فضيحة المال والسلطة.. كيف يحوّل ترامب الرئاسة إلى إمبراطورية شخصية؟
تاريخ النشر: 5th, March 2025 GMT
نشر موقع "إنترناتسيونالي" تقريرًا سلّط فيه الضوء على الجانب المالي في سياسات ترامب، وكيفية استغلاله للسلطة لتحقيق مكاسب شخصية، بما في ذلك مشاريعه التجارية، ودعم الشركات المحافظة، واستثماراته في العملات الرقمية، ما يجعله رئيسًا ورجل أعمال في آن واحد.
وقال الموقع، في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه خلال هذا الأسبوع، نشر ترامب ربما أكثر شيء سريالي منذ أن دخل السياسة وهو مقطع مسور يُظهر كيف يمكن أن تصبح غزة بفضل خطط إدارته، وفي تصاعد الصور العبثية، هناك خيط ناظم، وهو المال، ليس فقط المال الذي من المفترض أن يصل إلى غزة، بل بالأخص المال الذي قد يجنيه ترامب من خلال تحويل القطاع إلى "ريفيرا" الشرق الأوسط.
وأوضح الموقع أنه في الفيديو هناك عناصر واقعية أكثر مما قد يبدو، وفي عدة لقطات، يظهر مدخل ناطحة سحاب تحمل عبارة "ترامب غزة"، وهو مبنى يشبه إلى حد كبير فنادق الكازينو التي بنى عليها الرئيس جزءًا كبيرًا من ثروته، وفي نقطة معينة، تظهر تماثيله (ذهبية بالطبع) معروضة للبيع على رفوف أحد المتاجر، مما يذكّر بالمئات من المنتجات التي يبيعها ترامب على موقعه، والتي تشمل: قبعات، وورق تغليف، وبطانيات، وقمصان كرة القدم، وأعلام للقوارب، وسلاسل مفاتيح، وغير ذلك الكثير.
وأوضح الموقع أنه عند محاولة تفسير أسلوب ترامب في الحكم، لا يجب أبدًا نسيان أن إمكانية تحقيق مكسب شخصي تلعب دائمًا دورًا أساسيًا، فقد كان الفوز في الانتخابات الرئاسية نعمة له ولعائلته، وذلك في وقت لم تكن فيه أعماله التجارية تسير على ما يرام.
ونقل الموقع عن تاي كوب، وهو محامٍ عمل مع ترامب خلال ولايته الأولى ثم ابتعد عنه، قوله
لصحيفة وول ستريت جورنال إن الرئيس أصبح أكثر وقاحة في جني الأرباح من الرئاسة وتجاهل مخاطر تضارب المصالح، كما أنه يستغل المناخ السياسي إلى أقصى حد، مما يدفع الشركات ووسائل الإعلام إلى الخضوع لرغباته.
وتلقت عائلة ترامب حتى الآن ما لا يقل عن 80 مليون دولار بمختلف الأشكال من سلسلة من الشركات، التي دفعت في معظم الحالات لتسوية نزاعات قانونية، فعلى سبيل المثال وافقت ميتا، الشركة التي تسيطر على فيسبوك وإنستغرام وواتساب، على دفع 25 مليون دولار (حيث كان محامو ترامب قد اتهموا شبكة التواصل الاجتماعي التي يملكها مارك زوكربيرغ بانتهاك قواعد حرية التعبير من خلال تعليق حساب الرئيس بعد أحداث التمرد في مبنى الكابيتول عام 2021).
وذكر الموقع أنه في ديسمبر/كانون الأول أعلنت "إيه بي سي نيوز"، القناة الإخبارية المملوكة لشركة ديزني، أنها ستدفع 15 مليون دولار لإنهاء سيل الدعاوى القضائية التي رفعها ترامب ضد المذيع جورج ستيفانوبولوس، وكشفت قناة تلفزيونية أخرى، وهي "سي بي إس"، أنها تجري مفاوضات مع الرئيس، الذي هاجمها بتهمة سخيفة مفادها أنها زورت مقابلة مع منافسته كامالا هاريس؛ ووفقًا للصحف الأمريكية، قد تضطر باراماونت جلوبال، الشركة المالكة لـسي بي إس، إلى دفع ما يصل إلى عشرة ملايين دولار. وحتى جوجل قد تتوصل إلى اتفاق مشابه بشأن قضية بدأت بعد إزالة حساب يوتيوب الخاص بترامب في عام 2021.
وقد تم دفع جزء كبير من تلك الأموال على شكل تبرعات لصندوق مخصص لمكتبة الرئيس، والذي تديره منظمة غير ربحية تتمثل مهمتها في "حفظ وإدارة" إرث ترامب.
وأشار الموقع إلى أن هناك عشرات الملايين من الدولارات التي، بطرق مختلفة، تصل أو ستصل إلى جيوب أقارب الرئيس المقربين، فمثلا وافقت أمازون، وهي شركة تشتهر بحرصها على استثماراتها وقدرتها على التفاوض، على دفع أربعين مليون دولار لإنتاج فيلم وثائقي عن حياة ميلانيا ترامب! وهو أعلى مبلغ أنفقته شركة جيف بيزوس على فيلم وثائقي، وهو تقريبًا ثلاثة أضعاف العرض الذي احتل المركز الثاني، وفقًا لما ذكرته وول ستريت جورنال، وبينما رفضت نتفليكس وآبل تقديم عروض؛ قدمت ديزني عرضًا بقيمة 14 مليون دولار. وفي هذه الأثناء، قام جيف بيزوس بعدة تحركات لكسب المزيد من رضا الرئيس، كان آخرها قبل بضعة أيام، عندما أعلن أن صفحة الآراء في واشنطن بوست (المملوكة له) ستتركز على مواضيع "الحريات الشخصية" و"السوق الحرة".
ومن المتوقع أن تحصل السيدة الأولى على 70 بالمئة من المبلغ الإجمالي، وهي تسعى إلى تعظيم الأرباح بطرق أخرى، مثل محاولة بيع "رعايات" للفيلم، بدءًا من 10 ملايين دولار، إلى الرؤساء التنفيذيين والمليارديرات الذين كانوا مدعوين إلى حفل تنصيب زوجها. قبل الانتخابات، ورد أن ميلانيا طلبت 250 ألف دولار من "سي إن أن" مقابل الموافقة على إجراء مقابلة.
وعلى صعيد آخر؛ ذكر الموقع أنه من بين أبناء ترامب، كان دونالد جونيور حتى الآن هو الأكثر نشاطًا في إبرام صفقات تجارية، مستفيدا من قربه من مراكز السلطة، إذ يروج لنفسه كمدافع عن محاربة التيار السياسي الصحيح، ويقود سلسلة من المبادرات التجارية لاستغلال التحول الثقافي المحافظ الذي تقوده إدارة والده.
وفي يناير/كانون الثاني، كتب على حسابه بمنصة إكس: "أفي الوقت الذي يتجنب فيه المستثمرون التقليديون دعم الشركات التي لا تواكب الاتجاهات الفكرية والسياسية المنتشرة حاليًا، أريد أن أقف إلى جانب هذه الشركات وأدعمها." وبعد أيام قليلة من فوز والده، أعلن دونالد جونيور أنه سيصبح شريكًا في كابيتال 1789، وهي شركة رأس مال استثماري تستثمر في الشركات المحافظة، ومن بين استثماراته أيضًا شركة الاتصالات الخاصة بـ تاكر كارلسون، المذيع السابق في فوكس نيوز.
ووفقًا لما كتبته وول ستريت جورنال، فإن "دونالد جونيور أصبح أيضًا جزءًا من الهيكل الإداري لعدة شركات قد تستفيد من السياسات الفيدرالية، بدءًا من نفقات وزارة الدفاع (البنتاغون)، إلى اللوائح الخاصة بالمراهنات عبر الانترنت، وصولًا إلى الرسوم الجمركية ضد الواردات الصينية".
وقد أدى الإعلان عن تورطه في هذه الشركات إلى ارتفاع كبير في أسعار أسهمها. على سبيل المثال، ارتفعت أسهم "إنيوجوال ماشينز"، وهي شركة متخصصة في إنتاج الطائرات المسيرة، بنسبة 249 بالمئة بعد تعيين ابن الرئيس كمستشار.
ولفت الموقع أيضًا إلى وجود ملف العملات الرقمية، الذي غيّر ترامب رأيه بشأنه بشكل جذري خلال الحملة الانتخابية؛ ففي الماضي، كان يصفها بأنها "كارثة حتمية"، لكنه أدرك لاحقًا أنها يمكن أن تدر عليه أرباحًا هائلة، وقبل ثلاثة أيام فقط من دخوله البيت الأبيض، وافق على إطلاق عملته الرقمية الخاصة، والتي تُعرف باسم "ميم كوين" أي عملة مشفرة مستوحاة من ميم إنترنت أو ظاهرة ثقافة شعبية.
وهذه العملات الرقمية هي في الأساس مجرد أصول رقمية قابلة للجمع دون أي قيمة جوهرية، وتُعتبر أكثر تقلبًا وخطورة من العملات المشفرة التقليدية، لأن قيمتها غير مرتبطة بأي عملة رقمية مستقرة أو أي أصل ملموس أو مشروع تكنولوجي.
وفي غضون ساعات قليلة، وصلت قيمة العملة المشفرة الخاصة بترامب، التي تحمل اسم "عملة ترامب"، إلى رأسمال سوقي يقارب عشرة مليارات دولار، لكنها سرعان ما تراجعت إلى حوالي 3.3 مليارات دولار. وبالمثل، أطلقت ميلانيا ترامب عملة رقمية مشابهة في 19 يناير/كانون الثاني، والتي تبلغ قيمتها السوقية حوالي 210 ملايين دولار.
في الفترة نفسها تقريبًا، ساهم ترامب ونجلاه إريك ودونالد جونيور في إطلاق شركة وورلد ليبرتي فاينانشال، وهي شركة متخصصة في العملات الرقمية، تمكنت من جمع أكثر من 300 مليون دولار من خلال بيع عملتها الرقمية "ولفي"
وبين الموقع أنه بعد فترة وجيزة من توليه منصبه في البيت الأبيض، وقع ترامب أمرًا تنفيذيًا بهدف تحفيز قطاع العملات المشفرة، كما ألمح مرارًا إلى رغبته في تخفيف اللوائح التنظيمية، مما قد يمهد الطريق لانهيار النظام المالي بأكمله. مثلما قامت شركات وادي السيليكون بتمويل ترامب للحصول على مزايا ومكافآت، فعلت الأمر نفسه الشركات العاملة في قطاع العملات الرقمية.
وأحد أبرز الأمثلة على ذلك هو شركة "كوين بيز"، وهي منصة لتداول العملات الرقمية، تعرضت في عام 2023 لتحقيق من قبل هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC)، الجهة المنظمة للأسواق المالية، بتهمة انتهاك القوانين التي تلزم شركات الوساطة المالية بالتسجيل رسميًا.
ةخلال الحملة الانتخابية، تبرع مديرو "كوين بيز" بمبلغ 75 مليون دولار إلى لجنة جمع تبرعات دعمت العديد من المرشحين الجمهوريين للكونغرس، وبعد فوز ترامب، دفعوا مليون دولار لتمويل حفل تنصيبه.
وقبل أيام قليلة، قررت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية (SEC) إغلاق القضية ضد المنصة، التي قامت مؤخرًا أيضًا بتوظيف كريس لاكيفيتا، مدير الحملة الانتخابية لترامب، للإشراف على العلاقات مع البيت الأبيض والكونغرس.
في كانون ثاني/ يناير، نشر نيويورك تايمز دليلًا مصورًا حول جميع التضاربات المحتملة في المصالح الخاصة بترامب، بينما ركزت صحيفة الغارديان على أفراد آخرين من عائلته.
ونوه الموقع إلى ملف آخر يتعلق بتضارب المصالح المحتمل بين الوزراء في إدارة ترامب، والكثير منهم مليارديرات، وإضافة إلى ذلك، هناك إيلون ماسك، الذي يقود قسم الكفاءة الحكومية ويسعى إلى فرض سيطرته على حكومة منحته عقودًا بقيمة لا تقل عن 38 مليار دولار على مدار السنوات الماضية، بينما يبرر عمليات التسريح الجماعي للموظفين بالحاجة إلى مكافحة الفساد في الإدارة العامة.
وواختتم الموقع تقريره بالتأكيد على أنه ليس من الصعب تخيل أن ترامب سيحقق المزيد من الأرباح في السنوات القادمة؛ فقد وافقت إدارة الطيران الفيدرالية الأمريكية (FAA) قبل أيام على استخدام نظام الإنترنت "ستارلينك" التابع له لتحديث الشبكات المعلوماتية التي تتحكم في إدارة المجال الجوي للولايات المتحدة.
للاطلاع إلى النص الأصلي (هنا)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي صحافة صحافة عربية صحافة إسرائيلية ترامب الولايات المتحدة بايدن ترامب صحافة صحافة صحافة سياسة سياسة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة صحافة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العملات الرقمیة ملیون دولار الموقع أنه وهی شرکة
إقرأ أيضاً:
هارفارد ترفض إملاءات ترامب: المال مقابل الولاء؟
يحمل شعار جامعة هارفارد رسمًا لثلاثةِ كتبٍ- منها اثنان أعلى الشعار والثالث أدناه- مكتوبٍ عليها أحرف كلمة "فيريتاس" اللاتينية التي تعني الحقيقة لتصبح هذه الكلمة شعارًا يمثّل رسالة تنشرها الجامعة في مختلف بقاع الكرة الأرضية لتصبح حلمًا لكثير من الطلاب للدراسة يومًا ما فيها.
تعود الجذور الدينية لجامعة هارفارد إلى سنة 1639، حيث جاء اسم الجامعة تخليدًا لأحد رجال الدين البارزين جون هارفارد، وتقديرًا لإسهاماته الكبيرة في تأسيس هذه الجامعة العريقة.
واليوم تتصدر جامعة هارفارد قائمة الدفاع عن الحرية الأكاديمية، وحرية التعبير في ضوء التغيرات والضغوط السياسية لإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب حيال العديد من المؤسسات الأكاديمية العريقة في الولايات المتحدة.
يحمل الرئيس دونالد ترامب مشروعًا سياسيًا يستهدف معاقل الجامعات الأميركية باعتبارها حواضن فكرية للتيارات اليسارية والليبرالية في الولايات المتحدة الأميركية.
ولطالما اشتكى التيار المحافظ في الحزب الجمهوري الأميركي من تأثير التيارات الليبرالية في مسار العمليات التعليمية الجامعية الأميركية، ولقد جاءت المظاهرات الصاخبة التي شهدتها الجامعات الأميركية بعد حرب 7 أكتوبر/ تشرين الأول سنة 2023 لتزيد من حنق التيارات المحافظة حيال هذه الجامعات.
إعلانلقد جاءت هذه المظاهرات لتعطي التيار اليميني المحافظ في الولايات المتحدة الأميركية فرصة ذهبية لاستهداف هذه المؤسسات تحت دعاوى مكافحة العداء للسامية ولتحقيق توغلٍ لها داخل هذه المؤسسات.
فحوى رسالة ترامب إلى جامعة هارفارد
أرسلت إدارة الرئيس الأميركي ترامب في شهر أبريل/ نيسان الماضي رسالة من حوالي خمس صفحات إلى جامعة هارفارد تشمل العديد من المطالب يجب على الأخيرة تنفيذها لضمان استمرار الدعم الفدرالي المالي للجامعة والذي تقدر قيمته بأكثر من مليارَي دولار أميركي.
طالبت إدارة الرئيس الأميركي جامعة هارفارد رسميًا بإجراء إصلاحات تشمل طريقة إدارة الجامعة والعملية التعليمية برمتها محددةً فترة زمنية هي نهاية شهر أغسطس/ آب من هذا العام الجاري تقوم خلالها الجامعة بإعادة هيكلة أساسية تتوافق مع مضامين هذه الرسالة.
حدّدت الرسالة أهدافًا معينةً للتغيير في إدارة الجامعة تقوّض من خلالها دور الطلاب والأساتذة الجامعيين- غير المثبتين في نظام الجامعة تثبيتًا كاملًا- في قرارات الجامعة الإدارية.
كما تطالب هذه الرسالة الجامعة بإجراء إصلاحات في طريقة التعيين مبنيةً فقط على معايير الكفاءة العلمية دون أخذ اعتبار الأسس المساعدة في إزالة الفوارق الاجتماعية والعرقية والدينية في التوظيف الجامعي.
هذه الأسس من جملة مبادئ عامة تطبّقها المؤسسات العلمية الأميركية-بالإضافة إلى المعايير الأكاديمية الصارمة- منذ إصدار قوانين الحقوق المدنية في منتصف الستينيات من القرن الماضي لضمان إعطاء الأقليات فرصة للارتقاء العلمي والمهني وإصلاح ما أفسدته السياسات العنصرية السابقة في الولايات المتحدة.
كما استهدفت أيضًا هذه الرسالة عملية القبول في الجامعة على مستويي البكالوريوس والدراسات العليا، حيث طالبت الجامعة بأن تمدّ الحكومة الفدرالية بكل البيانات المتعلقة بالقبول حتى تراجعها الأخيرة. وكذلك إجراء إصلاحات أساسية في عملية قبول الطلاب الدوليين وإخطار وزارة الأمن القومي والخارجية الأميركية بأي نشاطات أو تجاوزات أكاديمية أو غيرها لأي طالب من طلاب الجامعة الدوليين، ممّا سيؤثر تأثيرًا كبيرًا في مبادئ الخصوصية التي يتمتع بها الطالب الجامعي عمومًا في أميركا.
إعلانكما تشتمل الرسالة أيضًا على مطالب عديدة تتعلق بإجراء إصلاحات في البرامج الأكاديمية بما فيها برامج دراسات الشرق الأوسط وحقوق الإنسان ودراسات الشرق الأدنى وإخطار الجامعة بأي تمييز ضد أي طالب يهودي أو إسرائيلي خاصةً بعد أحداث السابع من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2023.
كما طالبت الرسالة بتشكيل هيئة خارجية مستقلة عن الجامعة لمراجعة وتدقيق الإصلاحات الإدارية المتعلقة بتنوع الآراء في أوساط الطلاب وأساتذة الجامعة والإداريين، في نزعةٍ تهدف لتوطيد التيارات المحافظة داخل الجامعة مما سيشكل تدخلًا سافرًا في استقلالية هذه الجامعة الخاصة وحريتها الأكاديمية وقدرتها على الحفاظ على إرثها التاريخي كأول وأعرق جامعة أميركية.
رفض جامعة هارفارد هذه المطالب
رفضت إدارة جامعة هارفارد مطالب الرئيس الأميركي ترامب، مدركةً أن مثل هذا الرفض سيضع الجامعة في مواجهة مباشرة مع إدارة ترامب، وربما يجلب لها المتاعب والصعوبات الكثيرة، مثل تهديد إدارة الرئيس ترامب بإلغاء امتيازات الإعفاء الضريبي للجامعة كعقابٍ قاسٍ لها.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الجامعات الأميركية الخاصة غير الربحية – مثل جامعة هارفارد، وكذلك المؤسسات الخيرية أيضًا- تخضع لامتيازات الإعفاء الضريبي حتى تمكّنها من القيام بدورها دون تحمل الأعباء الضريبية الباهظة.
كما حاولت إدارة ترامب أيضًا استخدام أسلوب إلغاء تأشيرات الإقامة للطلاب الدوليين كوسيلة للضغط على الجامعات الأميركية، حيث قامت بإلغاء أكثر من ألف تأشيرة إقامة للطلاب الدارسين الدوليين في الولايات المتحدة الأميركية.
ويشكّل الطلاب الدوليون جزءًا أساسيًا لرفد الجامعات الأميركية بالعقول النيرة من كافة أنحاء العالم، وكذلك في رفد ميزانيات الجامعات الأميركية برسوم الطلاب الوافدين التي تعتبر ضعف ما يدفعه الطالب الأميركي العادي.
جاء رفض إدارة جامعة هارفارد مطالب إدارة ترامب في خطاب وجهّه رئيس الجامعة لمجتمعها، مفصّلًا فيه أسباب الرفض، ولكن في الوقت نفسه فقد أقرّ رئيس الجامعة بضرورة عمل إصلاحات تتوافق مع ضرورات المرحلة.
إعلانوأشار رئيس جامعة هارفارد إلى ضرورة قيام الجامعة ببذل المزيد من الجهد والعمل لمكافحة تنامي ظاهرتَي العداء للسامية، وكذلك الإسلاموفوبيا حيث عصفتا بالجامعة خلال السنوات الأخيرة وفقًا لتقريري لجنتين جامعيتين أنشأتهما الجامعة لتقصي هاتين الظاهرتين خصيصَى. تستند جامعة هارفارد إلى أرضية تاريخية ومالية ثابتة في وقوفها في وجه مطالب إدارة ترامب، وهو أمر قد لا يتوفر لبعض الجامعات الأميركية الأخرى.
القوة المالية لجامعة هارفارد
تنتمي جامعة هارفارد إلى مجموعة ما يعرف برابطة اللبلاب وهي مجموعة من الجامعات الأميركية الخاصة ضاربة الجذور أسّس معظمها رجال دين مسيحيون.
تحتل مجموعة جامعات رابطة اللبلاب الأميركية صدارة الجامعات العالمية المرموقة المتميزة بإسهاماتها العلمية العريقة مما يُعدّ مصدرًا أساسيًا لرفد الاقتصاد الأميركي والعالمي بالاختراعات العلمية الحديثة في شتّى مجالات الحياة المختلفة.
ولذلك ليس من المستغرب أن نجد معظم الحاصلين على جوائز نوبل في المجالات العلمية سواءً كانت في الطب أو الاقتصاد أو الكيمياء وغيرها، هم في الغالب أساتذة في الجامعات الأميركية، ويبلغ عددهم حتى الآن أكثر من أربعمئة عالم أميركي.
ويقف وراء سر هذا التقدم العلمي الهائل مصادر مالية ضخمة تتميز بها هذه الجامعات قلّ نظيرها في العالم. تعتمد هذه الجامعات عمومًا على مصادر تمويل ضخمة تشمل بعضها مصادر سنوية مثل الرسوم الدراسية التي يدفعها الطلاب الدارسون بهذه الجامعات، وعلى سبيل المثال تبلغ تكلفة الدراسة الجامعية السنوية لطالب دراسات البكالوريوس في جامعة هارفارد -بما فيها تكلفة السكن الجامعي- حوالي تسعين ألف دولار أميركي سنويًا.
وتبلغ التكلفة التشغيلية السنوية لجامعة هارفارد أكثر من ستة مليارات دولار أميركي سنويًا، ولك أن تعلم عزيزي القارئ أن الراتب السنوي لرئيس جامعة هارفارد يقدّر بحوالي مليون دولار أميركي؛ أي أكثر من ضعفي الراتب السنوي للرئيس الأميركي.
إعلانبيدَ أن هنالك مصدرًا ماليًا ضخمًا غير الرسوم الدراسية السنوية تعتمد عليه هذه الجامعات الأميركية العريقة في تمويل الأبحاث والطلاب والأساتذة الجامعيين، حيث تبلغ الأوقاف المالية لجامعة هارفارد حوالي خمسين مليار دولار أميركي.
وهذه الأوقاف المالية هي أموال أوقفها بعض الرجال والنساء الخيرين لصالح الجامعة تستثمر غالبًا في أسواق الأوراق المالية الأميركية، وتعود أرباحها السنوية لتمويل العديد من الأبحاث والأساتذة والطلاب في المجالات المختلفة.
وتبلغ الأوقاف المالية لأكبر عشر جامعات أميركية حوالي 310 مليارات دولار أميركي، تساهم مساهمةً فعالةً في دفع عجلة التطور العلمي والتكنولوجي في الجامعات الأميركية، وفي دفع مسيرة التطور والتنمية في كثير من الولايات الأميركية.
لقد كانت إستراتيجيات توسيع التعليم العالي في الولايات المتحدة الأميركية في منتصف القرن التاسع عشر مبنيةً على ربط الجامعات الأميركية بالتنمية الوطنية، وخاصة في الولايات والأرياف الأميركية، ولذلك تجد مقارّ كبرى الجامعات في مدن ريفية صغيرة تلبّي احتياجات مجتمعاتها في مختلِف المجالات الحياتية.
والجدير بالذكر، أن المسلمين كانوا هم السبّاقون في العالم الحديث في إنشاء مثل هذه الأوقاف، حيث أدت الأوقاف الإسلامية دورًا كبيرًا في تمويل الجامعات الإسلامية العريقة مثل جامعة الأزهر الشريف وغيرها من دور العلم والعبادة والأعمال الخيرية الأخرى التي أوقف المسلمون الكثير من أموالهم فيها.
ويكفي شاهدًا على ذلك أن يرى الزائر عند دخول المدينة المنورة بناية ضخمة مشيّدة -قريبة من المسجد النبوي على صاحبه أفضل الصلوات وأتم التسليم- تحمل اسم أوقاف سيدنا عثمان بن عفان- رضي الله عنه- شاهدةً على عراقة الأوقاف الإسلامية يمتد خيرها ثمارًا طيبةً لأكثر من 1400 عام غرس شجرتها ذلك الصحابي الجليل والخليفة الراشد.
إعلانولكن يا للأسف الشديد فقد حدث اضمحلال كبير لدور الأوقاف الإسلامية في المؤسسات العلمية مع ظهور نموذج الدولة الحديثة في الدول العربية بعد الاستقلال ونهاية الحرب العالمية الثانية، فتدهور نتيجة لذلك النشاط والبحث العلمي وكفالة طلاب العلم، كما كان العهد في صدر الإسلام الأول.
وسواء قرّرت جامعة هارفارد المضي قُدمًا في مقاضاة إدارة الرئيس الأميركي، أو الوصول إلى تفاهمات أخرى معها- تجنّبها أروقة المحاكم حتّى لا تفقد الدعم الفدرالي المالي، وكذلك الامتيازات الضريبية التي تتمتع بها- فإن الجامعة مقبلةٌ على فترة حرجة ربما تغيّر مستقبلها وتُنزلها من عرش قمة الجامعات العالمية التي ظلّت تتربع عليه طوال عقود طويلة من الزمان.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline