ما ستخسره أمريكا إذا استأنفت تجاربها النووية
تاريخ النشر: 20th, August 2024 GMT
مرة أخرى، بدأ المقربون من الرئيس السابق دونالد ترامب، بما في ذلك أولئك الذين قد يخدمون في إدارته الثانية، في الترويج لفكرة غير مفيدة وهي استئناف الولايات المتحدة لتجارب الأسلحة النووية.
وعلى الرغم من أن إدارة ترامب لم تجر تفجيرًا تجريبيًا نوويًا أثناء وجودها في السلطة، إلا أن كبار مسؤولي الأمن القومي أخذوا هذه الفكرة بعين الاعتبار في مايو 2020، وفقًا لصحيفة واشنطن بوست.
ولكن الفكرة لم تمت بعد ــ بل إنها بعيدة كل البعد عن ذلك. ففي مقال في مجلة الشؤون الخارجية، قدم روبرت أوبراين، مستشار الأمن القومي لترامب من عام 2019 إلى عام 2021، اقتراحًا مذهلا مفاده أن الولايات المتحدة ينبغي لها أن تستأنف ممارسة تفجير الأسلحة النووية تحت صحراء نيفادا. وكتب أوبراين: «يتعين على الولايات المتحدة أن تحافظ على التفوق التقني والعددي على المخزونات النووية الصينية والروسية مجتمعة. وللقيام بذلك، يتعين على واشنطن أن تختبر أسلحة نووية جديدة من حيث المصداقية والسلامة في العالم الحقيقي لأول مرة منذ عام 1992، وليس فقط باستخدام نماذج الكمبيوتر».
لم تقم الولايات المتحدة بإجراء أي تفجير نووي منذ أكثر من ثلاثين عامًا، وهو ما لم تفعله روسيا أو الصين أيضًا. وقد وقعت الولايات المتحدة وروسيا والصين من بين 187 دولة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية عام 1996، والتي تحظر جميع التفجيرات النووية، مهما كان حجمها. وتدير المعاهدة منظمة معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، التي تحافظ على نظام مراقبة دولي واسع النطاق لمحطات الزلازل، والموجات تحت الصوتية، والموجات الصوتية المائية، ومحطات النويدات المشعة. وبفضل المعاهدة، هناك قاعدة دولية قوية ضد التجارب النووية. ومنذ التفجيرات النووية التي قامت بها الهند وباكستان عام 1998، لم تقم أي دولة أخرى بإجراء أي تفجير، باستثناء كوريا الشمالية.
ولكن المعاهدة نفسها لم تدخل حيز التنفيذ قط. ورغم أن الولايات المتحدة وقعت عليها في عام 1996، فقد صوت الجمهوريون في مجلس الشيوخ ضد التصديق عليها. ورفضت الصين، التي وقعت أيضا، التصديق عليها حتى تصدق الولايات المتحدة. وسحبت روسيا، التي صدقت على المعاهدة في عام 2000، تصديقها في نوفمبر 2023.
وبعد نحو 30 عاما من الغموض، أصبح مستقبل المعاهدة غير مؤكد إلى حد كبير.
ويأتي اقتراح أوبراين في لحظة حرجة، فهناك تساؤلات حقيقية حول ما إذا كانت روسيا قد تستأنف التفجيرات النووية. فروسيا والصين والولايات المتحدة تبقي مواقعها للتجارب النووية في حالة استعداد جزئي على الأقل. وتُظهِر صور الأقمار الصناعية مباني جديدة، وأعمال جارية في الأنفاق، وتدفق مستمر من الناس والمعدات في المواقع الثلاثة. والمشكلة الكبرى هي احتمال أن تستأنف إحدى القوى النووية الثلاث الكبرى تفجير الأسلحة النووية. وبمجرد أن تفعل واحدة، فمن المرجح أن تحذو الدولتان الأخريان حذوها، ولا شك أن استئناف تجارب الأسلحة النووية سيكون سيئًا بالنسبة للولايات المتحدة.
زعم أوبراين في مقاله أن الاختبارات النووية الحقيقية ــ وليس باستخدام نماذج الحاسب الآلي ــ ضرورية للحفاظ على التفوق التقني الأمريكي على روسيا والصين. ولكن عندما تستطيع الصين وروسيا استئناف التفجيرات النووية فسوف يلحقان بالولايات المتحدة، ولن يتخلفان عنها. فضلاً عن ذلك فإن الغرض من اختبار الأسلحة النووية ليس زيادة موثوقيتها وسلامتها، كما كتب أوبراين، بل جمع البيانات للتحقق من صحة تفجيرات نماذج الكمبيوتر.
أجرت الولايات المتحدة عددًا من التفجيرات النووية (1149) يفوق ما أجرته روسيا (969) والصين (45) مجتمعتين. ولكن حتى مع كل هذه الاختبارات، فإن الولايات المتحدة لم تقم قط تقريبا بإخراج سلاح نووي من المخزون واختباره بتفجيره في الصحراء؛ بل كانت الاختبارات أشبه بالتجارب. ولم تجر الولايات المتحدة سوى اختبار عدد محدود من الأسلحة من مخزونها النووي خلال العقد. وحتى في ذلك الوقت، لا يمكن لتفجير واحد أن يثبت أي شيء يشبه البيانات الإحصائية بأن السلاح سيعمل على النحو المستهدف. ومن الأفضل وصف نتيجة الاختبار بأنها الثقة، أو الشعور بأن كل شيء يعمل كما ينبغي ــ الثقة في نماذج الكمبيوتر، والثقة في الأشخاص الذين يصممون القنابل، والثقة في العمليات اللازمة لتصنيعها.
عندما أوقفت الولايات المتحدة التجارب في عام 1992 ووقعت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية في عام 1996، كانت في وضع أفضل كثيرًا من روسيا أو الصين للحفاظ على ثقتها في ترسانتها النووية دون تفجيرات نووية. فقد أجرت الولايات المتحدة المزيد من التفجيرات. كما استفادت أكثر من كل اختبار، وذلك بفضل مزاياها التكنولوجية، مثل كابلات الألياف الضوئية التي يمكنها نقل البيانات بشكل فعال دون التأثر بالانفجار النووي.
كانت الولايات المتحدة تتمتع بميزة أخرى، ففي عام 1996، كانت أجهزة الكمبيوتر العملاقة متفوقة بشكل كبير على تلك الموجودة في روسيا والصين، وعندما تفاوضت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، كانت كل من روسيا والصين تمتلكان بيانات رديئة وأجهزة كمبيوتر عملاقة سيئة إلى الحد الذي جعلهما مترددين في الموافقة على حظر شامل على الانفجارات النووية؛ وبدلاً من ذلك، فضلتا استثناء التفجيرات الصغيرة. كانت الولايات المتحدة متمسكة بمعاهدة «العائد الصفري»، ثم طلبت الدولتان من إدارة كلينتون تخفيف القيود المفروضة على صادرات أجهزة الكمبيوتر العملاقة كشرط للتوقيع على المعاهدة، وتم رفع بعض القيود عن روسيا، لكن الصين لم تحصل على أي شيء.
جمعت الولايات المتحدة بين الحوسبة الفائقة وثروة من البيانات من الاختبارات التي أجرتها في ما أطلقت عليه «إدارة المخزونات القائمة على العلم»، وهو استثمار ضخم في العلوم والمراقبة والمرافق والحوسبة سمح للبلاد بالحفاظ على ترسانتها النووية دون اختبار.
كما أنفقت الولايات المتحدة مليارات الدولارات على البنية الأساسية اللازمة لمراقبة وفهم أسلحتها النووية دون إجراء تجارب حية، فالولايات المتحدة لديها مختبر تحت الأرض ـ المختبر الرئيسي تحت الأرض للتجارب دون النقطة الحرجة، أو PULSE ، ويضم آلات تجري تجارب لا تنتج عائدًا باستخدام كميات صغيرة من البلوتونيوم. كما تحتفظ الولايات المتحدة بمنشأة لتصوير القنابل بالأشعة السينية أثناء تفجيرها دون استخدام البلوتونيوم، ومنشأة أخرى لدراسة عمليات الاندماج في الأسلحة النووية الحرارية. (وقد بلغت تكلفة بناء هذا المرفق الأخير، وهو منشأة الإشعال الوطنية، 3.5 مليار دولار). ونتيجة لهذا فإن الولايات المتحدة تدرك اليوم كيف تعمل الأسلحة النووية بشكل أفضل كثيرًا مما كانت تدركه في أي وقت مضى عندما كانت تجري تفجيرات نووية.
قامت روسيا والصين ببعض الاستثمارات المشابهة، وإن لم تكن بنفس الحجم، ويبدو أنها لم تسفر عن نفس النتيجة. ويُعتقد أن روسيا تعيد تصنيع كل أسلحتها النووية كل عشر سنوات. ونظرًا لبعض مشاكل المصداقية التي تواجهها المؤسسة العسكرية الروسية في أوكرانيا، فمن المنطقي أن نتساءل عن مقدار الثقة التي ينبغي لنا أن نضعها في قدرة روسيا على تصنيع نفس السلاح بشكل متكرر دون أن تتسلل إليه تغييرات ضارة.كان التزام الولايات المتحدة بالاستثمار في الحوسبة الفائقة يشكل أساس نهج إدارة المخزون القائم على العلم. ففي عام 1995، اعتُبِرت متطلبات الحوسبة شاقة. وقدرت وزارة الطاقة أنها ستحتاج إلى كمبيوتر قادر على معالجة نحو 100 تيرا فلوب، وهي كمية من قوة المعالجة وصفها أحد المسؤولين بأنها «غير طبيعية». واليوم، أصبح أسرع كمبيوتر في العالم، في مختبر أوك ريدج الوطني في تينيسي، أسرع بنحو 10 آلاف مرة من ذلك.
بطبيعة الحال، لم تعد الولايات المتحدة تتمتع بالريادة في مجال الحوسبة الفائقة كما كانت في السابق. فلسنوات عديدة، أصبح أسرع كمبيوتر فائق في العالم موجودًا في مختبر للأسلحة النووية في الصين، وليس في الولايات المتحدة. ولكن حتى مع وجود بعض أسرع الحواسيب الفائقة في العالم، هناك شيء واحد لا تملكه الصين: بيانات الاختبار الخاصة برموز الكمبيوتر الخاصة بها. وبدون هذه البيانات، التي جمعتها الولايات المتحدة عبر سنوات من إجراء التفجيرات النووية، لن يكون بوسع المصممين الصينيين إجراء تغييرات على تصميمات الأسلحة الحالية التي تم اختبارها بالفعل. وقد يجعل هذا من الصعب على الصين صنع رؤوس حربية نووية جديدة وأصغر حجمًا.
الواقع أن التفوق التقني الذي تتمتع به الترسانة النووية الأمريكية لا وجود له إلا لأن روسيا والصين توقفتا عن إجراء الاختبارات، ولأن الولايات المتحدة استثمرت بكثافة في العلوم. وإذا استأنفت إدارة ترامب الثانية إجراء الاختبارات النووية، فمن المؤكد أن روسيا والصين ستحذوان حذوهما ــ ولأنهما لديهما المزيد لتتعلماه من كل اختبار، فإنهما بذلك تعملان على تآكل ميزة الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن الدول النووية الجديدة أو الناشئة، لن تشعر بأي قيود تمنعها من إجراء اختبارات التفجير. والنتيجة ستكون أن أعداء الولايات المتحدة المسلحين نوويًا سيصبحون أكثر قدرة.
الاعتقاد الساذج بأن استئناف التفجيرات النووية سيطيل من تفوق الولايات المتحدة في هذا المجال يستحضر تقليدًا قديمًا من التفكير قصير النظر في ما يتصل بالقنبلة، حيث يعجز الساسة والخبراء عن التخطيط لأبعد من خطوة واحدة إلى الأمام، وهو فشل يعود إلى بداية اختراع القنبلة في عام 1945.
كان أنصار استخدام القنبلة ضد اليابان يعتقدون أن الولايات المتحدة سوف تتمتع باحتكار نووي وتتفوق على الاتحاد السوفييتي لعقود من الزمان. وما حدث هو أن موسكو صنعت قنبلتها الخاصة في أقل من أربع سنوات. ثم زعم نفس الأشخاص أن تطوير سلاح نووي حراري، أو قنبلة هيدروجينية، من شأنه أن يعيد الميزة، وحصل الاتحاد السوفييتي على القنبلة بعد أقل من عامين من الولايات المتحدة، وتبعهما في النهاية آخرون، بما في ذلك الصين. في كل خطوة في سباق التسلح النووي، استسلم صناع السياسات لمثل هذا التفكير الساذج. وإذا تحركت الولايات المتحدة أولاً لاستئناف تجارب الأسلحة النووية، فسوف تتعلم بسرعة مدى سذاجتها مرة أخرى.
جيفري لويس أستاذ مساعد ومدير برنامج منع الانتشار النووي في شرق آسيا في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي في معهد ميدلبري للدراسات الدولية في مونتيري.
الترجمة عن» «Foreign Affairs
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: معاهدة الحظر الشامل للتجارب النوویة أن الولایات المتحدة التفجیرات النوویة الأسلحة النوویة روسیا والصین المتحدة ا فی العالم فی عام عام 1996
إقرأ أيضاً:
الولايات المتحدة ستكون الخاسر الأكبر من الانتصارات التجارية الأخيرة
يرى موقع "بلومبيرغ" أن الاتفاقات التجارية الأخيرة التي أبرمتها إدارة البيت الأبيض مع الاتحاد الأوروبي واليابان قد تأتي بنتائج عكسية وتصبح الولايات المتحدة الخاسر الأكبر من سياسة الرسوم الجمركية.
وقال الموقع في تقريره الذي ترجمته "عربي 21"، إن البيت الأبيض يتفاخر باتفاقه التجاري الجديد مع الاتحاد الأوروبي، بعد اتفاق مماثل مع اليابان، باعتباره انتصارًا كبيرا.
الخاسر الأكبر
ويفرض الاتفاقان رسومًا جمركية بنسبة 15 بالمائة على معظم الصادرات إلى الولايات المتحدة، إلى جانب شروط أخرى، ما يبدو وكأنه خطوة لإنهاء خطر الحرب التجارية المفتوحة وتجديد التأكيد على هيمنة الولايات المتحدة، وهو ما تفاعلت معه الأسواق المالية بشكل إيجابي.
لكن الموقع يعتبر أنه لا يوجد ما يستحق الإشادة، لأن الاتفاقين يشكلان خسارة لجميع الأطراف، وأفضل ما يمكن أن يتحقق هو أن تنتقل الإدارة الأمريكية إلى أولويات أخرى قبل أن تتسبب في مزيد من الأضرار.
من الناحية الاقتصادية البحتة، فإن الادعاء بأن الولايات المتحدة خرجت منتصرة من الاتفاقين هو ادعاء باطل، وفقا للموقع. فالرسوم الجمركية ما هي إلا ضرائب، وسرعان ما سيدفع المستهلكون الأمريكيون معظم الزيادة في التكاليف، إن لم يكن كلها.
ولا تكمن المشكلة فقط في أن الواردات ستصبح أكثر تكلفة، بل إن المنتجين الأمريكيين للسلع المنافسة سيتعرضون لضغط أقل من حيث المنافسة والابتكار، مما سيدفعهم أيضًا لرفع الأسعار. وبمرور الوقت، ستؤدي هذه العوامل إلى تراجع مستوى المعيشة في الولايات المتحدة، وسيكون الخاسر الأكبر من الرسوم الجمركية هو غالبًا البلد الذي فرضها.
تصاعد التوترات
يرى البعض أنه يمكن التعامل مع تكاليف الرسوم على المدى الطويل، طالما أن الاتفاقيات تضع حدًا للنزاعات التجارية.
وقد شددت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، التي أبرمت الاتفاق مع الولايات المتحدة نهاية الأسبوع، على هذه النقطة لتبرير خضوع الاتحاد الأوروبي للمطالب الأمريكية، مؤكدة أن الاتفاق وسيلة لاستعادة الاستقرار والتوقعات الواضحة للمستهلكين والمنتجين على حد سواء.
وأشار الموقع إلى أن كلا الاتفاقين، شأنهما شأن الصفقة التي أُبرمت سابقا مع المملكة المتحدة، يُنظر إليهما على أنهما اتفاقيات إطارية أكثر من كونهما صفقات نهائية.
وتنص الاتفاقية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على منح بعض السلع الأوروبية إعفاء من الرسوم الجمركية في السوق الأمريكية، لكنها لم تحدد بعد ما هي هذه السلع.
وحسب الموقع، يشعر المواطنون في أوروبا واليابان بأن حكوماتهم قد استسلمت أمام الضغوط الأمريكية، مما يزيد احتمالات عدم الاستقرار وتصاعد موجات المعارضة السياسية.
وأضاف الموقع أنه حتى في حال إبرام هذه الاتفاقيات، ستظل هناك نزاعات قائمة لا تقتصر على التجارة فقط، وقد تواصل واشنطن استخدام الرسوم العقابية أو التهديدات الأمنية كأدوات ضغط، بما يعني أن الاستقرار الذي تتحدث عنه فون دير لاين سيكون وهميا.
وختم الموقع محذرا من أن شعور الإدارة الأمريكية بأن الاتفاقات التجارية الأخيرة دليل على قدرتها على فرض كلمتها بدلًا من بناء شراكات حقيقية، يهدد بتصاعد التوتر عالميا وقد يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل الاستراتيجية الحالية.