مصادر لـصوت أميركا: حزب الله يواجه الضغوط بالمخدرات
تاريخ النشر: 23rd, October 2024 GMT
أفادت تقرير لإذاعة "صوت أميركا" نقلا عن مصادر بأن حزب الله "يسرع" جهوده لتهريب المخدرات في أوروبا بسبب الصعوبات المالية التي يواجهها جراء الضربات الإسرائيلية المتتالية التي تستهدف قواعده في جنوب لبنان.
ودخل حزب الله في أزمة مالية منذ صعدت إسرائيل هجماتها على قادة الجماعة والبنية التحتية في لبنان، منذ أواخر سبتمبر.
وأدت الهجمات إلى تعطيل 3 من مصادره الرئيسية للتمويل النقدي، وهي مؤسسة القرض الحسن، والبنوك التجارية المفلسة، والطائرات التي تحمل النقد إلى مطار بيروت.
وقال مسؤولون أميركيون سابقون، تحدثوا حصريا مع "صوت أميركا"، إنهم عرفوا من مصادرهم في أوروبا أن التنظيم سرع من جهود بيع المخدرات في أوروبا هذا الشهر.
وقال مسؤولو إنفاذ قانون دوليون للإذاعة إن الجماعة، التي تصنفها الولايات المتحدة إرهابية، تواجه بعض التحديات في عمليات تهريب المخدرات في أوروبا.
وكانت خدمة أبحاث الكونغرس الأميركي قالت في تقرير سابق إن التنظيم يدير شبكة مالية إجرامية عالمية ولديه مراكز في أفريقيا وأميركا اللاتينية.
وجاء في تقرير صدر عام 2022 عن وكالة الاتحاد الأوروبي للتعاون في مجال إنفاذ القانون "يوروبول" أن حزب الله جعل الاتحاد الأوروبي "قاعدة لجمع الأموال والتجنيد والأنشطة الإجرامية ويحصل منها على أرباح كبيرة".
وأضاف تقرير "يوروبول" أن حزب الله بنى "شبكة من المتعاونين" في الاتحاد الأوروبي "لتوزيع المخدرات وإدارة عمليات غسل أموال احترافية".
وقال ديفيد آشر، المسؤول السابق في وزارة الدفاع ووزارة الخارجية الأميركية الذي استهدف شبكات حزب الله العالمية للاتجار بالمخدرات وغسل الأموال، في مقابلة أجريت معه في التاسع من أكتوبر: "لقد تحدثت إلى العديد من المهربين في أوروبا الذين تم القبض عليهم في الماضي وتجنيدهم كمصادر معلومات لإنفاذ القانون وعادوا الآن إلى الشوارع".
وقال آشر: "أخبروني أنهم يتم الاتصال بهم لترتيب عمليات تهريب المخدرات نيابة عن جهات تابعة لحزب الله في أسرع وقت ممكن... هذا لا يعني أن هناك بالفعل تزايدا للمخدرات في الشوارع، لكنني أتوقع ذلك لأن أموال حزب الله معرضة للخطر في لبنان، وهم بحاجة إلى جمع المزيد من خلال وسائل غير مشروعة".
وقال توماس سيندريك، وهو عميل خاص متقاعد من إدارة مكافحة المخدرات التابعة لوزارة العدل الأميركية، خدم في الإدارة بين عامي 1996 و2018، إن الأشخاص المرتبطين بتجارة المخدرات أبلغوه أيضا عن ارتفاع في نشاط الاتجار بالمخدرات المرتبط بحزب الله في أوروبا في الأيام الـ10 الماضية.
وقال مسؤول إنفاذ القانون الدولي، الذي تحدث مع "صوت أميركا" يوم الجمعة وطلب عدم الكشف عن هويته لمناقشة قضية حساسة، إن جماعات الجريمة المنظمة المرتبطة بحزب الله "ستحاول بلا شك زيادة نشاطها" لأن حزب الله تحت ضغط مالي.
وأضاف سيندريك: "عندما تتعرض للضرب بالطريقة التي يتعرض بها حزب الله للضرب الآن من قبل الإسرائيليين، فإن الطريقة الوحيدة التي يمكنك من خلالها كسب المال بشكل كبير وسريع هي المخدرات".
وتواصلت "صوت أميركا" مع وزارتي العدل والأمن الداخلي الأميركيتين، الأسبوع الماضي، للحصول على تعليق لكنها لم تتلق أي رد.
وفرضت إدارة بايدن مجموعة من العقوبات على الأفراد والمنظمات التابعة لحزب الله ضمن الجهود الرامية إلى عرقلة أنشطته الدولية غير المشروعة التي تدر عائدات مالية له.
وقال هانز جاكوب شندلر، مدير "مشروع مكافحة التطرف"، وهي منظمة سياسية أميركية ألمانية غير ربحية إن بيع المخدرات في أوروبا وسيلة سريعة لحزب الله لجمع الأموال بسبب زيادة الطلب والعرض هناك.
وقال شندلر "إن أوروبا أكبر مستهلك للكوكايين في العالم، أكبر من الولايات المتحدة، لذا فإن الطلب موجود".
وفيما يتعلق بالعرض، قال شندلر إن حزب الله أقام علاقات مع عصابات المخدرات في أميركا الجنوبية التي تهريب المخدرات إلى غرب أفريقيا ثم إلى الساحل الجنوبي لأوروبا.
وقال شندلر: "على عكس الاتجار بالمخدرات، فإن مشاريع حزب الله الأخرى لكسب المال ليست سهلة الاستفادة منها بسرعة".
وقال إن الشركات المرتبطة بحزب الله التي تعمل في أنشطة تجارية لن تتمكن على الأرجح من مضاعفة أرباحها في غضون أيام".
وقال كوينتين موغ، ضابط الشرطة الفرنسي في اليوروبول، مؤلف الكتاب الفرنسي "أرجنت سيل" (الأموال القذرة) إن خطة حزب الله لتسريع تهريب المخدرات في أوروبا تبدو منطقية.
وقال موغ: "أعلم من حالات سابقة أن المجرمين اللبنانيين أو من أصل لبناني في أوروبا الذين ينتمون إلى حزب الله كانوا يغسلون عائدات مبيعات المخدرات غير المشروعة ويحولون بعض الأرباح إلى حزب الله".
وقال: "لذلك، نعلم أن حزب الله كان يستفيد من غسيل الأموال هذا بطريقة منظمة".
وقال مسؤول إنفاذ القانون الدولي الذي تحدث إلى "صوت أميركا" إن أحد التحديات التي يواجهها حزب الله هو المنافسة من جماعات الجريمة المنظمة الأخرى النشطة في قارة أوروبا. وأضاف المسؤول: "المنافسة شديدة هناك، لذلك قد لا ينجح حزب الله".
وقال موغ إن حزب الله وشركاءه سيواجهون أيضا عمليات مراقبة صارمة من جانب اليوروبول، التي تستهدف الاتصالات المشفرة للكشف عن هويات كبار المهربين.
وأضاف: "لقد زادت عمليات ضبط تهريب المخدرات بشكل كبير في السنوات القليلة الماضية".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: المخدرات فی أوروبا تهریب المخدرات إنفاذ القانون أن حزب الله لحزب الله
إقرأ أيضاً:
عربُ الجاهليَّة ومِلَّةُ إبراهيم
الفرعون أمنحوتب الرابع، المُتوفى عام 1336 أو 1334 ق.م، تخلَّى عن تعدد الآلهة المصرية القديمة بعد أن نظر في النجوم ورأى رأيه، وعبدَ آتون "إله الشمس" أو توحّد معه وسُمي إخناتون، أي "روح آتون"، ودعا إلى عبادة "آتون" وقيل عنه إنه أول المُوحدين.. وكونه أول الموحدين يجافي الحقيقة لأن أول الموحدين وفق منهج اتبعه أمنحوتب الرابع هو إبراهيم الخليل بن آزر المولود في أور الكلدانيين عام 1900 أو عام 1850 ق.م.. فإبراهيم هو الذي تنكر لعبادة الأصنام التي كان يعبدها قومه وحطمها بفأسه، بعد أن نظر في النجوم ورأى القمر والشمس يغيبان فرفض عبادتها، ومال إلى الإيمان بخالقها ومدبرها أبديّ الوجود الذي لا يَأْفُل، وأسلم أمره له، وهجر أورَ الكلدانيين بعد أن نجَّاه اللهُ من نار أقامَها قومُه لإحراقه لأنه تنكر لآلهتهم وحطَّمها. وترك إبراهيمُ والدَه آزر وأهله، وقصد الجزيرة العربية، وجاء إلى" بكة“، مكة، وأقام فيها، وتزوج هاجَرَ وهي من قبيلة جُرْهُم اليمانية.
وكان زمن إبراهيم قبل موسى بن عمران بمئات سنين، حيث يُشار إلى أن زمنه كان في القرن الرابع قبل الميلاد نحو 1350 ق. م. وقبل عيسى المسيح الذي يبدأ بميلاده التاريخ الميلادي بنحو 1850 عام. ونذكِّر هنا بالآية في القرآن الكريم: ﴿ مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَـٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿٦٧﴾ - سورة آل عمران.
وقد أنجب ابرهيم من هاجر في مكة ابنه البِكر إسماعيل الذي أقام معه البيت الحرام للناس كافة. وقد ترك إسماعيلَ في مكة وذهب مع امرأته سارة إلى مدينة الخليل بفلسطين، وهناك توفاه الله ودُفِنَ في مغارة ”المِكْفيلَة“ التي تقع الآن تحت الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل. فإبراهيم هو الموحد الأول، أول المؤمنين بإله واحد، الذي تَحَنَّف، أي ابتعد عن دين قومه، واختار التوحيد. وهو أول الحُنفاء، وأبو العرب الذين ينتسبون إليه ولابنه البِكر إسماعيل عليهما السلام.
وقد بقي إيمان إبراهيم بالله يقيناً أو شبه يقين في خلفية التفكير والاعتقاد لدى العرب في الجاهلية، رُغمَ الزَّيغِ الذي أصابهم وشكل قِشْرَتهم الاعتقادية حين اتخذوا أصناماً وأوثاناً جلبها إليهم وزرعها في بيئتهم عمرو بن لُحَيٍّ بن قَمَعَة بن إلياس الخُزاعيّ، وقد حملها عمرو من بلاد الشام في القرن الثالث الميلادي، وكانت الشام تحت حكم الروم، ويأخذ كثير من أهلها بالوثنية. وقد تشرَّبَ عمرو الإعجاب بتلك الوثنية في ”مؤآب" وما بعدها من بلاد الشام، حيث رآى أهلها يعبدون الأصنام، فسأل عنها وأعجب بها، وحمل الصّنم هُبَل وأدخله إلى مكة.
وكان عمرُو نافذاً في قبيلته خزاعة وسيداً من سادتها، بعد أن سيطرت على مكة ونفَت جُرْهُم منها، وعظُم شأنُها في مكة وفي جزيرة العرب. وقد أصبح عمرو بن لُحيّ من سادتها، لمكانته في قومه وفي مكة فهو ممن يطعمون الناس في سنوات الشدة، وصاحب تجارة كبيرة، ومن الأغنياء المعدودين. وقد دعا الناس في مكة ومحيطها إلى عبادة هُبَل والأصنام والأوثان فأخذوا بما دعاهم إليه. "فلما جاء موسم الحج دفع أصناماً إلى القبائل فذهبت بها إلى مواطنها“.
وهكذا انتشرت عبادة الأصنام في جزيرة العرب حتى صار لكل قبيلة من القبائل صنمها "من الحجر أو المعدن" أو ”وثَن" من الخشب وحتى من التَّمر وغيره، تتخذه زُلْفَى إلى الله. فعمرو بن لُحي هو الذي حَرَف عرب الجاهلية عن دين أبيهم إبراهيم أو أزاغهم ذلك الزيغ، وقادهم إلى الشرك. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في" عمرو بن لُحَيٍّ الخزاعي" : "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قَصَبه ـ أمعاءه ـ في النار، فكان أوَّل من سيَّب السوائب و غير دين إبراهيم".
جاء نبي الله وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فحطم الشرك وأبطله بتحطيم الأصنام والأوثان في مكة، وطهَّر البيت العتيق الذي بناه إبراهيم وابنه إسماعيل من مظاهر الشرك تلك.. فعل مثلما فعل أبوه الروحي الموحد الأول إبراهيم الخليل حين حطّم الأصنام في أور الكلدانيين، وأعاد الناس إلى مِلَّة أبيهم إبراهيمولم يستطع شِرك ابن لُحَيٍّ أن يلغيَ "الله" من فطرة الناس، وبقيت فيهم ملَّة إبراهيم عميقة لكن تغَشَّاها ما تغَشَّاها. وكانت تظهر في التوجه إلى الله من خلال تعظيم البيت، والحج إليه، والطواف به، والوقوف بعرَفة ومُزدَلِفة، وإهداء البُدْن، وبقيت في أدعية قبائلهم.. فقد كانت قبيلة "نزار" تقول في إهْلالِها: "لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك، إلا شريكاً هو لك، تملكُه وما مَلَك"، وكانت قريش تُعلن قولها وحُجَجَها بوجه العرب فتقول: "نحن بنو إبراهيم وأهلُ الحَرَم، وولاةُ البيت، وقاطنو مكة، وليس لأحد من العرب مثل حقّنا ومنزلتنا".
أردت أن تكون هذه الإشارة مدخلاً إلى أن إبراهيم الخليل هو أول الموحدين، وإلى أن "مِلَّتِه" وتوحيده بقيا في الجاهليين، ولم يكن ما أدخله عمرو بن لُحَيّ من شرك بإدخاله الأصنام والأوثان إلى مكة، سوى قشرة وزُلفى، ولم يَجُب ما أدخله من أصنام وأوثان وجودَ الله والعود إليه و حنيفيةَ إبراهيم وملّتَه في المجتمع الجاهلي، وبقي وعي عميق لدى عرب الجاهلية بالوحدانية ملّة إبراهيم عليه السلام، وعلى رأسهم الأَحناف.
وما أَقْتَطِفُه وأُثبته هنا من واقعات وأقوال وأبيات شعر لشعراء عرب ذوي مكانة وتأثير في الجاهلية، يؤكد ذلك ويعزز وجهة النظر هذه، بسريان مِلَّةِ إبراهيم وتوحيده في السَّيالة الروحية الاجتماعية العربية العميقة، ووجود الاعتقاد بالله الواحد القادر المُقدِّر، الأول والآخر.
وفي هذا المجال نشير إلى أنه لا يمكن الأخذ برأي الأب لويس شيخو في كتابه ”شعراء النصرانية“ وبرأي من ذهب مذهبه وقال إن الشعراء الجاهليين الذين ذَكروا الله والتوحيد وغيره من مقومات الإيمان هم من النَّصارى أو أنهم تأثروا بالنصرانية، فذلك ادعاء لا سند له، وقد أسقطه باحثون كثر لانعدام دقته وانطلاقه من تجاهل يضعف الموضوعية في البحث أو ينقُضها، أو ينم عن تعصّب يُضل. فمعظم ما جاء في شعر شعراء الجاهلية، لا سيما في شعر الحكماء والحكمة، هو تعبيرٌ عما رسَخ في وجدان قومهم من ملة أبيهم إبراهيم الخليل، وقد عبروا عن ذلك بعفوية ومصداقية وإقناع. وقد نجد لدى الشعراء النصارى في العصر الجاهلي ذكراً للتوحيد، ولا نكاد نجد إشارات رموز النصرانية وطبيعة السيد المسيح ومريم العذراء، و"الآب والإبن وروح القدس"، ولا إلى صراعات نشأت بين مذاهب معروفة.. وكنا نجد ذكراً وإشارات إلى الأديرة والرهبان وغير ذلك من رموز مسيحية.
ـ 2 ـ
وأقدم فيما يلي، بين يدي هذا الرأي، بعض ما حدث، وما قاله وفعله مشهورون لهم مكانة ودور في المجتمع الجاهلي، ومقتطفات من شعر شعراء جاهليين كبار من أصحاب المعلقات وغيرهم في هذا الباب، اقتطفتها من المعلَّقات ومن غيرها، فيها ذكر لله، والقدَر المقدور، واليوم الآخر، والحساب. وفي ذلك دلالة على ما رسخ في الأنفس من وحدانية إبراهيم عليه السلام وملته، وعلى ما ذهبت إليه مِن رأي وإسْنادٌ له:
كره كل من: ورقة بن نوفل ـ عُبيد الله بن جحش ـ عثمان بن الحويرث ـ زيد بن عمرو بن نُفيل. عبادة قريش للأوثان وقالوا لسنا من ذلك على شيء وتعاهدوا على ما تنجو فيه. فثبت ورقة على النصرانية، وتنصر عبيد الله بن جحش في الحبشة بعد أن هاجر مع المهاجرين من المسلمين وصار يقول لهم: ”فقَّحْنا وصَأْصَأْتُم“، وتنصَّر عثمان بن الحويرث في الشام وقصد ملك الروم، وبحث زيد بن نفيل واستقصى وأعلن من بعد أنه على دين إبراهيم حنيفاً مسلماً وأخذ ينبه قريش ويكشفهم برأيه ودعوته في مكة عند الكعبة.
قال زيدُ بن عمرو بن نُفيل ـ توفي عام 605م رفض وأد البنات و افتدى الموؤدة:
إلى الله أهدي مِدْحتي وثنائيا وقولاً رصيناً لا يني الدَّرَ باقيا
إلى الملك الأعلى الذي ليس فوقه إلهٌ، ولا ربٌّ يكون مُدانيا
ألا أيها الإنسان إياك والردى فإنك لا تخفي من الله خافيا
وإياك لا تجعل مع الله غيرَه فإن سبيل الرُّشد أصبح باديا
رضيت بك اللّهُمَّ براً فلن أُرى. أدينُ إلاهاً غيرك اللهُ ثانيا
وقال:
ولكن أَعبد الرحمن ربي ليغفرَ ذنبيَ الربُّ الغفور
فتقوى الله ربكم احفظوها متى ما تحفظوها لا تبوروا
ترى الأبرارَ دارهم جِنانٌ وللكفار حاميةٌ سعيرُ
قال حارثة بن شَراحيل، أو ” شُرحبيل“، والد زيد، وكان قد افتقد زيداً قبل بعث الرسول صلى الله عليه وسلم:
بكيت على زيدٍ ولم أدرِ ما فعَل. أَحيٌّ فيرجى أم أتى دونه الأجل
فوالله ما أدري، وإني لسائلٌ أغالك بعدي السهل أم غالَك الجَبل
قال عبد المطلب حين غزا أَبرَهةُ مكةَ وهدَّد الكعبة:
لاهُمَّ إن المرء يمنَعُ رَحْلَه فامْنَعْ حِلالَك
وقال في استسقاء، ومحمد معه فتى، وقد تجمع أهلُ مكة حوله في الجبل: "اللهمَّ سادَّ الخَلَّة، وكاشف الكُرْبَة، أنت عالمٌ غيرُ معلَّم، ومسؤول غيرُ مُبَخَّل، وهذه عِبدَّاؤك، وإماؤك بِعَذَرات حرَمك، يشكون إليك سَنَتَهم، فاسْمَعَنْ إليهم، و امطِرَنْ علينا غَيثاً مَريعاً مُغدِقاً".
وقال نُفيل بن حبيب الذي بحث عنه الحبشُ ليدلهم على الطريق هرباً من مكة:
أين المفرُّ والإلهُ الطالبُ والأشرمُ المغلوبُ ليس الغالبُ
وقال امرؤ القيس بن حجر الكندي 130 ـ 80 ق. الهجرة ـ 496 ـ 544 م:
فَقالَت سَباكَ اللَهُ إِنَّكَ فاضِحي أَلَستَ تَرى السُمّارَ وَالناسَ أَحوالي
فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِداً وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَ أَوصالي
حَلَفْتُ لَها بِاللَهِ حِلْفَةَ فاجِرٍ لَناموا فَما إِن مِن حَديثٍ وَلا صَالِ
وقال:
فَقالَت يَمينَ اللَهِ ما لَكَ حيلَةٌ وَما إِن أَرى عَنكَ الغِوايَةَ تَنجَلي
وقال، وقد سأله عبيد بن الأبرص:
ما السودُ والبيضُ والأسماء واحدة لا يستطيع لهنَّ الناسُ تسَّاسا
فقال امرؤ القيس:
تلك السّحاب إذا الرَّحمن أرسلَها روى بها من مُحول الأرضِ أَيباسا
وسأله:
ما الحاكمون بلا سَمعٍ ولا بَصَرٍ ولا لسانٍ فصيحٍ يعجِبُ الناس
فقال:
تلك الموازين والرَّحمنُ أنزلَها ... ربُّ البريَّة بين الناس مقياسا
ولم يكن اليهود ولا النصارى يقولون بالرَّحمن. وقوله "ربُّ البريّة" واضح الدِّلالة على الوحدانية وانعدام الشريك.
وقال امرؤ القيس أيضاً وهو ينشُد ثأره لأبيه:
نحن جَلَبْنا القُرَّحَ القَوافلا ... تالله لا يذهب شيخي باطلا
ومر "بِبَالَةَ" وفيها للعرب صنم تعظمه يقال له ذو الخلصة. فاستقسم عنده بقِداحِه وهي ثلاثة: الآمر والناهي والمتربص. فأجالها فخرج الناهي ثم أجالها فخرج الناهي، ثم أجالها فخرج الناهي. فجمعها وكسرها وضرب بها وجه الصنم وقال: ويحك لو أبوك قتل ما عقتني. ثم خرج فظفر ببني أسد." فاسْتقسَامه بالأزلام نهج جاهلي معروف.
وقال:
حلّت لي الخمرُ وكنتُ امرءاً ... عن شربها في شغل شاغل
فاليوم أُسقَى غير مُستَحقِبٍ ... إثماً من الله ولا واغل
والخمر غير محرمة لدى النصارى.
وقال:
وَاللَهُ أَنجَحُ ما طَلَبتَ بِهِ وَالبِرُّ خَيرُ حَقيبَةِ الرَحلِ
وقال طَرَفةُ بن العبد " 86 ق.هـ.- 60 ق.هـ./ 539 – 564 م:
فَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ قَيسَ بنَ خالِدٍ وَلَو شاءَ رَبّي كُنتُ عَمروَ بنَ مَرثَدِ
فَأَصبَحتُ ذا مالٍ كَثيرٍ وَزارَني بَنونَ كِرامٌ سَادَةٌ لِمُسَوَّدِ
وقال عنترة بن شداد العبسي ؟ - 22 ق.هـ /. - ؟ _ 601 م
جَزى اللَهُ الأَغَرَّ جَزاءَ صِدقٍ إِذا ما أُوقِدَت نارُ الحُروبِ
وقال:
فَبِاللَهِ يا ريحَ الحِجازِ تَنَفَّسي عَلى كَبِدٍ حَرّى تَذوبُ مِنَ الوَجدِ
وقال:
أَلا قاتَلَ اللَهُ الهَوى كَم بِسَيفِهِ قَتيلُ غَرامٍ لا يُوَسَّدُ في اللَحْدِ
وقال:
إِلى اللهِ أَشكو جَوْرَ قَومي وَظُلمَهُم إِذا لَم أَجِد خِلّاً عَلى البُعدِ يَعْضُدُ
وقال زهير بن أبي سُلمى " ؟ - 13 ق. هـ/ ؟ - 609 م:
فَلا تَكْتُمُنَّ اللَهَ ما في نُفوسِكُم لِيَخْفَى، وَمَهما يُكْتَمِ اللَهُ يَعلَمِ
يُؤَخَّرْ فَيوضَعْ في كِتابٍ فَيُدَّخَر لِيَومِ الحِسابِ أَو يُعَجَّل فَيُنقَمِ
قال النابغة الذبياني 535 - 604 م وهو زياد بن معاوية بن ضباب الذبياني:
لَهُم شيمَةٌ لَم يُعطِها اللَهُ غَيرَهُم مِنَ الجودِ وَالأَحلامُ غَيرُ عَوازِبِ
مَحَلَّتُهُم ذاتُ الإِلَهِ وَدينُهُم قَويمٌ فَما يَرجونَ غَيرَ العَواقِبِ
وقال أمية بن عبد الله بن أبي الصلت الثقفي ؟ ـ توفي 5 هـ = ؟ ـ 626 م واسم أبي الصلت ربيعة بن وَهْب بن عِلاج، ولم يدخل الإسلام:
الحَمدُ للَّهِ مَمسَانا وَمَصبَحَنا بِالخَيرِ صَبَّحنا رَبي وَمَسَّانا
رَبُّ الحَنيفَةِ لَم تَنفَدْ خَزائِنُها مَملؤَةٌ طَبَّقُ الآَفاقَ سُلطانا
أَلا نَبِيَّ لَنا مِنّا فَيُخبِرُنا ما بُعدَ غايَتِنا مِن رأَسِ مَجرانا
يا رَبِّ لا تَجعَلَنِّي كافِراً أَبداً واَجعَل سَريرَةَ قَلبي الدَهرَ إِيماناً
كُلُ اِمريءٍ سَوفَ يُجزى قَرضَهُ حَسَناً أَو سَيئاً وَمَديناً كَالَّذي دانا
وقال أبو ذُؤيب الهذلي 591 - 648 م، وهو خويلد بن خالد بن مُحرّث الهذلي:
وقاسَمَها بالله جَهْداً لأنتمُ ألذُّ مِن السَّلْوى إذا ما نَشُورُها
قال عبد الله ابن الزِّبَعْرى بن قيس السَّهمي توفي 636 م، في غزو أَبْرهة لمَكَّة فيما يُعرَف بـ " غزوة الفيل"، وأراد أبرهةُ تدمير الكعبة، بيت إبراهيم الذي أقامه مع ولده إسماعيل ليكون لله يؤمُّه المؤمنون، قال ابن الزِّبَعْرَى:
كانتْ بها عادٌ وجُرْهُمُ قبلَهم والله من فوق العبادِ يُقيمُها
ولم يقل " اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى، يُقيمُها، ولا هُبَل ولا.. ولا.. لأنه كان في عمق كل عربي أن الأصنام والأوثان التي أحضرها " عَمرو بن لُحيّ من بلاد الشام حيث كان الروم يحكمون و يفرضون آلهتهم، و" عبدها؟!" عرب شبه الجزيرة العربية.. إنما كانوا يتخذونها زُلفى يتقربون بها إلى الله. وهذا موجود في شعرهم الجاهلي.
وقال لبيد بن ربيعة ؟ - 41 هـ /–؟ـ 661 م وهو لم يقل سوى بيت شعر واحد بعد أن أسلم:
وَأَنَّكَ ما يُعطِيكَهُ اللَهُ تَلْقَهُ كِفاحاً وَتَجلُبُهُ إِلَيكَ الجَوالِبُ
فَيا عَجَباً كَيفَ يُعصى الإِلَهُ أَم كَيفَ يَجحَدُهُ الجاحِدُ
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ
وقال:
وَلِلهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ وَتَسكينَةٍ أَبَداً شاهِدُ
وقال أيضاً:
حَمِدتُ اللَهَ وَاللَهُ الحَميدُ وَلِلهِ المُؤَثَّلُ وَالعَديدُ
فَإِنَّ اللَهَ نافِلَةٌ تُقاهُ وَلا يَقتالُها إِلّا سَعيدُ
وهذا الذي أشرنا إليه يُعزز، بل يؤكد، أن عرب الجاهلية لم يغيبوا الله وقدرته ومرجعيته، وأن ما اتخذوه من الأصنام والأوثان لم يكن سوى زُلفى يتقربون بها إلى الله، رب أبيهم إبراهيم الحنيف الذي رسخت ملَّتُه فيهم فطرة، وأعادهم إليها الإسلام ﴿.. مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ.. ﴾ سورة الحج ٧٨. لقد زاغوا بعض الزيغ عن عقيدة أبيهم جهلاً منهم واتباعاً لسادة وزعماء لهم وقعوا تحت تأثير آخرين أقوياء ذوي سلطة وعمران يتخذون من الميثولوجيا والأساطير أرباباً يجسّدونها في تماثيل، فأعجبوا بهم وقلدوهم، فجلبوا أصناماً وأوثاناً من لدنهم وعبدوها ويتقربون بها إلى الله في أعماقهم، فهي " زلفى“، ولم تكن سوى قشرة تَسْمُك أو تخف وتقسو عند العض منهم ويتعصبون لها، لكن توحيد إبراهيم خليل الرحمن و الحنيفية ملته لم تُجَب، وبقيت تسري في أجيالهم فطرة، وبقي يقاربُها ويحملُها ويقول بها مدركون مفكرون ومدبرون وشعراء حكماء منهم، يرفضون الشرك، وتشير فطرتهم وأفكارهم ورؤاهم إلى الله وإلى مرجعية الأمر والحكم إليه، يذكرونه في المُلِمات ويسيل حكمة عند شعراء، ولكنه لا يذكرون اللات والعُزى ومَناة الثالثة الأخرى، ولا هُبَلَ وذا الخَلَصة وغيرَه وغيرَه في المفاصل الحيوية للتفكير والتدبير والتدبُّر. وكان من بين أولئك أحناف يدعون إلى ملة إبراهيم عند الكعبة وينهون عن سواها. وقد جاء في القرآن الكريم حكمٌ واضحٌ ودحضٌ جلي قوي قاطع للشرك ولما عبده المشركون من أصنام وأوثان. ﴿أَلَا لِلَّـهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّـهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّـهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ ﴿٣﴾ - سورة الزُّمَر.
وجاء نبي الله وخاتم الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم، فحطم الشرك وأبطله بتحطيم الأصنام والأوثان في مكة، وطهَّر البيت العتيق الذي بناه إبراهيم وابنه إسماعيل من مظاهر الشرك تلك.. فعل مثلما فعل أبوه الروحي الموحد الأول إبراهيم الخليل حين حطّم الأصنام في أور الكلدانيين، وأعاد الناس إلى مِلَّة أبيهم إبراهيم: (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ ۗ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (95﴾ - سورة آل عمران.
﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ۚ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ۚ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ ۚ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ وَفِي هَٰذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ۚ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ ۖ فَنِعْمَ الْمَوْلَىٰ وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾
والله سبحانه وتعالى مِن وراء القصد.