وقف الحرب في غزة: ترتيبات اليوم التالي
تاريخ النشر: 20th, January 2025 GMT
الحربُ المستعرة في الإقليم تتجه إلى تهدئة محسوبة، التهدئةُ حاجة ماسة للمتحاربين المتعبين والتوّاقين إلى استراحة، لكن لا سبيل إلى استراحة راسخة إلاّ بالتوافق على ترتيبات اليوم التالي لوقف الحرب، أيّ بتهدئتها وتسكينها لمدةٍ قد تطول أو تقصر. ترتيباتُ اليوم التالي لن تقتصر على الحرب في غزة ولبنان، بل تشمل ساحات الإقليم برمته من شواطئ البحر المتوسط جنوباً إلى شواطئ بحر قزوين شمالاً.
ترتيباتٌ بهذا الاتساع والشمول تستوجب مايسترو مقتدراً وإدارة عليا، دونالد ترامب رشّح نفسه، على ما يبدو، لهذا المركز وهذه المهمة، وسينزل إلى الساحة في العشرين من يناير الجاري، يوم إمساكه رسمياً بمقاليد السلطة في بلاده. غير أن ترامب لن يكون وحده في ملعب الإقليم الكبير، سيكون في مواجهة ضارية مع لاعبين متشددين متمرسين وآخرين قدامى دهاة. اللاعبون المتشددون المتمرسون هم قادة قوى المقاومة في كلٍّ من فلسطين ولبنان والعراق واليمن. اللاعبون القدامى الدهاة هم الحكام في كلٍّ من تركيا وإيران والسعودية، إلى هؤلاء، ثمة لاعبون صهاينة محترفون يلعبون مع الرئيس الأمريكي في الحرب ضد قوى المقاومة في شتى ساحات الإقليم، ويلعبون معه وعليه في الساحة الأمريكية إذا اقتضت مصلحة «إسرائيل» ذلك.
هؤلاء اللاعبون جميعاً هم الذين وضعوا ويضعون ترتيبات استراحة المتحاربين التي أنجزت ووضعت موضع التنفيذ بين «إسرائيل» و»حماس» وحلفائها قبل ظهر يوم الأحد الماضي، على أن توضع موضع التنفيذ بين «إسرائيل» ولبنان في 27 يناير الجاري، إلا أن ترتيبات اليوم التالي لوقف الحرب وتسكينها، التي تنطوي على استراحة مديدة للمتحاربين، غالباً ما تكون عرضة للخرق والعودة إلى القتال.
بنيامين نتنياهو هو المرشح الدائم لخرق الاتفاقات والترتيبات، ويُرجح كثير من المراقبين أنه سينتهز أول فرصة وذريعة متاحتين كي يعود إلى حرب الإبادة في غزة وحرب التوسّع في لبنان، غير أن ترامب الطموح في رأسه مخطط لـِ»جعل أمريكا عظيمة مرة أخرى» قد يمنع نتنياهو من إفساد مخططه الإمبراطوري الذي ينطوي على أهداف استراتيجية أكثر إلحاحاً وأهمية في مناطق أخرى من العالم.
أيّاً ما يكن الأمر بين القطب الامريكي والتابع الإسرائيلي، فإن قادة قوى المقاومة الشعبية العربية محكوم عليهم بأن يستعدوا لأسوأ الاحتمالات الصهيونية، فماذا تراها تكون؟ يُستخلص من المواقف والتصريحات التي تزخر بها وسائل الإعلام الإسرائيلية أن ثلاثة احتمالات أو مشروعات تعتمل في رؤوس الزعماء الصهاينة في الوقت الحاضر:
أولها، عدم السماح لحركة حماس وحلفائها بالعودة إلى السيطرة على قطاع غزة وتحويله مرةً اخرى إلى شوكة في خاصرة كيان الاحتلال. وعليه، يعمل نتنياهو وحلفاؤُه لتعزيز اتجاه بعض أركان إدارة ترامب الداعين إلى وضع قطاع غزة تحت وصاية دولية، سياسية وعسكرية، وابتداع منظومة محلّية مدنية فلسطينية لإدارة القطاع، ولاسيما مسألة توزيع المساعدات الإنسانية.
ثانيها، إقناع ترامب بدعم عملية توسيع استيطان الضفة الغربية، وصولاً إلى ضمّها بأكملها إلى «إسرائيل»، أو «التكرم» بالموافقة على تخصيص جزء يسير منها لدويلةٍ فلسطينية منزوعة السلاح، تكون ملجأ اخيراً للفلسطينيين المهجّرين من سائر أنحاء فلسطين الجاري استيطانها وضمهّا إلى كيان الاحتلال.
ثالثها، حثّ ترامب على تسريع تنفيذ ما يُسمى «مشروع الشرق الأوسط الجديد»، بتقسيم سوريا إلى كيانات قائمة على أسس مذهبية أو إثنية أو قَبَلية، واشتراط أن يكون ذلك بديلاً وحيداً من مهاجمة إيران بمساعدة أمريكا لتدمير منشآت برنامجها النووي.
إن سعي «إسرائيل» لتسويق وتنفيذ هذه المشروعات ليس امراً سهلاً البتّة، خصوصاً إذا ما جرت مواجهتها بمقاومةٍ شعبية سياسية واقتصادية وعسكرية واسعة على مستوى عالم العرب برمته.
إلى ذلك، يقتضي أن تكون قوى المقاومة الشعبية العربية الناشطة في كلٍّ من فلسطين ولبنان والعراق واليمن مستعدة للردّ بلا إبطاء، وفق ما وعدت به جماهيرها، في حال امتنع العدو الصهيوني عن الانسحاب من كل المواقع اللبنانية، التي تسلّل إليها، أو حاول إقامة تحصينات له فيها، وهو أمر مخالف لاتفاق وقف إطلاق النار، الذي تتولى الولايات المتحدة حاليّاً الإشراف على تنفيذ بنوده، أو حاول العدو إقامة مناطق عازلة في قطاع غزة، أو منع مئات آلاف الأهالي المهجّرين إلى جنوب القطاع من العودة إلى منازلهم في غزة وسائر البلدات في محيطها.
جب ألاّ يغيب عن أذهان قادة المقاومة أن «إسرائيل» تضررت كثيراً نتيجةَ الحرب
لقد اتضح أن قوى المقاومة الميدانية في فلسطين ولبنان ليست ضعيفة ولا مهزومة. صحيح أنها تضررت جرّاء حرب الإبادة الطويلة التي شنّتها «إسرائيل» على قطاع غزة من جهة، وقطع طريق توريد السلاح إلى حزب الله عبر الحدود مع سوريا بعد انهيار نظام الأسد من جهة أخرى، إلاّ أن ما لديها من أسلحة مخزّنة وأخرى جرى ويجري تصنيعها في الداخل، يكفي على ما يبدو للقيام بما يتوجب عليها القيام به لصدّ العدو ومنعه من التدمير والتوسّع.
فوق ذلك، يجب ألاّ يغيب عن أذهان قادة المقاومة أن «إسرائيل» تضررت كثيراً نتيجةَ الحرب التي شنّتها على جبهات غزة والضفة الغربية ولبنان لمدة 15 شهراً وأدت إلى نزوح نحو 90 ألف مستوطن من مستعمراتهم في شمال فلسطين المحتلة، ومثلهم من إيلات ومحيطها في الجنوب، وإلى تدمير أو إغلاق مئات المصانع والشركات، وتضرّر سائر مرافق الاقتصاد، ونزوح أكثر من نصف مليون إسرائيلي إلى خارج الكيان، وتدمير الكثير من أسلحة ومعدات وعتاد الجيش الإسرائيلي ما يؤدي ذلك كله إلى الحدّ من قدرة «إسرائيل» على الاستمرار في الحرب مدةً أطول.
يتضح من مجمل ما تقدّم بيانه أن قوى المقاومة الشعبية العربية نجحت، بحرب الاستنزاف التي ردّت بها على عدوان «إسرائيل» المتواصل والمدعوم من الولايات المتحدة مالياً وعسكرياً، في الصمود مدةً قياسية ضد العدو. أكثر من ذلك، عزّز صمود المقاومة الشعبية العربية في كل ساحاتها، مفهوماً جديداً للانتصار قوامه إحباط مخططات العدو ومنعه من تحقيق أهدافه، وإعادة النازحين اضطراراً إلى ديارهم ومنازلهم وأملاكهم.
الخلاصة، إذا كان من شأن استراحة المتحاربين أن تؤدي في المدى القصير إلى انسحاب العدو الصهيوني من كامل قطاع غزة، ومن كل المواقع التي احتلها في القرى الحدودية في جنوب لبنان، فإن من شأنها في المدى الطويل أن تعزّز قدرات قوى المقاومة على الصمود، وإحباط أهداف العدو ومخططاته، ومراكمة الخبرات، وتعبئة الطاقات على طريق التحرير والنصر المتكامل.
القدس العربي
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة حماس الاحتلال حزب الله حماس غزة حزب الله الاحتلال وقف العدوان مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة رياضة سياسة سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المقاومة الشعبیة العربیة قوى المقاومة الیوم التالی قطاع غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
صحيفة تتحدث عن وهم انهيار حزب الله اللبناني.. تكتيكات مختلفة
تحدثت صحيفة "الأخبار" اللبنانية عمّا وصفته "وهم" انهيار حزب الله، وذلك في أعقاب الحرب الإسرائيلية المدمرة، واغتيال قيادات وزانة في الحزب بينهم الأمين العام حسن نصر الله.
وقالت الصحيفة في مقال لمحررها المختص بالشؤون الإسرائيلية علي حيدر: "لم تنتهِ الحرب على لبنان بإعلان وقف إطلاق النار، بل دخلت مرحلة جديدة بوتيرة وتكتيكات مختلفة، في مؤشر واضح على الإقرار بعدم تحقيق أهدافها الاستراتيجية، رغم الضربات القاسية وغير المسبوقة التي ألحقتها بحزب الله".
وتابعت: "كما كشفت عن مخاوف جدية في واشنطن وتل أبيب من استكمال حزب الله نهوضه من جديد. ولا ينفصل عن هذا السياق ما أعلنه رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، في جلسة تقييم في المنطقة الشمالية، بحضور قائدها اللواء أوري غوردين وضباط آخرين، بأن المعركة ضد حزب الله لم تنتهِ بعد، وسنواصل ملاحقته وإضعافه حتى انهياره".
وذكرت أنه "مع عدم إغفال أن مواقف كهذه تهدف إلى تعزيز الشعور بالأمن لدى مستوطني الشمال، إلا أنها بالتأكيد تندرج في سياق استراتيجي، وتُعبِّر عن خيار عملياتي يعكس تقييماً إجمالياً لنتائج الحرب، وطموحاً لتحقيق ما لم يتحقق منها".
وأردفت بقولها: "هي تأتي في ظل سياق إقليمي أوسع، من أهم معالمه التحول الاستراتيجي التاريخي الذي شهدته سوريا. إذ إن النظام الجديد لم يُخفِ بعد سقوط نظام الرئيس بشار الأسد نيّته التقارب مع الغرب، وتبني أولوياته الاستراتيجية في المنطقة، خصوصاً حماية أمن إسرائيل، واعتمد خطاباً سياسياً يُسهم في إحكام الطوق السياسي وغير السياسي على المقاومة الفلسطينية، وقطع - كما هو متوقع - خطّ إمداد المقاومة في لبنان، مع عمقها الاستراتيجي في إيران. وهذا كان أولوية ملحة للولايات المتحدة وإسرائيل ومطلباً أساسياً من سوريا على مدى عقود".
وأشارت إلى أن "المعلم الآخر الذي لا يقل أهمية في التحولات الإقليمية، في أعقاب الحرب، إنتاج سلطة سياسية جديدة تبنّت خطاباً علنياً ضدّ المقاومة وسلاحها، وطالبت بنزعه تحت عنوان حصرية السلاح، متجاهلةً الخطر الإسرائيلي الذي يُهدّد حاضر لبنان ومستقبله. وبدلاً من دعم إعادة إعمار ما دمّرته الحرب، لجأت هذه السلطة إلى ابتزاز بيئة حزب الله، بمنع وصول المساعدات الإيرانية والعراقية، وربط إعادة الإعمار بالخضوع للمطالب الإسرائيلية".
ونوهت إلى أنه "رغم الاندفاعة العسكرية والإدارة الأمريكية المباشرة لاستمرار الحرب، يواجه العدو الإسرائيلي عقبات مُعقّدة ومُركّبة تجعل إضعاف حزب الله حتى انهياره، أقرب إلى الطموح منه إلى الهدف القابل للتحقق، لأسباب عدة".
وأوضحت أن "السبب الأول يتعلق بأن حزب الله يتسم بأنه لا يخضع لنمط عسكري تقليدي، بل هو كيان مرن ولا مركزي، ومتداخل مع مجتمعه وبيئته، ما يُصعّب على إسرائيل توجيه ضربة قاضية تؤدي إلى انهيار تنظيمه. وبرزت أهمية هذه الميزة في الحرب، فرغم حجم الضربات الهائلة والمفاجئة، واصلت القيادة الجديدة إدارة الحرب ونجحت في احتواء تداعيات الضربات السابقة، وإعادة النهوض لمواجهة العدو في مسار تصاعدي حتى اليوم الأخير".
وتابعت: "ثانيا ما يُميّز حزب الله عن غيره من القوى، أنه يُعبّر عن الهوية الثقافية لمجتمعه، في مواجهة المخاطر الخارجية والداخلية. ولذلك هو ليس حالة منفصلة عنه، بل جزء من الحياة اليومية لمجتمعه، في الجنوب والضاحية الجنوبية والبقاع ومناطق أخرى. ويعني ذلك أن ضرب المقاومة هو ضرب لنسيج اجتماعي وليس فقط لأفراد مُحدّدين، ما يُعقّد المهمة الإسرائيلية".
أما السبب الثالث بحسب الصحيفة، فقد "أظهرت الأيام أنه وعلى الرغم من الضربات القاسية التي تعرض لها مجتمع المقاومة، إلا أنه لا يزال يلتف حولها بمستويات فاجأت كل خصومه. وهي ظاهرة تحتاج إلى دراسة مُفصّلة، كونها تُعبّر عن وعي هذا المجتمع للمخاطر المُحدقة به داخليا وخارجيا. ما ساعد على مواجهة كل عمليات التضليل والحرب النفسية. وجاء تشييع الأمينين العامَّين السابقين لحزب الله، السيدين الشهيدين حسن نصر الله وهاشم صفي الدين، لتعكس هذه الخلاصة، كما هو الحال مع الموجات الشعبية التي اتجهت نحو المناطق المُحتلة قبل مرور مهلة الـ60 يوما، وصولاً إلى نتائج الانتخابات البلدية الأخيرة".
وشددت الصحيفة على أنه "لا يستطيع المراقب، تجاهل الدور الرئيسي للعقيدة التي تحملها المقاومة وبيئتها ودورها في تثبيتها وتصميمها. وهي عنصر يضاف إلى الوعي السياسي ما يضمن وجهتها نحو حماية شعبها ووطنها. ونجح العنصر العقائدي في أن يصبح عامل تحييد لمفاعيل الكثير من أدوات التدمير والإجرام التي ترتكز عليها عقيدتي الردع والحسم في جيش العدو".
ولفتت إلى أن "حزب الله اتخذ خلال وبعد الحرب القاسية وجهة عملانية دلت على تعلمه من الضربات القاسية، وهو باشر خطوات منها: البدء في إعادة هيكلته الداخلية خلال الحرب (..)".
وذكرت أن "أداء الولايات المتحدة وإسرائيل يكشف عن خشيتهما الظاهرة من أن يعيد حزب الله بناء قدراته العسكرية، خاصة وأنه كان ولا يزال يملك بنية تحتية واسعة جدا تُمكنه من هذا الخيار. ولذلك تتعامل تل أبيب وواشنطن وبعض أعداء المقاومة في الداخل بأن هناك وقتا محدودا لتأدية المهمة وتحقيق الأهداف. وبدأت تصدر في إسرائيل بعض التقديرات التي تحذر من أن عدم ردّ حزب الله على الضربات الإسرائيلية، هو جزء من خطة من أجل كسب المزيد من الوقت في إعادة تطوير قدراته العسكرية وملاءمتها مع المستجدات".
وبيّنت أن "حزب الله لجأ إلى استغلال الحرب، لأجل رفع مستوى الوعي إزاء المخاطر المحدقة بلبنان ومقاومته. وهو ما يترجم على شكل مطالب القاعدة من القيادة الجديدة، لجهة الاستفادة ممّا مضى، واستخلاص العبر".
وأكدت أنه أمام "انكفاء الدولة اللبنانية عن القيام بغالبية مهماتها تجاه شريحة واسعة من شعبها، أكد حزب الله التزامه مسؤولياته الاجتماعية. فواصل إمداد قواعده وبيئته بما أمكن من المقومات التي تخفف من المعاناة. ولا يخفى أن لهذا الأداء السلبي من قبل الدولة والإيجابي جداً من قبل حزب الله مفاعيله وتأثيره الكبير على مجمل المشهد في لبنان".
وختمت بقولها: "في الخلاصة، تضرر حزب الله عسكريا بعمق، لكنه لا يزال يمتلك بنية قتالية كامنة وفاعلة وقدرة على الرّد والدفاع، وهي في مسار تصاعدي. أما سياسياً، فحتى اللحظة، لم تنجح كل محاولات عزله وتجاوزه في الاستحقاقات والمحطات المفصلية. بينما لا يزال مجتمع المقاومة يرى فيه عامل الدعم اجتماعيا. لذلك، لا يكفي أن تطمح إسرائيل إلى انهيار حزب الله حتى يتحقق ذلك، لأنها ستصطدم بواقع معقد يُظهر أن الحزب أعمق من كونه بنية عسكرية. إنه كيان عقائدي، اجتماعي، سياسي، ويملك قدرة على التكيف والاستمرار".