السودان وفيتو الحرب الروسي
تاريخ النشر: 26th, November 2024 GMT
السودان وفيتو الحرب الروسي
ناصر السيد النور
ما جرى في تصويت مجلس الأمن الدولي يوم الاثنين الثامن عشر من الشهر الجاري الأسبوع الماضي بشأن مشروع القرار الذي تقدمت المملكة المتحدة وسيراليون لوقف الحرب والسماح بدخول المساعدات الإنسانية الذي أبطله تصويت روسيا بحق باستخدام حق النقض “الفيتو” شكل صدمة على الصعيد الدولي الدبلوماسي.
إن آلية تصويت حق النقض “الفيتو” التي تحتكرها الدول الخمس دائمة العضوية ضد مشروعات القرارات بشأن دول تتقاطع فيه مصالحها الاستراتيجية أو الايدولوجية؛ وتعد الولايات المتحدة من أكثر الدول استخداماً له خاصة فيما يتعلق بالممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية كما حدث مؤخراً في وجه مشروع وقف إطلاق النار للمرة الرابع منذ اندلاع المواجهات بين إسرائيل وحماس في السابع أكتوبر/تشرين من العام الماضي. وهذه الأداة المحتكرة من قبل منظومة الدول المهيمنة على النظام العالمي يعكس الظروف الدولية في فترة الحرب الباردة التي انتهت ولم تنته آلياتها في المنظمة الدولية. فحق الفيتو المستخدم من جانب الأعضاء الدائمين يضمن لهم بأن المجلس لن يعمل بشكل يتعارض ومصالحهم الوطنية، والأمر الآخر في اعتماده على المانحين الأساسين وهو ما يعني عملياً الولايات المتحدة وأوروبا واليابان في الأموال والقوات والمساعدات الفنية مما يجعل من قراراته محسوبة لا تحفظ السلم الدولي الذي يجب فرضه على ما ترى نظريات اصلاح بنيته الهيكلية.
هذا الاعتراض الروسي على مشروع القرار أربك مسار الأزمة السودانية بطبيعتها الإنسانية الفادحة على صعيد المعالجات الدولية، وسيزيد من معاناة ضحاياها أي يكن التفسير الذي دفع به مندوب روسيا. فالحكومة السودانية لا يمكن أن تكون وهي طرفاً في صراع دامٍ أن تترك لحالها لمعالجة الموقف المتأزم على أكثر من صعيد وخاصة الجانب الإنساني منها. ولو أن الأمر تعلق بالسيادة الوطنية التي لم تعد تبرر انتهاكات الحكومات بحق شعوبها وفقاً للقانون الدولي الإنساني. ثم ماذا بعد أن فشل مشروع القرار الخاص بوقف إطلاق النار وحماية المدنية وما اشتمل عليه من آليات تشمل أطرافاً عدة ويضمن ما توصل إليه طرفا الصراع في مفاوضات جدة المنبر الوحيد الذي اكتسب شرعية دولية وحظي بقبول كل الأطراف؟ وهل تكون مسارات حلول الازمة السودانية على المستوى التداول الدبلوماسي الدولي قد تراجعت مما يعني عمليا استمرار الوضع في الداخل على ما هو عليه وربما قوى من موقف الحكومة بقيادة الفريق البرهان سعيا للحل العسكري وهو ما حملته تصريحات عقب نتيجة التصويت على القرار وإلا رجوع للتفاوض ولا وقف لإطلاق النار.
ومن جانب الدعم السريع الذي كان مشروع القرار يدين استمرار اعتداءات قواتها في الفاشر ويطالبها بالوقف الفوري لجميع هجماتها ضد المدنيين في دارفور وولايتي الجزيرة وسنار وأماكن أخرى كما نص مشروع القرار.، ولكن كما يبدو ان الاعتراض الروسي على مشروع القرار الذي وصمته بالملغوم قد جنب الطرفين ادانات صريحة. وذهبت قوات الدعم السريع إلى الدفع بتصريحات مثيرة من إقامة حكومة موازية في المناطق التي تسيطر عليها كما جاء على لسان رئيس وفد مفاوضاتها العميد عمر حمدان وهو ما يفهم منه فرض واقع يعصب التعامل معه حتى عسكريا قياسا على نتائج الحرب المستمرة منذ عام ونصف فقد سيطرت قوات الدعم على مساحات واسعة تمتد من اقصى الغرب إلى الوسط بما فيها عاصمة البلاد الخرطوم. وليس من المؤكد أن ينفذ أي من الطرفين خططه في ظل التداعي الذي تشهده البلاد على أكثر من صعيد عسكري وإنساني.
ويعكس هذا الموقف الروسي كما ذهب كثيرون الحالة الروسية وطبيعية السياسة الخارجية التي تنتهجها روسيا في موازاة الموقف الدولي الغربي من حربها ضد أوكرانيا التي تورطت فيها منذ أكثر من عامين. وما واجهته من عقوبات وحصار دولي وصدور مذكرة اعتقال بحق زعيمها فلاديمير بوتين جراء ذلك. ومع تطور المواجهات بين الغرب وروسيا مؤخراً في اعقاب التعزيزات الغربية لأوكرانيا قد تجعل روسيا تضرب في كل الاتجاهات لمناوئة النفوذ الأوربي الأميركي بداء من موائد الدبلوماسية في حق الفيتو العامل الوحيد الذي تبقى لها في الساحة الدولية الشرعية إلى تغيير عقيدتها النووية مما يزيد من احتمالات المواجهة النووية على الصعيد الدولي.
إن تصويت روسيا ضد مشروع القرار لم يكن حفاظا على سيادة السودان في ظل أزمته الإنسانية وعدم التدخل في شؤونه كما تبرر التصريحات الروسية. فالبلد النووي لديه طموحاته الاستراتيجية التي تتعدى حدوده، وقد يسمح هذا الموقف لروسيا في المقابل بالحصول على قاعدة عسكرية بحرية على ساحل البحر الأحمر خاصة وأن الحكومة السودانية كما جاء في تصريح وزير خارجيتها لا تمانع في منحها هذا الامتياز الاستراتيجي وحقق بالتالي حلمها التقليدي في الوصول إلى البحار الدافئة. وقد قرب الصراع في سوريا مؤخرا روسيا من المنطقة وشواطئها واصحبت بالتالي لاعباً رئيسياً في المجال الحيوي للمنطقة بما يخدم تواجدها الاستراتيجي وفق تصوراتها وهي الدولة التي ورثت قوة الاتحاد السوفيتي العسكرية والنووية إلا أنها لا زالت تحتفظ بعقيدتها التوسعية ولعب دور مفقود في مواجهة حلف الناتو الغربي والإبقاء على علاقاتها التاريخية مع ما تبقى من منظومة دول العالم العربي بنسختها الاشتراكية التاريخية.
وانعكاسات فشل مشروع القرار في الداخل السوداني فمن الطبيعي أن تكون تداعياته تصب في مصلحة الحكومة القائمة بما فسرته من أن الموقف الروسي جنبها فحوى ادانات مشروع القرار بما يعني تدخل قوات أممية تبقى على الموقف القائمة بل ذهب أخرون إلى أن مشروع القرار كان يسعى إلى تقسيم السودان إلى دويلات. ومهما تكن وجاهة التبريرات التي تسوقها الأطراف السياسية وخاصة تلك المحسوبة على الحكومة السودانية في تحالفاتها الجديدة مع مليشيات وجماعة عسكرية دعماً لموقفها في الحرب، فإن حجم الكارثة الإنسانية لا يعني أن المجتمع الدولي قد تغاضى كلية عن الحل في إطار آلية دولية. ويعاني طرفا الصراع من محدودية علاقات على المستوى الدولي ومنظماته الأممية إلا حدود الداعمين لهما على المستوى الإقليمي بما يضمن تدفق الدعم اللوجستي لمواصلة الحرب دون أن يتمكن المجتمع الدولي من فرض نافذ لقرارات تواجه الأزمة في أبعادها الإقليمية.
إن تطور الأزمة السودانية بنتائجها المأساوية المستمرة على خلفية فشل مشروع القرار وما نتج عنها من مواقف متصلبة عبرت عنها تصريحات طرفا الصراع قد يعقد من خياراتها في الحلول. ولكن الثمن المنتظر للموقف الروسي ستكون له تعقيداته بما يعني تمددا للأزمة نحو صراع محاور دولية وإقليمية ويكون السودان من الناحية الجيوبوليتيكية قد أصبح جزء من صراع مناورات الاستراتيجيات. وبدلا من أن تكون الأزمة السودانية بأوضاعها المزرية ذات ضرورة قصوى للحل الدولي أصبحت أزمة صراع دولي وإقليمي له أبعاده القارية بما يضع السودان وأزماته أمام أوضاع غير مسبوقة يصعب التنبؤ بمآلاتها في ظل أوضاع عالمية تحتد وتيرة المواجهة بين أطرافها.
الوسومالفيتو روسيا مجلس الأمن ناصر السيد النور
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: الفيتو روسيا مجلس الأمن
إقرأ أيضاً:
سادس أقوى زلزال بالتاريخ.. ما سر الضربة التي تلقتها روسيا اليوم؟
في فجر 30 يوليو/تموز 2025، ضرب زلزال بلغت قوته 8.8 درجات على المقياس ساحل شبه جزيرة كامتشاتكا في أقصى شرقي روسيا، ليصبح أحد أهم الأحداث الزلزالية في التاريخ الحديث.
ألحق الزلزال أضرارا بالمباني وأصاب عدة أشخاص في المنطقة الروسية النائية، وبسبب قوته، صدرت أوامر بإخلاء معظم الساحل الشرقي لليابان، الذي دمره زلزال بقوة 9 درجات على المقياس، مع وتسونامي في عام 2011.
ويوضع هذا الزلزال في الترتيب السادس بقائمة أشد الزلازل المسجلة قسوة إلى الآن، إلى جانب زلزال "بيو بيو"، الذي ضرب دولة تشيلي، قبالة شاطئ منطقة ماولي التشيلية على عمق 35 كيلومترا تحت سطح البحر، يوم السبت 27 فبراير/شباط 2010.
ويأتي ذلك بعد زلزال وتسونامي فالديفيا أو زلزال تشيلي العظيم، الذي حدث في 22 مايو/أيار 1960، وقد وضعته معظم الدراسات عند 9.4-9.6 على المقياس، ورتب على أنه أقوى زلزال تم تسجيله على الإطلاق، استمر 10 دقائق، وتراوحت أعداد ضحاياه بين ألف و6 آلاف شخص.
وقد صنف الزلزال الذي ضرب شبه جزيرة كامتشاتكا في روسيا اليوم على أنه "زلزال دفعي ضخم"، ويحدث هذا عند حدود الصفائح التكتونية المتقاربة، حيث تجبر إحدى الصفائح التكتونية على الانحشار تحت الأخرى.
ولفهم الفكرة تخيل أن الأرض بحجم التفاحة، في هذه الحالة ستكون القشرة الأرضية بحجم قشرة التفاحة الرقيقة، لكن هناك اختلاف، فقشرة الأرض مقسمة إلى "صفائح تكتونية" متداخلة كما تتداخل قطع الأحجيات الورقية التي يطلب منك تجميعها للحصول على صورة جميلة.
الصفائح التكتونية هي قطع ضخمة من صخور القشرة الأرضية تطفو فوق طبقة منصهرة جزئيا تُسمى "الوشاح".
وتتحرك هذه الصفائح ببطء بسبب تيارات حرارية في باطن الأرض، وقد تصطدم أو تبتعد أو تنزلق بجانب بعضها، وتسبب حركتها الزلازل والبراكين وتُشكّل الجبال والمحيطات على مدى ملايين السنين.
في هذه الحالة، وقع الزلزال على طول خندق كوريل-كامتشاتكا، وهو عبارة عن منخفض عميق وضيق تحت سطح البحر يقع في شمال غرب المحيط الهادي، وقد نشأ عبر ملايين السنين نتيجة تقارب صفيحتين تكتونيتن: صفيحة المحيط الهادي وصفيحة أوخوتسك، بعمق 10 آلاف و542 مترا.
إعلانفي هذه المنطقة، تغوص صفيحة المحيط الهادئ تحت صفيحة أوخوتسك، وتُنتج الطاقة المنبعثة من هذه التحولات التكتونية موجات زلزالية قوية، مما يجعل هذه النوعية الزلازل من أقوى الزلازل المسجلة عالميًا.
يحدث الانزلاق بشكل تدريجي على مدار ملايين السنين، حيث تتراكم الضغوط عند حافة الصفائح، وعندما تصبح هذه الضغوط غير قابلة للتحمل، يحدث تحرر مفاجئ للطاقة في شكل زلزال.
بمجرد أن تتحرر الطاقة المخزنة في الصخور الملتوية، تحدث اهتزازات قوية جدا، تنتقل عبر الطبقات الجيولوجية على شكل موجات زلزالية، مما يؤدي إلى تدمير في المناطق المتأثرة.
وتختلف هذه النوعية عن الزلازل المعتادة، التي تحدث عادة بسبب حركات جانبية بين الصفائح التكتونية مثل الانزلاق الأفقي أو العمودي، وليس انحشار صفيحة تكتونية تحت الأخرى.
في الواقع، شهدت المنطقة نفسها من قبل الزلزال الواقع في الترتيب الخامس بقائمة أقوى زلزال على الإطلاق، وهو زلزال كامتشاتكا 1952 بقوة 9 درجات على المقياس، حيث انزلقت صفيحة محيطية (المحيط الهادي) تحت صفيحة أوخوتسك، على امتداد خندق كوريل-كامتشاتكا.
تسونامي متوسط وزلازل تابعةتسبب هذا الزلزال في تسونامي ضخم اجتاح سواحل روسيا، ووصل تأثير التسونامي إلى هاواي وسبب أضرارًا هناك، كما تم تسجيل موجات على شواطئ ألاسكا وتشيلي.
حينما انزلقت صفيحة المحيط الهادي تحت صفيحة أوخوتسك، فإن هذا النوع من الحركة لا يكون أفقيا فقط، بل يتضمن رفعا مفاجئا لقاع البحر خلال ثوانٍ قليلة، بالضبط كما تضع يديك داخل الماء ثم تحركهما للأعلى، فتلاحظ ظهور موجة أعلى سطح الماء.
في حالة المحيط، فهذا الارتفاع يزيح مليارات الأطنان من الماء للأعلى، مسببًا موجات ضخمة تنتشر بسرعة في كل الاتجاهات.
ونظرا لشدة الزلزال الروسي البالغة 8.8 درجات، فقد حدث تسونامي كبير على طول مناطق الاندساس، أثرت على شبه جزيرة كامتشاتكا، ودفعت إلى إصدار تحذيرات بالإخلاء في جميع أنحاء المحيط الهادي، بما في ذلك اليابان وهاواي وألاسكا.
وقد بلغ ارتفاع موجات تسونامي المرصودة حوالي 4 أمتار، ورغم أن هذه الموجات ليست بحجم بعض موجات تسونامي التي شهدناها في التاريخ، فإنها لا تزال قادرة على التسبب في أضرار جسيمة على طول المناطق الساحلية.
ويظل احتمال وقوع المزيد من موجات تسونامي قائما، رغم أنها ستكون على الأرجح أصغر من الموجات الأولية، وقد تتضاءل شدتها مع انتشارها عبر المحيط الهادي، وتواصل السلطات في المناطق المعرضة لتسونامي مراقبة مستويات سطح البحر وإصدار التحذيرات.
ومن العواقب الشائعة الأخرى للزلازل ذات الدفع الهائل حدوث الهزات الارتدادية، وهي زلازل أصغر حجما تتبع الحدث الزلزالي الرئيسي، حيث تتكيف قشرة الأرض مع التحولات الناجمة عن الزلزال الأولي، وتعد الهزات الارتدادية شائعة في المناطق المتضررة من الزلازل الكبيرة، ويمكن أن تستمر لأيام أو أسابيع أو حتى أشهر.
في حالة زلزال اليوم، تم تسجيل عدة هزات ارتدادية بالفعل، بقوة تصل إلى 6.9 درجات، ورغم أن هذه الهزات الارتدادية أقل شدة من الزلزال الرئيسي، فإنها قد تكون قوية بما يكفي لإحداث المزيد من الأضرار، لا سيما في المباني والبنية التحتية التي أضعفها الزلزال الأولي.
إعلان