مع اندلاع العدوان الإسرائيلي على غزة، كان السؤال المحوري هل تستطيع دولة الاحتلال تحقيق أهدافها في القضاء حماس عسكريا وسياسيا، وكانت عين المراقبين على نقاط القوة والضعف عند العدو الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية.

جيش متفوق بمعايير التجهيز والتكنولوجيا الحديثة ومدعوم أمريكيا ودوليا بإمدادات لم تتوقف طوال مدة الحرب، في مقابل، فصائل مقاومة تملك الحد الأدنى من الأسلحة، لكنها تمتلك استراتيجيات القتال عبر الأنفاق، ومن داخل الأحياء، وتمسك بيدها ورقة الأسرى والمحتجزين للتفاوض.



على طول مدة الحرب كانت نقطتا ضعف الكيان الإسرائيلي: عجزه عن تحصين وحدة مؤسساته، ورأي عالمي مدين لأعمال إبادية للمدنيين انتهكت كل الاتفاقيات الدولية، بينما كانت نقطتا ضعف فصائل المقاومة الفلسطينيين، الجانب الإنساني، وانحياز القوى الدولية.

ورغم التهديد الأمريكي بتهجير الفلسطينيين إلى سيناء والأردن، فإن اتفاق وقف إطلاق النار، سار في الاتجاه المعاكس، وقرئت مقتضياته على أساس أنها فشل كامل للعدوان الإسرائيلي، إذ انتهى الأمر إلى التفاوض السياسي، تماما، كما قالت حماس من قبل، ووضع الانسحاب من غزة، وإدخال المساعدات الإنسانية، وإعمار غزة في مقابل الإفراج عن الأسرى والمحتجزين.

لا يهمنا كثيرا في هذا السياق تحليل دواعي إقدام دولة الاحتلال على الانقلاب على الاتفاق، ولا حتى أسلوب أمريكا في التعامل عبر وسيطها في الشرق الأوسط ستيف ويتكوف مع مستحقات المرحلة الثانية، وكيف تلكأت دولة الاحتلال عن التفاوض حولها منذ اليوم 16 من المرحلة الأولى، وكيف سوغ اقتراح مقترح آخر، يخرج به عن الاتفاق الأول، لكن ما يهمنا بشكل أساسي، أن نسلط الضوء على تأثيرات العدوان على غزة على الكيان الصهيوني، وكيف انتهى به الأمر من وحدة الموقف للرد على «طوفان الأقصى» إلى الانقسام السياسي والمؤسسي في تعريف المصلحة الإسرائيلية بين الاستمرار في الحرب واللجوء إلى التفاوض للإفراج عن الأسرى والمحتجزين، إلى الدخول إلى مرحلة تفكيك الدولة.

طيلة شهور الحرب الخمسة عشر، كان الانقسام هو السمة العامة التي تطبع المجتمع الإسرائيلي، ولم ترجح كفة تفضيل صفقة تفاوض إلا مع بدء المفاوضات الأولى في مايو الماضي، كما لم يتفجر الانقسام بين المستوى السياسي والمستوى العسكري والأمني، بشكل حدي إلا مع استقالة وزير الدفاع يوآف غالانت.

تشخيص الوضع اليوم، يختلف تماما، فإسرائيل لم تعد تعيش مجرد حالة انقسامية كما كانت في السابق، وإنما الأمر بلغ مستوى كبيرا من التوتر في الشهرين الأخيرين، إلى درجة بداية الحديث في دولة الاحتلال الإسرائيلي عن تفكيك رئيس الوزراء الإسرائيلي لبنية الدولة ومؤسساتها، والقضاء على قاعدتها الأساسية الرئيسي، أي مفهوم التعاقد بين الدولة والمجتمع اليهودي.

تفكيك الدولة للحفاظ على حكومة يمينية متطرفة، وتحويل مؤسساتها إلى مؤسسات خادمة لأجندة رئيس وزراء يعشق الاستمرار في السلطة، ويفلت من المحاسبة، هي الصورة اليوم في دولة الاحتلال العبري، ليس الصورة التي يراها خصومها، بل الصورة التي يرسمها أغلب الطيف السياسي والثقافي والإعلامي الإسرائيلي.

مؤشرات تفكيك الدولة تزداد يوما بعد يوم، فوزارة الدفاع التي واجهت رئيس الوزراء معتبرة أن الاستمرار في الحرب يسير ضد مصالح إسرائيل، باتت في يد يسرائيل كاتس، الذي يعرف إسرائيليا، بأنه مجرد رجع صدى لقرارات رئيس الوزراء الإسرائيلي. ورئيس الأركان، إيال زامير الذي خلف رئيس الأركان السابق هيرتسي هاليفي، يعرف بأنه الجنرال الوحيد داخل الجيش الذي يحترم رئيس الوزراء الإسرائيلي.

بعض المراقبين لحالة الانقسام بين المستوى السياسي والعسكري الإسرائيلي، يرون في هذين التعيينين، مجرد رغبة في إصلاح العلاقة بين المؤسستين لاسيما بعد ما نشر الجيش الإسرائيلي نتائج تحقيقه لأحداث السابع من أكتوبر التي أغضبت رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، لكن، في ظل خلاف حاد بين الجيش ورئيس الوزراء، تبدو هذه التعيينات أقرب إلى إفراغ مؤسسة الجيش من مضمونها، وتحويلها إلى مجرد ملحقة لتنفيذ قرارات رئيس الوزراء.

المؤشر الثاني، يبدو أكثر دلالة، أي الانقسام المؤسسي بين المستويين الأمني والسياسي، لاسيما بعد نشر جهاز الأمن العام «الشاباك» نتائج تحقيقه عن «طوفان الأقصى» تلك النتائج التي تعدت خلاصات مؤسسة الجيش، وانطلقت من إقرار الفشل إلى تحميل المسؤولية للمستوى السياسي، وهو الأمر الذي تجاوز حالة الانقسام إلى رغبة رئيس الوزراء في السيطرة على جهاز الشاباك من خلال إقالة رئيسه رونين بار.

المعارضة السياسية اعتبرت أن إقالة بار تسريع لخطوات تفكيك «ديمقراطية» إسرائيل، ولذلك قدمت التماسا للمحكمة العليا لوقف الإقالة، بحجة أنها جاءت شخصية وانتقامية بعد أن شملت تحقيقات الشاباك موظفين في مكتب نتنياهو حول ملفات فساد.

وإذا كانت المحكمة العليا رفضت هذا الالتماس بحكم أن قرار إقالة رئيس الأمن العام الإسرائيلي يدخل ضمن اختصاص الحكومة، فإن استعمال الصلاحيات بشكل سياسي، بعيدا عن المضمون الديمقراطي للدولة، والوظائف المستقلة للمؤسسات، يعزز تفكيك الدولة وهيمنة رئيس الوزراء على كل مؤسساتها.

المؤشر الثالث، وهو يعني هذه المرة المؤسسة القضائية، فالصراع الطويل الذي نشأ بين رئيس الوزراء ومستشارة الحكومة القضائية بهاراف ميارا، يعطي صورة عن أخطبوط تفكيك مؤسسات الدولة، والسيطرة على القضاء.

المستشارة القضائية للحكومة بدأت معركتها مع رئيس الوزراء بعد ملاحظة سعي الحكومة إلى إنتاج قرارات لا تتوافق مع القوانين الإسرائيلية، ثم تأججت أكثر بعد مطالبتها بفتح تحقيق رسمي في أحداث السابع من أكتوبر، وانتهت إلى معركة أكثر شراسة مع رئيس الوزراء بعد أن دعمت موقف النيابة العامة بضرورة تسريع المحاكمة الجنائية له، لتخوض معركة أخرى مع وزير العدل الإسرائيلي ياريف ليفين، بعد رفضها الدفاع عن قانون إعفاء الحريديم من التجنيد وتصميمها على تطبيق القانون وحكم المحكمة العليا بهذا الشأن، إذ أرسلت تحذره من عدم تناسب بيانات تجنيد الحريديم في هذه السنة مع احتياجات الجيش وبند المساواة محتجة في ذلك بمواقف كل الجهات المهنية ورجال القضاء، وهو الأمر الذي دفع وزير العدل إلى بدء إجراءات عزلها.

في الواقع، يكشف هذا المؤشر جانبا آخر من الصراع بين المؤسسات في الدولة العبرية، وكيف يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن يفكك منطق المصلحة العامة، ويحل محله منطق المصلحة الحزبية الضيقة، فبينما يدفع تطبيق القانون ورعاية المصلحة في اتجاه إسقاط الحكومة بحكم ارتباط استمرارها بمرور الموازنة، وبحكم استحالة مرور الموازنة المالية السنوية بدون تمرير قانون إعفاء الحريديم، يسعى رئيس الوزراء أن يواجه أي سلوك مهني مستقل من أي مؤسسة تفضي إلى إنهاء مشواره السياسي الشخصي، وتحويل المؤسسات كلها إلى مؤسسات تكتفي بترديد صوته وقراراته من خلال اختيار أشخاص مذللين على رأسها.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الاحتلال نتنياهو احتلال غزة نتنياهو مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد اقتصاد سياسة اقتصاد سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة رئیس الوزراء الإسرائیلی دولة الاحتلال تفکیک الدولة

إقرأ أيضاً:

قبائل خولان بصنعاء، والقناوص والمنيرة في الحديدة يعلنون النفير العام في مواجهة العدوان الصهيوني

يمانيون | تقرير
في مشهد وطني تتعاظم فيه الروح الثورية، وتعلو فيه الهتافات المزلزلة للعدو، شهدت محافظتا صنعاء والحديدة سلسلة فعاليات ميدانية وعسكرية وقبلية، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أنّ اليمن، شعبًا وجيشًا وقبائل، قد دخل طور التعبئة الشاملة لمنازلة المشروع الصهيوني الأمريكي، والانخراط في معركة مصير واحدة مع الشعب الفلسطيني ومقاومته الباسلة في غزة.

خولان .. قبيلة بني شداد تعلن النفير وتتبرأ من الخونة
في وقفة مسلحة حاشدة نظّمها أبناء قبيلة بني شداد في مديرية خولان بمحافظة صنعاء، أعلنت القبيلة النفير العام في مواجهة العدو الصهيوني، مؤكدة جاهزيتها الكاملة للالتحاق بخنادق القتال، إلى جانب القوات المسلحة اليمنية، في معركة تحرير فلسطين.

الوقفة، التي حضرها مدير المديرية رعد الجاملي، ومسؤول التعبئة العامة نبيل الشظبي، اتسمت بلغة تصعيدية قوية تجاه العملاء والخونة، الذين وصفهم بيان الوقفة بأنهم “أدوات رخيصة في أحضان اليهود والنصارى”، مطالبًا برفع يد الحماية عنهم وتقديمهم للعدالة.

وردد المشاركون هتافات حماسية أكدت على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان اليمني، وتضامنهم الكامل مع المقاومة في غزة، في ظل المجازر المتواصلة التي يرتكبها الاحتلال بحق المدنيين.. كما باركوا العمليات النوعية للقوات المسلحة اليمنية، وآخرها فرض الحظر البحري على موانئ الكيان الصهيوني، باعتبارها خطوات استراتيجية في مسار “الفتح الموعود والجهاد المقدّس”.

الحديدة .. وقفات مسلحة تعلن الاستنفار الشعبي وتبارك خيارات المقاومة
وفي سياق متصل، شهدت عزلة المقاعشة بمديرية القناوص، ومنطقة العرش بعزلة الحشابرة في مديرية الزيدية بمحافظة الحديدة، وقفتين مسلحتين حضرهما عدد من الشخصيات الاجتماعية والرسمية، حيث أعلن المشاركون النفير العام، وأكدوا ولاءهم الكامل للقيادة الثورية والتمسك بمبادئ المسيرة القرآنية.

وأكد الحاضرون أن الجهاد هو الرد الوحيد والمشروع على الجرائم الصهيونية، وأن الوقوف مع غزة ليس خيارًا سياسيًا بل فريضة دينية وأخلاقية، مشددين على أن الشعب اليمني لن يكون متفرجًا على مذابح غزة، بل طرفًا فاعلًا في معركة التحرير الكبرى.

المشاركون من خريجي دورات “طوفان الأقصى” جددوا العهد بالمضي في طريق الجهاد، مؤكدين أن المعركة مع العدو الصهيوني معركة هوية وكرامة، لا تقبل التراجع أو الحياد.. وعقب الوقفة، نظّم مسير شعبي جسّد الانضباط التعبوي والجهوزية العالية للانخراط في ميادين المواجهة.

مناورات ميدانية في المنيرة والقناوص: جاهزية قتالية متقدمة
بموازاة التحركات الشعبية، نُفذت مناورات عسكرية ميدانية وتطبيقات قتالية ضمن برنامج التدريب العسكري للدفعة السادسة من خريجي دورات التعبئة العامة “طوفان الأقصى”، بمشاركة 200 مقاتل من أبناء المنيرة والقناوص.

في عزلة الشمال بمديرية المنيرة، قدم المشاركون مشاهد محاكاة لسيناريوهات قتالية تحاكي الاشتباك مع العدو، من عمليات اقتحام ورماية وهجوم ودفاع، عكست مستوى عاليًا من الجهوزية والتكتيك والانضباط، في حضور رسمي ضم مدير المديرية بكر المهدلي.

وفي عزلة كشارب بالقناوص، نفذ المشاركون مناورة قتالية جسدت القدرة العالية على التعامل مع الأهداف الافتراضية، وتخللها مسير راجل رُفعت فيه أعلام اليمن وفلسطين، في دلالة رمزية على وحدة المصير والنضال بين الشعبين.

المشاركون عبروا عن فخرهم بمواقف قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، وفوضوه في اتخاذ الخيارات المناسبة على طريق مواجهة العدوان الصهيوني الأمريكي، مؤكدين أن أبناء اليمن ماضون في استكمال التأهيل والانخراط في جبهات القتال كجزء من الواجب الديني والوطني والإنساني.

اليمن في قلب معركة الأمة.. لا حياد مع فلسطين ولا مهادنة مع الخونة
ما شهدته خولان والحديدة اليوم ليس مجرد وقفات قبلية أو مناورات تدريبية، بل تحوّل استراتيجي في طبيعة التعاطي اليمني مع العدوان على غزة. فالمعادلة اليمنية اليوم لا تكتفي بالمواقف، بل تنتقل إلى الفعل الشعبي والعسكري المنظّم، في إطار مواجهة شاملة تُفكك منظومة الهيمنة الصهيونية، وتحرج الأنظمة المطبّعة وتكشف عجزها المذل.

قبائل اليمن، ومنها بني شداد وقبائل تهامة، تؤكد أن البعد القبلي ليس عائقًا أمام الدولة بل مخزون تعبوي للمواجهة، وأن البراءة من الخونة هي خطوة عملية في تحصين الجبهة الداخلية من الاختراقات الناعمة التي يسعى العدو لزرعها.

في المقابل، فإن تنامي الحراك التعبوي والمناورات الميدانية يشير إلى توجه يمني جاد نحو تحويل التعبئة العامة إلى جيش شعبي رديف، قادر على التحرك متى ما تطلب الموقف، ما يجعل من اليمن قوة متكاملة الأركان في محور المقاومة، لا تُرهقها التحديات، بل تزدهر في أتونها

مقالات مشابهة

  • خارطة رئيس الوزراء
  • وقفة ومسير في الدريهمي بالحديدة تنديداً بجرائم العدو الصهيوني وإعلانا للنفير
  • رئيس الوزراء الإنتقالي: سنركز على الاستشفاء الوطني الشامل والحوار (السوداني- السوداني) الذي لا يستثني أحد
  • قبائل خولان بصنعاء، والقناوص والمنيرة في الحديدة يعلنون النفير العام في مواجهة العدوان الصهيوني
  • شخبوط بن نهيان يلتقي رئيس وزراء جمهورية ساو تومي وبرينسب
  • رئيس الوزراء يشهد توقيع عقود مشروع چيريان بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص
  • رئيس الوزراء يشهد توقيع عقود مشروع استثماري جديد بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص
  • رئيس الوزراء يشهد توقيع عقود مشروع استثماري بالشراكة بين الدولة والقطاع الخاص
  • مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي: تقرير "الوكالة الدولية للطاقة الذرية" يظهر أن هدف برنامج إيران النووي ليس سلميًّا
  • عاجل- رئيس الوزراء يشهد غدًا توقيع عقود مشروع استثماري كبير بالشراكة مع القطاع الخاص