غزة- في خيمتها فوق ركام بيتها المدمر في بيت حانون، كانت أم جود الحويحي تمسك طبقا من حساء العدس، تدسُّ لقمة في فم ولدها، ثم بذات الملعقة تطعم الآخر، تدندن لهما في سباق "فم الأسد" لمن سيفتح فمه على اتساعه لملعقة الطعام التي عبّأتها بعناية.

تنهمك بالغناء غير آبهة بمناشير الإخلاء التي كان قد أسقطها الاحتلال على رؤوسهم صباح ذلك اليوم، فهي لم تلبث وقد شعرت بشيء من الاستقرار فوق بيتها -بعد النزوح لعام كامل في خيام المواصي جنوب القطاع- حتى عاجلها بأمر نزوح جديد.

وبينما هي كذلك إذ بدأ الرصاص ينهمر فوق رؤوسهم ورؤوس من في الخيام حولهم، فاخترقت رصاصة من طائرة مسيرة ذراع ولدها جود، لتضطر للخروج قسرا تحت تهديد النار الإسرائيلية.

قابلت الجزيرة نت أم جود بعد نزوحها من بيت حانون إلى غرب غزة، وهي ترتب حاجياتها القليلة التي تمكّن زوجها من حملها لحظة هروبهم من المكان، تحمل الرصاصة التي انتزعها الأطباء من ذراع طفلها بيدها، وتقول "كانت هذه الرصاصة كفيلة بأخذ قرارنا بالخروج".

حمل أبو جود خيمته من الشمال ونصبها على الرصيف، فلا بديل آخر في ظل اكتظاظ المدارس ومراكز الإيواء، تقول أم جود "أضحت الخيمة وشادر النايلون الذي يقينا الشتاء ثروتنا اليوم وكل ما نملك، وهما يعادلان الروح في أي نزوح لنا".

أم جود الحويحي تحمل الرصاصة التي اخترقت ذراع ولدها في خيمتهم بعد أن رفضوا النزوح (الجزيرة) نزوح قسري

على الناحية المقابلة، تجلس رباب أمام خيمتها وتضع حفيدها في حجرها، وبعينين كالجمر وذهن شارد تنظر إلى بيت لاهيا حيث رفض أبناؤها الخروج، وتقول للجزيرة نت وهي تشير لأحفادها "هؤلاء أولادهم ونساؤهم، ونحن هنا بلا رجال، فآراؤنا انقسمت بين مؤيد للنزوح ومعارض، إلى أن قرر زوجي البقاء، وخرجنا نحن النساء بأطفالنا الذين لم يتوقفوا عن البكاء خوفا".

إعلان

تبكي رباب وهي تقف أمام طوفان من العجز، وتقول "رضينا بالهم والهم ما رضي فينا، لقد رضينا العيش على أكوام من القمامة على ركام بيوتنا، ولكن حتى هذا الوضع لم نستقر عليه، لعن الله الحرب كم أذلتنا وشتّتتنا وأهانتنا".

لا يستجيب الغزيون لمناشير الاحتلال التي تسقطها طائراته المسيرة، ولا يتعاطون معها في غالب الأحيان، وهو الأمر الذي تعرفه إسرائيل، فتضطر لإخراجهم عنوة وبالقوة من خلال قصفها المدفعي أو إطلاقها الرصاص المباشر من الآليات أو المسيرات، أو من خلال رمي قنابل الإنارة عليهم بشكل مباشر.

وهذا ما حدث مع أم أحمد الحويحي، حيث انهالت على خيمتها قنابل الإنارة فاشتعل خوفهم من اندلاع الحرائق فيها، الأمر الذي دفعهم للخروج.

تتعدى تكاليف النزوح البعد المعنوي في نفوس الغزيين إلى حمل هم تكاليفه المادية، تقول أم أحمد "رغم خشيتي من اشتعال الخيمة إلا أنني ترددت في قرار نزوحنا الذي سيكلفنا أكثر من 250 دولارا أميركيا، مقابل استئجار سيارة لنقل الخيام والحاجيات، وهو مبلغ لم نكن نمتلكه حرفيا".

تقاطعها شقيقتها "لقد استخدمتُ المال الذي كنتُ قد ادخرته لشراء ملابس العيد لأطفالي، ودفعته أجرة لنقل مقتنيات النزوح".

خيمة أم يوسف التي حاولت أن تجعل منها مكانا نظيفا صالحا للحياة الكريمة (الجزيرة) روتين الخيمة

في الأروقة بين الخيام ثمة رائحة عطرة تنبعث من إحداها، وهو أمر لافت في هذا الواقع البائس، دخلت الجزيرة نت إليها، كانت أرضيتها مفروشة بالحصير المزركش، ومن الفراش رتبت قعدة أرضية عربية، أغطية مرتبة وملابس مطوية بعناية، وأخرى معلقة على حديد الخيمة، كل زاوية فيها مخصصة لغرض معين، تعلق سيدة المكان "النظيف نظيف أينما حل".

تحدثت أم يوسف للجزيرة نت عن روتين الأمهات في الخيام خلال رمضان، الذي يعد الأقسى عليهن، لتزامنه مع استئناف الحرب بعد شهرين هدأت فيهما قلوبهن من الشعور بالرعب، حيث تكالبت عليهن فيه المجاعة والنزوح والحصار والموت، في وقت يشعرن فيه باستنزاف الروح وإنهاك الجسد كما يقلن.

إعلان

تقول أم أحمد "لا شيء نفعله في نهارنا سوى السعي وراء فتات حياة كريمة"، تكمل وهي تفتح كفيها مباعدة بين أصابعها "اهترأت أيدينا من الخَبْز والعجن والطهو على الحطب وغسل الملابس".

وبينما يُعرف رمضان حول العالم بتنوع الأطعمة والأشربة على سُفَره الممتدة، تعتمد عائلات الخيام ومنذ اليوم الأول من رمضان على طعام التكايا، وهو في غالب الأوقات أطباق من الأرز الخالي من اللحوم أو الدجاج، تقول أم أحمد "عافت أنفسنا تناول نفس الطبق ونحن صائمون، صرنا نجد صعوبة في بلعه، حتى إن أبنائي صاروا يرفضون تناوله، فصرت أعد لهم الحمص أو الحساء إن توفر".

لا مقومات للحياة

في الخيام لا تغفل عيون الأمهات ولا تهدأ قلوبهن، وعند سؤال الجزيرة نت عددا منهن عن أكثر ما يخيفهن في حياة الخيمة، توحدت إجاباتهن "الليل، نكره الليل!".

وعددن أسباب ذلك؛ فهن يكرهن فيه صوت الطائرات المرعب، والبرد الذي يلفحهن وأطفالهن، ونبح الكلاب الذي يؤرقهن، ومشاهد اشتعال الخيام التي لا تخبو في ذاكرتهن، وأسئلة تقض مضاجعهن عن طبق السحور، ماذا سيهيّئن له وكيف سيشعلن الحطب فجرا لتحضيره؟

تبدو الرفاهيات في هذا الوسط معدومة، حتى أدنى المقومات الأساسية للحياة الكريمة مفقودة، فالناس يبحثون هنا عما يعينهم على البقاء فقط، ويرضون بالفتات، "لا نعيش كآدميين، لا نحصّل حقّا واحدا من الحقوق المكفولة للبشر، يبدو أن العالم يتعامل معنا كقطيع من البهائم"، تقول أم أنس حمد بكل حرقة.

وتتابع وهي تشير إلى طفلها "عمر أنس (8 أعوام)، بدأت الحرب وهو في الصف الأول، ومن المفترض أن يكون في الصف الثالث، لكنه اليوم لا يفقه شيئا سوى الوقوف على طوابير التكايا وتعبئة الماء وجمع الحطب"، تقاطعها ابنتها ديالا (13عاما) باندفاع "يوم نزوحنا كان من المفترض أن أقوم بتقديم امتحاناتي إلكترونيا، لكن النزوح حرمني فرصة تقديمها، وخسرت الفصل الدراسي كله، فلا كهرباء هنا ولا إنترنت".

إعلان

تتساءل ديالا والدموع تملأ عينيها "هل من المنطقي أن أطالب أنا الطفلة باستقرار؟! أريد أن أستقر ولا أريد العيش في الشارع، فمنذ عامين نزحنا أكثر من 18 مرة متنقلين في شمال القطاع وجنوبه"، ثم تنهمر بالبكاء.

اقتربت منها والدتها محاولة مواساتها وهي تحتضنها قائلة "قولي لهم كيف تمكنت من حفظ القرآن كاملا خلال حصار الشمال، قولي لهم كيف صرت ست بيت معدلة"، تتمتم الأم والدموع تنحبس من عينيها "ستفرج يا أمي ستفرج، فدوام الحال من المحال".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات تقول أم أم أحمد

إقرأ أيضاً:

مش نهاية الطريق.. كيف تساعدك التغذية في علاج تكيس المبايض وتحقيق حلم الأمومة؟

في وقت تزداد فيه نسب الإصابة بتكيس المبايض بين النساء، يؤكد الدكتور معتز القيعي، أخصائي التغذية العلاجية والصحة العامة، أن العلاج لم يعد يقتصر فقط على الأدوية أو التدخلات الهرمونية، بل أصبحت برامج التغذية المخصصة أداة فعّالة للتحكم في الأعراض وتحسين الخصوبة، خاصة لدى النساء اللاتي يعانين من مقاومة الإنسولين أو زيادة الوزن.

كيف تساعد التغذية في علاج تكيس المبايض؟

وقال الدكتور معتز القيعي في تصريح خاص لموقع “صدى البلد” الإخباري، إن "تكيس المبايض مش نهاية الطريق... التغيير في نظام الأكل يمكن ان يحدث فرق كبير في انتظام الهرمونات، الدورة الشهرية، والحالة النفسية، وحتى في فرص حدوث حمل طبيعي".

سر الخصوبة.. دراسات تكشف تأثير النظام الغذائي على الصحة الإنجابية للمرأةبدون أدوية.. خطوات بسيطة لخفض السكر التراكمي بالتغذية العلاجية

وتابع القيعي، أن هناك بعض الخطوات التي يجب القيام بها مع النظام الغذائي لعلاج مشكلة تكيس المبايض نهائيا، وتشمل ما يلي:

ـ تحليل شامل قبل البدء:
يشدد الدكتور القيعي على أهمية إجراء تحاليل دقيقة لمستوى الهرمونات، السكر، والدهون لتصميم خطة غذائية مناسبة لكل حالة.

ـ نظام منخفض المؤشر الجلايسيمي:
يعتمد البرنامج على تقليل الكربوهيدرات السريعة مثل الخبز الأبيض والحلويات، واستبدالها بأطعمة غنية بالألياف مثل الشوفان، البقول، والخضروات الورقية، ما يحسن حساسية الجسم للإنسولين ويقلل الالتهابات.

كيف تساعد التغذية في علاج تكيس المبايض؟

ـ تنظيم مواعيد الوجبات:
توزيع الأكل خلال اليوم بطريقة مدروسة يساعد على تقليل تخزين الدهون وتحفيز التوازن الهرموني والإباضة.

ـ إدخال عناصر داعمة للهرمونات الأنثوية:
كالزنك، أوميغا 3، فيتامين D، والماغنيسيوم، مما يساهم في تحسين أعراض مثل حب الشباب، تساقط الشعر، وزيادة نمو الشعر في أماكن غير مرغوب فيها.

كيف تساعد التغذية في علاج تكيس المبايض؟نتائج واقعية في أشهر قليلة

وأكد “القيعي” أن النتائج ليست نظرية، موضحًا: "إحنا بنشوف تحسّن فعلي في انتظام الدورة الشهرية، واختفاء أعراض زي حب الشباب وزيادة الشعر، بل وفي حالات بتحقق حمل طبيعي خلال 3 إلى 6 شهور فقط من اتباع البرنامج الغذائي".

واختتم “القيعي” تصريحه، بالتأكيد على أن كل حالة لها خصوصيتها، والمراجعة المستمرة مع المتابعة تضمن الوصول لأفضل نتيجة دون إجهاد أو حرمان.

الدكتور معتز القيعي، أخصائي التغذية العلاجية والصحة العامة طباعة شارك تكيس المبايض علاج تكيس المبايض التغذية تحسين الخصوبة مقاومة الإنسولين زيادة الوزن التدخلات الهرمونية الخصوبة الأدوية

مقالات مشابهة

  • سلوفينيا تقول إنها أول دولة أوروبية تحظر تجارة الأسلحة مع "إسرائيل"
  • «سيدات تنس الأهلي» يتأهل للدور قبل النهائي بالفوز على صيد الدقي في بطولة الدوري
  • حجز جلسة المتهمين في تصوير سيدات بـ جيم شهير بالمحلة
  • عطلة الأمومة..هذه تفاصيل الاستفادة منها مع إمكانية تمديدها
  • عطلة الأمومة..وزارة العمل تصدر بيانا هاما
  • القائم بأعمال سفارة جمهورية أذربيجان بدمشق لـ سانا: القمة التي جمعت السيدين الرئيسين أحمد الشرع وإلهام علييف في العاصمة باكو في الـ 12 من تموز الجاري خلال الزيارة الرسمية للرئيس الشرع إلى أذربيجان، أثمرت عن هذا الحدث التاريخي الذي سيسهم في تعزيز التعاون ا
  • FBI يعثر على اللغز الغامض.. ماذا تخفي الدقيقة المفقودة في وفاة إبستين؟
  • «سيدات تنس الأهلي» يواجه سماش في بطولة الدوري
  • مش نهاية الطريق.. كيف تساعدك التغذية في علاج تكيس المبايض وتحقيق حلم الأمومة؟
  • "رماد الطناجر".. وسيلة "رغد" لتجسيد مآسي غزة تحت وطأة الإبادة