سودانايل:
2025-05-18@10:23:08 GMT

قوة الضعف

تاريخ النشر: 13th, September 2024 GMT

الحسابات الخاطئة أحد أبرز العناصر المساهمة في اطالة حربنا الكارثية.
بل هي الحطب المُحرِّض على اشعالها. فكل طرف - بغض النظر عن البادئ- تورْط في الحرب من قناعة زائفة بقدرته على ربحها في ضربة قاصمة خاطفة. رغم تبدد هذه الفرضية مع مرور الزمن لا تزال الحسابات الخاطئة بامتلاك القوة الغالبة تهيّمن على العقليتين الدمويتين المدمرتين.

كلاهما لا يدركان وجود مبدأ (قوة الضعف). من يدرك تفاصيل هذا المبدأ يضع حتما ضمن تقديراته فرضية خذلان الاعتماد على القوة في حسم الصراع. الطرفان لايزالان يتوغلان في الوهم الزائف دون استعداد للمراجعة والتراجع فيكلفان الشعب والوطن خسائر فادحة. ما أصدق قول رئيس الوزراء الفرنسي الراحل جورج كليمنصو (الحرب أخطر من أن تُترك للجنرالات ).القناعة ب(ضعف القوة)يستوجب كذلك اقتناع بوجود (قوة الضعف).فليس بتفوق السلاح وحده أو كثرة الجنود فقط يتم حسم الصراع او تحقيق الانتصار.
*****
الفهم الخاطئ غيّب عن أصحاب الحسابات الخاطئة استيعاب طبيعة ثورة ديسمبر ومكامن قوتها فعمدوا إلى قمعها حداً بلغ سفك الدم .في حساباتهما المسرفة في الخطايا ظنونهما بأن مايمكن احتواؤه بالعنف يمكن اقتلاعه بمزيد من القوة. كذلك في سياق الفهم الخاطئ التباهي باتساع الانتشار . لكن في الواقع لا جدوى من انتشار لا يفرض الهيمنة. الباحث الفرنسي في العلوم السياسية برتران بادي انشغل كثيرا في سياق مقارباته الفكرية بما اسماه(عجز القوة). هو يرى -لعلها رؤية تحاكم حربنا الكارثية- أن القويَ عاجزٌ طالما لم يستطع تحقيق انتصارٍ حاسم . كذلك يُعرّف بادي القويَ بالقادر على تقديم التنازلات دون وجل مستندا في ذلك إلى فائض قوته الحقيقية. هذا تعريفٌ دونه الأقزام ناشروا النار ،الكراهية والمعاناة في البلد.
*****
ربما لو استعرض باحث عسكري استراتيجي (حقيقي)مسار حرب الحمقى لكشف من ابرز أخطائها التزام الطرفين بتكتيك غبيٍ .فهما اقتحما القتال بغير حذرٍ كاف إن لم يكن بتهورٍ مفرط على نقيض وصية رئيس الأركان الأميركي كولين باول (يجب إختيار معاركنا بحذر وبقوة كبيرة).هي حكمة غابت عن باول وهو وزير للخارجية حينما روّج للحرب على صدام . ففي تلك الغفلة انزلقت اميركا في حرب العراق الثانية إذ أغفلت حساباتها الخاطئة (قوة الضعف) الكامنة في المنطقة فأمست تسدد فواتير مكلفة نتيجة تجاهلها ذلك المبدأ الاستراتيجي . أوسع من ذلك فعلى قدر ما تشغل أميركا من الجغرافيا كامبراطورية للتوحش تتعدد عثراتها وهزائمها ؛بدءاً بالعراق ، فسوريا ، مرورا بفلسطين ثم افغانستان وانتهاء باوكرانيا. إحدى خطايا أميركا رهانُها الخاسر على إعادة تشكيل الجغرافيا السياسية بالقوة .
*****
كذلك يتجاهل أقطاب حربنا الخاسرة على سواء مع اميركا (قوةالضعف) الكامنة لدى الشعب .كلهم يتقاتلون ويقاتلون متجاهلين حقوق الشعب وحقوق مجتمعه المدني. نلك إحدى خصائص الأنظمة الاستبدادية وطبائعها. فمدى عدالة القضية ورسوخ الإيمان بها في القلوب يشكلان مصدر اً يعزز صعود قوة الضعف الماثلة لدى القوى الضعيفة مقابل موازين غلبة السلاح وكثرة الجنود. فترجيح الغلبة والكثرة لا يوفر شرط امتلاك القوة مثلما لا يعني الضعف فقدان التفوق . غاندي ثبّت وجهه في مرايا التاريخ بتجسيده للعالم معنى (قوة الضعف).الخوف هو جوهر الضعف ومظهره التردد. فأي جيش تقليدي لا ترهبه مواجهة جيش مماثل قدر ما ترهقه حرب العصابات.
*****
لو أن القوة تستند فقط إلى التفوق في نوعية السلاح و الوفرة في أعداد الجنود لما أرهقت المقاومةُ الفلسطينية جنرالات الترسانة الإسرائلية .و لما قهرت خلايا النساءِ النحيلات ورجالُ الغابات المعروقين في فيتنام حمم النابالم الأميركية.ولولا عمق الايمان بعدالة القضية ما هزم قبل ذلك مدرسُ التاريخ فون جوين جياب الضباطَ خريجي الأكاديمية العسكرية الفرنسية في ديان بيان فو.اسرائيل ترفض التسليم بخيار الدولتين لا لأنها تخشى تفوق الدولة الفلسطينية عسكريا . بل لأنها مسكونة برعب الغلبة الديموغرافية .فموازين القوى ليست وقفاً على الترسانة العسكرية فقط ،بل توجد أثقالٌ متباينة؛منها ماهو مادي ومنها المعنوي.
*****
مشعلو حربنا الكارثية يتجاهلون عمداً أو جهلا أثقال القوى ،بما في ذلك العتاد الحربي نفسه. فهم بالإضافة إلى كثرة المقاتلين يغلّبون عنترياتٍ حماسيةً جوفاءَ محشوةً ببشرياتٍ كذوبة وأمنيات خادعة ووعود رغائبية.ففي أُتون هذه الحرب الخرقاء تغيب الموضوعية ،المصداقية والأمانة.فلا طرف يعلن عدد ضحاياه أو حجم خسائره.إنها حربٌ الكذب على الذات مثلما هي على الشعب.في خضم هذا الإفك يجفل أطراف القتال عن التحديق في الغد عمداً إذ أنهم على قناعة بأن المنتصر منهم سيواجه حتماً حرباً لا يعتمد القتال فيها على العتاد العسكري. جنودها أُريد لهم النحر أو الانتحار لكن إراداتهم أكثرُ صلابةً من القوة الصلبة التقليدية.
*****
فعندما تسكن المدافع والطائرات ينفتح الأفق على حرب سياسية وقودها الفكر والمنطق؛ المعارك تدار فيها بالقلم واللسان . إنها حرب قادتها وجنودها أهل قوة الضعف غير القابلة للانكسار .هي حرب قوامها تتظيمات مدنية ليست عسكرية وكذلك تكتيكاتها ومناوراتها.من الثابت المؤكد ألّا موطئ قدم وفتذاك لأي قائد أو ضابط متورط في هذه الحرب القذرة.فمع نهاية هذه المأساة الملهاة غير الوطنية سيحفر شباب الثورة قبورا(لأبطالها). رياح الحرب الحتمية المقبلة تجرفهم حتماّ إلى مهاوي النسيان.فمتى وكيفما تضع هذه الحرب الخاسرة أثقالها يبدأ الشعب صناعة تاريخ جديد لا مساحة فيه لدهاقنة الكذب ، الفساد،الخداع ،التعصب والنرجسية. المعذبون في الملاذات المؤقتة في الداخل والخارج عائدون بقلوب وأدمغة ملؤها حب الدار والعلم .تلك هي الأسلحة الغائبة عن أركان حرب الفوضى المدمِّرة الراهنة.ماركس لم يكن يقرأ في المستقبل ( حينما قال التاريخ يعيد نفسه).

 

aloomar@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

كيف أعاد الرئيس السيسي رسم خريطة القوة النارية من الغرب إلى الشرق؟

شهدت شبه القارة الهندية خلال الفترة الماضية تصعيدًا غير مسبوق بين الجارتين النوويتين الهند وباكستان، وسط ضربات عسكرية متبادلة وتهديدات متزايدة تنذر بانزلاق المنطقة نحو حرب شاملة، وبدأت المواجهة بعد أن أطلقت الهند صواريخ باليستية استهدفت العمق الباكستاني، كان أخطرها ضربة مباشرة لقاعدة عسكرية تقع على بُعد 10 كيلومترات فقط من العاصمة إسلام أباد. 

واستهدفت نيودلهي ثلاث قواعد عسكرية أخرى داخل الأراضي الباكستانية، في تصعيد هو الأعنف منذ سنوات، وجاء الرد الباكستاني سريعًا عبر عملية عسكرية أطلقت عليها إسلام أباد اسم "البنيان المرصوص"، أسفرت عن تدمير سبعة مواقع عسكرية هندية وعدد من الأهداف الحيوية، أبرزها منظومة الدفاع الجوي المتطورة S-400، إضافة إلى هجوم سيبراني واسع النطاق عطل نحو 70% من شبكة الكهرباء الهندية، ما تسبب في شلل مؤقت بمناطق عدة.

وفي تطور نوعي، أعلنت باكستان إسقاط خمس طائرات مقاتلة هندية من طراز رافال، ميج-29، وسوخوي، إلى جانب تسع مسيرات إسرائيلية الصنع، في ضربة قاسية لقدرات سلاح الجو الهندي، وبحسب مراقبين، فإن السيناريو الأقرب هو استمرار التصعيد، خاصة في ظل غياب أي تحرك دولي جاد لوقف الحرب، ويتزايد القلق الدولي بعد أن دعا رئيس الوزراء الباكستاني، شهباز شريف، لاجتماع عاجل لهيئة القيادة الوطنية المسؤولة عن إدارة الترسانة النووية في البلاد، في إشارة واضحة إلى احتمالية اللجوء إلى الخيار النووي، خصوصًا إذا قررت الهند الدفع بقواتها البرية لاجتياح الأراضي الباكستانية.

وتفوق السلاح يعد قضية حيوية تساهم في تشكيل التوازنات الدولية والإقليمية فقد أثبت التعاون بين باكستان والصين أنه يمكن أن ينتج عنه نتائج ملموسة كتفوق عسكري وفي المقابل، تسعى مصر تحت قيادة الرئيس السيسي إلى تعزيز قدراتها العسكرية من خلال تنويع مصادر تسليحها وزيادة استثماراتها في القطاع الدفاعي.

ومنذ أن تولى الرئيس عبد الفتاح السيسي مقاليد الحكم في مصر عام 2014، شهدت المؤسسة العسكرية نقلة نوعية شاملة لم تعرفها البلاد منذ عقود، أعادت مصر تعريف قوتها العسكرية عبر تحديث وتنوع ترسانتها من السلاح، في مشهد يؤكد عودتها بقوة إلى الساحة الإقليمية والدولية، ليس فقط كقوة دفاعية، بل كرقم صعب في معادلة الأمن في الشرق الأوسط وإفريقيا.

وتُعتبر تعزيز القدرات العسكرية جزءًا أساسيًا من استراتيجية الأمن القومي المصري في ظل المتغيرات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة، مع الصعود المستمر للتهديدات الأمنية، سواء من الجماعات المسلحة أو من التوترات بين الدول، أصبح لزامًا على مصر أن تعزز من قدراتها العسكرية لمواجهة هذه التحديات.

التوجه الجديد لمصر في تعزيز قدراتها الدفاعية ليس فقط نتيجة مباشرة للتهديدات، بل هو أيضًا جزء من رؤية تكاملية لأمن إقليمي مستدام، وبمساعدة الحلفاء الاستراتيجيين، تسعى مصر إلى بناء شبكة من التعاون الأمني والدفاعي، مما ساهم في استقرار حوض البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط. 

فبينما كان المراقبون يعتبرون التنوع العسكري ترفًا لا ضرورة له، أدركت القيادة المصرية أن البقاء في منطقة تموج بالصراعات، يتطلب جاهزية تامة واستقلالًا استراتيجيًا في القرار العسكري، فشهدت السنوات الأخيرة تحولات حاسمة في سياسة التسليح، انطلقت من مبدأ "عدم الارتهان لمصدر واحد"، وهو ما عبرت عنه صفقات ضخمة امتدت من الغرب إلى الشرق، ومن السماء إلى أعماق البحار.

ولطالما ارتبطت القوات المسلحة المصرية بالسلاح الأمريكي، خاصة منذ اتفاقية كامب ديفيد، وهو ما خلق نوعًا من التبعية الاستراتيجية في فترات حساسة، غير أن القيادة الجديدة وضعت نصب عينيها كسر هذه الحلقة، فبدأت رحلة تنويع مصادر السلاح، ما فتح آفاقًا جديدة أمام الجيش المصري للولوج إلى أسواق التسليح العالمية بلا قيود سياسية أو فنية.

ففي عام 2015، وقعت مصر صفقة تاريخية مع فرنسا لشراء 24 طائرة رافال متعددة المهام، لتصبح أول دولة تحصل على هذه الطائرة بعد فرنسا، وهو ما اعتُبر بمثابة شهادة ثقة دولية في قدرات مصر التسليحية والتدريبية، لم تكتف القاهرة بذلك، بل أتبعت الصفقة بشراء حاملة المروحيات ميسترال، وهي أول قطعة بحرية من هذا النوع تدخل الأسطول المصري، ما جعل مصر الدولة الأولى في الشرق الأوسط التي تمتلك حاملة مروحيات هجومية.

وشكل سلاح الجو العمود الفقري للردع المصري، وتوسع تنويعه بشكل كبير خلال العقد الأخير، فإلى جانب الرافال الفرنسية، حصلت مصر على مقاتلات ميغ-29M/M2 الروسية المتطورة، كما عززت ترسانتها من طائرات F-16 الأمريكية، وهو ما وفر مظلة جوية متكاملة تجمع بين القوة والمرونة والتكنولوجيا المتقدمة.

وأصبحت مصر تمتلك إحدى أقوى القوات البحرية في الشرق الأوسط وإفريقيا، بعد صفقات عززت قدراتها بشكل نوعي، فبالإضافة إلى الميسترال، حصلت على فرقاطات فريم وغوويند الفرنسية، وغواصات Type 209 الألمانية، وقطع سريعة من كوريا الجنوبية ولعب هذا التنوع دورًا محوريًا في فرض مصر لنفوذها البحري، خاصة في ظل التوترات في شرق المتوسط والتدخلات الإقليمية في البحر الأحمر.

ولم يكن سلاح المشاة والمدرعات بعيدًا عن هذه النهضة، حيث شملت خطة التطوير إدخال عربات مدرعة حديثة مثل MRAP الأمريكية، وتحديث دبابات أبرامز M1A1 كما شهد سلاح الدفاع الجوي تطورًا كبيرًا بامتلاك منظومات روسية  إلى جانب نظم غربية ومنظومات صينية أخرى، ما جعل من سماء مصر "شبكة نار" يصعب اختراقها.

هذا التنوع لم يكن عبثيًا، بل يخضع لعقيدة واضحة تنطلق من حماية الأمن القومي المصري، وتوسيع هامش المناورة الاستراتيجية فاليوم تستطيع مصر أن تتعامل مع أي ظرف طارئ دون الحاجة لرضا سياسي من طرف خارجي كما يتيح هذا التنوع إجراء تدريبات ومناورات مشتركة مع قوى عالمية مختلفة، وهو ما انعكس في عشرات المناورات التي شاركت فيها مصر مع روسيا، فرنسا، أمريكا، الصين، اليونان، الإمارات، والسعودية.

لم يكن التنوع في التسليح فقط للشراء، بل فتح الباب أمام شراكات لتوطين التصنيع العسكري فقد بدأت مصر بإنتاج مكونات من مدرعات ومعدات محلية، وتطوير مجمع الصناعات الدفاعية ليكون مركزًا إقليميًا، خصوصًا مع تنظيم معرض EDEX للسلاح الذي استقطب كبرى شركات الدفاع العالمية إلى القاهرة.

ويحمل هذا التنوع في طياته رسائل واضحة مصر لم تعد حبيسة قرار خارجي، ولا تكتفي برد الفعل فهي تملك اليوم القدرة على الرد، والردع، والمبادرة. فمع التهديدات التي تطال حدودها الغربية مع ليبيا، والجنوبية مع السودان وإثيوبيا، والشمالية مع سيناء وغزة، والمصالح الحيوية في البحرين الأحمر والمتوسط، بات لزامًا أن تمتلك قوة حقيقية تستطيع التحرك بمرونة دون عوائق.

ويختصر المشهد العسكري الحالي مقولة الرئيس السيسي: "القوة تحمي السلام" فمصر التي تسعى للاستقرار والتنمية، تدرك أن التنمية لا تُحمى إلا بقوة عسكرية حديثة، مدربة، متنوعة، لا تعرف الارتباط إلا بالمصلحة الوطنية وقد يكون هذا ما جعل الجيش المصري اليوم يتقدم في التصنيفات العالمية، ويعود ليكون درع الأمة وحارس حدودها، من طابا إلى السلوم، ومن حلايب إلى رفح، ومن المتوسط إلى أعماق البحر الأحمر.

 

مقالات مشابهة

  • “خامنئي يرد على ترامب: أمريكا استخدمت القوة للإبادة لا السلام
  • جهاز دعم الاستقرار يعلن دعمه للمظاهرات السلمية ويُندد باستخدام القوة ضد المدنيين
  • جوتيرش: الأمم المتحدة لا تملك القوة لوقف الحرب فى قطاع غزة
  • لو في ناس متخيلين إن الحرب دي بدأت في أبريل ٢٠٢٣م حقو يراجعوا حساباتهم
  • جعفر حسان: إنهاء الحرب في غزة ضرورة إنسانية وسياسية ملحّة
  • الرئيس السيسي: الحرب على غزة تتحدى القوانين الدولية.. والشعب الفلسطيني يرفض التهجير
  • برج الأسد حظك اليوم السبت 17 مايو 2025.. كن شجاعا في الحب ولا تخشى الضعف
  • كيف أعاد الرئيس السيسي رسم خريطة القوة النارية من الغرب إلى الشرق؟
  • ترامب: هدفنا إنهاء الحرب في غزة وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني
  • برشلونة يحصد ثمار «الكرة الجميلة» و«القوة المدمرة»!