تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
إنه «يجري»، و«ينساب»، و«يتسرب»، و«ينتشر» بشكل خبيث كذوبان المادة في السائل، فهو متخفي غير واضح، وحينما يرتدي الشر ثوب الخير، ويلبس الخائن قناع الناصح الأمين، فهو يجسد «الشر السائل» على عكس ما يمكن أن نسميه «الشر الصلب» الذي يمكن تحديد ماهيته وتمييزه بسهولة.
وهي الفكرة التي ناقشها زيجومنت باومان وليونيداس دونسكيس في كتابهما «الشر السائل: العيش مع اللابديل» وفيه يطرح المؤلفان طبيعة الشر السائل مقابل الشر الصلب وصور الشر المنتشرة في حياتنا اليومية في إطار منظومة استهلاكية، وعمليات تزييف الوعي في مجتمعاتنا كأحد أدوات القوة الناعمة والصناعة الإعلامية.
وكما قدم المؤلفان مفهوم الشر السائل على أنه يرتدى ثوب الخير والشر معًا، على عكس ما نسميه الشر الصلب القائم على رؤية اجتماعية ترى الأمور من خلال اللونين الأبيض والأسود، فهناك داخل مؤسساتنا أشخاص يجسدون الشر السائل، فسيولة الشر ليست في المجتمعات ولكنها داخل بعض الأشخاص يستعرضون أنفسهم كنموذج للحياة المحايدة والمتجردة من الأهواء؛ ولكنهم واقع الأمر فقدوا الذاكرة الأخلاقية.
كل ملامح اتصالهم داخل مؤسساتهم لا تنم إلا عن طيبه فهم يسعون لرسم صورة ذهنية عنهم أنهم متعاونون وملتزمون ومساعدون بينما هم عكس ما يُظهرون، واقع الأمر هم لا يعملون ويستمتعون بإسناد واجباتهم للآخرين، وأفضل لحظات حياتهم هي شعورهم بالأهمية لأنها تشبع النقص الشديد بداخلهم فهم في أعين أنفسهم «صغار»!.
ويسعى الشر السائل الموجود لديهم لدعم التمزق والتفكك والانفصال بين أعضاء أي مجموعة، فالوحدة مصدر إزعاج وتهديد لهم، والأذى مصدر إلهام لهم، وبينما يعملون بمبدأ بث الكراهية بخبث بين الأشخاص يتضررون من العون الودود بين آخرين، ويرون أنه غير حقيقي وتمثيل رغم أن أعماقهم تشتعل بنار صدق هذه المودة.
إن للشر السائل قدرة رهيبة على ارتداء أقنعة فعالة تحت دعاوي زائفة، فلا تدركهم الأبصار بل يتوارون عن الأنظار ويخفون طبيعتهم مروجين: أنا صديقًا مُعينًا لا شيطانًا مَريدًا، مستخدمين القوة الناعمة لخداع الآخرين.
ولكن رغم كل شيء، فالشر السائل الموجود داخل هؤلاء الأشخاص يجعلهم لا يعرفون طعم الراحة ولا الهدوء فهم يفندون ويحللون المعلومات على مدار أربع وعشرين ساعة في اليوم وعلى مدار سبعة أيام في الأسبوع؛ مشغولين بالآخرين بدرجة مرضية ويستخدمون قدرات الشر السائل على المراوغة؛ فيتوغٌلون في نسيج الحياة اليومية ليبثوا سمومهم بهدوء وتروى في عقول أشخاص ضد أشخاص، وفي ذات الوقت يسعون لتوسيع الفجوة بينهم وعلى النقيض يصورون أنفسهم بصورة مخادعة أصدقاء لا أعداء.
وإذا واجهتهم عوائق تعترض طريقهم؛ فهم يدورون حولها وبقدرة رهيبة يعملون على الالتفاف عليها أو على إذابتها حتى يخترقوها، ومثل هذا الشر يقصد تقبيل أيدي من هم في السلطة، ظنا منهم أنه يخدمهم وإيمانا منه بأنه سيطر عليهم ووضعهم في جيبه الأصغر، ونبههم وحفزهم على التصرف الحاد لطمس الحد الفاصل بين الحرب والسلام مؤكدين على مبدأ أن الحرب هي السلام.
أصحاب الشر السائل يتعبون ويبذلون الجهد، يمارسون ألاعيب نظرية الإغواء والانسحاب، يغيرون من شكلهم طوال الوقت، وما هي النتيجة؟ تستحوذ عليهم نزعات التشاؤمية والخوف وعدم الطمأنينة، يشعرون أنهم مهددون طوال الوقت، خاصةً من نجاح غيرهم، فطوال الوقت يرون مهما حققوا، أن الآخر أفضل منهم، ويظلون يلهثون في دائرة مغلقة هي محاولة الاستمتاع بالشر والفرح لما يصيب الآخرين من أذى ولكنهم طوال الوقت معذبون يزعجهم نجاح غيرهم ويحترقون بنيران إحساسهم بالنقص وعدم كفايتهم وتركيزهم على الآخرين وصورتهم السلبية لدى الجميع بلا استثناء، ولم لا فهذا مبدأ الزرع والحصاد!
المصدر: البوابة نيوز
إقرأ أيضاً:
بعد أزمة سكانية بكرواتيا.. دفع المال للأجداد مقابل رعاية الأحفاد
في الوقت الذي تجتهد فيه كرواتيا لإيجاد حلول لأزمة سكانية خطرة ولمعدلات فقر بين كبار السنّ هي من الأعلى في أوروبا، توصّلت بلدة صغيرة إلى حلّ يتمثل في دفع المال للأجداد مقابل رعاية الأحفاد.
في هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 3,8 ملايين نسمة، لا يذهب الأطفال إلى المدرسة حتى سن السادسة فيما تُعد الأماكن الشاغرة في الحضانات محدودة. ونتيجة لذلك، يُحرَم آلاف الأطفال من الرعاية كل عام.
أخبار متعلقة لقاحات لكبار السن والحجاج.. حملة ”التحصين للجميع“ تنطلق بالدمامتدخل عاجل ينقذ حياة زائرة أمريكية من أزمة تنفسية بمستشفى أجياد في مكةبسبب تهديد المسيرات.. فوضى في مطار بولكوفو بعد تحويل 74 رحلة جويةفيما وجد أكثر من 37% من الأشخاص الذين تزيد أعمارهم عن 65 عاما أنفسهم عام 2024 تحت خطر الفقر، وهي نسبة تشكل ضعف المتوسط الأوروبي.حضانات رسمية
وفي مسعاها لمعالجة المشكلتين، أصبحت ساموبور التي تبعد نحو 20 كيلومترا عن العاصمة زغرب، أول منطقة في البلاد تقدّم راتبًا للأجداد الذين يعتنون بأحفادهم الذين لم يجدوا مكانا لهم في الحضانات الرسمية.
وتقول رئيسة بلدية المدينة بيترا سكروبوت لوكالة فرانس برس إن "الإيجابيات كثيرة"، مستلهمة قرارها من تجربة سويدية.
وفي كرواتيا حيث يبلغ سن التقاعد 65 عاما، "المعاشات التقاعدية منخفضة جدا، ويصعب على الأهل في بعض الأحيان العثور على طريقة لتوفير رعاية لأطفالهم"، بحسب سكروبوت المنتمية إلى حزب فوكوس الليبرالي.خيارات رعاية الأطفال
تدعم ساموبور مختلف خيارات رعاية الأطفال سواء كانت روضة خاصة أو جليسة أطفال، بما يصل إلى 360 يورو شهريا لكل طفل. وبات هذا الإجراء يوفر أيضا مساعدة مالية للأجداد.
وتعتبر أن "هذا الأمر يبقي كبار السن نشطين"، مضيفة "في وقت تزداد عزلة الأشخاص، تحمل هذه الخطوة تأثيرا إيجابيا على الأسر".
سبق أن تقدّم 30 من الأجداد بطلبات ليستفيدوا من هذا الإجراء، الذي تم تقديمه في نهاية مارس.فكرة جيدة
ومن بين هؤلاء الأشخاص دوبرافكا كوليتيك التي ترحّب بالفكرة وتصفها بأنها جيدة "للأطفال والأجداد".
تقول وهي تنظر إلى حفيدها فيكتور البالغ 18 شهرًا والمنشغل باللعب بالحجارة "نكسب بضعة يوروهات، وهو أمر جيد لأن معاشاتنا التقاعدية منخفضة، وفي الوقت نفسه نقضي وقتًا طويلًا مع أحفادنا"، مضيفة "نقترب منهم، وهم يقتربون منّا".
تعرب ابنتها دانييلا كوليتيتش عن سعادتها أيضًا، خصوصًا وأنها لم تجد مكانا في حضانة ابنها.
تقول هذه الخبيرة الاقتصادية البالغة 41 عامًا، والتي لها ولدان أكبر سنّا، "إنه أمر جيد جدًا: من الأسهل ترك طفل صغير مع شخص تثق به، وفي الوقت نفسه يصبح فيكتور وجدّته أقرب إلى بعضهما البعض".أكثر هدوء
في ظل وجود روضتين للأطفال وعدد جيد من الحضانات، تستقبل ساموبور أعدادًا متزايدة من العائلات، التي يجذبها قرب المنطقة من العاصمة وفي الوقت نفسه البيئة الأكثر هدوءًا.
في العام الفائت، تعيّن فتح صف مدرسي جديد في المدينة.
لكن رغم جهود السلطات، لم يحصل أكثر من مئة طفل على مكان في دور الحضانة، وخصوصًا الأصغر سنًا منهم.مبادرة رئيسة البلدية
تعتبر مديرة روضة أطفال "غريغور فيتيز" يوسيبا ميلاكوفيتش، أن مبادرة رئيسة البلدية تشكل "مساعدة للأهل".
ومنذ إطلاق البرنامج في نهاية مارس، تلقت سكروبوت اتصالات من مسؤولين منتخبين من مدن عدة لفتهم الإجراء الذي اتخذته.
أما بالنسبة إلى السلطات، فالتحدي هائل، إذ مع معدل 1,5 طفل لكل امرأة ونسبة هجرة مرتفعة، قد تنخفض أعداد السكان بشكل الكبير بحلول نهاية القرن - من 3,8 ملايين اليوم إلى 2,5 مليون في العام 2100، بحسب توقعات الأمم المتحدة.