تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
أكثر ما يمكن أن يشكل خطرًا قويًا ومدمرًا هو التضليل، تزييف وعي الناس، وأكثر ما هو مؤسف أن يكون مصدره أو حلقة من حلقاته شخص محسوب على الوسط الثقافي، شخص نحسبه مفكرًا، قارئًا، واعيًا، لأن هذه الصفات تميزه عن بقية الناس، تصنع له مساحة من الثقة والصدق في القلوب، لكنه في الحقيقة مضلل.
قراءة الصفحات الرسمية لبعض الكتاب والمثقفين والشعراء، تشير إلى حالة من الاستسهال واللامبالاة، فيها تجري إعادة تدوير الأخبار الكاذبة والشائعات، تلاحظ أنه بسهولة يرص مجموعة من الأخبار المتداولة بعضها صحيح والآخر مزيف، يصنع ظاهرة ويعلق عليها بثقة بالغة، وتظهر انفعالاته من بين سطوره، وأسأل نفسي: هذا المثقف العظيم، لماذا لم يفتح صفحة جوجل ليقوم بعملية بحث بسيطة للتأكد من المصدر؟ هل تداوله بين الصفحات الافتراضية جعله يكتسب قوة الحقيقة؟.
هنا لا أتحدث عن الجمهور العادي، الذي يندفع وراء الحماس أو الفرح أو الغضب لمشاركة أي محتوى على فيسبوك دون التحقق من مصدره، لكنك أمام عدد من أدعياء الثقافة والشعر والكتابة والرواية، صفحاتهم مليئة بالأخبار الملفقة، فضلًا عن ترديد الشائعات، ليزيد من ترسيخ حالة الفوضى، فلا أهمية للتأكيد من الخبر أو الشائعة.
ولا يكتفي أن يكون الشخص مساعدًا في زيادة موجة الأخبار الكاذبة، والمعلومات الزائفة، بل يصل الأمر لأن يكون مصدرها ومنبعها.
كسل بعض المثقفين ليس وحده في هذا المشهد المخيف، إنما يتبعه بالضرورة الانجراف مع موجة الغوغائية، لا تقف لحظة، لا تفكر، لا تتأمل، فقط انجرف وتحدث مثلما يتحدث الجميع، لا تسمح لأحد أن يختلف معك، لا تعطه فرصة للتعبير عن رأيه، انجرف دون وعي، لن يرضى عنك أحد طالما لم تنجرف مع الغوغائية، لذا فإن فحص الأخبار، والتوقف قليلا من أجل التفكير، وعرقلة الغوغائية عندما تصل إليك، مطالب صعبة.
والأصعب ليس الكشف عن الحقائق في زمن التزييف، إنما انتقالنا لعصر الذكاء الاصطناعي التوليدي الذي يتمتع بفهم وتوليد استجابات دقيقة ومناسبة للسياق، ويتيح قدرات إضافية وعالية من التزييف، يسميها الخبراء بالتزييف العميق.
الخبراء قالوا أيضا إن الحوادث التي وقعت مثل إجراء مكالمة بصوت الرئيس الأمريكي جو بايدن يدعو فيها الناخبين بولاية نيوهامشر الأمريكية لعدم التوجه للانتخابات التمهيدية وغيرها من حوادث الاحتيال والسرقة، مجرد بداية، والقادم سيكون أكثر وحشية.
فكرت كثيرًا، كيف تستغل الجماعات الإرهابية هذه التقنيات الحديثة، بإمكان أي جماعة أن تبث تسجيلا صوتيا ومرئيا لزعماء قُتلوا في معارك أو غارات جوية، لكنها تريد إيهام صفوف الجماعة أن زعيمها بخير، أو إيهام الخلايا النائمة في أماكن أخرى بأنه مازال حيًا، ويأمرونها بالمزيد من عمليات القتل والعنف، هذه أيضا مجرد بدايات هامشية.
وبالفعل، بثَّ تنظيم داعش الإرهابي مقطعًا مرئيًا، بعد أيام من هجومه على قاعة للموسيقى بالقرب من موسكو، مارس الماضي، لأحد عناصره المسلحين، يتحدث عن الحرب مع الدول التي تحارب الإسلام، وقالت تقارير إن هذا المقطع مزيف ومصنوع بطريقة الذكاء الاصطناعي، ما يعني أن الإرهاب بالفعل وصل للتقنية، أو بمعنى آخر التقنية جرى توصيلها له!
أفكر كثيرًا، وأتساءل: ماذا سيفعل التزييف العميق في مجتمع يتسم عدد من مثقفيه بالكسل، وبعض نخبته بالوقوع تحت تأثير الغوغائية؟ مثقف يستثقل البحث حول حقيقة المعلومات التي ينشرها، كيف يفعل أمام التزييف العميق والاحتيال المفتوح؟
في حديث له حول مخاطر الذكاء الاصطناعي، قال العالم الأمريكي الشهير نعوم تشومسكي إن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على التسبب في ارتكاب جريمة بجدية. آلاف المشجعين والمستخدمين له وقعوا على عرائض تدعو إلى وقف تطويره وتنظيمه؛ بسبب الأذى الكبير الذي يمكن أن يتسبب فيه، أفهم بسهولة لماذا يوجد قلق من الأذى المباشر الذي يسببه؟ فهو تقنية عجيبة للتشهير ونشر الأخبار الكاذبة، واستغلال سذاجة الناس الذين يميلون إلى الاعتقاد بأن هذه الأمور حقيقية. فالإساءة لسمعة الآخرين سهل جدا، يمكن تركيب صوت وصورة اصطناعيا لتقليدك ويقول شيئا مشينا، كيف يمكنك إيقاف ذلك؟!
في ظني، لا أحد يمكنه إيقاف ذلك، والحل وسط كسل التأكد من المعلومة، والأخبار الزائفة، والتزييف العميق الذي ندخل عصره بثقة زائدة تشبه سذاجة الحمار الذي فلت من قبضة الأسد مرتين، في الأولى قطع أذنه، والثانية قطع ذيله، وظن أنه في الأولى قطع الأذن من أجل إلباسه تاج ملك الغابة، وفي الثانية قطع ذيله لتسهيل جلوسه على كرسي العرش، لذا ذهب إليه في المرة الثالثة بنفس راضية، فلم يفلته الأسد وقضى عليه؛ حسبما تحكى لنا قصص "كليلة ودمنة".
والحل هو أن يتمتع الإنسان منا بعقل شكوكية، فلا يستسلم لأي متداول بسهولة، لا يضم المعلومات السائلة أمامه إلى خانة اليقينيات مرة واحدة، عليه أن يتذكر أنه أمام عالم مزيف، ومحكم في التزييف، ولن تستطيع التفريق بينه وبين الحقيقي، لأنه ولسخرية الواقع أصدق من الحقيقي أيضا.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: التزييف العميق الذكاء الاصطناعي الأخبار الكاذبة الذکاء الاصطناعی التزییف العمیق
إقرأ أيضاً:
فخ الذكاء الاصطناعي.. فيروس خبيث يختبئ في أدوات AI المجانية
في ظل تزايد الطلب على أدوات إنشاء المحتوى المعتمد على الذكاء الاصطناعي، يستغل قراصنة الإنترنت هذا الاتجاه من خلال نشر برمجيات خبيثة تستهدف صناع المحتوى والشركات الصغيرة، وذلك عبر خدمات زائفة لإنشاء المحتوى بالذكاء الاصطناعي.
قراصنة يستغلون الذكاء الاصطناعي لنشر برمجيات خبيثةوذكر موقع Bleeping Computer، أنه تم رصد برمجية خبيثة جديدة تعرف باسم Noodlophile، تقوم بسرقة بيانات المتصفح، مثل بيانات تسجيل الدخول، وملفات تعريف الارتباط (كوكيز)، والرموز المميزة، وذلك بالإضافة إلى ملفات محافظ العملات الرقمية.
وفي بعض الحالات، يتم نشر هذا الفيروس إلى جانب برمجية XWorm، التي تتيح للمهاجمين التحكم عن بعد بالجهاز، وسرقة معلومات حساسة أو حتى تثبيت برامج فدية.
كيف تتم الهجمة باستخدام فيروس Noodlophile؟وفقا لتحليل أمني أجرته شركة Morphisec، تختبئ برمجية Noodlophile داخل أدوات مزيفة لتوليد الفيديوهات بالذكاء الاصطناعي، من بينها أداة تسمى Dream Machine.
ويتم الترويج لهذه الأدوات عبر إعلانات على فيسبوك، ما يدفع المستخدمين إلى مواقع احتيالية تطلب منهم رفع صور أو فيديوهات لإنشاء محتوى ذكاء اصطناعي.
ويطلب من المستخدمين تحميل الفيديو النهائي كأرشيف مضغوط باسم VideoDreamAI.zip، والذي يحتوي على ملف تنفيذي exe باسم مضلل مثل: Video Dream MachineAI.mp4.exe، إلى جانب مجلدات خفية تضم مكونات لنشر البرمجية على الجهاز المصاب.
ويستخدم المخترقون أدوات تحرير فيديو مشروعة مثل CapCut وملفات متخفية على هيئة مستندات PDF وWord لتفادي اكتشافها من قبل المستخدمين أو برامج مكافحة الفيروسات.
بعد التثبيت، ترسل البرمجية البيانات المسروقة إلى القراصنة بشكل فوري عبر روبوت على تطبيق تيليجرام.
كيف تحمي نفسك من خطر Noodlophile؟- تجنب تحميل أو تشغيل ملفات من مواقع غير موثوقة، خصوصا إذا ادعت تقديم خدمات مجانية لتوليد محتوى ذكاء اصطناعي.
- تأكد دائما من امتداد الملفات قبل فتحها، فالملف المذكور أعلاه يبدو كأنه فيديو (.mp4) لكنه في الحقيقة ملف تنفيذي (.exe).
- قم بتفعيل خيار إظهار امتدادات الملفات على جهازك لتفادي الوقوع في فخ الملفات المزيفة.
- يستحسن استخدام برامج مكافحة الفيروسات لفحص الملفات قبل فتحها، حتى وإن بدت شرعية.