شاهد.. سودانيون يتشبثون بالدراسة في وجه النزوح
تاريخ النشر: 17th, July 2024 GMT
على الرغم من معاناتهم جراء الحرب المستمرة منذ أكثر من عام بين قوات الجيش السوداني والدعم السريع، وموجة النزوح الكبيرة التي تحيط بهم، أبت مجموعة من المعلمين والمعلمات في السودان إلا مقاومة الظروف بالتطوع لاستئناف التعليم، رافضين أن تنال الحرب وتداعياتها من العام الدراسي.
فبجهودهم الذاتية وفي ظل التحديات الأمنية وصعوبة الأوضاع الاقتصادية، جسد هؤلاء في إحدى مدارس منطقة مروي بالولاية الشمالية هذه المبادرة لتكون "بارقة أمل" لكثيرين عبر الدفع بالتعليم نحو الاستمرار وعدم انقطاع الطلبة عن الدراسة جراء واقع البلاد الراهن.
وبقدر ما مثلت هذا المبادرة فرصة للطلبة، فقد نالت إشادة أولياء الأمور، وزادت حرصهم للدفع بأبنائهم للاستفادة من التعليم، كوسيلة اعتبرها معلمون واحدة من أدوات مواجهة الصراع الذي أثر في مختلف مناحي الحياة لدى الناس وضاعف النزوح معاناتهم.
وفي ظل هذ المعادلة صعبة، تقول المعلمة المتطوعة رنا عبد الله، في حديثها للجزيرة، إن هناك العديد من الصعوبات التي واجهتهم مع تدشين العام الدراسي، معتبرة أن الإقبال الكبير على المدرسة من قبل الطلاب النازحين مثل تحديا حقيقيا للمعلمين خاصة مع الطاقة الاستيعابية المحددة للمدرسة.
وأشارت رنا إلى أن شح الموارد التعليمية تسبب بحالة عجز بالغة في توفير احتياجات المدرسة الأساسية، منها الطاولات الدراسية ونقص المناهج، واحتياجات أخرى ضرورية كمياه الشرب والمأكل، ناهيك عن النقص الكبير في أعداد المعلمين الرسميين في ظل تزايد أعداد النازحين.
أما المعلمة إيمان بابكر، فتحدثت عن الفوارق الزمنية لتجربتها في التدريس بمقارنة الوضع العام قبل الحرب المشتعلة في بلادها وبين ما آلت إليه الأمور في الوقت الراهن، وأشارت إلى الصعوبات التي طرأت على المعلمين في ظل الإقبال الكبير على التسجيل في المدرسة من قبل أبناء الأسر النازحة التي عانت كثيرا من ويلات الحرب.
وأضافت إيمان أن التحديات التي تواجه التعليم كبيرة جدا مما مثل صعوبة بالغة التعقيد في التعامل مع الوضع العام في المدرسة، وتطلب معه بذل المزيد من الجهود من قبل المعلمين للتعامل معه، وفرض واجبا أخلاقيا للتعامل بإيجابية مع كل الإشكاليات رغبة في تذليل الصعاب أمام الطلاب وأسرهم النازحة.
إرشاد اجتماعي ونفسي
يعيش كثير من الطلاب في المرحلة الأساسية وما بعدها معاناة الحرب والصراع، وما نتج عن ذلك من تجربة نفسية قاسية، تتفاوت مستوياتها مع ما أفرزته الأحداث من مشاهد وانتهاكات تعرض لها أفراد وعائلات الأسر النازحة، مما تتطلب جهودا موازية إلى جانب التعليم لتخفيف تلك الآثار والمساعدة على تجاوزها.
وهو ما يشير إليه للجزيرة علي المقدم (معلم متطوع) مستعرضا تجربته في التدريس التي مضى عليها 5 عقود، مشيرا إلى أن هذه الحرب أفرزت واقعا جديدا على البيئة المجتمعية.
وقال المقدم إن المدرسة عملت على توسيع طاقتها الاستيعابية كأمر واجب في ظل تزايد أعداد الطلاب المتقدمين للتسجيل، مع مراعاة ظروف الناس في الحرب رغبة في استمرار العملية التعليمية، وكخطوة تشجيعية للأسر النازحة التي أثرت الحرب على مستواها المعيشي فقد تم إعفاء الكثير من الطلاب من رسوم التسجيل والدراسة، والتي تعتبر رمزية ولا تسد الحد الأدنى من احتياجات المعلمين والمدرسة.
كما تؤكد المعلمة إيمان أن التدريس في ظل الحرب مثل تجربة جديدة لها وللكثير من زملائها في التعامل مع الطلاب القادمين من مناطق الصراع، مشيرة إلى أن الكثير من المدرسين يحاولون بدورهم معالجة الأزمات النفسية والمجتمعية للطلاب المتضررين من الحرب.
وتلفت إلى أهمية الدور المجتمعي لمساندة المدرسين في التغلب على مثل هذه الصعوبات والتي تظل ملازمة للكثير من الطلاب، وأهمية دور المجتمع في مساندة المدارس ودعم الطلاب، مشيدة بجهود مجالس الآباء في تذليل تلك الصعاب.
أمنيات العودة
ووسط هذه التحديات، تبرز أمنيات الطلبة نحو مستقبل بلا حروب ووطن معافى وأمنيات بمستقبل تتحقق فيه الطموحات، إذ تحكي الطالبة أفنان نادر، وهي يتيمة الأب، قصة كفاحها وآمالها، بعد أن نزحت بصعوبة بالغة من أم درمان عبر محطات عدة وصولا إلى الولاية الشمالية.
وتضيف أفنان "أتمنى أن أكون طبيبة في المستقبل لأنقذ الناس من الحروب والصراعات الدائرة" وتتمنى كذلك أن تنتهي الحرب الدائرة في وطنها والتي جعلتها تعيش في خوف وتوتر، وأن تعود إلى منزلها الذي لا تزال وعائلتها يجهلون مصيره حتى اليوم.
ويتفق الطالب أحمد عادل مع زميلته أفنان -إلى جانب مجموعة أخرى من الطلاب الذين أجرت الجزيرة مقابلات معهم- على أملهم في إكمال تعليمهم الدراسي حتى المرحلة الجامعية، والتخصص في المجالات الصحية، رغبة منهم في إنقاذ وتقديم يد العون والمساعدة للمصابين والمتضررين من الحرب.
وتأتي هذه المبادرة التعليمية والمجتمعية، مع مرور أكثر من عام على اندلاع الحرب وامتداد الصراع إلى مناطق واسعة بالبلاد، ودعوات حقوقية وأممية لتجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين للمجاعة والموت، جراء نقص الغذاء وتزايد النزوح.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات من الطلاب
إقرأ أيضاً:
المصافحة التي لم تتم.. خلافات عميقة تعوق التوصل لاتفاق في غزة برعاية أمريكية
في الوقت الذي تتكثف فيه الجهود الدولية للتوصل إلى هدنة توقف نزيف الدم في قطاع غزة، تكشف المقترحات المتبادلة بين الأطراف المعنية عن حجم الهوة التي تفصل بين مواقف كل من حركة "حماس" وإسرائيل، برعاية ومتابعة أمريكية مباشرة.
ومع كل اقتراب من نقطة الاتفاق، تظهر الشروط المتبادلة كحواجز أمام تحقيق اختراق سياسي حقيقي، مما يُبقي المشهد مفتوحًا على مزيد من التعقيد والمعاناة الإنسانية.
كشفت تقارير إعلامية، الإثنين، أن حركة "حماس" وافقت مبدئيًا على مقترح هدنة تقدّم به المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، يقضي بوقف إطلاق النار لمدة 70 يومًا مقابل الإفراج عن 10 رهائن أحياء على دفعتين، إلى جانب إطلاق سراح مئات من الأسرى الفلسطينيين، بينهم محكومون بأحكام عالية ومؤبدات.
غير أن متحدثًا باسم ويتكوف نفى هذه الموافقة، مشيرًا إلى أن المفاوضات لا تزال مستمرة، وسط تضارب في الروايات. ووفق صحيفة "إسرائيل هيوم"، فإن مسؤولًا إسرائيليًا رفيعًا – لم يُكشف عن اسمه – وصف المقترح بأنه لا يعكس "نية حقيقية من قبل حماس للمضي قدمًا"، مشددًا على أن "أي حكومة مسؤولة في إسرائيل لا يمكن أن تقبل بهذا الطرح"، ما يعكس موقفًا إسرائيليًا رافضًا للعرض الأمريكي – أو على الأقل لبعض بنوده.
مطالب جديدة تثير الجدلالمقترح الذي طُرح عبر وسطاء تضمن بنودًا غير مسبوقة من قبل حركة حماس، من بينها طلب مصافحة علنية بين خليل الحية، القيادي في الحركة ورئيس وفدها المفاوض، والمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، كرمز لضمانة بعدم استئناف القتال عقب فترة التهدئة. كما تضمن الإفراج التدريجي عن 10 رهائن، 5 منهم في اليوم الأول من الهدنة، والباقون بعد شهرين.
هذه البنود – بحسب الصحافة العبرية – تتناقض مع الخطة الأصلية التي قدمها ويتكوف، والتي تنص على إطلاق سراح جميع الرهائن على مرحلتين: الأولى مع بداية التهدئة، والثانية في نهايتها. كما شملت مطالب حماس انسحابًا واسعًا للقوات الإسرائيلية من المناطق التي سيطرت عليها في قطاع غزة، إضافة إلى إدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية، وهو ما تعتبره إسرائيل "تنازلات مفرطة".
غضب إسرائيلي داخليردًا على هذه التطورات، أصدر "منتدى عائلات الرهائن" بيانًا غاضبًا، انتقد فيه استمرار الحرب ورفض الاتفاقات الجزئية، واصفًا إياها بأنها "خسارة إسرائيلية يمكن، بل يجب، تجنبها". وطالب المنتدى بعقد اتفاق شامل يعيد جميع الأسرى الـ58 وينهي الحرب، مشيرًا إلى أن "الحكومة يمكنها التوصل إلى مثل هذا الاتفاق صباح الغد إذا اختارت ذلك"، في إشارة إلى وجود دعم شعبي واسع لهذا الخيار.
مقترح "بحبح" بين التفاؤل والتشكيكفي خضم هذا التوتر، كشفت تقارير إعلامية عن وثيقة جديدة يُبحث فيها حاليًا، قدمها الوسيط الفلسطيني–الأمريكي بشارة بحبح، بالتنسيق مع ويتكوف، تقضي بوقف شامل للحرب خلال فترة الهدنة، وتعهد من حماس بعدم تنفيذ هجمات أو تهريب أسلحة أو تطوير ترسانتها العسكرية خلال هذه الفترة.
لكن هذه الوثيقة لم تُعلن رسميًا، وتُقابل بقدر من التشكيك في إسرائيل، خصوصًا في ظل تصريحات رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأخيرة، والتي جدّد فيها التزامه بإعادة جميع الرهائن "أحياء وأموات"، تزامنًا مع مواصلة جيشه قصفه المكثف على القطاع.
وفي ظل تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتفاقم الكارثة الإنسانية، انتقد الدكتور أيمن الرقب، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس، موقف المجتمع الدولي، وخصوصًا الإدارة الأمريكية، مؤكدًا أنها لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على إسرائيل لوقف إطلاق النار أو إدخال المساعدات.
أمريكا لا تمارس ضغطًا حقيقيًا على الاحتلالوأضاف الرقب في تصريحات لـ “صدى البلد”، أن ما تفعله إدارة ترامب لا يتجاوز الضغط السياسي، عبر مقترحات مثل تلك التي تقدم بها المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، والتي رفضتها إسرائيل رغم قبول حماس بها، في محاولة لإفشال الجهد الأمريكي.
وأوضح الرقب أن واشنطن، رغم قدرتها على التأثير الفعلي، تكتفي بتصريحات سياسية لا ترقى إلى مستوى الأفعال، مضيفًا: "لو أرادت الإدارة الأمريكية وقف العدوان لعلّقت إمدادات السلاح والذخيرة، لكنها تتواطأ ضمنيًا مع حكومة نتنياهو المتطرفة". ولفت إلى أن تصريحات ترامب المتناقضة توحي برغبته في وقف الحرب، دون أي تحرك عملي يجسد هذه الرغبة، معتبرًا أن ما يصدر عن واشنطن ليس سوى "دغدغة مشاعر" ومحاولة لتبرئة الذات من الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
وفي ما يخص الموقف الأوروبي، أشار الرقب إلى وجود تحول نسبي في الخطاب الأوروبي نتيجة الجرائم المتواصلة في غزة، واستخدام الاحتلال لسياسة التجويع، وهو ما بدأ يحرج الاتحاد الأوروبي.
وأوضح أن دولًا مثل فرنسا تتحرك فعليًا لعقد مؤتمر دولي للسلام، بينما ما تزال دول أخرى كالمجر والنمسا ترفض أي ضغط على الاحتلال.
وأكد أن أوروبا تمتلك أوراق ضغط مهمة، لكنها لم توظفها بعد بشكل مؤثر.
وفي ختام تصريحاته، شدد الرقب على أن واشنطن وبروكسل قادرتان على وقف الحرب وإنهاء معاناة غزة، لكن غياب الإرادة السياسية واستمرار سياسة الكيل بمكيالين، يمنحان الاحتلال مزيدًا من الوقت لارتكاب مجازره دون رادع، وسط تصريحات دولية شكلية لا تغير من واقع المعاناة اليومية للفلسطينيين.
وفي ظل تصاعد الضغوط الدولية على إسرائيل لوقف هجومها على غزة، يتبيّن أن الطريق نحو هدنة حقيقية ما زال طويلًا، وأن أي تقدم مشروط بقبول تنازلات مؤلمة من الطرفين.
ومع تعنّت الحكومة الإسرائيلية، ومطالب حماس التي تعكس عمق معاناة الشعب الفلسطيني، يبقى أفق التهدئة رهينًا بإرادة سياسية غير متوفرة بعد، ما ينذر باستمرار الأزمة الإنسانية في القطاع الذي يقبع تحت نار الحرب منذ أكثر من 19 شهرًا.