لماذا تبني قسد أبراج مراقبة بين مناطقها ومناطق النظام بسوريا؟
تاريخ النشر: 19th, September 2024 GMT
شمال سوريا- في إطار سعيها لتعزيز السيطرة الأمنية ومواجهة التهديدات بمناطق سيطرتها في دير الزور، شرعت قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) في بناء سلسلة من أبراج المراقبة على طول الجانب النهري الذي يفصل مناطق سيطرتها عن قوات النظام السوري والمليشيات الموالية له.
ويمتد المشروع من منطقة "جديد عكيدات" وصولاً إلى "الباغوز" قرب الحدود مع العراق، ويهدف إلى تعزيز الأمن في ظل التوترات المستمرة والهجمات المتكررة من قبل قوات النظام والمليشيات الإيرانية وقوات العشائر، حيث يمثل هذا المشروع جزءا من جهود "قسد" لمواجهة الاضطرابات الأمنية والهجمات العسكرية بالمنطقة.
وقال مصدر خاص من داخل "قسد" للجزيرة نت -فضّل عدم الكشف عن هويته- إن المنطقة شهدت خلال العام الماضي مواجهات واشتباكات مستمرة، شنتها قوات النظام والعشائر من مناطق سيطرتها بمدينة الميادين والقورية والعشارة وصبيخان، مستهدفة مناطق سيطرة "قسد" في بلدات ذيبان والشعيطات والبصيرة وسويدان جزيرة.
وشدد المصدر على أن بناء الأبراج "يُعد ضرورة أمنية وعسكرية ملحة" مشيرًا إلى أنها ستساعد على رصد أية تحركات ضد المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الديمقراطية، حيث تعتبر المنطقة النهرية نقطة رئيسية للتسلل وتهريب المواد المخدرة، مما جعل بناء الأبراج أمرًا حتميًا وفقًا لمقترح من قوات التحالف الدولي.
تمويل ومراقبةأُقر مشروع بناء أبراج المراقبة في دير الزور بعد دراسة من قبل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، حيث تم الاتفاق على بناء 150 برجًا، يبلغ ارتفاع كل منها 9 أمتار، ويضم غرفتين للاستراحة وقبوًا، مع ساحة محاطة بسور إسمنتي، بمساحة تصل إلى ألف متر مربع لكل برج، أي بواقع برج واحد كل كيلومتر.
وتولت "قسد" مسؤولية بناء هذه الأبراج، إلى جانب الإشراف على الحراسة والمراقبة. ووفقًا لمصدر بمكتب الإنشاءات العسكرية التابع للقوات تحدث للجزيرة نت، فإنه تم تسليم المشروع إلى الإنشاءات العسكرية التي أشرفت على تنفيذه بالتعاون مع عدد من المقاولين المحليين. وقُدرت تكاليف بناء البرج الواحد بحوالي 70 ألف دولار.
وأوضح المهندس المدني فادي السلامة للجزيرة نت أن الأساسات هي العنصر الأهم في بناء هذه الأبراج، خاصة أن المنطقة قريبة من نهر الفرات، ويجب تعزيز الأساسات لضمان استقرار الأبراج، مشيرا إلى أن التكلفة الإجمالية قد لا تكون متناسبة مع نوعية العمل الذي استخدمت فيه أقل التكاليف.
من جهة أخرى، أكد مصدر خاص من التحالف الدولي للجزيرة نت أن التحالف يدعم المشروع ماديًا، بالإضافة إلى وعده بتقديم دعم استخباراتي، واستخدام الطيران إذا لزم الأمر لحماية المنطقة من أية هجمات محتملة، بينما تتولى قوات الدفاع الذاتي التابعة لقوات "قسد" مهمة الحراسة وتأمين الأبراج والمراقبة.
الاستعدادات والتكنولوجياومع تواصل إنشاء الأبراج، ووصول التجهيزات لمنطقة ذيبان، قامت قوات الدفاع الذاتي التابعة لـ"قسد" باختبار قدرة الأبراج من خلال إطلاق قذائف "آر بي جي" ومضادات للطيران على كل برج يتم الانتهاء منه، بهدف تجربة مدى متانتها أمام الهجمات والضربات.
وبحسب الخطة، يتمركز 8 عناصر من قوات الدفاع الذاتي في كل برج لمدة 20 يومًا، قبل أن يتم استبدالهم بعناصر آخرين. وأوضح مصدر من داخل الدفاع الذاتي -للجزيرة نت- أن كل عنصرين يتناوبان مهمة المراقبة لمدة ساعتين، يليها فترة استراحة تبلغ 6 ساعات، ويحصلون على دعم لوجستي كل 24 ساعة لضمان استمرارية المراقبة.
ومن حيث التسليح، أضاف هذا المصدر أن الأبراج مجهزة بتكنولوجيا دفاعية تشمل اثنين من الأسلحة الرشاشة الثقيلة من طراز "بي كي سي" بالإضافة إلى أسلحة "كلاشينكوف" لكل عنصر، ومضادات للطيران من عيار 12.5، وقاذفات "آر بي جي".
كما تم تجهيز الأبراج بمناظير ليلية لتعزيز قدرة المراقبة ورصد أي تحركات مشبوهة على ضفة النهر الأخرى، إضافة إلى تسيير دوريات مراقبة بشكل مستمر على طول الأبراج، لضمان سلامة المنشآت والرد السريع على أي هجمات محتملة.
من ناحية أخرى، أبدى العديد من السكان المحليين استياءهم من مشروع بناء أبراج المراقبة، حيث اشتكوا من استيلاء قوات "قسد" على الأراضي الزراعية اللازمة لبناء الأبراج دون تقديم تعويضات مادية، وأوضح عدد من المزارعين أنها استولت على ما يقارب الدونم من الأرض لكل برج دون تعويض أصحابها.
كما أعرب خالد الرجا (اسم مستعار) للجزيرة نت عن غضبه من القيود المفروضة على حرية استخدام أرضه، حيث تم منعه من تشغيل محركات الري والمياه في أوقات مبكرة من الصباح أو وقت متأخر من الليل، رغم حاجة المحاصيل الزراعية لذلك من أجل السقاية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على المحاصيل، بينما بررت قوات الدفاع الذاتي هذه القيود بحجة الإزعاج.
كما أوضح المزارع حاتم الساري للجزيرة نت، وهو أحد المتضررين من الأبراج، أن أية محاولة لانتقاد هذه الإجراءات تؤدي إلى اتهامات بالتعاون مع المليشيات الإيرانية أو النظام السوري، أو حتى مع "قوات العشائر" وهي اتهامات خطيرة تعرض الأشخاص للمساءلة الأمنية من قبل قوات "قسد".
وقد شكّل هذا الضغط الأمني حالة من التوتر بين السكان المحليين وقوات "سوريا الديمقراطية" مما يزيد من تعقيد العلاقة بين الجانبين، في ظل الحاجة لزيادة الأمن وضمانه في المنطقة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات قوات الدفاع الذاتی للجزیرة نت کل برج
إقرأ أيضاً:
بين جبل الشيخ وريف دمشق.. أفيخاي أدرعي في زيارة غامضة بسوريا تُشعل التساؤلات
ظهرت لقطات تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر شخصًا مألوفًا بزيّ عسكري إسرائيلي يتجوّل بين طرقات ترابية في منطقة تقطنها أغلبية درزية.
وسرعان ما تبين أن الشخص هو العقيد أفيخاي أدرعي، المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، في زيارة "تفقدية" قيل إنها للاطلاع على مشاريع "مدنية" ينفذها الجيش لدعم سكان تلك القرى.
ما الذي يفعله أفيخاي أدرعي لدى الدروز ؟سؤال أثار جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية وعلى منصات التواصل. البعض وصف المشهد بأنه استعراض "دعائي"، بينما اعتبره آخرون إشارة لتحول استراتيجي في العلاقة بين إسرائيل وبعض المكونات السورية، لا سيّما الدروز الذين يعانون منذ سنوات من التهميش والعنف في جنوب البلاد.
الجولة التي لم تُعلن بشكل رسمي من قبل الجيش الإسرائيلي، أثارت تساؤلات كثيرة، خاصة وأنها تأتي في وقت تتسع فيه دائرة الاشتباك العسكري في المنطقة، وتتعقّد فيه العلاقة بين المكوّنات المحلية والسلطات السورية. لكن خلف هذه المشاهد، تكمن رواية أكبر.
ومنذ تصاعد أعمال العنف ضد الدروز في السويداء وريف دمشق، بدأت إسرائيل بإظهار نوع من "الانفتاح" على هذا المكون، بدءًا من تقديم العلاج الطبي لجرحى سوريين في الجولان، مرورًا بتصريحات دعم متكررة من أدرعي نفسه، وانتهاءً بتنظيم زيارات دينية لسوريين دروز إلى داخل الأراضي المحتلة — حدث وُصف بـ"التاريخي" من قبل وسائل إعلام غربية مثل رويترز وواشنطن بوست.
والتساؤل الذي أثير هل تمهّد هذه التحركات لتعاون مستقبلي؟ أم أنها مجرد خطوات إعلامية تهدف لتلميع صورة إسرائيل في أوساط الأقلية الدرزية؟
ولكن لا أحد يملك إجابة قاطعة حتى الآن. لكن المؤكد أن ما حدث في هذه الجولة ــ سواء كانت حقيقية أم "مفبركة" كما يشكك البعض ــ يعكس تغيرًا عميقًا في مشهد الجنوب السوري، حيث لم تعد الحدود واضحة بين المدني والعسكري، ولا بين السياسة والمساعدات الإنسانية.
وفي الوقت الذي تلتزم فيه الجهات الرسمية بالصمت، تبقى الصورة معلّقة بين الشك والتساؤل، وتحمل معها كل تعقيدات الجغرافيا، والهوية، والتاريخ.