هكذا غيّر سقوط النظام السوري مستقبل الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 13th, December 2024 GMT
نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، مقالا، لنائبة رئيس معهد السلام الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، منى يعقوبيان، قالت فيه إنّ: "انهيار نظام بشار الأسد لا يقلب عقودا من حكم عائلة الأسد في سوريا فحسب، بل إنه يعد بإعادة تنظيم القوة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط".
وبحسب المقال الذي ترجمته "عربي21" فإنّه: "لا يزال الوضع على الأرض غير مؤكد إلى حد كبير، وخاصة فيما يتصل بتساؤلات حول ما إذا كان الثوار قادرين على إحكام سيطرتهم وكيف سيحكمون إذا فعلوا ذلك".
وتابع: "لكن مع ظهور واقع جديد في سوريا، فإن إعادة ترتيب ديناميكيات القوة الإقليمية بدأت بالفعل في التبلور، وهو ما يقلّل بشكل حاد من نفوذ إيران ويضع تركيا في موقف يسمح لها بالاضطلاع بدور حاسم في تشكيل مستقبل سوريا ما بعد الأسد".
وأبرز أنه: "خلال الحرب الأهلية السورية التي دامت قرابة 14 عاما، لم يكن هناك أقل من ستة جيوش أجنبية منخرطة في الصراع، وهو ما يؤكّد على المخاطر الجيوستراتيجية الكبرى التي كانت على المحك".
مردفا: "من بين هذه القوى، تبرز إيران لاستثمارها غير المقيد في دعم الأسد؛ إذ أفادت التقارير أنها أنفقت مليارات الدولارات لدعم النظام وحشدت عشرات الآلاف من مقاتلي الميليشيات بالوكالة".
"بالنسبة لطهران، كانت سوريا هي الطليعة في استراتيجيتها الدفاعية المتقدمة، وحماية مصالحها في المنطقة من خلال إبراز قوتها ونفوذها. ويؤدي سقوط الأسد إلى تقويض هذا النفوذ، ما يحرم طهران من حليف عربي رئيسي ويقطع الجسر البري إلى وكيلها اللبناني، حزب الله" أوضح المقال نفسه الذي ترجمته "عربي21".
وأشار إلى أنه: "من غير المرجح أن تتعافى إيران، التي اقتلعت من موقفها الاستراتيجي الذي دام عقودا من الزمان في سوريا، من هذه النكسة الكبيرة في المستقبل المنظور".
واسترسل: "على النقيض من ذلك، تستعد تركيا لرؤية نفوذها يتوسّع. إن علاقات أنقرة مع هيئة تحرير الشام -الجماعة المصنفة إرهابية- التي قادت الهجوم على النظام معقدة"، مبرزا: "لا تتعاون تركيا علنا مع هيئة تحرير الشام لكنها تحافظ على خطوط اتصال ونفوذ هادئة".
ووفق المقال ذاته، فإنه: "من المرجح أن تصبح البلاد قوة رئيسية لهيئة تحرير الشام. إن خروج الأسد من سوريا قد يكون بمثابة محور وجسر للتواصل مع المجتمع الدولي، نظرا للطبيعة المحظورة للمجموعة، الأمر الذي من شأنه أن يعمق نفوذها في سوريا، حيث تحتفظ بالفعل بمنطقة عازلة بحكم الأمر الواقع عبر جزء كبير من الشمال".
وأكد: "تقريبا أنها ستستخدم هذا الموقف الجديد لإبقاء القوة الكردية في سوريا تحت السيطرة، ومحاولة البدء في تسهيل عودة نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري، وهو مصدر للتوتر الداخلي المتزايد"، مردفا: "كما ستستفيد ممالك الخليج الغنية. إن سقوط الأسد، الذي ينحدر من الأقلية العلوية، يمثل استعادة القوة السنية في قلب الشرق الأوسط، وقد ينذر بأن تصبح سوريا حليفا خليجيا جديدا".
ومضى المقال بالقول إنّ: "لدى دول الخليج فرصة لاستخدام مواردها الكبيرة لتمويل إعادة إعمار سوريا والمساعدة في تشكيل مسار البلاد مع تعزيز رؤيتها للنمو الإقليمي والتكامل الاقتصادي. وعلى نحو مماثل، قد يفتح خروج الأسد الطريق لمعالجة التهديدات للأمن الإقليمي الناجمة عن التداعيات المزعزعة للاستقرار للصراع المتفاقم في سوريا، مثل الاتجار بالمخدرات والإرهاب وتهريب الأسلحة".
"من الممكن أيضا أن تسعى دول الخليج، التي تخشى التطرف الجهادي، لتهدئة العناصر الأكثر تطرفا داخل مجموعة هيئة تحرير الشام" تابع المقال، مضيفا أنه: "بالنسبة لإسرائيل، فإن الواقع الجديد في سوريا يشكل نعمة ونقمة في الوقت نفسه. ذلك أن تحييد التهديد الإيراني وحزب الله في سوريا ومنع قدرة إيران على إعادة تسليح حزب الله بسهولة في المستقبل يشكلان انتصارين مهمين بالنسبة لإسرائيل".
واستطرد: "لكن احتمالات اكتساب فرع سابق لتنظيم القاعدة للسلطة في دمشق مقلقة للغاية، على أقل تقدير، وسوف تسعى إسرائيل لحماية نفسها من امتداد هذه التهديدات إلى سوريا إذا ما خضعت لفترة من الفوضى المتزايدة".
وأبرز: "نظرا لإدراكها لهذه التهديدات المحتملة، قد بدأت إسرائيل بالفعل في اتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز أمنها: فقد نشرت قواتها في المنطقة العازلة منزوعة السلاح في مرتفعات الجولان، وتواصل شن ضربات ضد أهداف استراتيجية في سوريا، بما في ذلك ضد مجمع أمني ومركز أبحاث حكومي في دمشق، يوم الأحد".
أما بخصوص لبنان، أبرز المقال أنه: "سوف يشكل مسار انتقال السلطة بعد الأسد لحظة حاسمة، إما أن يحقق للبنان فوزا يحتاج إليه بشدة أو أن يغرق البلد المضطرب في أزمة أعمق. وإذا سارت عملية الانتقال في سوريا بسلاسة إلى حد ما، فإن التأثير الإيجابي على لبنان قد يكون كبيرا. إن الهدوء النسبي في سوريا من شأنه أن يسمح لأكثر من مليون لاجئ سوري يعيشون في لبنان بالعودة، مما يوفر للبلاد المساحة التي تشتد الحاجة إليها للتعافي وإعادة البناء في أعقاب صراعها الذي دام عاما مع إسرائيل".
"في نهاية المطاف، مع بدء إعادة الإعمار في سوريا، قد تصبح حتى مصدرا للوظائف وتعزيزا للاقتصاد اللبناني الفاشل. من ناحية أخرى، إذا كانت الجماعات المتمردة غير قادرة على تعزيز السيطرة وانحدارها بدلا من ذلك إلى الاقتتال الداخلي، فقد يشهد لبنان تدفقات جديدة من اللاجئين من شأنها أن تثير أزمة أعمق وحتى اندلاع العنف المدني على نطاق واسع" وفق المقال نفسه.
وتابع: "نظرا للأهمية الاستراتيجية لسوريا، فإن انهيار النظام له آثار على ديناميكيات القوة العالمية. فيما يظل موقف روسيا بعد الأسد في سوريا غير واضح -خاصة ما إذا كانت ستحتفظ بالسيطرة على قواعدها الجوية والبحرية المهمة استراتيجيا- فقد وجه انهيار عميل روسيا السوري ضربة كبيرة للنفوذ الروسي في الشرق الأوسط".
وأضاف: "ذات يوم وصف الاستراتيجيون الروس سوريا بأنها أول نجاح لروسيا بعد الاتحاد السوفييتي، إلا أن الهزيمة المدوية للأسد سوف تقوض بلا شك هيبة روسيا في الشرق الأوسط وخارجه"، مضيفا أنه: "بالنسبة للولايات المتحدة، فإن سوريا ما بعد الأسد تشكل فرصا وتحديات محتملة".
وأكد: "سقوط دكتاتور كان مناقضا لمصالح الولايات المتحدة في المنطقة وزوال النفوذ الإيراني والروسي يمثل فوزا كبيرا للولايات المتحدة. ولكن مع وجود فرع سابق لتنظيم القاعدة وجماعة مصنفة إرهابية في وضع يجعلها القوة الأساسية، فإن الولايات المتحدة ستواجه تحديات شائكة حول كيفية التعامل وضمان تجنب أسوأ النتائج".
وأردف: "سوف يكون ما إذا كانت هيئة تحرير الشام قد خفّفت من عدائها حقا، كما تدعي، أمرا محوريا لتحديد خيارات أميركا. وفي الوقت نفسه، يلوح في الأفق أيضا عودة محتملة لتنظيم داعش كتهديد كبير للأمن القومي الأميركي".
وختم المقال بالقول: "مع تراجع النشوة إزاء زوال الأسد أمام الواقع المعقد في سوريا، فإن التحديات المرتبطة بالمتنفذين الجدد في البلاد بدأت للتو في الظهور. وقد تؤدي الفراغات في السلطة والاقتتال الداخلي والتهديدات التي تتعرض لها العديد من الأقليات في سوريا إلى إثارة الفوضى والعنف المتجددين. ولكن سوريا قد تحوّل كابوسها إلى دولة ناشئة شاملة تعكس تنوع فسيفسائها من الطوائف الدينية والجماعات العرقية".
واستطرد: "في كلتا الحالتين، فإن سقوط الأسد وظهور سوريا الجديدة من شأنه أن يطلق العنان لديناميكيات القوة الجديدة في مختلف أنحاء المنطقة، ما يخلق رابحين وخاسرين سيحددون معالم النظام الناشئ في الشرق الأوسط".
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة سياسة عربية مقابلات حقوق وحريات سياسة دولية سياسة عربية الأسد سوريا سوريا الجديدة سوريا الأسد سقوط الاسد سوريا الجديدة المزيد في سياسة سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة عربية سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة هیئة تحریر الشام الشرق الأوسط بعد الأسد فی سوریا
إقرأ أيضاً:
فورين أفيرز: كيف يفسد نتنياهو فرصة ترامب للسلام؟
نشرت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، مقالا، للزميلة الأولى في برنامج الشرق الأوسط بمؤسسة كارنيغي للسلام الدولي، زها حسن، قالت فيه: "إنه وفي أعقاب الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على المواقع النووية الإيرانية وما تلاها من وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل، بدا أن اتفاقا آخر بات وشيكا، هذه المرة في غزة".
وأضافت حسن، في المقال الذي ترجمته "عربي21": "مع ذلك، في أواخر الأسبوع الماضي، أوقفت كل من الولايات المتحدة وإسرائيل مشاركتهما في المفاوضات، متهمتين حماس بنقص التنسيق وحسن النية".
وتابعت: "إن استمرار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، في احترام إسرائيل وانسحابه من المحادثات خطأ فادح. فما لم يتم التوصل إلى اتفاق، فإن رغبة ترامب في قيادة سلام إقليمي أوسع يشمل تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل والسعودية ستُصبح من الماضي".
وأردفت: "مع ذلك، لم يُظهر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو وائتلافه الحاكم القومي المتطرف، أي مؤشرات على استعدادهم لإعطاء الأولوية لسلام دائم. حتى لو تم إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين المتبقين لدى حماس، فقد أكد نتنياهو أن إنهاء الحرب في غزة مستحيل حتى يتم نزع سلاح حماس بالكامل ونفي قادتها".
وأوردت: "حتى في هذه الحالة، يريد أن تحتفظ إسرائيل بالسيطرة الأمنية على غزة والضفة الغربية إلى أجل غير مسمى"، مضيفة: "في أيار/ مايو، قال نتنياهو عن سكان غزة: نحن ندمّر المزيد والمزيد من المنازل، وليس لديهم مكان يعودون إليه. والنتيجة الحتمية الوحيدة هي رغبة سكان غزة في الهجرة خارج قطاع غزة".
واسترسلت: "لكن صيغة نتنياهو لإنهاء الصراع في الشرق الأوسط غير مناسبة. لن تقبل أي حكومة عربية بالتهجير القسري للفلسطينيين. علاوة على ذلك، أوضحت الدول العربية بشكل متزايد أنها لم تعد مستعدة لتعميق علاقاتها أو تطبيع العلاقات مع إسرائيل حتى تقبل إسرائيل بدولة فلسطينية ذات سيادة".
"شكّل نتنياهو عقبة أمام أهداف ترامب في الشرق الأوسط منذ ولايته الأولى في البيت الأبيض. آنذاك، كان ترامب يأمل في أن يجعل من اتفاق سلام كبير في الشرق الأوسط إنجازه الأبرز. لكن بسماحه لنتنياهو بالمشاركة في صياغة خطته لعام 2020 للسلام الإقليمي الشامل، قضى ترامب على أي فرصة كانت لديه للنجاح" وفقا للمقال نفسه.
وأوضح: "إذا كان لأحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023 وما تلاها من أحداث أثر بالغ على الدول العربية الرئيسية، فهو أن الحاجة إلى السلام والأمن الإقليميين مُلحّة، وأن السلام بين إسرائيل والفلسطينيين لا ينفصل عن هذا الهدف. لقد أصبح غياب الحل بمثابة حبل مشنقة للأمن القومي يلفّ عنق كل دولة في الشرق الأوسط".
ومضى بالقول: "كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، واضحا: فبعد ما وصفه بـ"الإبادة الجماعية" التي ارتكبتها إسرائيل في غزة، لا يمكن لبلاده قبول سوى عملية تطبيع تُشبه تلك التي اقترحتها مبادرة السلام العربية لعام 2002، والتي اعتُمدت في قمة جامعة الدول العربية: يجب على إسرائيل أولا قبول دولة فلسطينية عاصمتها القدس. وعندها فقط ستُطبّع السعودية العلاقات".
وتابع: "ينبغي على ترامب أن يسعى إلى اتفاق يحظى بدعم مجموعة واسعة من أصحاب المصلحة في الشرق الأوسط، وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي، وفي أوروبا. سيحتاج إلى العديد من الحكومات في تلك المناطق إلى جانبه للمساعدة في توفير مليارات الدولارات اللازمة لتمويل إعادة إعمار غزة".
واسترسل: "فقط عندما تخضع غزة والضفة الغربية لسلطة واحدة، يمكن أن تبدأ المهمة الهائلة المتمثلة في تعافي غزة وإعادة إعمارها. ولا يمكن إلا لقيادة فلسطينية موحدة وشرعية أن تضمن الالتزام بشروط أي اتفاق سياسي مستقبلي مع إسرائيل".
وأبرز: "في نهاية المطاف، وللتوصل إلى سلام حقيقي بين الإسرائيليين والفلسطينيين، سيحتاج ترامب إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهي الجهة المعترف بها دوليا والتي تمتلك الأهلية القانونية لتوقيع اتفاق نيابة عن جميع الفلسطينيين. وبدعمه ضم حماس تحت مظلة المنظمة، سيخفف من احتمالية وجود مفسدين".
واستدرك: "كان ترامب مستعدا بشكل فريد للانفصال عن إسرائيل في العديد من القضايا - على سبيل المثال، من خلال عقد صفقات مع جماعة الحوثي في اليمن وفتح حوار دبلوماسي مع الزعيم السوري الجديد، أحمد الشرع، على الرغم من تحالفه السابق مع تنظيم القاعدة".
وبحسب المقال نفسه، "سيُضطر ترامب إلى الانفصال عن نتنياهو مجددا، بغض النظر عن تداعيات ذلك على مستقبله السياسي. عليه التراجع عن تصريحه السابق الداعم لإعادة توطين الفلسطينيين من غزة، وأن يُوجّه رسالة مباشرة للإسرائيليين مفادها أن أمنهم مرتبط بأمن الفلسطينيين وسائر المنطقة".
واختتم بالقول: "فيما يتعلق بإسرائيل والفلسطينيين، أبدت إدارة ترامب مرونة بالفعل بخروجها عن تقليد واشنطن التقليدي بفتح قنوات اتصال مع حماس لضمان إطلاق سراح مواطن أمريكي محتجز في غزة. والآن، يتطلب وضع المصالح الأمريكية في المقام الأول التوسط لوقف إطلاق نار فوري ودائم في غزة. إذا مضى ترامب قدما، فقد يُحقق إنجازا يُستحق جائزة السلام - ولكن ليس إذا ماتت غزة جوعا".