فقر السعادة أخطر من فقر الاقتصاد، وعندما تصبح السعادة مثل الفاكهة المحرمة فنحن أمام خطر قومى.. ليس بالضرورة أن تكون غنيًا لكى تكون سعيدا، ولكن حين تنتقل الاحتياجات الفردية من حالة الخصوصية إلى فضاء العمومية فالأمر هنا ينذر بالخطر لأن المشكلة تصبح خطرا قوميا وليست همًا شخصيًا.. الكتابة فى هذا الموضوع ليست ترفًا شخصيًا ولا «فذلكة مثقفين» ولكن عندما لا يكون فى مقدور الملايين منا إلا النكش تحت تراب الأمانى فهنا تكون المهمة قومية مادام الجرح انتقل من دواخل النفوس إلى أرصفة الشوارع.
مسألة الامتلاك انسحبت على الحياة الزوجية لمعظم المصريين الذين يقبلون على الزواج وهم فى عز الشباب بدافع ظاهره الحب وباطنه الامتلاك.. نهر الحب يفيض فى حياتنا وعاداتنا شهرًا أطلقنا عليه «شهر العسل»، وبعده تبدأ مواسم الجفاف، وتتشقق قلوبنا من العطش العاطفى والإنسانى لأن معظمنا ببساطة كان مدفوعًا للزواج ليس عشقًا وإنما قفز اضطراري من مراكب الحرمان أملا فى سباحة تطول ببحار العسل.. المفاجأة – وهى ليست بالمفاجأة – أن القفزة لم تكن فى بحر العسل وإنما فى حمام سباحة جاف، والنتيجة ارتطام بأرضية الحمام والإصابة بحالة دوران وتوهان مزمنة بقية العمر.
كنا نشم ريحة الدنيا الحلوة بالمشى فى الشوارع والتنزه بالحدائق – وفى سنوات الجفاف العاطفى، من يريد مكانا هادئا وإنسانيا فاليكن قادرا على شراء فيللا فى كومباوند ولو كان متوسط الدخل، فليشترى شقة مليونية.. نعم مليونية! ويعيش على مقاس فقره.. كنا نصيف فى رأس البر وجمصة وبلطيم، وكان كِريمة القوم يقطنون بالشاليهات أم سقف خشب وجريد على البحر مباشرة.. عام 1971 وأنا ابن فلاح فصيح من بحرى وابن الـ 15 سنة كنت فى بلطيم مع شقيقى، وكانت الرحلة بالنسبة لى نقلة حضارية فلأول مرة أنتقل من العوم فى الترعة للسباحة بالبحر الكبير- والأهم أنه كان بالقرب منا وعلى بعد خمسين مترًا شاليه «يستأجره» الدكتور حافظ بدوى رئيس مجلس الأمة وأسرته – النواب الآن – وبجواره شاليه «تستأجره» الفنانة كريمة مختار وأسرتها رحمها الله.. النهاردة لم يتبق لجموع المصريين إلا أن يصطافوا على شواطئ الأحلام والأمانى لأن الساحل الشمالى كامل العدد ومحجوز لألف سنة مما تعدون.. الحكاية أن الأمن القومى لأى بلد ليس أرقامًا اقتصادية، وحدودًا آمنة فقط، ولكنه بالأساس حالة رضا وأمان وإقبال على الحياة، لا هروبًا منها.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: كامل عبدالفتاح
إقرأ أيضاً:
نتنياهو والنظام.. كيف تُدار إسرائيل بخيوط الخوف والدعاية؟ قراءة في كتاب
نتنياهو من أخطر الشخصيات في تاريخ إسرائيل، وأكثرها تأثيرا في تاريخ الصراع، وأطولها بقاءً في رئاسة الوزراء، وأكثرها خروجا للقتال في قطاع غزة أو دول الشرق الأوسط. وصفه إسحاق شامير رئيس الوزراء الأسبق: "ملاك الدمار". وقال عنه الدبلوماسي الأمريكي آرون ديفيد ميلر: "نتنياهو، هو بلا شك السياسي الأكثر فعالية في إسرائيل على مر العصور، والأكثر مهارة، والأكثر تلاعبًا، والأكثر تصميمًا، ولهذا السبب تمكن من المناورة والحفاظ على مكانته كقوة مؤثرة في السياسة الإسرائيلية. وقد أثرت شخصيته ومعتقداته على نظرته للأمور، وبالتالي على تشكيل إسرائيل، لأكثر من ثلاثة عقود".
يسعى نتنياهو ليكون المؤسس الثالث لإسرائيل، ويعمل بقوة مع حلفائه من اليمين المتطرف على تحقيق حلم إسرائيل الكبرى وبناء شرق أوسط جديد تكون إسرائيل هي القوة المهيمنة على شئونه. لذلك، فإن قراءة تفكيره السياسي أمر ضروري لفهم ما حدث في المنطقة منذ توليه رئاسة الوزراء أول مرة عام 1996، ولفهم حروبه الحالية، وتوقع خطواته المستقبلية. وسنقدم هذه القراءة من خلال المصادر التالية:
1 ـ نتنياهو، سلام دائم: إسرائيل ومكانتها بين الأمم، كتب وارنر، الولايات المتحدة، 1993.
2 ـ نيل لوشيري، الصعود المقاوم لبنيامين نتنياهو، بلومسبري، الولايات المتحدة، 2016.
3 ـ أليكس مكدونالد، ملاك الدمار: ما الذي كون بنيامين نتنياهو، ميدل إيست آي، 31/1/2025.
نتنياهو صاحب الوجوه المتعددة والخطاب البليغ
بالنسبة لمعظم العالم: نتنياهو قومي يميني متعصب؛ أما بالنسبة للإسرائيليين، فهو وسطي، ومتساهل للغاية مع العرب، ويتراجع بسهولة في أي قتال!! يكذب يمينًا ويسارًا. فالكذب بالنسبة له ليس أمرًا سيئًا. وهو شخصية مثيرة للاستقطاب بشكل كبير في إسرائيل والشرق الأوسط والولايات المتحدة والعالم بأسره. وهذه الوجوه المتعددة هي من أسباب صعوده الصاروخي إلى السلطة وبقائه فيها أو عودته إليها رغم ما يطارده من الفضائح والأزمات السياسية.
وبفضل لهجته الأمريكية الناعمة، وإجاباته المختصرة، أصبح نتنياهو نجما دوليا بين عشية وضحاها، فقد كانت إسرائيل في حاجة لمن يتحدث باسمها بلغة سهلة تؤثر على الرأي العام افتقدها الساسة الإسرائيليين كإسحاق شامير الذي كان يتحدث الانجليزية بلكنة بريطانية ثقيلة وصوت رتيب أو رابين الذي كان يبدو أثناء حديثه كجد يدعو حفيده إلى النوم.
بفضل لهجته الأمريكية الناعمة، وإجاباته المختصرة، أصبح نتنياهو نجما دوليا بين عشية وضحاها، فقد كانت إسرائيل في حاجة لمن يتحدث باسمها بلغة سهلة تؤثر على الرأي العام افتقدها الساسة الإسرائيليين كإسحاق شامير الذي كان يتحدث الانجليزية بلكنة بريطانية ثقيلة وصوت رتيب أو رابين الذي كان يبدو أثناء حديثه كجد يدعو حفيده إلى النوم.وقد سعى نتنياهو لبناء حضوره سياسي بين الناس من خلال وسائل الإعلام، حتى وهو نائب لوزير الخارجية. ويروي مساعدوه أنه كان يحمل ما لا يقل عن ستة قمصان كل يوم. وكان دائما ما يهندم نفسه بعناية كما لو كان يعيش على الشاشة الصغيرة. وكانت مقاطعه الصوتية قوية ومقدمة بشكل جيد، ودعا إلى أجندة سياسية محلية جديدة كانت محورا للانتخاب المباشر لرئيس الوزراء.
نتنياهو والتغيير الثقافي والاجتماعي في إسرائيل
كان الظهور السياسي لنتنياهو جزءاً من ثورة ثقافية أوسع بشرت بأمركة سياسة إسرائيل وإعلامها وأعمالها. وكان نتنياهو، هو المحفز للتحول نحو أسلوب سياسي أكثر حداثة بعيدا عن ثقافة الآباء المؤسسين لإسرائيل الذين كانوا متأثرين بأوروبا الشرقية. وقد تبنى نتنياهو منذ 1976، أثناء عمله كمستشار اقتصادي لدى مجموعة بوسطن الاستشارية، أفكارا اقتصادية تختلف عن السائدة آنذاك في إسرائيل، وطوّر آراءه الراسخة حول السوق الحرة، وأصبح معارضاً شرساً للديمقراطية الاجتماعية المدعومة من حزب العمل الإسرائيلي. وبعد توليه السلطة، أشرف على خصخصة واسعة النطاق في الاقتصاد الإسرائيلي. وسَخِر من القيادة القوية لاتحاد نقابات العمال "الهستدروت"، واصفاً إياها بـ"ديناصورات البلشفية".
نتنياهو وصناعة الخوف
يعتبر العديد من الإسرائيليين أن نتنياهو محتال دخيل على الحياة السياسية؛ ومع ذلك ينظرون إليه على أنه سيد الأمن الذي يوفر الحماية لإسرائيل من أولئك الذين يريدون تدميرها. وقد لعب نتنياهو بشكل منهجي على عشرة مخاوف لدى الإسرائيليين من أجل تعزيز مسيرته السياسية: الخوف على الأمن الشخصي، الخوف على أمن إسرائيل، الخوف من صنع السلام مع العرب، الخوف من عدم السلام مع العرب، الخوف من العزلة الدولية، الخوف من العولمة، الخوف من التطرف الديني، الخوف من من زيادة تأثيرات العلمانية، الخوف من الإصلاحات الاقتصادية، والخوف من التدهور الاقتصادي. ونجد أنه يجمع بين العنصر ونقيضه، فلكل واحد منها وقته والحاجة إليه طبقا لمصالحه الشخصية.
القيادة في نظر نتنياهو
في يناير 1997 خلال فترة ولايته الأولى، عرف نتنياهو القيادة بأنها "ساحة التقاء بين الرؤية والواقع، بين الأيديولوجية والتطبيق العملي". لذلك، صرح حينها أنه لن يتم بناء مستوطنات جديدة ، ولكن سيتم السماح للمستوطنات القائمة بالنمو. وعلى النقيض أبدى استعداده لإعادة أراضي الضفة الغربية إلى الفلسطينيين. وقد حاول نتنياهو تعريف نفسه بأنه نموذج لواقعية ديفيد بن غوريون بدلا من الخطاب التحريضي لبيغن. وفي حديثه أمام كلية الدفاع الوطني في عام 1997 قال: إنه من المهم للغاية معرفة متى يجب تقديم تنازلات، ومتى تغتنم الفرص، ومتى تظهر العزيمة والحزم.
نتنياهو وصناعة الأكاذيب وتزوير التاريخ
يقوم الفكر السياسي لنتنياهو على إنكار الحقوق العربية في فلسطين، بل وإنكار اسم فلسطين نفسه، ويرفض إقامة دولة فلسطينية على أي جزء من فلسطين التاريخية، ويرى أنه إذا امتثلت إسرائيل لمطالب العرب، فقريبا ستجد نفسها قزمة منكمشة ظهرها إلى البحر. وستكون هذه الدولة إغراءً دائما للتهديدات والعدوان. ويرفض أيضا عودة اللاجئين. وينسب مجموعة من الأكاذيب إلى العرب، ويدعي أنهم استخدموها لمخاطبة حاسة العدل، لدى الانسان العادي، في العالم الغربي وفي اسرائيل. ومن هذه الأكاذيب: الادعاء بأن القضية الفلسطينية هي قلب النزاع في الشرق الاوسط، وتحويل السبب إلى المسبب، والتركز على تجريد اليهود من كل ما يشير إلى عدالة نضالهم، وتشوّيه تاريخ اسرائيل. وزرعوا تاريخاً فلسطينياً من نسج الخيال والأكاذيب بدلاً منه، مثل: إحلال العرب مكان اليهود في كونهم أبناء هذه الارض منذ بدء الخليقة، وأن اليهود - لا العرب - هم الغزاة الاجانب لها؛ وأُستبدل الشتات اليهودي بالشتات الفلسطيني. وذلك، لاقناع شعوب العالم بأن اسرائيل ألحقت ظلماً شديداً بالعرب الذين يحاولون رفع الظلم عن أنفسهم، وأن العالم يجب أن يساعدهم على رفع هذا الظلم.
نتنياهو وسياسية الجدار الحديدي
آمن نتنياهو بنظرية جابوتنسكي "الجدار الحديدي"، والتي تقوم على عدم جدوى محاولات التوصل إلى حل وسط مع العرب؛ فهم لن يقبلوا أبدا الاعتراف بوجود إسرائيل. وآمن أيضا بأن هذه النظرية هي التي تضمن بقاء إسرائيل في الشرق الأوسط، وأنها لا يمكنها إقامة علاقات ناجحة إلا مع الدول الديمقراطية المستقرة حيث يتم تغيير الأنظمة عبر صناديق الاقتراع بعيدا عن الانقلابات أو استخدام السلاح. كما آمن جابوتنسيكي أيضا بأهمية القوة السياسية والإعلامي. ولقد حذت حكومات الليكود في اسرائيل حذو جابوتنسكي ببذل جهود متواصلة على الصعيد الدولي؛ ولكن بصورة جاءت مناقضة تماماً لمبادئ جابوتنيسكي. فنفذت حكومات الليكود أعمالاً بالغة الأهمية، لكنها لم تفعل شيئاً لاقناع العالم بعدالة هذه الأعمال. إذ لم تكن هذه المسألة ذات اهمية في نظر حكومات الليكود، لذا لم تتخذ الوسائل المطلوبة لتحقيق هذا الكسب على الساحة الدولية.
يعتبر العديد من الإسرائيليين أن نتنياهو محتال دخيل على الحياة السياسية؛ ومع ذلك ينظرون إليه على أنه سيد الأمن الذي يوفر الحماية لإسرائيل من أولئك الذين يريدون تدميرها.وقد وقعت إسرائيل في نفس الخطأ في الخمسينات، فقال بن جوريون: "ليس مهماً ما يقوله الغرباء؛ بل ما يفعله اليهود". فارتكب بن جوريون خطأً فاحشاً عندما استهان بأهمية الرأي العام الدولي، فبعد احتلال الجيش الاسرائيلي لسيناء عام ١٩٥٦، أعلن بن جوريون أن اسرائيل ستبقى في سيناء ألف سنة. لكنه لم يفعل شيئاً لكسب التأييد السياسي في أوساط الرأي العام الأمريكي، الذي كان بحاجة ماسة له، لاضعاف معارضة الرئيس الامريكي إيزنهاور لهذه الخطورة. لذا أُجبر على الانسحاب من سيناء ومن قطاع غزة، انسحاباً سريعاً بعد بضعة اشهر فقط من الحرب. ولذلك، فإن ايمان الاسرائيليين بتفوق قوتهم العسكرية ، هو الذي قلص جهود اسرائيل كي تضمن لنفسها أحلافاً سياسية، التي بدونها يصعب على أية أمة، وبخاصة اذا كانت أمة صغيرة، العمل على الساحة الدولية.
الخروج من العزلة الإقليمية والدولية
يبني نتنياهو سياسته الخارجية والإعلامية على الخروج من العزلة الإقليمية والدولية، فقال: الرأي السائد حالياً في إسرائيل هو أن مصيرها قد حُسم، وحُكم عليها بالعزلة، فالعالم كله ضدها، ولن نستطيع أن تفعل شيئاً بهذا الشأن سوى أن تفعل أحد أمرين: تعبئة قوتها العسكرية لمواجهة الضغوط التي تُمارس عليها؛ أو الاستسلام حسب نظرية اليسار الاسرائيلي بالرضوخ لكافة المطالب العربية، لتحظى بشعبية قصيرة المدى.
حقيقة أن اسرائيل تعرضت أكثر من مرة في تاريخها للعزلة المطلقة، لا تستوجب ان يكون الوضع هكذا، دائماً. فدول العالم تقرر عقد الاحلاف السياسية، وفقاً لمصالحها الآنية أو حسب ميول الرأي العام أيضاً. ولهذا، تستطيع إسرائيل أن تعمل على هاتين الجبهتين معاً: جبهة المصالح، وجبهة الرأي العام لإقناع حكومات دول كثيرة وشعوبها أيضاً، بأن دعم اسرائيل له ما يبرره، ومناسب أيضاً لهذه الدول. لن يؤدي قد إلى كسب كل دول العالم إلى جانب اسرائيل، ولا حتى معظمها، لكنه يكفي لكسب قسم منها، وتخفيف عداء القسم الآخر. وكانت هذه هي بالضبط، نظرية هرتسل عندما سعى بنجاح لكسب التأييد للصهيونية.
العمل وفق نظرية الضغط الجماهيري
هذه النظرية تمثل حجر الزواية في سياسة نتنياهو الداخلية والخارجية، فقال: "كان جابوتنسكي، هو الوحيد، من تلاميذ هرتسل، الذي فَهِم أهمية المقاومة السياسية. وأكد أهمية ما أسماه "نظرية الضغط الجماهيري". فإذا مارس أحد الأطراف الضغط السياسي والدعائي، في حين بقي الطرف الثاني مكتوف اليدين، سيضطر الطرف السلبي للرضوخ للضغط في نهاية الأمر. لذا، يجب ممارسة ضغط مضاد يكون موجهاً ضد الحكومات الاجنبية، وجماهير المواطنين فيها. ومن أجل القيام بذلك يجب أن يبدي اليهود روحاً قتالية في المعركة السياسية، لا تقل عن تلك المطلوبة في المعركة العسكرية.
لقد أدرك معظم السائرين في طريق جابوتنسكي أفكاره العسكرية والإقليمية؛ لكن قليلاً منهم فقط، هم الذين أدركوا المبدأ الثالث في نظريته، وهو: ضرورة بذل جهود متواصلة من الإقناع وممارسة الضغوط على الساحة الدولية، بغية الدفاع عن مصالح الشعب اليهودي".
تغيير صورة إسرائيل عالميا
قال نتنياهو: بعد حرب لبنان الأولى، تغلغلت حقيقة وحشية إسرائيل في وعي ملايين الناس في الولايات المتحدة وفي العالم كله. وعليه، كان من المتوقع أن تعترف إسرائيل بحقيقة عدم الفصل بين السياسة والإعلام. لكن هذا لم يحدث. في دول أخرى، يعتبر هذا الأمر مفهوماً في حد ذاته. فالرئيس الأمريكي ومعظم زعماء العالم لا يتخذون بشكل عام قرارات ذات أهمية قبل أن يفحصوا الرد المتوقع على قراراتهم لدى الرأي العام العالمي والرأي العام داخل بلدانهم. ويكون لديهم سؤال مهم يسبق اتخاذ القرار، وهو: كيف يمكن أن يرد الجمهور على هذا القرار، وما الذي يجب عمله لكي يكون الرد ايجابياً"؟ قد تتجاهل الدول الكبرى ذلك أحيانا؛ لكن دولة صغيرة كإسرائيل، يتوقف وجودها إلى درجة كبيرة على نظرة دول العالم إليها، لا يحق لها تجاهله. ربما قد تضطر لاتخاذ قرارات من المتوقع ألا تلقى التأييد المطلوب؛ إلا أنه لا يوجد ما يمنعها من محاولة تقليص المعارضة إلى أدنى حد ممكن بوسائل مختلفة.
الخطاب الإعلامي كسلاح مؤثر وفعال
يتحدث نتنياهو عن خطورة الخطاب الإعلامي باعتباره سلاحا مؤثرا وفعالا، فقال: "خلال السنوات التي عملت فيها ممثلاً لإسرائيل في الولايات المتحدة، تبين لي أن كلمة واحدة تساوي أحياناً، من حيث قيمتها ألف صورة، مثل: الاحتلال الإسرائيلي، شعب مشرد، أرض عربية، الأرض مقابل السلام، وما شابه ذلك. قدمت هذه الكلمات خدمة للعرب أكثر من كل صور الانتفاضة مجتمعة. لقد بذل العرب جهوداً كبيرة في نشر المقالات والرسائل الصحفية والكتب، والنشرات الإعلامية. وضمنوها صيغاً لغوية، تظهر أن مقاومتهم لإسرائيل عادلة واخلاقية.
إن إسرائيل التي تواجه عواصف سياسية كثيرة ومتلاحقة، لن تستطيع الاستمرار في إدارة شؤونها السياسية والدبلوماسية، في ظل تجاهل هذا العنصر بالغ الأهمية، ويجب أن تجند أفضل العقول والكتاب لخدمتها. كما يجب عليها إدراك مبدأ، انه لا يمكن النجاح في الصراع السياسي الدولي دون كسب تأييد الرأي العام الدولي.
ويعزو نتنياهو ضعف الإعلام الإسرائيلي إلى سيطرة اليساريين عليه، فقال: يسيطر اليساريون سيطرة كاملة على وسائل الإعلام الاسرائيلية، فلا توجد صحيفة، أو قناة تلفزيونية، أو دار نشر ، تخلو من وجود دائم لليساريين فيها الذين لا يترددون في استخدامها لرسم أفكار ووجهات نظر المواطنين في اسرائيل، والحسم في مواضيع سياسية مهمة. ويرى الكثير منهم ألا حاجة لبذل جهد سياسي دولي، لانهم يعتقدون بأنه إذا انتهجت اسرائيل السياسة الصحيحة، سيضمها العالم فوراً إلى أحضانه. والتفسير العملي لهذه السياسة، هو التخلص من "المناطق المحتلة" التي يكرهونها، لأنهم يعتقدون بأن كل ما تتعرض له إسرائيل الآن، مصدره الكارثة التي أصابتها في حرب الأيام الستة، عندما سيطرت على هذه المناطق. كما يرون أن العالم الذي اعتاد رؤية اسرائيل كمعتدية، سيصفق لها على كل انسحاب تقوم به من المناطق حسبما يطلب العرب.
القوة العسكرية والاقتصادية هي الحل
القوة، حيازة واستخداما، هي سبيل إسرائيل للبقاء والتمدد والسيطرة على المنطقة، وفي هذا يقول نتنياهو: "إذا لم تكن قادراً على حماية نفسك، ربما لن تجد من هو مستعد للدفاع عنك. وهذا يقودنا إلى استنتاج واضح هو: القوة هي حجر الزاوية لكل جهد يستهدف كسب حلفاء جدد، والمحافظة على تحالفات قائمة". ويستشهد نتنياهو بحرب 67 لتأييد رؤيته، فقال: لقد بدأ الدعم الأمريكي الواسع لإسرائيل، بعد حرب الايام الستة فقط، بعدما تبين لها أن إسرائيل، هي أقوى دولة عسكرية في الشرق الاوسط. ولا شك بأن الإصرار على البقاء في الضفة الغربية قد يؤدي إلى خلافات مع الولايات المتحدة، لكنه في الواقع لا يوجد شيء يمكن أن يعرض للخطر الدعم الأمريكي لإسرائيل على المدى الطويل، أكثر من إعادة إسرائيل إلى وضعها الهش. عندئذ لن تجد إسرائيل دولة في العالم تقف إلى جانبها وهي ضعيفة خائرة القوى.
يقول نتنياهو: "إذا لم تكن قادراً على حماية نفسك، ربما لن تجد من هو مستعد للدفاع عنك. وهذا يقودنا إلى استنتاج واضح هو: القوة هي حجر الزاوية لكل جهد يستهدف كسب حلفاء جدد، والمحافظة على تحالفات قائمة".ولكي تصبح إسرائيل قوية في المنطقة والعالم، فإن نتنياهو يشترط لحيازة القوة واستخدامها شروطا يراها أساسية لأمن إسرائيل هي:
1 ـ التأييد الدولي: إذ دون حملة تستهدف إثارة الرأي السياسي العالمي، فلن تكون القوة العسكرية والاقتصادية كافية لضمان استمرار هذا الدعم من دول العالم.
2 ـ القوة الذاتية: لا يُعتبر التأييد الدولي، بديلاً عن الدفاع الذاتي.
3 ـ التمسك بأراضي 1967: يدعو نتنياهو الإسرائيليين إلى رفض الادعاء الذي يردده اليسار الإسرائيلي، وهو أنه إذا تنازلت اسرائيل عن أجزاء ذات اهمية في جدارها الواقي، فستكون لديها قوة أخلاقية تكسبها تأييداً مستمراً من جانب الدول الكبرى في العالم. ويرفض نتنياهو ذلك، لأنه كما يقول: الضعف لا يكسب شيئاً.
4 ـ الاقتصاد القوي: إسرائيل الضعيفة اقتصادياً، لن يعقد معها أحد أحلافاً اقتصادية أو سياسية معها. ولكن، عندما تتخلص من القيود السياسية والبيروقراطية التي تحول دون تحقيق نمو اقتصادي، ستصبح في أسرع وقت، دولة اقتصادية عظمى يخطب الجميع ودها.
ضرورة وجود تأثير قوي على الإدارة الأمريكية
الحضور القوي لإسرائيل داخل الولايات المتحدة وتأثيرها على الرأي العام هناك عنصر حيوي جدا لضمان أمن إسرائيل وتأثيرها الإقليمي والدولي:
أولا ـ التأثير على الإدارة الأمريكية:
قال نتنياهو: مهمة الزعامة الاسرائيلية هي إقناع الإدارة الأمريكية، بأن مصلحة الولايات المتحدة تُلزمها بانتهاج سياسة تتناسب والمصالح الاسرائيلية وليس العكس، وذلك من خلال فهم طبيعة النظام السياسي الأمريكي وكيفية التأثير عليه، فالولايات المتحدة دولة ديمقراطية، فيها عدة قوى فاعلة ومؤثرة على رسم السياسة الامريكية: الإدارة، الكونغرس، والرأي العام. وكل قوة منها، منفتحة للحوار والاقناع، والنقاش. وبالتالي، فالسياسة الأمريكية تجاه إسرائيل تتقرر بناء على مزج لمواقف هذه القوى مجتمعة، ولدى إسرائيل الفرصة الممتازة لمحاولة إقناع كل واحد منها.
هذه العلاقات القوية بين إسرائيل والولايات المتحدة كانت عاملا مهما وراء تدفق الدبلوماسيين والزعماء من الدول المختلفة، كدول أفريقيا وأوروبا الشرقية بعد سقوط الاتحاد السوفيتي، على إسرائيل لاقتناعهم بأن لإسرائيل قدرة مميزة في التأثير على سياسة الولايات المتحدة الدولة العظمى الوحيدة في العالم.
ثانيا ـ التأثير على الرأي العام الأمريكي:
قال نتنياهو: تتصرف الدول الديمقراطية بدرجة كبيرة وفقاً للرأي العام الجماهيري داخلها. ولا توجد دولة في العالم، تبرز فيها هذه الحقيقة أكثر من الولايات المتحدة التي ترسم سياستها الخارجية وفقاً لتوجيهات جمهور الناخبين الأمريكيين، ومنذ وقت طويل، يرى هذا الجمهور إسرائيل على أنها دولة ذات قيم مشتركة مع الولايات المتحدة. لذا، فإن تنمية هذا التعاطف والتأييد، هو واجب كل حكومة إسرائيلية، مع التأكيد على أنه إذا كانت إسرائيل دولة ضعيفة ومهددة بالخطر فلن تحظى بأي دعم من جانب الولايات المتحدة، سوى الإعراب عن تعاطفها معها.
إسرائيل القوية عنصر استقرار في منطقة الشرق الأوسط!!
رغم كل ما شنته إسرائيل من حروب، فإن نتنياهو يدعي أن إسرائيل عنصر استقرار في المنطقة ويدعو إلى إنشاء أحلاف إقليمية لتحقيق ذلك، فيقول: أدى انهيار الاتحاد السوفييتي، إلى تمكين أنظمة الحكم العسكرية في الشرق الأوسط من التزود بالأسلحة دون رقابة، ولم يعد في المنطقة عنصر قادر على كبح طموحاتهم العدوانية سوى اسرائيل. فاسرائيل القوية، لا الضعيفة، تُعتبر عنصراً مساعداً على تثبت الاستقرار في منطقة مضطربة، وردع الدوافع العدوانية لدى أنظمة الحكم الدكتاتورية في الشرق الأوسط، وهناك مصلحة إسرائيلية مشتركة مع دول أخرى كثيرة، في دفع هذه الاخطار، وهذا القاسم المشترك، قد يشكل قاعدة لأحلاف سياسية ذات أهمية في المستقبل.
خطران وجوديان على إسرائيل
يرى نتنياهو أن هناك خطرين وجوديين يتهددان إسرائيل، وهما: التشدد الإسلامي، وإيران النووية تحت حكم الملالي. وفي هذا يقول: إن توسع الاسلام المتطرف مشكلة لا تحظى بمعالجة مناسبة من جانب الدول الغربية. فالمتعصبون الاسلاميون ينمون لدى مؤيديهم الاستعداد للموت في سبيل تحقيق حلمهم الديني. وهكذا، شهدنا شباباً أرسلتهم أمهاتهم للموت في سبيل الإسلام. ولا يمكن الغاء احتمال قيام ايران بتصنيع السلاح النووي، واستخدامه ليس ضد اسرائيل وحدها، بل ضد دول اخرى. لذا، يُعتبر التدخل الدولي، وخصوصا من الولايات المتحدة، ضرورياً لمنع انتشار الاسلحة غير التقليدية في ايران، وفرض حظر شامل على أنظمة حكم دكتاتورية في الشرق الأوسط لمنع تزويدها بالوسائل والمعلومات التكنولوجية النووية، وفرض عقوبات مشددة على الدول التي تخرقه. فإذا لم يُتخذ الاجراء الدولي المناسب بهذا الشأن، فستكون مسألة وقت فقط، حتى تمتلك ايران، أو أية دولة اخرى في الشرق الاوسط أسلحة نووية.