترق. إنهم لا يهتمون بكيفية حدوث ذلك طالما أنه يفيدهم".

وتابعت: قد يحصلون على رغبتهم. وتزدهر جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية في حالة عدم الاستقرار، وفي البلدان ذات السيادة الضعيفة. عبر البحر الأحمر في شرق أفريقيا، يقع السودان، وهو موقع مدينة موانئ كبيرة، في خضم حرب فوضوية حيث يتنافس حاليا نظامان من أجل السيطرة، في حين أن جزءا كبيرا من البلاد يقع خارج نطاق السيطرة، وحدودها قابلة للاختراق. وزير الخارجية اللبناني صريح بشأن عدم القدرة على كبح جماح حزب الله، وقال لبي بي سي إن حكومته لا يمكنها إلا أن "تقنعهم بأنه لا ينبغي عليهم الرد بأنفسهم. نحن لا نأمرهم، بل نتحاور معهم في هذا الصدد". في اليمن، هناك حكومتان تسيطران فعليا على مناطق مختلفة في الشمال والجنوب.

وشددت على أنه في مختلف أنحاء المنطقة، هناك أمر ثابت واحد: قدرة إيران على تمويل ونشر وكلاءها بشكل فعال، وهي المنشأة التي أصبحت ممكنة بفضل الدور التاريخي الذي لعبته الولايات المتحدة في تمكينها من خلال حرب العراق، ثم الفشل في احتوائها.


لكنها أشارت إلى أن المخاطر أكبر من ذلك، فمن الصعب المبالغة في تقدير تأثير المشاهد من غزة والضفة الغربية، في ظل هذا الفراغ في السلطة والمجموعات العاملة بالوكالة. وتبث القنوات الفضائية العربية تقريرا جنائيا مستمرا عن الدمار. وكانت قناة الجزيرة العربية تبث جنازة زعيم حماس السياسي الذي اغتيل وطقوس الدفن، في نفس الوقت الذي تبث فيه القنوات العربية المحلية تقليديا صلاة الجمعة الأسبوعية من مكة.

وقال المقال إن مئات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين يقيمون في لبنان وسوريا والأردن، وتهيمن الحرب في غزة والأحداث في الضفة الغربية والتطورات في المنطقة على الخطاب العام في جميع أنحاء المنطقة، من موائد العشاء إلى العروض الجماعية وتغطية الصحف. إن تهديد الإرهاب الذي يتغذى على المناخات المحمومة والمشاعر الملتهبة يلوح في الأفق، كما شوهد بالفعل في إيران.

وأضافت أنه عندما تتكشف مثل هذه الأحداث، فلا شك أنه سوف يتم تأطيرها، دون سياق أو تاريخ، كنتيجة لإيديولوجية دينية متطرفة، وسفك الدماء المزمن للعرب أو المسلمين، ودليل إضافي على "المنطقة الصعبة" التي تحتاج إلى شرطي. والحقيقة هي أن الوضع الراهن الذي كانت الولايات المتحدة وإسرائيل تأملان أن يتحول إلى "تكامل" عربي أوسع وتطبيع مع إسرائيل، واحتواء إيران، والموت البطيء والهادئ للقضية الفلسطينية، تم تأمينه دائما على أساس أنه لا أحد سيرفض ذلك ويقوم بأي تحركات مفاجئة من شأنها أن تثير الفخر والبارانويا حول من يملك السلطة حقا.

ثم ضربت حماس، وما تلا ذلك كان تصرفات الحكومة الإسرائيلية التي لا تتصرف وكأنها قوة استقرار في المنطقة، بل كقوة إثارة للمشاكل. وما دامت الولايات المتحدة وغيرها من الحلفاء الغربيين تفشل في مواجهة هذه الحقيقة، بسبب الجمود أو الخوف من ردود الفعل السلبية في الداخل، فإن الجميع، بما في ذلك إسرائيل، سوف يدفعون ثمنا باهظا لحرب تجاوزت منذ فترة طويلة الدفاع المبرر عن النفس، ويمكن أن تصبح قريبا تهديدا عالميا، وفقا لما أورده المقال.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة إسرائيلية الشرق الأوسط حماس غزة الفلسطينيين الشرق الأوسط فلسطين حماس غزة الاحتلال صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة الأسبوع الماضی الشرق الأوسط البحر الأحمر فی المنطقة

إقرأ أيضاً:

لهذا تتعثر استراتيجية الولايات المتحدة تجاه لبنان

ترجمة: أحمد شافعي -

بعد عام من بدء ما يطلق عليه «وقف إطلاق النار» بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، قد تكون إسرائيل على أهبة استئناف أعمال عدوانية شاملة ضد الجماعة، لتؤكد من جديد أن الاتفاق ليس إيقافًا حقيقيًا للأعمال العدائية، ولا يمكن أن يكون كذلك.

واقع الأمر أن سياق لبنان يمثل حالة واضحة لنهج «السلام من خلال القوة» الذي تتبعه إسرائيل وواشنطن، أي العدوان السافر على أعداء حقيقيين أو وهميين لتحقيق انتصارات سياسية تكتيكية قريبة الأجل، لا مكاسب استراتيجية كبيرة؛ وذلك ما لن يغير بجدية التركيبة الجيوسياسية في الشرق الأوسط دون إعادة تقييم جادة.

من المؤكد أن جهود نزع السلاح في لبنان، ناهيكم بجنوب نهر الليطاني ـ بحسب المنصوص عليه في وقف إطلاق النار المعيب ـ كان على الدوام من أصعب المواضيع في الشرق الأوسط الموبوء أصلا بالمواضيع الصعبة.

ومع ذلك، بموجب اتفاق نوفمبر 2024؛ كان على كل من حزب الله وإسرائيل إجلاء قواتهما وأصولهما العسكرية من جنوب لبنان، ووقف إطلاق النار على مواقع أحدهما الآخر وعلى أي مواقع مدنية بصفة أعم.

وكان الظن السائد هو أن حزب الله قد ضعف إلى حد أن صار بوسع إسرائيل أن تتراجع وتحقق مكاسب مستدامة في البلد على حساب أحد أعدائها غير الحكوميين.

ولكن ما حدث هو أن إسرائيل رفضت أن تخلي خمسة مواقع محورية على الحدود الإسرائيلية اللبنانية المتنازع عليها، وآثرت أن تواصل ضربات شبه يومية لجارتها الشمالية ـ منها ضربات لجنوب بيروت ـ مع توغلات متفرقة في قرى الجنوب اللبناني وجهود متواصلة للقضاء على البنية الأساسية المدنية.

وتواصل القيادة السياسية الإسرائيلية الإصرار على أنها لن تغادر الأراضي اللبنانية ذات السيادة التي تحتلها بصفة غير شرعية ما لم تتلق تأكيدا تاما بنزع سلاح حزب الله في شتى أرجاء البلد.

وتستمر في التهديد بمعاودة الأعمال العدوانية الشاملة ضغطا على قيادة لبنان السياسية من أجل أن تضغط بدورها على الجماعة، ومن أجل تعزيز ائتلاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو اليميني المتطرف الذي يبقيه في السلطة.

وإدراكا منها لاضطراب الوضع، آثرت بيروت التدرج ثم اللِين في جهود نزع السلاح، مع تزايد نشر القوات المسلحة اللبنانية في الجنوب، وهذه الجهود أساسية في وقف إطلاق النار.

غير أن عمليات إسرائيل المستمرة تعوق هذه الجهود إعاقة بالغة، إذ لقيت أعداد غفيرة من القوات اللبنانية مصرعها على أيدي الجيش الإسرائيلي خلال محاولة التحرك إلى الجنوب. كما استهدفت هذه العمليات مهمة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلد أي قوة الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان المعروفة بيونيفل.

وبالنسبة لقيادة لبنان السياسية، تمثل هذه الدينامية موقفا خطيرا: أي التعرض لضغط إسرائيل والغرب بصفة عامة للاشتداد على حزب الله من جانب، والتعرض لضغط حزب الله وحلفائه لوقف تعاونها الوثيق مع أولئك الفاعلين الغربيين في قضايا من قبيل نزع السلاح في الجانب الآخر.

فالسيناريو هو الخسارة في كل الحالات بالنسبة لحكومة الرئيس الإصلاحي جوزيف عون ورئيس الوزراء نواف سلام، وكلاهما يفهم تمام الفهم بأي سهولة يمكن أن ينهار الوضع السياسي الداخلي في لبنان بعد المرور بحرب أهلية استغرقت خمس عشرة سنة قبل عقود قليلة.

ويفهم حزب الله أيضا الدينامية الفاعلة، ولو أنه يعمل من موقف الضعف. فالجماعة تعرف أنه لا يمكن اقتلاعها ببساطة ومحوها تماما، وبخاصة بعد أن شاهدت صمود حماس في غزة. وما احتلال إسرائيل المستمر إلا تقوية لعزيمة الجماعة إذ يرسخ سبب وجودها: وهو مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

فالأمر ببساطة هو أنه ما دام بقيت إسرائيل في أراض لبنانية؛ ازدادت قاعدة حزب الله السياسية دعمًا للجماعة في المقاومة ورفض نزع السلاح.

لن يفضي هذا المأزق إلى حل جدي، ولكنه سوف يفاقم الصراع في البلد الذي يصارع أصلا من أجل التعامل مع اضطرابه الداخلي.

ومع ذلك يبدو أن الوضع القائم هو الغاية بالنسبة لإسرائيل. فهي تشعر بالاجتراء على خلق وقائع على الأرض تتيح لها أن تفرض الحد الأقصى من المطالب على أعدائها الحقيقيين والموهومين. ويعني ذلك قيامها بأفعال تعطيها حرية مطلقة في المنطقة، وبخاصة داخل البلاد المجاورة وضدها، ما خلا الاتفاقيات مع الفاعلين الذين يضمنون لها ضمانا كاملا مصالحها الجيوسياسية وتبطل الاحتياج إلى الوضع القائم.

لكن في الوقت الذي يشهد محاصرة قيادة لبنان السياسية بين المطرقة والسندان، لا تستطيع إسرائيل أن تحقق مطالبها القصوى أيضا. وليس معروفا اليوم إن كانت قيادتها السياسة تعترف بهذا الواقع أم لا، لكنها سوف ترتقي إلى ما يشبه نسخة محدثة من استراتيجية «جز العشب» في لبنان.

فالوعود الإسرائيلية المستمرة باستئناف حملة عسكرية كاملة النطاق في لبنان تشير إلى أن هذه الدينامية هي الفاعلة، خاصة أن البديل ـ أي إشعال فتيل حرب أهلية لبنانية أخرى ترغم قوى لبنان السياسية على محاربة حزب الله بنفسها ـ بديل غير وردي مطلقا.

وحالة سوريا لها دلالتها في هذا المقام.

ففي نهج شبه مطابق لنهج لبنان، تحتل إسرائيل بغير صفة شرعية أراضي سورية ذات سيادة ضمن عقيدة أمنها الوطني الجديدة التي توسع نطاق الأمن مع فرض المطالب القصوى.

وتظل محتفظة بحقها المفترض في ضرب البلد كيفما تشاء بينما تعاني المحادثات من الركود. وبالنسبة لإسرائيل، يبدو هذا الوضع الراهن ملائما لقيادتها السياسية والعسكرية، خاصة أن حرية العمل في سوريا تتيح لهم ضرب إيران كيفما يشاؤون إذا رغبوا في ذلك.

وهكذا، فإن الوضع الجيوسياسي الناشئ في الشام والشرق الأوسط بعامة يعكس محاولة إسرائيل أن تحافظ على سيطرتها المهيمنة على جيرانها. وهي تفعل ذلك من خلال دعم أمريكي سياسي وعسكري واقتصادي لا يمكن بدونه أن تستمر في جهودها.

ويشاع أن جهود الولايات المتحدة سوف توسع حضورها العسكري في سوريا، بجانب إسرائيل، بما يعكس عزم واشنطن على دعم الهيمنة الإسرائيلية وصولا إلى مستوى جدي مع إدارتها الدقيقة لشريكتها الصغيرة وجيرانها الضعفاء في المنطقة.

غير أن هذا المشروع في ما يعرف بـ«الشرق الأوسط الجديد» ليس سوى تكرار للماضي؛ فترسيخ الوضع الراهن غير المستدام القائم على الاحتلال والعنف العسكري لن يحقق «للشرق الأوسط السلام» المراوغ. وقد أدى القيام بذلك في الماضي إلى أهوال اليوم؛ منها هجمات حماس في السابع من أكتوبر 2023، وغزو إسرائيل لغزة. والقول بأن إيران الضعيفة وما يسمى بـ«محور المقاومة» التابع لها يمثلان لحظة فريدة يمكن فيها أن تنجح هذه الاستراتيجيات التدخلية أخيرا هو جنون محض، وليس صناعة سياسات سليمة.

بعد عام من وقف إطلاق نار كارثي أحادي الجانب، يقف لبنان واستراتيجية الرئيس دونالد ترامب الأوسع في الشرق الأوسط عند مفترق طرق. ولو أن ترامب حقا صانع صفقات وصانع سلام؛ فعليه أن يعترف بدور إسرائيل في إفساد الصفقات والسلام في الشرق الأوسط، وعليه أن يكبح جماح شريكه الأصغر من خلال استغلال النفوذ الكبير الذي تتمتع به واشنطن على إسرائيل لإنهاء رعايتها للاضطراب والفوضى على حساب جيرانها.

أما البديل ـ أي الثبات على المسار الحالي ـ فسيؤدي إلى أن تنتهي استراتيجية هذه الإدارة في الشرق الأوسط إلى سلة قمامة التاريخ، وذلك عن جدارة واستحقاق، نظرا للإخفاقات التي نتجت عنها والتي ستظل تنتج عنها إذا تم تطبيقها.

ألكسندر لانجلوا محلل للسياسة الخارجية، ورئيس تحرير مجلة «داون»، وزميل مساهم في «أولويات الدفاع».

ـ الترجمة عن ذي ناشونال إنتريست

مقالات مشابهة

  • قبل عام 2026.. ملامح الشرق الأوسط في ثوبة الجديد
  • هجمات إسرائيل تتمدد في الشرق الأوسط
  • الموقع الجغرافي يعرض المنطقة لمزيج معقد من الظروف المناخية.. ماذا يحدث فى الشرق الأوسط؟
  • هل ينجح تخفيف عبء الشرق الأوسط في استراتيجية الأمن القومي الأمريكي؟
  • تركي الفيصل: إسرائيل الخطر الأكبر على استقرار الشرق الأوسط
  • لهذا تتعثر استراتيجية الولايات المتحدة تجاه لبنان
  • السفير الأمريكي يزور الأردن لتعزيز التعاون الإقليمي
  • اعتراف بخطأ قديم.. كيف تغير أميركا تعاملها مع الشرق الأوسط؟
  • تركي الفيصل: إسرائيل هي التهديد الأكبر لاستقرار الشرق الأوسط وليس إيران
  • ما هي استراتيجية ترامب للشرق الأوسط 2026