قريبا يهلّ علينا شهر رمضان المبارك، وفيه يمتنع الصّائم عن الأكل والشّرب من طلوع الفجر إلى غروب الشّمس وفق الآية الكريمة (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) [البقرة: 187]، واستثني من ذلك المريض والمسافر، والثّاني قيل يستحبّ له الفطر، وقيل يجب، وقيل إن خرج قبل الزّوال، وقيل إن بيّت النّيّة من اللّيل، وقيل غير ذلك، ولكن في الجملة يباح له الفطر من حيث أصل النّصّ القرآنيّ: (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ) [البقرة: 187]، وكذلك يباح على الّذين يطيقونه كالحامل خوفًا على جنينها، والمرضع خوفًا على رضيعها، وكبير السّنّ الّذي يشقّ عليه الصّيام، على خلاف في تأويل الطّاقة وتقدير الآية بمحذوف ليس محلّه هنا.

وآيات الصّيام من حيث أصل الخطاب موجهة إلى المؤمنين من حيث الدّائرة الإسلاميّة من خلال شهر رمضان (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [البقرة: 183]، بيد أنّ صورة الصّيام تختلف من دين لآخر من حيث الأيام والمدّة وصفة الصّيام، وكتبتُ في ذلك مقالة في جريدة عُمان بعنوان: «كما كتب على الّذين من قبلكم» ممكن الرّجوع إليها، لهذا لم تتطرّق الآية إلى إلزاميّة غير المسلم بشهر رمضان من حيث الابتداء، ولم تجعل له حكمًا معيّنًا، وإنّما تطرّقت إلى ظروف من يؤمن به كالمريض والمسافر وذوي الطّاقة كما أسلفنا.

وكانت العوالم الإسلاميّة على صورتين: صورة يغلب عليها المسلمون من حيث العدد، وصورة فيها خليط كبير مع الأديان الأخرى، ففي الصّورة الأولى لم تعد ذهنيّة المجتمع على الفطر في نهار رمضان، فيصدق ذلك على رأي الفقيه في المسألة من حيث الإنكار والاستهجان، خلاف الصّورة الثّانيّة، فتأثير المكان يؤثر على رأي الفتوى، وهذا ما نجده من جدل قديم هل المشرك مطالب بفروع الشّريعة أم لا، فهو لا يخرج عن الجدل العقليّ المرتبط بظروف المجتمع، وما نراه من آراء اليوم إمّا استنساخًا وتقليدًا لما جاء في كتب التّراث، واستقرار لها إلزامًا مطلقًا أو ترخيصًا لمن يباح له ومنه غير المسلم، وقلّ ما نجد إعادة قراءة منطقيّة للواقع الّتي تعيشه الدّول القطريّة اليوم، ومنها تطوّرها في قضيّة المطاعم والمقاهي.

فالدّول القطريّة اليوم -خصوصًا عندنا في الخليج العربيّ- يشيع فيها هجرات من الخارج لسبب العمل أو الاستثمار، وغالبهم من الأقطار الهنديّة وشرق آسيا، وهؤلاء العديد منهم غير مسلمين من ذوي الأديان الأخرى، كما أنّ السّياحة تستقطب أمما من العالم العديد منهم ليسوا مسلمين، كذلك يكثر السّفر والتّنقل من مكان لآخر لسبب سهولة النّقل والتّنقل بين الأمكنة، بمن فيهم أبناء البلد، أو من المقيمين فيها من المسلمين، ويصدق عليهم إباحة الفطر بسبب السّفر، أو لسبب ما تحدثه بعض الأعمال من مشقّة شديدة يصعب حينها الصّيام، خصوصا في الصّيف الشّديد.

كما أنّ المجتمعات اليوم ارتبطت لطبيعة ظروف العصر بالمطاعم والمقاهيّ أكثر من أيّ زمان مضى، فلا يكاد تجد شارعًا أو حتّى قرية صغيرة لا يوجد فيها مطاعم أو مقاه، فأصبحت طبيعة الاجتماع البشريّ اليوم مرتبطة بهذا، فلا يمكن بحال أن تسقط مفاهيم قديمة كمفهوم المخاطبة بفروع الشّريعة على حالة اجتماعيّة لها طبيعة مختلفة تماما اليوم، وليس هذا ليوم أو يومين، بل لشهر كامل، وفي الوقت ذاته ليس بسيطا في مفهوم الدّولة القطريّة اليوم، وما يتعلّق بها من سياحة واستثمار واقتصاد واجتماعات دوليّة وعالميّة، لهذا لجأت بعض الدّول إلى تخصيص مطاعم ومقاه مرخصة لغير المسلمين، أو من يباح له الفطر، ومهيأة بشكل يراعي المجتمع الصّائم، وهذا ما وجدته مثلا في الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة فيما يسمّونه بمطاعم المسافرين في نهار رمضان، فلا يعاني السّائح أو المسافر من سهولة الحصول على طعامه؛ لأنّه غير ملزم بالصّيام في نهار رمضان من حيث الابتداء، كما أنّها تكون مراعية للذّوق العام أي تكون مصمّمة بما يناسب ذلك.

وهذا ليس انتهاكا لحرمة رمضان كما يصوّره بعضهم، وليس تشجيعا على الإفطار، فلا يمكن بحال أن تكره أمّة ليست قليلة من الأديان الأخرى تتعايش معك على إلزاميّة الصّيام ولو بالمعنى الضّمنيّ أي غير المباشر، كما أنّك لا يصح إكراهك على طقوسهم، وفي القرآن: (اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشّورى: 15]، فضلا عن كثرة السّفر والتّنقل لسبب العمل اليوم، كما أنّ الدّول أصبحت مرتبطة بالاستثمار والانفتاح في ذلك، ولسبب السّياحة، بما يشجّع تدوير المال، ولا يمكن تحقّق ذلك دون توفر خدمات تراعي الجميع، ومنها ما يتعلّق بالجوانب التّكوينيّة كالطّعام والشّراب.

وهذا لا يتعارض -في نظري- مع المادّة القانونيّة لمن «جاهر في مكان عام بتناول الأطعمة أو المشروبات أو غير ذلك من المواد المفطّرة في نهار رمضان»، حيث لابدّ من وجود تكييف جديد لمطاعم تناسب لمن يباح له الفطر لسبب اختلاف دين أو لسبب سفر أو مرض أو مشقّة، سواء كان في المجمعات التّجاريّة، أو الأماكن السّياحيّة، أو الفنادق المرتبطة بالمسافر، أو بعض المطاعم المتعلّقة بالطّرق والمسافرين، فشهر رمضان المبارك لا يعوق النّمو الاقتصاديّ، وحركة الاستثمار والسّياحة، ولا يمكن تعليق ذلك بجدليّات تراثيّة لها ظروفها الزّمنيّة الخاصّة بها، بل لابدّ أن تكيّف بالظّرفيّة الزّمنيّة الّتي نعيشها اليوم، وتحقّق العدالة للجميع.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی نهار رمضان من حیث على ال الد ول کما أن

إقرأ أيضاً:

لجنة السياحة الترفيهية تتصدر جهود التيسير على المطاعم السياحية

 تواصل لجنة السياحة الترفيهية بغرفة المنشآت والمطاعم السياحية، برئاسة محمد فتحي، عضو مجلس إدارة الغرفة، أداء دورها الفعّال كحلقة وصل بين القطاع والجهات الحكومية والرقابية، بهدف إزالة العقبات التي تعيق تقدم ونشاط المطاعم السياحية في مصر.

اتفاقات ضريبية تنهي سنوات من التعقيد

أثمرت جهود اللجنة عن التوصل إلى اتفاق مهم عبر لجنة الضرائب باتحاد الغرف السياحية، والتي تضم ممثلين عن مختلف الغرف السياحية ومصلحة الضرائب، بخصوص الرسوم الجزافية على حفلات المطاعم السياحية. 
وأدى هذا الاتفاق إلى معالجة الشكاوى المزمنة المتعلقة بنسب ضريبة الملاهي، حيث تم التوافق على تقييم كل منشأة حسب نشاطها وحجم فعالياتها، وهو ما اعتبره العاملون في القطاع خطوة إيجابية لحل أزمة كانت تؤرقهم لسنوات.

وأكد محمد فتحي أن التنسيق والتفاهم الذي يسود لجنة الضرائب السياحية، ووعي ممثلي مصلحة الضرائب، ساهم في فك طلاسم العديد من المشكلات القديمة، وخلق بيئة حوار مثمرة توصلت إلى حلول ترضي مختلف الأطراف.

دورات وندوات لنشر الوعي الضريبي

في إطار نشر الوعي الضريبي لدى أصحاب ومديري المطاعم السياحية، نظمت اللجنة سلسلة من الندوات والدورات التدريبية، وذلك لإمدادهم بكافة المعلومات اللازمة للتطبيق الصحيح للقوانين الضريبية  ، ولتوضيح التشريعات واللوائح المنظمة لضريبة الملاهي وكذلك لاستخدام كافة الخدمات الالكترونية التي تتيحها المصلحة  وخاصة القطاع السياحي بكل سهولة ويسر، ما أدى إلى تراجع ملحوظ في عدد الشكاوى والنزاعات الضريبية.

حل مشكلة تصاريح المصنفات الفنية

لم تقف جهود اللجنة عند الجانب الضريبي فحسب، بل امتدت إلى التنسيق مع جهاز الرقابة على المصنفات الفنية برئاسة جمال عيسى، رئيس الجهاز  ، حيث نجحت اللجنة في حل مشكلة التصاريح المؤقتة التي كانت تُصدرها الرقابة للمطاعم والمنشآت السياحية.

وبحسب الاتفاق الجديد، أصبحت التصاريح تصدر وفقًا للتراخيص السياحية المعتمدة من وزارة السياحة والآثار، مع الالتزام بسداد الرسوم القانونية، وهو ما وفر استقرارًا تشغيليًا كبيرًا لأصحاب المطاعم.

تنسيق مباشر مع نقابة الموسيقيين لحل القضايا الخلافية

وفي خطوة مهمة نحو تنظيم العلاقة بين المنشآت السياحية ونقابة المهن الموسيقية، أعلن محمد فتحي عن اتفاق تم مع الفنان مصطفى كامل، نقيب الموسيقيين، ينص على عدم إصدار أي قرارات تخص المطاعم السياحية دون التنسيق المسبق مع الغرفة، وهو ما ساعد في احتواء الجدل الذي أثير مؤخرًا بشأن عمل القاصرات.

كما تم الاتفاق على إصدار منشور رسمي من الغرفة بحظر عمل القاصرات بعد منتصف الليل، التزامًا بلوائح نقابة الموسيقيين، وحفاظًا على صورة وصناعة السياحة الترفيهية.

مراجعة الرسوم الفنية المفروضة على المطاعم

في سياق آخر، كشف رئيس اللجنة عن مراجعة مرتقبة للرسوم التي تفرضها النقابة على المطاعم السياحية، والتي اشتكى منها عدد كبير من أصحاب المنشآت.

وقد أبدى نقيب الموسيقيين تفهمًا واستجابة لطلبات الغرفة بشأن مراجعة هذه الرسوم بما يضمن التوازن بين حقوق النقابة وظروف عمل المطاعم.

التحركات النشطة لا تتوقف 

تعكس التحركات النشطة التي تقودها لجنة السياحة الترفيهية حرص الغرفة على دعم قطاع المطاعم والمنشآت السياحية، والتفاعل مع التحديات التي تواجهه بشكل عملي ومنظم، عبر تعاون مؤسسي بناء مع الجهات الحكومية والنقابية.

وتبقى هذه الجهود بمثابة رافعة حقيقية للارتقاء بالسياحة الترفيهية في مصر، باعتبارها جزءًا مهمًا من صناعة السياحة الوطنية.

مقالات مشابهة

  • العظمى بالقاهرة 37.. الأرصاد: غدًا طقس شديد الحرارة نهارًا معتدل ليلًا
  • سنغافورة لأول مرة؟ دليلك لاستكشاف المدينة الدولة
  • لجنة السياحة الترفيهية تتصدر جهود التيسير على المطاعم السياحية
  • شديد الحرارة نهارًا.. توقعات طقس الخميس
  • السيطرة على حريق بأحد المطاعم في الوادي الجديد
  • محافظ المنيا: 2 مليار و437 مليون جنيه إجمالي متحصلات تقنين أوضاع واضعي اليد علي أراضي الدولة
  • اليوم.. محاكمة أحد المتهمين في قضية اقتحام مركز شرطة أطفيح
  • الأمير سعود بن نهار يوجه بتسهيل مهام الحجاج المغادرين عبر مطار الطائف والطرقات البرية
  • موعد انكسار الموجة الحارة.. «الأرصاد» تكشف عن حالة الطقس من الثلاثاء حتى الخميس
  • زي المطاعم.. طريقة عمل كباب الحلة في المنزل