روسيا والصين.. والاتجاه نحو الشرق
تاريخ النشر: 1st, February 2024 GMT
شهد الأسبوع الماضي حدثين متعلقين بعلاقات مصر بروسيا والصين. الأول، حدث يوم الثلاثاء الموافق ٢٣ يناير، وهو صب الخرسانة للوحدة الرابعة والأخيرة من وحدات محطة الضبعة لإنتاج الكهرباء من الوقود النووي، بالتعاون مع الجانب الروسي، وحضرها كل من الرئيس السيسي والرئيس بوتين عبر تقنية الفيديوكونفرانس. والثاني حدث يوم الأحد الموافق ٢٨ يناير، وهو زيارة وفد من دولة الصين الشعبية، برئاسة المستشار الثقافي في سفارة الصين، بدعوة من مؤسسة تطوير الدقهلية، والتي أقيمت في نقابة الأطباء في الدقهلية، وتم فيها عرض تجربة الصين التنموية ومناقشة أوجه التعاون بين مصر والصين.
أولا: العلاقات المصرية الروسية
محطة الضبعة النووية لإنتاج الكهرباء من الوقود النووي هي آخر محطات التعاون المصري الروسي في المشروعات العملاقة. حيث بدأت العلاقات الدبلوماسية بين الاتحاد السوفيتي ومصر في أغسطس سنة ١٩٤٣. وبعد ثورة يوليو ١٩٥٢، قدم الاتحاد السوفيتي لمصر المساعدة في تحديث قواتها المسلحة وبناء السد العالي. وبلغت العلاقات بين البلدين ذروتها خلال حقبة الزعيم جمال عبدالناصر في خمسينيات وستينيات القرن الماضي. في هذه الحقبة، كان الاتحاد السوفيتي هو السند الأكبر لمصر، وساعد الخبراء السوفييت في إنشاء ٩٧ مشروعا صناعيًا ضخمًا مثل السد العالي في أسوان، والذي صُنف علي أنه أحسن مشروع هندسي في القرن العشرين، ومصنع الحديد والصلب في حلوان، ومجمع الألومنيوم في نجع حمادي، والربط الكهربائي بين أسوان والإسكندرية. كما زود الاتحاد السوفيتي القوات المسلحة المصرية بالأسلحة والمعدات العسكرية، وخاضت مصر حربي الاستنزاف وأكتوبر مع إسرائيل بالأسلحة الروسية. وبعد انتهاء الحرب، توجه الرئيس السادات نحو أمريكا، وتوترت علاقته مع السوفييت. كان الرئيس السادات يعتقد أن ٩٩٪ من أوراق اللعبة في يد الأمريكان، وازدادت العلاقات توترًا بين البلدين، إلي أن انقطعت تماما. وعند مجئ الرئيس مبارك، (والذي كان قد تلقي جزءا من تعليمه العسكري في روسيا)، بدأ التحسن التدريجي للعلاقات الثنائية. وبعد انهيار الاتحاد السوفيتي، كانت مصر في طليعة الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية. وعندما تولي الرئيس السيسي الحكم، أولى اهتمامًا خاصا بالعلاقات المصرية الروسية.
وعندما فكرت مصر في إنشاء محطة الضبعة النووية لإنتاج الكهرباء، وقع الاختيار على شركة روساتم الروسية لتنفيذ المشروع الحساس بقرض مقداره ٢٥ مليار دولار، يتم تسديده علي ٢٢ سنة اعتبارا من العام ٢٠٢٩.
ثانيا: العلاقات المصرية الصينية
تعتبر مصر والصين من أقدم الحضارات في العالم، وتلاقت الحضارتان على مر العصور تجاريًا وثقافيًا. ومع قيام جمهورية الصين الشعبية في أكتوبر ١٩٤٩ ونجاح ثورة يوليو ١٩٥٢ في مصر، تلاقت توجهات البلدين في الدفاع عن قضايا العالم الثالث ودول عدم الانحياز. تم إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين في مايو سنة ١٩٥٦، لتكون بذلك مصر أول دولة عربية وأفريقية تقيم علاقات دبلوماسية مع جمهورية الصين الشعبية. كانت جمهورية الصين الشعبية دولة فقيرة ومكتظة بالسكان حتي العام ١٩٧٨، عندما أقدمت الصين بقيادة الحزب الشيوعي الحاكم بالبدء فى الإصلاحات الزراعية حسب آليات السوق، وفتح الأبواب أمام الاستثمار الأجنبى. بعد هذا المنعطف التاريخى، أخذ الاقتصاد الصينى ينمو بوتيرة متسارعة وبلغ متوسط النمو السنوى ١٠٪ خلال الأربعة عقود المنصرمة. النمو الاقتصادي أدى إلى إحداث تحول شامل فى المجتمع الصينى، وتحقيق نهضة غير مسبوقة وأصبحت الصين القوة الاقتصادية رقم ٢ في العالم بعد الولايات المتحدة الأمريكية.
وفي العقود الماضية، زاد معدل التبادل التجاري بين مصر والصين، ولكنه ظل في صالح الصين. حيث كشفت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء للعام ٢٠٢٢، عن ارتفاع قيمة الصادرات المصرية للصين لتصل الي ١.٧ مليار دولار بينما بلغت قيمة الواردات المصرية من الصين الي ١٣.٢ مليار دولار.
خلال زيارة الوفد الصيني للمنصورة، تم عرض التجربة الصينية الرائدة في تحويل القرية والمدينة إلى وحدات منتجة والاهتمام بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر. تم كذلك عرض رغبة الصين في التواصل مع مصر لتنمية أوجه التعاون خاصة في المجال الثقافي والإدارة المحلية. بعد هذا العرض، أعتقد أنه من الضروري استمرار التقارب المصري مع كل من روسيا والصين، وفي نفس الوقت يجب أن تحافظ مصر علي علاقات طيبة (غير تصادمية) مع الغرب، لتجنب وقوع مصر في فخ الحرب التجارية بين أمريكا والصين، والحرب العسكرية بالوكالة بين روسيا وحلف شمال الاطلنطي في أوكرانيا.
يجب أن تحافظ مصر على التعاون المتزن بين قوى الشرق وقوى الغرب، خاصةً بعد أن بات جليًا أن الغرب بصفة عامة، والولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، تقف في صف إسرائيل.
يجب أن نكون أصدقاء مع القوى الشرقية المؤثرة خاصة روسيا والصين، دون أن يكون لنا عداوة مع القوي الغربية. كيف نحافظ علي هذا التوازن؟ هذا مايجب أن تسلكه مصر.
*رئيس جامعة حورس
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: روسيا والصين مصر العلاقات المصرية الروسية العلاقات المصرية الصينية
إقرأ أيضاً:
أبو العينين: العلاقات المصرية الصينية نموذج للتكامل الاستراتيجي وفرص الاستثمار الواعدة
شراكة تاريخية ممتدة بين القاهرة وبكين تدفع مسيرة التنميةاستثمارات صينية كبرى في البنية التحتية والمدن الصناعية المصريةمصر بوابة تصديرية كبرى بفضل موقعها الجغرافي واتفاقياتها الدوليةدعوة مفتوحة للاستثمار في قطاعات الطاقة والبرمجيات والنانو تكنولوجي
أكد النائب محمد أبو العينين، وكيل مجلس النواب، أن العلاقات المصرية الصينية تمثل نموذجاً فريداً للشراكة الاستراتيجية والتنموية، مشيراً إلى أنها علاقات تاريخية وعميقة، تتمتع بدفء كبير على المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية، وتعكس احترامًا متبادلاً بين قيادات البلدين. وأضاف أن هذه العلاقات لم تأت من فراغ، وإنما هي ثمرة تعاون مستمر وإرادة سياسية راسخة تعزز من التكامل بين الجانبين.
جاء ذلك خلال كلمته في مؤتمر التعاون والتبادل الاقتصادي والتجاري بين منطقة الخليج الكبرى (قوانغدونغ - هونغ كونغ - ماكاو) وأفريقيا (مصر)، والذي عُقد اليوم الاثنين، حيث أشار أبو العينين إلى أن الصين تمثل حليفًا استراتيجيًا وشريكًا اقتصاديًا رئيسيًا لمصر، منوهًا بما وصفه بـ"النهضة الصناعية الصينية التي هزّت الاقتصاد العالمي بأسره".
وأوضح أبو العينين أن الصين تسهم بفاعلية في دعم النهضة الصناعية المصرية، من خلال استثمارات متنوعة في مشروعات البنية التحتية والمدن الصناعية، وعلى رأسها المدينة الصناعية الصينية شمال غرب خليج السويس. كما أشار إلى الدور الصيني البارز في تنفيذ عدد من المشروعات الكبرى في العاصمة الإدارية الجديدة، خاصة في مجال الأبراج الشاهقة وشبكات البنية التحتية، مما يجعل من العلاقات الاقتصادية بين البلدين نموذجًا حقيقيًا للتكامل التنموي.
وفي سياق متصل، دعا أبو العينين المستثمرين الصينيين إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في مصر، مؤكدًا أن الحكومة المصرية ترحب بجميع المبادرات الاستثمارية وتوفر تسهيلات كبيرة، من بينها حوافز ضريبية ومناطق صناعية متخصصة، مدعومة ببنية تحتية حديثة ومتكاملة. كما استعرض عددًا من الثروات الطبيعية التي تزخر بها مصر، مثل الذهب والليثيوم والنحاس، خاصة في منطقة "المثلث الذهبي"، بالإضافة إلى مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية الخصبة.
وأشار وكيل مجلس النواب إلى أن مصر توفر فرصًا استثمارية كبيرة في قطاعات استراتيجية واعدة مثل الطاقة المتجددة، والنانو تكنولوجي، وصناعة البرمجيات، فضلًا عن المشروعات القومية الكبرى، ومنها مدينة العلمين الجديدة التي تضم ثلاث موانئ ومقراً إدارياً على مساحة 165 فدانًا، إلى جانب مدينة المنصورة الجديدة، ومشروعات اكتشافات الغاز الطبيعي.
وأكد أبو العينين على الأهمية الجغرافية لمصر، مشيرًا إلى أن موقعها المتميز يجعلها بوابة استثمارية وتجارية للوصول إلى أكثر من 2 مليار مستهلك حول العالم، بفضل اتفاقيات التجارة الحرة التي تربطها بتكتلات كبرى مثل الاتحاد الأوروبي وأفريقيا والشرق الأوسط.
كما أشار إلى الإمكانيات السياحية الفريدة التي توفرها السواحل المصرية، بطول 1300 كيلومتر على البحر المتوسط و1000 كيلومتر على البحر الأحمر، والتي تمثل بدورها فرصًا واعدة للاستثمار السياحي والفندقي.
وفي ختام كلمته، أبرز أبو العينين فرصة تصنيعية واعدة داخل مصر للتصدير إلى السوق الأمريكي، موضحًا أن المنتجات الصينية تواجه تعريفات جمركية مرتفعة عند تصديرها مباشرة إلى الولايات المتحدة، في حين أن المنتجات المصنعة في مصر وتحمل شهادة منشأ مصرية تخضع لتعريفات جمركية منخفضة لا تتجاوز 10%، ما يجعل من مصر منصة تصنيعية استراتيجية للصادرات العالمية، وخاصة الصينية، إلى السوق الأمريكي والأسواق الدولية الأخرى.