هل يسترد «حزب الله» هيبته رداً على «اجتياح» إسرائيل لأجهزته؟
تاريخ النشر: 20th, September 2024 GMT
يقف جنوب لبنان على مشارف الدخول في تصعيد عسكري غير مسبوق يتخطى المواجهة المشتعلة بين «حزب الله» وإسرائيل، مع قيامها بتوسيع الحرب من جانب واحد باختراقها الاستخباراتي لأجهزة التواصل والاتصال اللاسلكي التابعة للحزب، في أكبر عملية أمنية منذ انخراطه في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي، ما يضطره للرد لاسترداد هيبته وإخراج حاضنته من الصدمة التي أصابتها في الصميم، وحالة الإرباك التي سيطرت على السواد الأعظم من مقاتليه الذين لا يزالون يرزحون تحت تأثيرها، وخصوصاً أن تفجير الأجهزة اللاسلكية استهدف بشكل أساسي الجسم المقاتل الموجود في الخطوط الأمامية على امتداد الحدود اللبنانية الواقعة قبالة إسرائيل.
ومع أن الكلمة الفصل في رد الحزب على الاختراق الإسرائيلي تبقى للميدان، على خلفية خريطة الطريق التي رسم معالمها وعناوينها الرئيسية أمينه العام حسن نصر الله في خطابه الذي ألقاه عصراً، فإن قاعدته الشعبية تتطلع إلى أن يأتي الرد بحجم «الزلزال» الذي ألحقته إسرائيل بالحزب، بخلاف الرد على اغتيالها للقائد العسكري فؤاد شكر، الذي بقي محدوداً من وجهة نظر الغالبية الشعبية المؤيدة له، ولم يحقق توازن الرعب المطلوب لردع إسرائيل ومنعها من مواصلة اختراقها لأجهزته على غرار ما حصل في اليومين الأخيرين، والذي تتعامل معه قاعدته الشعبية على أنه أشبه بغارة لم توفر ما لديه من أجهزة تواصل واتصالات.
مصداقية «حزب الله» في الميزانولم يعد أمام قيادة الحزب سوى الاعتراف بحصول الاجتياح الإسرائيلي لأجهزته كأساس لتدارك الخلل وتصويبه، والذي إن دل على شيء فإنه يدل على تفوق تل أبيب في المجالين التكنولوجي والاستخباراتي، لأن مجرد تغييب قيادة الحزب للتقصير وتحديد أسبابه لن يفي بالغرض المطلوب لتجاوز الضربة التي تُعتبر الأقسى، باعتراف الغالبية، في تاريخ الصراع المفتوح بين الحزب وإسرائيل.
فقيادة الحزب، وإن كانت حسمت أمرها في الرد على إسرائيل بطريقة غير تقليدية كشرط لاستعادة مصداقيتها، ليس أمام محازبيها وجمهورها فحسب، وإنما أمام الرأي العام اللبناني أولاً، والمنقسم على نفسه بين مؤيد له ومعارض، فهي في المقابل محكومة بإجراء تحقيق داخلي بلا مجاملة لتبيان الخلل الذي أتاح لإسرائيل التسلُّل منه لتفجير أجهزة «البيجر» التي تُستخدم لتوجيه النداءات والاستدعاءات للعاملين في القطاعات التابعة للحزب، والأخرى اللاسلكية المخصصة لمجموعاته القتالية والحرّاس المكلفين بحماية القيادات الحزبية.
وفي هذا السياق، علمت «الشرق الأوسط» أن قيادة الحزب باشرت التحقيق بتكليف خبراء لديهم الإلمام الكافي بكل ما يتعلق بالاتصالات، وآخرين فنيين في مجال التفخيخ والتفجير، وذلك بالتلازم مع قيام الجيش بإجراء تحقيق شامل تحت إشراف مدير المخابرات العميد طوني قهوجي، وهو صاحب اختصاص بكل ما يتعلق بقطاع الاتصالات، ومنها اللاسلكية.
تعاون بين الحزب وقيادة الجيشوكشفت مصادر أمنية رفيعة مواكبة لانطلاق التحقيقات أنه لا بد من التعاون بين الحزب والأجهزة الأمنية، وعلى رأسها قيادة الجيش التي استحصلت على جهاز الـ«بيجر» وباشرت الكشف عليه. وقالت إنه لا بد من التأكد من المصدر الذي استورد منه الحزب أجهزة التواصل المخصصة لتوجيه النداءات للعاملين في القطاعات التابعة له، إضافة إلى أجهزة الاتصال اللاسلكية التي يبدو أنها مفخخة بطريقة عالية التقنية.
وسألت المصادر الأمنية: هل استورد الحزب هذه الأجهزة مباشرة من الشركة التي تتولى إنتاجها أم عبر الوسطاء؟ أم أنه حصل عليها من طريق دولة صديقة، في إشارة إلى إيران، من دون أن يتبع القوانين المعمول بها للحصول على تصريح من وزارة الاتصالات تسمح له باستيرادها شرط تمريرها على القسم الفني في مخابرات الجيش للكشف عليها تمهيداً للسماح له باستخدامها؟
فريق فني للتحقيقوتضيف المصادر أن قيادة الحزب باشرت الاستماع إلى الفريق الفني الذي كان كُلِّف بالكشف على هذه الأجهزة، وتقول إنه لا بد من مطابقة أقواله مع ما ستتوصل إليه قيادة الجيش في هذا الخصوص، على قاعدة أن تفجير الأجهزة حصل في وقت واحد.
وتستبعد المصادر نفسها أن تكون إسرائيل قد تمكنت من اختراق شبكة الاتصالات التابعة للحزب تمهيداً لتفجير أجهزته الخاصة به، والذي حدث بكبسة زر فور تسطير رسالة لحاملي الأجهزة. وتقول إن لدى الحزب أجهزة لم تتأثر بالتفجير وبقيت تعمل كالمعتاد، وكان استوردها منذ فترة طويلة، وهذا ما يدحض كل ما يتردد حول اختراقها للشبكة، وتؤكد أن مقاتلي الحزب المنتشرين على الخطوط الأمامية في الجنوب لا يستخدمون أجهزة الـ«بيجر»، ومن غير المسموح لهم بحملها أثناء تواجدهم في مواقع المواجهة مع إسرائيل، وتقول إن التقارير لم تسجل حصول إصابات في صفوفهم، بخلاف الذين سقطوا ضحية تفجير أجهزة الاتصال اللاسلكية.
أجهزة تنصتوكان تردد أن إسرائيل زرعت أجهزة تنصت دقيقة للغاية في أجهزة الـ«بيجر» يصعب رؤيتها أو اكتشافها، واستعانت بها في ملاحقتها لعدد وافر من قادة وكوادر المحاور أثناء تنقلهم في منطقة جنوب الليطاني الخاضعة لسيطرة الجيش والقوات الدولية (يونيفيل)، أو تلك الواقعة خارجها، وتمكنت من اغتيالهم مستخدمة المسيّرات، لكن لا يوجد شيء مؤكد حتى الساعة، ويبقى التأكد من مدى صحتها بعهدة التحقيق المزدوج الذي يتولاه الحزب وقيادة الجيش، على أن يتقرر التفاهم على آلية التعاون لتبيان الحقيقة من الشائعة.
Source link مرتبط
المصدر: الميدان اليمني
كلمات دلالية: قیادة الحزب قیادة الجیش
إقرأ أيضاً:
الديمقراطيون حزب أعاد اليسار للواجهة في إسرائيل
حزب سياسي في إسرائيل يقوده يائير غولان، النائب السابق لرئيس أركان الجيش وعضو الكنيست سابقا عن حزب "ميرتس". تأسس عام 2024، بعد اندماج "ميرتس" وحزب "العمل" في خطوة تهدف إلى "إعادة توحيد اليسار الليبرالي" في إسرائيل، و"تقديم بديل ديمقراطي تقدمي" في مواجهة سياسات الحكومة اليمينية بقيادة بنيامين نتنياهو، حسب ما أعلنه هذا الحزب في بيان التأسيس.
وقد نشأ "الديمقراطيون" في خضم احتجاجات شعبية واسعة ضد حكومة نتنياهو، مستفيدا من الغضب الشعبي تجاه السياسات القضائية والانقسامات العميقة التي خلفتها حرب الإبادة الجماعية في غزة، إذ حاول الحزب توظيف هذا الزخم الشعبي لبناء تحالف معارض واسع يجمع بين القوى الليبرالية والعلمانية ومختلف التعبيرات الاجتماعية الرافضة للنهج السياسي لنتنياهو الذي صدرت بحقه مذكرة اعتقال من المحكمة الجنائية الدولية.
وبرز الحزب في المشهد السياسي الإسرائيلي بشكل لافت، بعدما وجه زعيمه غولان انتقادات شديدة اللهجة لسياسات الجيش في قطاع غزة، إذ صرح في 20 مايو/أيار 2025 -في مقابلة مع هيئة البث العامة الإسرائيلية– بأن "الدولة الطبيعية لا تتخذ قتل الأطفال هواية، ولا تخوض حربا ضد المدنيين، ولا تضع تهجير السكان هدفا" مما أثار موجة من الاستهجان داخل الأوساط الرسمية في دولة الاحتلال.
النشأة والتأسيستأسس "الديمقراطيون" في 30 يونيو/حزيران 2024، حين اندمج الحزبان اليساريان "ميرتس" و"العمل" في مبادرة وصفها قادة الحزبين بـ"التاريخية" وقالوا إنها انطلقت من "الإيمان بضرورة توحيد الصفوف لمواجهة صعود اليمين المتطرف، ورغبتهم في بناء بيت سياسي واسع لليبراليين الديمقراطيين في إسرائيل".
إعلانوقد شكل هذا الاندماج إعلانا لنهاية حزب "العمل" الذي قاد إسرائيل في أول 30 عاما بعد إعلان قيامها، وجاء في سياق تراجع كبير لنفوذ اليسار، وهو التراجع الذي بدا جليا في نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2022، إذ حصل "العمل" على 4 مقاعد فقط، بينما لم يتمكن "ميرتس" من الحصول على "نسبة الحسم الانتخابي" أي الحد الأدنى المطلوب للحصول على تمثيل برلماني داخل الكنيست، والتي تبلغ 3.25% من مجمل أصوات الناخبين، حسب ما تنص عليه القوانين الانتخابية الإسرائيلية.
الفكر والأيديولوجيايتبنى الحزب خطابا ليبراليا ديمقراطيا، يعتمد على "القيم الصهيونية التقدمية" في مزج بين الإرث التاريخي لحزب العمل، الذي ارتبط تاريخيا بـ"الاشتراكية الديمقراطية" وبين الأفكار "الراديكالية" نسبيا لحزب ميرتس، التي تبدو واضحة في مواقفه من قضايا عدة، مثل حقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والفصل بين الدين والدولة.
أبرز ملامح المشروع السياسي للحزبتشكل هذه المنطلقات الفكرية ركيزة للمشروع السياسي الذي يتبناه "الديمقراطيون"، إذ يدعو الحزب إلى:
تعزيز "الديمقراطية الإسرائيلية" عبر مواجهة سياسات حكومة اليمين التي "تهدد المؤسسات القضائية والمدنية".
تبني "سياسات اجتماعية تقدمية" تدعم العدالة الاجتماعية وتقلص الفجوات الاقتصادية، مع التركيز على فئة الشباب والمهمشين.
وكذلك تبني "خطاب أمني نقدي" يرفض "التطرف القومي" لكنه لا يتخلى عن المرجعية الصهيونية التقليدية، كما يظهر في تصريحات "غولان" فهو من جهة ينتقد سياسة الاحتلال، ومن جهة أخرى يصف نفسه بـ"الصهيوني الديمقراطي".
ويعكس المشروع السياسي للحزب توجها اجتماعيا ديمقراطيا، ويتخذ من القيم الليبرالية والمبادئ الديمقراطية منطلقا. فقد عارض الحزب "الإصلاحات القضائية" التي أقرتها الحكومة عام 2023، مؤكدا ضرورة حماية استقلال القضاء، وضمان حقوق الأفراد والأقليات، واحترام مبدأ فصل السلطات.
إعلانوبخصوص موقفه من "الصراع الإسرائيلي الفلسطيني" يدعم الحزب "حل الدولتين" ويعارض السياسات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وأكد زعيمه أن "السلطة الفلسطينية يجب أن تضطلع بدور مركزي في إدارة قطاع غزة بعد انتهاء الحرب" كما يعتبر إعادة بناء غزة "مصلحة إسرائيلية".
اقتصاديا، يدعو الحزب إلى تبني سياسات اقتصادية ذات طابع اجتماعي، تتمحور أساسا حول توفير السكن اللائق وتعزيز دولة الرفاه، وتقوية النقابات العمالية، ويعارض بشدة خصخصة القطاعات العامة، لا سيما الصحة والتعليم، كما يطالب بإلغاء "قانون الدولة القومية" الذي يعتبره "تمييزيا ضد غير اليهود".
إعادة اليسار للمشهدرغم حداثة عهده، تمكن "الديمقراطيون" من تحقيق إنجازات يعتبرها مهمة على الساحة السياسية، أعادت للأذهان حضور اليسار في المشهد السياسي الإسرائيلي، إذ استطاع توحيد القوى الليبرالية والتقدمية تحت مظلته بعد سنوات من التشتت والتيه.
كما نجح في استقطاب شرائح واسعة من النشطاء والحركات الاحتجاجية ضد سياسات الحكومة، مما منحه زخما شعبيا وإعلاميا لافتا.
وتظهر نتائج استطلاع للرأي أنجزه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" مطلع عام 2025، ارتفاعا واضحا في نسبة التأييد للتيار اليساري، إذ ارتفعت من 7% قبل اندماج الحزبين إلى 13.4% بعده، مما يعكس تقدما ملحوظا في شعبية الحزب.
ويتوقع الاستطلاع أن يحصد "الديمقراطيون" ما بين 10 و12 مقعدا في الانتخابات المزمع تنظيمها في أكتوبر/تشرين الأول 2026، الأمر الذي قد يمثل قفزة نوعية مقارنة بنتائج الحزبين فترة ما قبل الاندماج.
غير أن هذه الشعبية سرعان ما تراجعت بعد موقف زعيمه غولان من الحرب على غزة واستنكاره لجرائم الجيش الإسرائيلي، وفق ما جاء في استطلاع للرأي نشرته صحيفة معاريف الإسرائيلية في 24 مايو/أيار 2025.
وساهم "الديمقراطيون" في إحياء النقاش حول قضايا المساواة والحريات المدنية بعد هيمنة اليمين على المشهد السياسي في إسرائيل، وذلك بفضل خطابه النقدي والجريء لسياسات الحكومة، وإن ظل متشبثا بالمرجعية الصهيونية في تعاطيه مع القضايا الأمنية والسياسية الكبرى.
إعلان