نهاية أوهام حل الدولتين.. من رؤية نتنياهو إلى قرار ضم الضفة
تاريخ النشر: 26th, July 2025 GMT
علي بن حبيب اللواتي
في تسعينيات القرن الماضي، أصدر بنيامين نتنياهو كتابه السياسي "تحت الشمس"، الذي لم يكن مجرد تأريخ سياسي، بل بيان أيديولوجي يكشف عن ملامح المشروع الصهيوني في صورته الصلبة.
وفي كتابه، عارض نتنياهو صراحة قيام دولة فلسطينية مستقلة، مؤكدًا أن "أمن إسرائيل ووجودها" يتطلبان السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، بما فيها غور الأردن، ورفض أي انسحاب أو تفكيك للمستوطنات.
واعتبر أن ما يُعرض على الفلسطينيين يجب ألا يتجاوز حكمًا ذاتيًا إداريًا بلا سيادة حقيقية فعلية، بل كبلدية تُدار تحت قبضة أمن الاحتلال.
وجاء قرار الكنيست الإسرائيلي الصادر يوم الأربعاء بتاريخ 23 يوليو 2025، بالإجماع (71 صوتًا مقابل فقط 13) بضم الضفة الغربية وغور الأردن كجزء لا يتجزأ من "أرض إسرائيل"، داعيًا الحكومة إلى فرض السيادة الكاملة على مناطق الاستيطان، ليشكّل علامة فارقة في مسار القضية الفلسطينية المركزية.
إن قرار الكنيست يعد بمثابة "شهادة وفاة سياسية" رسمية لحل الدولتين، فالقرار لم يُبقِ أي مجال جغرافي أو قانوني لقيام دولة فلسطينية.
بل هو إعلان صريح بأن إسرائيل لم تعد تعتبر الضفة "أرضًا متنازعًا عليها"، بل هي جزءٌ من "أرض إسرائيل الكبرى".
ورغم أنه قرار رمزي غير ملزم، إلا أنه يعكس إرادة سياسية متصاعدة تسعى إلى ترجمة رؤية نتنياهو في كتابه إلى واقع فعلي معاش.
ولتأكيد ذلك، نشاهد ازدياد عدد المستوطنين في الضفة ليتجاوز المليون مستوطن حاليًا، وإنشاء أكثر من 150 مستوطنة كبرى تم إنشاؤها بقضم أراضي الضفة الغربية، وتشييد شبكات طرق خاصة تربطها داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتفصلها عن قطاع غزة، وجدار الفصل العنصري الذي مزّق الجغرافيا الفلسطينية تمزيقًا، والحواجز الأمنية التي حجزت أصحاب الأرض في أحياء مقفلة.
هذه التعديات على الأرض جعلت من أي تصور لدولة فلسطينية "متصلة" أشبه بالخيال...!
فهل بعد ذلك يمكن أن يُبنى ويُعمر روح السلام وتُقام دولة فلسطينية على خريطة ممزقة؟
والمتابع للأحداث يجد بأن مواقف القيادة الإسرائيلية فعليًا ترفض تمامًا إقامة دولة فلسطينية، فعلى الرغم من اختلاف الوجوه والأحزاب الحاكمة، ظل الموقف الإسرائيلي متصلبًا.
لم توافق قيادات دولة الاحتلال رسميًا في أي لحظة على قيام دولة فلسطينية مستقلة كاملة السيادة.
وكل ما قُدِّم للفلسطينيين في أفضل صوره باتفاقية أوسلو هو إدارة ذاتية محدودة الصلاحيات، فعليًا ليس حكمًا ذاتيًا مستقلًا، بل أشبه بإدارة بلدية تقع تحت قبضة الأمن العسكري للاحتلال، ومن دون سيطرة على الحدود أو الموارد أو المجال الجوي والبحري. وما خفي من الشروط أعظم.
أما الدعم الأمريكي خلال العقود الماضية، فقد كان وما زال الراعي الأول المحتكر لمفاوضات "السلام" دون السماح لدول أخرى بمشاركتها.
لكنها عمليًا، ظلت واستمرت منحازة بالكامل لدولة الاحتلال.
إدارة تلو الأخرى، بما فيها إدارة بايدن وترامب، لم تضغط بشكل حقيقي على إسرائيل لإنهاء الاحتلال، بل اكتفت ببيانات دبلوماسية تحمل أوجه تفسيرات متعددة، ومن دون أي خطوات عملية تردع التوسع الاستيطاني أو الانتهاكات اليومية التي فرضت سيطرتها على الأرض.
وفي الطرف الآخر، منذ تسعينيات القرن الماضي، ظل مصطلح "حل الدولتين" يتردد كالنشيد الدبلوماسي في كل محفل دولي يتعلق بالقضية الفلسطينية.
ورغم تعاقب الحكومات، وتبدل القيادات في الوطن العربي، ظل جوهر الطرح العربي: إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 تعيش جنبًا إلى جنب مع دولة إسرائيل.
غير أن الواقع السياسي للاحتلال، والحقائق على الأرض، تحكي واقعًا مختلفًا...!!
والقرار العربي الرسمي يبدو مستمرًا في تكرار نفس الخطاب، فرغم كل هذه المعطيات الجديدة، لا تزال بعض الأطراف العربية متمسكة بخيار الدولتين كأن شيئًا لم يحدث.
ويرى بعض المحللين العرب أن هذا التمسك بات يُستخدم كذريعة لتبرير "اللاحراك" العربي الرسمي، وتتفادى الدول اتخاذ مواقف حاسمة.
فخيار الدولتين، كما يُطرح اليوم، أصبح أقرب إلى شعار بروتوكولي، لا يعكس واقعية سياسية.
وأخيرًا.. يأتي السؤال الصعب الآن:
إذا كان حل الدولتين قد انتهى واقعيًا، فما هو البديل؟
هل نحن أمام حل الدولة الواحدة؟
أم هو نموذج الفصل العنصري الطويل الأمد؟
أم ستشهد فلسطين انفجارًا جديدًا؟
وقد أصبح واضحًا الآن للشعب الفلسطيني المضطهد وللشعوب العربية، بعد حرب الإبادة المنظمة في غزة وتآكل أراضي الضفة الغربية وقرار الكنيست (الذي لم يتم إقراره إلا بعد أن كشف الاحتلال ضعف الرد العربي الحازم والعالمي تجاه الإبادة الإجرامية الهمجية في غزة)، أنهم لم يعودوا يثقون بما يسمى "المجتمع الدولي" بأنه جاد في إنصاف الشعب الفلسطيني وإعطائه حقوقه المشروعة.
ومع كل ذلك، تبقى إرادة الشعوب، وحق الفلسطينيين في أرضهم، حقيقة لا تمحوها قرارات الكنيست، ولا جدران الاحتلال، ولا حكم فرض الواقع.
فهل بعد تلك الوقائع يصحو العالم العربي الرسمي من غفوته ليتطلع إلى مشروع حضاري يوازي التحديات فيعيد التوازن للقضية المركزية العربية الإسلامية الأولى؟
سؤال ستكشف الأحداث عن إجابته، لنتابع تطورها...
والسلام على فلسطين يوم احتُلّت، ويوم قاومت، ويوم تتحرر كوعدٍ إلهي سيأتي يومًا.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
كلمات دلالية: دولة فلسطینیة الضفة الغربیة حل الدولتین
إقرأ أيضاً:
الاحتلال يقتحم بلدة فلسطينية جنوب شرق بيت لحم
أقدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الجمعة، على اقتحام بلدة تقوع، جنوب شرق بيت لحم.
وأفادت وكالة الأنباء الفلسطينية "وفا" بأن قوات الاحتلال اقتحمت تقوع، وتمركزت وسط البلدة، وأطلقت قنابل الصوت والغاز السام المسيل للدموع، دون أن يبلغ عن إصابات.
ورحّب رئيس المجلس الوطني الفلسطيني روحي فتوح باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار يُلزم إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، بضمان الوصول الإنساني الكامل إلى قطاع غزة واحترام مقار الأمم المتحدة.
اقرأ أيضًا.. قاضي قضاة فلسطين: مصر أفشلت مُخطط تهجير شعبنا
مؤكدا أن التصويت الواسع يعكس موقفا دوليا ثابتا يدعم وكالة الأونروا ويجدد الاعتراف بولايتها ودورها الأساسي في حماية اللاجئين الفلسطينيين وتقديم الخدمات لهم في ظل الظروف الاستثنائية.
وأشار فتوح إلى أن القرار يستند إلى الرأي الاستشاري الأخير لمحكمة العدل الدولية بشأن مسؤوليات إسرائيل القانونية، محذرا من التصعيد الخطير في سياسات الاحتلال والتطهير العرقي وتدهور الوضع الإنساني.
ودعا جميع الدول إلى مواصلة دعم الأونروا باعتبارها الجهة المخوّلة بتقديم الإغاثة والخدمات للاجئين، بما يضمن الاستجابة للأوضاع المتفاقمة في الأرض الفلسطينية المحتلة، وخاصة في قطاع غزة الذي يواجه عدوانا مستمرا وتهجيرا قسريا.
وجدد المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، اليوم، الدعوة إلى رفع القيود المفروضة على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، وعدم تعطيل عمل الأونروا والمنظمات الدولية العاملة في المجال الإنساني.
وأوضح المتحدث أن مئات الآلاف من النازحين ما زالوا معرضين لمخاطر الأمطار والسيول في ظل غياب وسائل الإيواء الملائمة، مشيراً إلى أن الخيام والمنازل المتنقلة والعاملين الإنسانيين يُمنعون من دخول القطاع.
ودعا إلى تسهيل وصول المساعدات العاجلة وتوفير الحماية للمدنيين في ظل استمرار تدهور الوضع الإنساني.
وقالت منظمة الصحة العالمية إن قطاع غزة يشهد تحسناً طفيفاً في توافر الرعاية الصحية، لكنه ما يزال يعاني من تدهور حاد ونقص كبير في الإمدادات والمعدات الطبية، فيما يفاقم فصل الشتاء مخاطر الأمراض والعدوى.
وأوضح ممثل المنظمة في الأرض الفلسطينية المحتلة، الدكتور ريك بيبركورن، في مؤتمر صحفي من غزة، أن نحو 50% من مستشفيات القطاع تعمل جزئياً، بينما لا يستطيع نحو 37 ألف شخص في شمال غزة الوصول إلى المرافق الصحية.
وأشار بيبركورن إلى أن المستشفى الإندونيسي ومستشفى العودة يقعان خارج "خط وقف إطلاق النار"، في حين يقع مستشفى الشهيد كمال عدوان داخله. وكشف أن المنظمة حاولت إنشاء مركز رعاية صحية داخل مستشفى كمال عدوان، لكنها مُنعت من بدء العمل، ما دفعها لتحديد موقع بديل في بيت لاهيا سيُباشر العمل فيه قريباً.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادرها داخل الدولة العبرية أن جيش الاحتلال يُخطط لعملية عسكرية ضد حزب الله قد تؤدي إلى التوصل لتسوية مع لبنان