الحرب دون تسميتها: عن تصعيد الاحتلال عدوانه على لبنان
تاريخ النشر: 23rd, September 2024 GMT
مع الاستهدافات "الإسرائيلية" المتكررة في الأيام الأخيرة ضد حزب الله ورد الأخير بتوسيع مدى صواريخه في شمال فلسطين المحتلة، تكون المواجهة بين الجانبين فيما يسميه الاحتلال "الجبهة الشمالية" قد دخلت في مرحلة جديدة مختلفة تماما، ورفعت احتمال الحرب الموسعة بشكل غير مسبوق.
كان حزب الله قد انخرط في معركة طوفان الأقصى ضمن ما أسماه "جبهة الإسناد" في اليوم التالي مباشرة للمعركة، التي شكلت مفاجأة له كما الجميع.
أفادت التقارير التي صدرت لاحقا بأن جيش الاحتلال فكّر في الأيام الأولى من الحرب في شن هجوم استباقي كبير ضد حزب الله، لكن القيادة السياسية أجّلت الأمر في حينه من باب إعطاء الأولوية للعدوان على قطاع غزة. كان ذلك مجرد تأجيل بخصوص التوقيت مع تأكيد المبدأ، أي ضرورة توجيه ضربة كبيرة لحزب الله، ذلك أن دولة الاحتلال رأت بما تواجهه معركة وجودية حقيقية ستؤثر على مستقبل وجودها وقوتها وهيبتها في المنطقة، وأنه لا بد من نفي أي احتمال لتكرار سيناريو السابع من تشرين الأول/ أكتوبر من غزة أو من جنوب لبنان؛ حيث يتواجد حزب الله الأكثر عددا وعدة وتسليحا وتدريبا وقدرات.
عدم موافقة الإدارة الأمريكية على توسيع الحرب باتجاه لبنان، بما يعنيه ذلك من احتمال نشوب حرب إقليمية موسعة (تشمل إيران والولايات المتحدة نفسها؟)، من أهم أسباب تأخيره حتى اللحظة، بيد أنه من المهم الإشارة إلى أن الرفض الأمريكي ليس مبدئيا وإنما سياقي، أي أن واشنطن لا ترفض الحرب لبنان بالمطلق وإنما لا تريدها الآن
تشير تقديرات العديد من الخبراء إلى أن عدم موافقة الإدارة الأمريكية على توسيع الحرب باتجاه لبنان، بما يعنيه ذلك من احتمال نشوب حرب إقليمية موسعة (تشمل إيران والولايات المتحدة نفسها؟)، من أهم أسباب تأخيره حتى اللحظة، بيد أنه من المهم الإشارة إلى أن الرفض الأمريكي ليس مبدئيا وإنما سياقي، أي أن واشنطن لا ترفض الحرب لبنان بالمطلق وإنما لا تريدها الآن.
فالولايات المتحدة متوافقة مع دولة الاحتلال على أهداف الحرب القائمة، بل صرّح مسؤولوها بأن عملية الطوفان لم تكن ضربة للاحتلال وحده، وإنما للمشاريع الأمريكية في المنطقة من مسار التطبيع وإدماج "إسرائيل" في المنطقة والتخفف من التواجد العسكري فيها وغير ذلك. لكنها لم تُرِدْ في الشهور الأولى للحرب توسيعها نحو لبنان "الآن"؛ والمقصود بـ "الآن" قبل الانتهاء من العمليات العسكرية الكبيرة في غزة، وفي ظل انخراط حزب الله وتحفزه بما يقلل من مساحات المباغتة، وقبيل الانتخابات الرئاسية الأمريكية، وفي ظل سخونة التطورات في الحرب الروسية- الأوكرانية.
ولذلك، ورغم التحفظ الأمريكي المعلن على توسيع الحرب باتجاه الحزب، إلا أن ذلك لم يؤثر على الدعم والتسليح والتواجد الأمريكي في المنطقة، بل والإعلان عن الاستعداد "للدفاع عن إسرائيل" في حال نشوب حرب إقليمية. كما أن سلسلة الاعتداءات "الإسرائيلية" على لبنان، التقنية منها واغتيال شخصيات مطلوبة أمريكيا، تشير إلى يد أمريكية حاضرة في التخطيط وربما التنفيذ.
الآن، مع تراجع وتيرة العمليات العسكرية للاحتلال في غزة، وبعد هجمات كبيرة على شمال الضفة الغربية، يمارس الاحتلال على حزب لله ضغطا أقصى ضمن سياسة حافة الهاوية، لدفعه إما إلى إيقاف جبهة الإسناد والتراجع إلى ما وراء الليطاني (لاتفاق أو بدونه)، وإما لمواجهة عملية تصعيد غير مسبوقة. وفي هذا الإطار يمكن فهم تفجير أجهزة "البيجر" ثم الأجهزة الأخرى ثم اغتيال عدة قيادات في مقدمتها أحد أكبر قيادات الحزب، إبراهيم عقيل.
مع تراجع وتيرة العمليات العسكرية للاحتلال في غزة، وبعد هجمات كبيرة على شمال الضفة الغربية، يمارس الاحتلال على حزب لله ضغطا أقصى ضمن سياسة حافة الهاوية، لدفعه إما إلى إيقاف جبهة الإسناد والتراجع إلى ما وراء الليطاني (لاتفاق أو بدونه)، وإما لمواجهة عملية تصعيد غير مسبوقة
في جبهة حزب الله ثمة تأكيد متكرر على أن جبهة الإسناد لن تتوقف إلا بتوقف العدوان على غزة، وجاء الرد (جزء منه على الأقل) على استهداف الضاحية واغتيال القيادات بتوسيع مدى صواريخ الحزب في شمال فلسطين المحتلة لتصل إلى عمق 60 كلم، وبما شمل مطار وقاعدة رامات ديفيد ومرفأ حيفا. يعني ذلك أن ضغط الاحتلال لوقف الجبهة ذهب هباء، وأن الاغتيالات لم تردع حزب الله، وأن ما أعلنه الاحتلال عن استهداف مئات منصات الصواريخ لم ينجح في منع إطلاقها نحو شمال فلسطين المحتلة.
في المقابل، ما زال نتنياهو يتحدث عن ضرورة إفهام حزب الله الرسالة "التي يبدو أنه لم يفهمها بعد"، مهددا بالمزيد، إضافة لبقاء إعادة المستوطنين إلى مناطقهم في الشمال ضمن أهداف الحرب كإلزام مستمر لحكومة الاحتلال. فإذا ما أضيف كل ذلك لرفض الاحتلال التوصل لاتفاق ينهي العدوان على غزة، يمكن القول إن التصعيد بات حتميا بل هو مسار قد بدأ وإن لم يطلق عليه حتى الآن مسمى "الحرب"، وباتت احتمالات الحرب الموسعة ضد لبنان أكبر من أي وقت مضى على طول السنة الفائتة.
ومما يؤكد ذلك حديث نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم، الذي أشار إلى استمرار جبهة الإسناد بل وتوسعها (مما سيزيد النزوح في الشمال)، مؤكدا على دخول "مرحلة جديدة عنوانها الحساب المفتوح". ورغم أن الحزب قد يحتاج بعض الوقت للتعامل مع دلالات ونتائج الاستهدافات الأخيرة وعلاجها، أمنيا وعسكريا وإداريا، إلا أن التصعيد عنوان المرحلة الحالية/ القادمة.
لقد تحدث نتنياهو في بداية الحرب عن تغيير الشرق الأوسط، ثم كرر كلامه هذا قبل أيام قليلة، ويبدو عازما على ذلك ضمن منطق الحرب الوجودية التي يخوضها الاحتلال. لكن الذي يغيب فيما يبدو عن نتنياهو ومن معه وخلفه أن الشرق الأوسط قد تغير بالفعل في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، وأن تفاعلات ذلك ما زالت قائمة وبعضها الآخر قادم.
x.com/saidelhaj
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الإسرائيلية حزب الله تصعيد لبنان لبنان إسرائيل امريكا حزب الله تصعيد مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة جبهة الإسناد فی المنطقة حزب الله
إقرأ أيضاً:
إسرائيل ترسل بكثافة ملاجئ متنقلة إلى الشمال.. هل تُحضّر لمواجهة ثانية مع حزب الله؟
تخشى إسرائيل أن يمنح أي تراخٍ حزب الله فرصة لاستعادة قوته وتعويض خسائره، مما قد يمكنه من إحياء معادلة "توازن الرعب" التي نجحت الدولة العبرية في تفكيكها خلال الحرب الأخيرة. اعلان
رغم الهدوء الذي يسود الجبهة الشمالية لإسرائيل منذ أكثر من ستة أشهر، عقب توقيع اتفاق وقف إطلاق النار مع لبنان في 27 نوفمبر 2024، وتصريحات المسؤولين عن "قصقصة أجنحة" حزب الله، يبدو أن التهديد الذي يمثله التنظيم المسلح لم يتلاشَ تمامًا.
تتزايد المؤشرات على احتمال اندلاع جولة ثانية وقريبة من الحرب بين العدوّين اللدوديْن. ويرى بعض المراقبين أن حزب الله، الذي تلقى ضربات غير متوقعة في الحرب الأخيرة، قد يسعى لتحسين شروط الاتفاق، خصوصًا وأن أمينه العام، نعيم قاسم، أبدى مرارًا عدم رضاه عن تطبيق الاتفاق، محذرًا من أن صبره لن يدوم طويلاً.
تتفاقم هذه التوترات مع استمرار المئات من الخروقات الإسرائيلية اليومية تقريبًا في لبنان، سواء عبر اغتيال مقاتلي الحزب وقياداته، أو استهداف ما تصفه إسرائيل بـ"التحركات المشبوهة"، حتى لو كانت وراء نهر الليطاني.
في المقابل، تخشى إسرائيل أن يمنح أي تراخٍ حزب الله فرصة لاستعادة قوته وتعويض خسائره، مما قد يمكنه من إحياء معادلة "توازن الرعب" التي نجحت الدولة العبرية في تفكيكها خلال الحرب الأخيرة.
ومع أن الحديث عن مواجهة جديدة لا يزال في إطار التكهنات، ويربطه البعض بتطورات المفاوضات بين واشنطن وطهران بشأن البرنامج النووي الإيراني، أورد الإعلام العبري تقارير تفيد بأن إسرائيل تواصل إرسال شاحنات تحمل ملاجئ متنقلة إلى الشمال. تساءلت هذه التقارير بشكل لافت: "هل انتهت الحرب في الشمال فعلاً؟"
Relatedنائبة المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط: نزع سلاح حزب الله يجب أن يشمل الأراضي اللبنانية كافة إسرائيل تعلن أنها استهدفت قائدا في قوة الرضوان التابعة لحزب الله بمسيّرة في جنوب لبنانوزارة الخزانة الأمريكية: عقوبات على عدد من الأفراد المرتبطين بحزب الله في لبنانوفي أواخر مايو/أيار، ذكرت إذاعة الجيش الإسرائيلي أن القيادة الشمالية تعيد تنظيم قواتها على الحدود مع لبنان، بما يشمل إعادة تمركز "فرقة الجليل" على طول الحدود بأكملها.
وأوضحت الإذاعة أن هذه الفرقة، التي كانت مسؤولة عن كامل الحدود اللبنانية، قد سُحبت بعض قواتها سابقًا إلى القطاع الشرقي، لكنها عادت لتعزيز وجودها.
كما كشفت هيئة البث الإسرائيلية ، في مايو/ أيار الماضي أن الجيش "أجرى تجارب ناجحة لإسقاط طائرات حزب الله المسيرة من خلال نظام الليزر"، مستفيدًا من تجارب الجولة السابقة التي فشل فيها في رصد واعتراض كثير منها.
وفي ذات السياق، أفادت تقارير عبرية بأن الجيش الإسرائيلي يقدر أن حزب الله يمتلك مئات الصواريخ المتوسطة-وبعيدة المدى، بالإضافة إلى آلاف الصواريخ القصيرة المدى، والمئات من الطائرات المسيرة. لكنه يدرك أن لديه نقصًا في مكونات إطلاق هذه الأسلحة.
في الداخل الإسرائيلي، تختلف الآراء حول نجاح الحملة في "تركيع" حزب الله والقضاء على تهديده بالكامل. فبينما يعتقد البعض أن زمن المعادلات الرادعة قد انتهى، وأن استمرار "السياسات الجريئة" في لبنان سيحقق لإسرائيل أمانًا طويل الأمد يجعل "الأطفال يلعبون بأمان من رأس الناقورة وحتى قرية الغجر"، يرى المحلل العسكري يوسي يهوشواع أن الحديث عن انهيار حزب الله سابق لأوانه.
ويؤكد أن الحزب لا يزال نشطًا في التسلح وتهريب السلاح والأموال، بالإضافة إلى تطوير الطائرات من دون طيار وتعزيز قدراته العسكرية.
ويشير يهوشواع إلى أن الحزب يترقب توقيع اتفاق نووي بين طهران وواشنطن، وهو ما قد يمنحه دفعة معنوية وسياسية، تخفف الضغط عليه وتعيد له بعض الإمكانيات التي خسرها في الحرب الأخيرة.
انتقل إلى اختصارات الوصولشارك هذا المقالمحادثة