الجيش يتقدم و”الدعم السريع” يعد بعدم التراجع وسط حشد قبلي
تاريخ النشر: 15th, October 2024 GMT
على صوت الرصاص ورائحة البارود، استقبل سكان إقليم دارفور غربي السودان شهر أكتوبر، وعلى نحو مفاجئ أعلنت القوة المشتركة للحركات المسلحة، والتي تقاتل إلى جانب الجيش الحكومي، السيطرة على قاعدة “بئر مزَّة”، الاستراتيجية والتي كانت تستخدمها قوات الدعم السريع في تمويل وإمداد قواتها التي تحاصر لأشهر مدينة الفاشر، حيث كانت آخر معاقل الجيش في الإقليم المشتعل.
“العملية” وُصفت بأنها محاولة جادة لفك الخناق عن الفاشر، وانفتاح القوات المشتركة والجيش السوداني على مناطق كانت تُسيطر عليها قوات الدعم السريع منذ بدء الحرب في أبريل العام الماضي.
خارطة السيطرة
وتطل ولاية شمال دارفور على صحراء تشاركها فيها الولاية الشمالية وبوابة السودان شمالاً، بينما تعد غرب دارفور أهم ولايات غرب البلاد إلى الحدود مع دولة تشاد عبر معبر “أدري” الشهير، بينما تقع جنوب دارفور على الحدود مع دولة جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى، أما شرقها فهو بوابة نحو إقليم كردفان، وتسيطر قوات الدعم السريع على غرب دارفور وشرقها وجنوبها ووسط دارفور وأجزاء من شمالها.
ومنحت السيطرة على الولايات الحدودية “الدعم السريع” طوال الفترة الماضية التفوق العسكري على الجيش السوداني، حيث طالتها اتهامات باستخدام الحدود مع تشاد وإفريقيا الوسطى في الإمداد العسكري وتدريب القوات.
من الدفاع إلى الهجوم
وفي حديث لـ”الشرق”، قال المتحدث الرسمي باسم القوة المشتركة للحركات المسلحة المقاتلة إلى جانب الجيش السوداني الرائد أحمد حسين، إن”القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح ظلّت منذ بداية الحرب في حالة الدفاع، والآن وضعنا خطة جديدة وهي الهجوم والانفتاح، وذلك من أجل ملاحقة الميلشيات ومرتزقتهم في كل مدن ومحليات إقليم دارفور، والمدن السودانية، وقواتنا موجودة في كل المحاور”، حسب تعبيره.
وأضاف حسين: “حققنا انتصارات مهمة على مستوى دارفور في المحور الغربي في جبل أووم، وكُلبس، وسربا، بولاية غرب دارفور، وبذلك أغلقنا المنفذ والشريان الوحيد الذي يمد الدعم السريع، بالإمدادات اللوجستية والعسكرية”.
وصرّح المتحدث باسم القوة المشتركة السودانية أنهم مستمرون في تقدمهم حتى الوصول إلى مدينة الجنينة والسيطرة علي الحدود، لافتاً إلى تحقيق انتصارات في محور الصحراء شمالي دارفور في منطقة مدو، واصفاً ذلك بأنه “إنجاز مهم على مستوى المعارك منذ بداية الحرب، حيث استطعنا القضاء على آخر قوة صلبة للمليشيا في دارفور، وكبدناها خسائر فادحة في الأرواح والعتاد.
وتابع: “تمت هزيمة الدعم السريع أيضاً في قاعدة (بئر مزَّة)، وهذه القاعدة هي معبر مهم كانت تستخدمه قوات الدعم لتجميع المرتزقة وحشد الإمدادات العسكرية. كما أن عملية المحور الشمالي ترتبط بفتح الطريق القاري الرابط بين مدينة الدبة في الولاية الشمالية، ومحلية مليط شمال دارفور، إلى جانب الطريق الرابط بين مدينة الكفرة الليبية ومليط، والذي أغلق بواسطة الدعم السريع، بعد استيلائها على مليط بغرض تشديد الحصار على مدينة الفاشر وفق زعمهم، وقريباً ستكتمل خطتنا، ويتم طرد المليشيات” من إقليم دارفور، حسب قوله.
“حرب وجودية”
الخبير العسكري اللواء ركن متقاعد محمد خليل الصائم أوضح لـ”الشرق”، أن هناك تعديل لميزان القوة في السودان، حيث باتت القوات المسلحة تمتلك زمام المبادرة والآن هي تتقدم مع القوات المشتركة للحركات المسلحة، حيث تخوض القبائل المكونة لهذه القوات حرباً وجودية، نكون أو لا نكون”.
وأضاف: “المعادلة تكمن في أن القبائل التي تدّعي أنها عربية مثل الماهرية والسلامات وغيرها، وهي من ضمن مكونات الدعم السريع، تعتقد أنها بالسيطرة على الفاشر، ستحكم قبضتها على كافة الإقليم، وبالتالي فرض نفوذها على الإقليم، لكن في المقابل المكونات الأخرى من القبائل الزنجية تُعد هذه المناطق موطنها الأصلي، وليس موطن (عرب الشتات)، ولذلك فإن الحرب الآن تختلف عن حرب الدعم السريع والجيش، إذ تُعد هذه حرباً وجودية بالنسبة للمكونات القبلية وبالنسبة للحركات المسلحة، وستُشكل استعادة دارفور أو معظمها تعديلاً في ميزان القوة، وتجعل موقف الجيش والحركات المسلحة أقوى”.
“الدعم السريع لن يتراجع”
وتقع مناطق غرب دارفور وشرق ووسط وجنوب دارفور تحت سيطرة الدعم السريع.
وقال عضو المجلس الاستشاري لقوات الدعم السريع عمران عبد الله لـ”الشرق”، إنه بعد الخطاب الأخير لقائد هذه القوات محمد حمدان دقلو “حميدتي” واستنفاره للجنود، انخرطت أعداد كبيرة، وانضم العديد من المتطوعين، مشيراً إلى أنه لم يستطيعوا استيعاب كل الأعداد.
وتابع عبد الله: “يعلم أهالي تلك المناطق الفرق بيننا والجيش، حيث دائماً ما شهدوا في السابق نزاعات قبلية، ولم يكن يمضي عام إلا ويشهد قتالاً قبلياً، لكن عقب سيطرتنا وضح الفرق جلياً، إذ اتضح أن هذه الحركات المسلحة التي تقاتل إلى جانب الجيش لا تقاتل لأجل المواطن، وإنما لمصالحها الخاصة، واتفاقية جوبا التي أتت بحاكم إقليم دارفور مناوي، لم يقدم من خلال منصبه شيء لمواطني دارفور، لذلك الحركات المسلحة التي مع الجيش رُفضت حتى من حواضنها الاجتماعية”.
واعتبر عضو “الدعم السريع” أنه على الرغم من الهجمات الشديدة للجيش السوداني وحلفائه، إلّا أن قوات الدعم السريع لن تتراجع عن مناطق سيطرتها في إقليم دارفور، عقب الهجمات الأخيرة للحركات المسلحة والجيش.
حشد قبلي في صمت
بينما تتمدد المعارك في الإقليم الذي عانى من حروب متلاحقة، ازدادت حالة الانقسام بين مكونات دارفور، وتصاعدت حالة التحشيد القبلي لدى مختلف المكونات، حيث تقاتل بعض القبائل إلى جانب الجيش السوداني، وتقاتل قبال أخرى إلى جانب قوات الدعم السريع.
وبدأت تعلو التحذيرات من أن تعميق الشرخ بين القبائل قد يدفع الإقليم إلى مستنقع الحرب الأهلية.
أوضاع إنسانية كارثية
في وقت سابق الأحد، أفادت منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، أن آلاف الأسر فرّت من بلدتين بمحلية سربا في ولاية غرب دارفور، عقب اشتباكات بين قوات الدعم السريع والقوة المشتركة، بينما رحل أكثر من 8 آلاف من مواطني سربا، وأبوسروج.
وذكرت مصادر محلية لـ”الشرق” أن الآلاف من سكان مناطق دونكي البعاشيم، وجبل مزّة نزحوا أيضاً، وسط أوضاع إنسانية كارثية.
بينما أعلنت منظمة “أطباء بلا حدود” توقف خدماتها في معسكر “زمزم” للنازحين، بعد أن كانت ترعى 5 آلاف طفل يعاني من سوء التغذية بينهم 2900 يعانون منها بشكل حاد، وفي المقابل وصل نازحون من منطقة “جبل مون ” إلى شرقي تشاد في حالة سيئة، بعد قطعهم المسافة سيراً على الأقدام أو ركوباً على الدواب.
وفي ظل الفوضى التي يغرق بها معظم مناطق السودان، تدق المنظمات الدولية ناقوس الخطر بتمدد حالات سوء التغذية والمجاعة لتصل مناطق جديدة في إقليم دارفور، بسبب اتساع رقعة المعارك.
الشرق
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
كلمات دلالية: قوات الدعم السریع للحرکات المسلحة الجیش السودانی القوة المشترکة إلى جانب الجیش إقلیم دارفور غرب دارفور لـ الشرق کانت ت
إقرأ أيضاً:
الجيش السوداني والقوة المشتركة يصدان هجوما على الفاشر
الفاشر- أفادت مصادر عسكرية أن الجيش السوداني والقوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح والمقاومة الشعبية تمكنوا، ظهر الخميس، من صدّ هجوم واسع شنّته قوات الدعم السريع على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، في واحدة من أشرس المعارك الميدانية منذ بداية الحصار المفروض على المدينة مطلع عام 2024.
وأسفر الهجوم -وفقًا لمصادر العسكرية تحدثت للجزيرة نت- عن مقتل العشرات، ولكن لم يتم تأكيد هذه الأرقام من مصادر مستقلة، بالإضافة إلى تدمير 5 آليات قتالية والاستيلاء على مركبة محملة بالذخائر والأسلحة الثقيلة.
وقالت المصادر إن القوات الحكومية "تعاملت بحرفية مع الهجوم الذي بدأ عند الفجر بقصف مدفعي مكثف، أعقبه محاولة اختراق من المحاور الشمالية الشرقية والغربية للمدينة".
تحرك ميدانيوقال العقيد أحمد حسين مصطفى، المتحدث باسم القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، في تصريح للجزيرة نت، إن الهجوم جاء بدعم من ما يُعرف بـ"قوات تحالف السودان التأسيسي"، التي دفعت بعناصرها ضمن تشكيلات الدعم السريع في محاولة للسيطرة على المداخل الشمالية للمدينة.
وأضاف العقيد حسين أن وحداتهم الميدانية كانت تراقب التحركات منذ ليلة الأربعاء وتمكنت من إحباط الهجوم قبل أن يُحقق أي اختراق.
وأكد أنهم دمروا 5 آليات واستولوا على مركبة واحدة، بالإضافة إلى عتاد عسكري كان مُعدًا للاستخدام في الأحياء المكتظة بالسكان. كما شدد على أن الفاشر لن تُترك لما وصفها بالمليشيات، وأن الكلمة الفصل تعود للميدان.
صراع دبلوماسيويأتي هذا التصعيد العسكري في أعقاب تعثُّر الجهود الدبلوماسية، بعد إلغاء اجتماع اللجنة الرباعية (الولايات المتحدة، السعودية، مصر، الإمارات) المُقرَّر في واشنطن بسبب خلافات بين الأعضاء حول مقاربة حل الأزمة.
ووفقا لمصادر دبلوماسية، فإن تضارب المواقف أدى إلى تأجيل الاجتماع، مما دفع قوات الدعم السريع، بحسب مراقبين محليين، إلى تكثيف عملياتها العسكرية على الأرض، حيث استهدفت مدينة الفاشر بقصف مدفعي وهجوم بري مكثف خلال يومي الأربعاء والخميس.
أزمة إنسانيةورغم نجاح القوات المشتركة في صد الهجوم، فإن الأحياء المدنية لم تسلم من تداعيات المعركة؛ حيث سقطت قذائف عشوائية على أحياء وسوق أبو شوك، إضافة إلى مخيم أبو شوك للنازحين شمال الفاشر، مما أسفر عن مقتل وإصابة عدد من المدنيين وتدمير المتاجر ومرافق خدمية في السوق، الذي يُعتبر المنفذ التجاري الوحيد الذي يعمل جزئيًا في المدينة.
إعلانوفي هذا السياق، قال سليمان أرباب، أحد سكان حي أبو شوك، للجزيرة نت: "لقيت امرأة في العشرينيات من عمرها مصرعها جراء القصف على الحي، وأصيب 3 آخرون".
وأضاف: "دمرت القذائف عددا من المنازل وألحقت أضرارا بالغة بالمحال التجارية في سوق أبو شوك. الناس كانوا يبحثون عن الغذاء وعلف الحيوانات أو الماء، فوجدوا الموت يتساقط من السماء".
نداء استغاثة
وتعيش مدينة الفاشر منذ أبريل/نيسان الماضي تحت حصار خانق فرضته قوات الدعم السريع، مما أدى إلى انهيار تام في الخدمات الصحية والغذائية.
ويعاني السكان من انعدام مصادر الغذاء، حيث يضطر الكثيرون للاعتماد على علف الحيوانات المعروف محليًا بـ"الأمباز".
وخلال هذا الوضع الصعب، نقلت الجزيرة نت عن المواطنة فاطمة مكي، المقيمة في حي الرديف، قولها: "نُطعم أطفالنا الأمباز كما لو أنه طعام بشري… لا دواء، لا غذاء، وحتى المياه. نحن نموت جوعا أو تحت القذائف، ولا أحد يسمعنا. وأضافت: "حياتنا تحولت إلى جحيم، ويومنا يمر دون أي أمل. نناشد المجتمع الدولي أن يمد لنا يد العون قبل فوات الأوان".
مستقبل غامضويرى محللون أن نجاح القوات المسلحة في صدّ الهجوم يعكس تحولا تكتيكيا في مسار المواجهة داخل مدينة الفاشر.
ويؤكد هؤلاء أن التعاون بين الجيش والقوات المشتركة والمقاومة الشعبية والمواطنين قد يكون مقدمة لإعادة رسم خارطة السيطرة وبناء جبهة سياسية موحدة، إذا ما استُثمر هذا النجاح ميدانيا بشكل فعّال.
ومع ذلك، يحذر بعض الناشطين المحليين من أن الانتصار العسكري وحده لن يكون كافيا لكسر الحصار عن المدينة أو إنهاء معاناة المدنيين، ما لم يُترجم إلى زحف عسكري عاجل من شمال البلاد إلى دارفور.