غيّب الموت -اليوم الخميس- الكاتب البحريني الدكتور محمد جابر الأنصاري عن عمر ناهز 85 عاماً، تاركاً وراءه إرثاً فكرياً وثقافياً غنياً أثرى المكتبة العربية والفكر العربي المعاصر على مدى عقود، وشكل رحيله خسارة كبيرة للساحة الفكرية والثقافية العربية، باعتباره صوتاً مميزاً في نقد الواقع العربي وتحليل تحدياته، ساعياً دوماً إلى تجديد الفكر العربي وربطه بالتحولات العالمية المعاصرة.

مسيرة تعليمية ومهنية

ولد الأنصاري عام 1939 في البحرين، حيث أتم دراسته الثانوية قبل أن ينتقل إلى الجامعة الأمريكية في بيروت. وهناك، حصل على بكالوريوس الآداب عام 1963، ثم الماجستير في الأدب الأندلسي عام 1966، ليكون أول بحريني يحصل على هذه الدرجة. وواصل مسيرته الأكاديمية ونال درجة الدكتوراه في الفلسفة الإسلامية الحديثة والمعاصرة عام 1979.

ولم يكتفِ الأنصاري بذلك، بل تابع تعليمه في جامعات عالمية مرموقة، منها جامعة كامبردج البريطانية. وعام 1982، توجه إلى باريس لدراسة الثقافة الفرنسية في جامعة السوربون، مما أثرى رؤيته الفكرية وعمّق فهمه للثقافات المختلفة.

وتميزت الحياة المهنية للأنصاري بتنوع المناصب والمسؤوليات. فقد شغل منصب رئيس الإعلام وعضو مجلس الدولة بين عامي 1969 و1971. كما كان من مؤسسي أسرة الأدباء والكتاب، وتولى رئاستها عام 1969 ليكون أول رئيس لها.

إعلان

وعلى الصعيد الأكاديمي، عمل الأنصاري أستاذاً لدراسات الحضارة الإسلامية والفكر المعاصر، وتولى منصب عميد كلية الدراسات العليا في جامعة الخليج العربي. كما شغل منصب مستشار الملك للشؤون الثقافية والعلمية، مما عزز دوره في صياغة السياسات الثقافية لبلاده.

إنتاج فكري غزير

ترك الأنصاري بصمة واضحة في المشهد الفكري العربي من خلال مؤلفاته العديدة التي تجاوزت العشرين كتاباً، متناولا قضايا محورية في الفكر العربي والإسلامي المعاصر، ومن أبرزها "تحولات الفكر والسياسة في الشرق العربي (1930-1970) الفكر العربي وصراع الأضداد، تكوين العرب السياسي ومغزى الدولة القطرية، مساءلة الهزيمة: جديد العقل العربي بين صدمة 1967 ومنعطف الألفية، العالم والعرب سنة 2000، التأزم السياسي عند العرب وموقف الإسلام، الفكر العربي وصراع الأضداد: تشخيص اللاحسم في الحياة العربية، رؤية قرآنية للمتغيرات الدولية، شواغل الفكر بين الإسلام والعصر".

كما كتب بانتظام في الصحف والدوريات العربية المرموقة، مثل مجلة "الدوحة" القطرية و"العربي" الكويتية، مساهماً في إثراء النقاش الفكري حول قضايا الخليج والعالم العربي.

وحظي الأنصاري بتقدير واسع لإسهاماته الفكرية والثقافية، وحاز على العديد من الجوائز المرموقة، منها جائزة الدولة التقديرية في البحرين، جائزة سلطان العويس في الدراسات القومية والمستقبلية، جائزة منيف الرزاز للدراسات والفكر، الميدالية الذهبية الكبرى للثقافة العربية من المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.

مساءلة الهزيمة

وفي كتابه "مساءلة الهزيمة" حاول المفكر الراحل أن يقف على آثار هزيمة عام 1967 على الوجدان والكيان العربي، ويناقش تداعيات حرب الخليج الثانية والغزو العراقي للكويت عام 1990. وفي مراجعته التي يجريها للأحداث وتفسيرها يجد الأزمة العربية في التخلف، ويعرض لثقافة المراجعة وتشخيص بنية التخلف العربي وشيوع نقد العقل العربي الذي استحوذ عليه المفكر المغربي محمد عابد الجابري، ليعيد الاعتبار لرواده الأوائل وصولا إلى أحمد أمين في "فجر الإسلام" ويشخص الواقع العربي في مجموعة حالات وظواهر مثل الانفجار السكاني أو الظاهرة الإسلامية، والتخلف المسكوت عنه في قضية العرب الأولى وأساس نكبة فلسطين عام 1948 ثم هزيمة عام 1967.

إعلان

ويقول الأنصاري عن كتابه هذا إنه يرصد سيرة العقل العربي في ثلث القرن الأخير لتكتمل صورة القرن العشرين وتصبح الرؤية أكثر اعتدادا وشمولا وملاحظة تحولات العقود الأخيرة. وربما كان القرن الماضي في التحليل النهائي هو قرن الارتطام الحقيقي للأمة بحقائق ووقائع العصر الحديث في أبعاده المختلفة. وأيا كان الأمر فإنا نجد أن أصدق ما ينطبق على الفكر العربي خلال الثلث الأخير من القرن العشرين ومنذ هزيمة 1967 بصفة خاصة أنه "فكر تحت الحصار" بأوسع معاني الكلمة.

وهذا لا يعني أن هذا الفكر تحرر تماما في الفترات السابقة من العهود الثورية والرجعية والاستعمارية، ولكنه حقق انطلاقة نحو أهداف وطنية تاريخية منذ منتصف القرن بعد أن اكتسب قبسا من التنوير النهضوي والمعرفي في عهود سابقة، وأما بعد هزيمة يونيو/حزيران 1967 فقد أصبح بامتياز فكرا تحت الحصار، وكانت هذه الهزيمة أقسى هزائم العرب، وتجاوزت البعد العسكري إلى مختلف الأبعاد الكيانية الأخرى.

ويعتبر الأنصاري أنه إذا كانت قضية فلسطين قضية العرب الأولى فإن التخلف العربي هو نكبة العرب الأولى، وأي محاولة لإنكاره بأي عذر من الأعذار والمبررات لن تؤدي بنا إلا إلى المزيد من الضياع بل إلى فقدان الوجود والحضور في هذا العصر.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الفکر العربی

إقرأ أيضاً:

«غير الفكر المتوارث».. محافظ المنيا يقترب من المواطنين بأسلوب قيادي جديد

أكد اللواء عماد كدواني، محافظ المنيا، أن جولاته الميدانية المستمرة في مختلف أنحاء المحافظة جعلته أقرب إلى نبض المواطن، ومكّنته من التعرف عن قرب على التحديات اليومية التي يواجهها أبناء المحافظة، بعيدًا عن التقارير المكتبية.

وأوضح المحافظ أن النزول إلى الشارع والتواجد بين المواطنين هو السبيل الأمثل لفهم الواقع والتفاعل السريع مع احتياجات الناس، تنفيذًا لتوجيهات فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، وفي إطار توجه الدولة نحو ترسيخ مبادئ الإدارة الرشيدة القائمة على الشفافية والمشاركة المجتمعية.

وفي هذا الإطار، تلقت الصفحة الرسمية لمحافظة المنيا عددًا من الرسائل والتعليقات التي تعكس تقدير المواطنين لأسلوب المحافظ وتفاعله المباشر مع المواطنين.

وقد عبّر أحد المواطنين في رسالة مؤثرة عن امتنانه قائلاً:

“معالي الوزير الفاضل محافظ المنيا،

معاليكم ترسون مبادئ جديدة أقرتها النظم السياسية ومبادئ الإدارة العامة، وهي أن القيادة لا تُمارس من خلف المكاتب، بل من قلب الشارع وبين الناس.

لقد شعر المواطنون بثمار هذا الفكر، حين فوجئوا بأن طلباتهم تُلبى دون أن ينطقوا بها، وأن معاليكم تتواجدون بينهم، تستمعون لمشكلاتهم وتسعون جاهدين لحلها.

غيرتم الفكر المتوارث عن المحافظين، وأصبح المواطن يرى المحافظ بجواره يستمع إليه دون وساطة أو تعقيد.

محافظة المنيا فخورة بكم ومحظوظة بوجودكم على رأس قيادتها. دمتم للمنيا قائداً ومحافظاً، والأهم دمتم واحدًا منّا.”

وفي تعليقات آخرى على الصفحة الرسمية، كتب أحد المواطنين:

“كل التقدير والاحترام للمحافظ النشيط الهمام،

نتمنى من كل مسؤول يسيب الكرسي بتاعه وينزل يشوف الناس زي ما حضرتك بتعمل.

دايمًا الحلول على أرض الواقع. تمنياتي لحضرتك بالتوفيق.

خالص تحياتي يا معالي الوزير المحافظ اللواء عماد كدواني، أقسم بالله أنشط محافظ على مستوى الجمهورية.

حفظك الله ورعاك وسدد خطاك يا رب العالمين.”

مقالات مشابهة

  • محمد جابر.. قائد مليشيا سابقة في نظام الأسد شارك بأحداث الساحل
  • اليمن يغسل عار النكسة العربية في حزيران يونيو 67
  • «البرلمان العربي» يهنئ السعودية بنجاح موسم الحج
  • محمد مندي ينسج جسراً بين الخط العربي والياباني
  • أنقذ المدينة من كارثة.. الحزن يخيم على مركز بني عبيد عقب رحيل شهيد الواجب
  • كأس العرب فيفا 2025: دليلك الشامل للبطولة العربية الأضخم في قطر
  • «غير الفكر المتوارث».. محافظ المنيا يقترب من المواطنين بأسلوب قيادي جديد
  • رحيل الفنانة العراقية غزوة الخالدي بعد مسيرة حافلة على خشبة المسرح
  • محمد عبده «فنان العرب» والمايسترو هاني فرحات فى حفل غنائي ضخم بـ «دبي».. الليلة
  • كاتب سعودي يدعو لوقف احتكار مصر للجامعة العربية.. ويقترح بديلا