لقد ارتبط اسم رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، منذ فترة طويلة بموقف متشدد بشأن القضايا الأمنية، حيث كان يستغل في كثير من الأحيان العمليات العسكرية لتعزيز مكانته السياسية. مع ذلك، فإن مسألة ما إذا كان بإمكانه البقاء سياسيا دون حرب مسألة متعددة الأوجه. ويتوقف بقاء نتنياهو السياسي على المشهد السياسي الحالي، واعتماده على الصراع كأداة لتعزيز السلطة، والتحديات الكبيرة التي يواجهها في الحفاظ على السلطة دون اللجوء إلى العمل العسكري.
المشهد السياسي لنتنياهو
كان البقاء السياسي لنتنياهو إنجازا كبيرا، نظرا للتحديات العديدة التي واجهها، بما في ذلك اتهامات الفساد والمعارضة من داخل ائتلافه. وترجع قدرته على الحفاظ على السلطة إلى حد كبير إلى مهارته في التعامل مع النظام السياسي المعقد في إسرائيل والاستفادة من العوامل الخارجية لصالحه. لقد وفر الصراع المستمر مع حماس لنتنياهو نقطة تجمع، مما سمح له بتعزيز الدعم من خلال تأطير نفسه كقائد قوي في أوقات الأزمات.
كانت الحرب تاريخيا أداة لنتنياهو لحشد الدعم الشعبي والحفاظ على قاعدته السياسية. في أوقات الصراع، غالبا ما يتجمع الإسرائيليون خلف قادتهم، وهي الظاهرة المعروفة باسم "التجمع حول العلم". ويمكن أن يؤدي هذا التأثير إلى تعزيز شعبية نتنياهو مؤقتا وصرف الانتباه عن القضايا الداخلية مثل اتهامات الفساد والتحديات الاقتصادية
مع ذلك، تشير التطورات الأخيرة إلى أن اعتماد نتنياهو على الحرب قد لا يكون فعالا كما كان من قبل. إن وقف إطلاق النار مع حماس، على الرغم من اعتباره في البداية خطوة استراتيجية، تعرض لانتقادات لأنه أعطى حماس فرصة لإعادة تنظيم نفسها. وقد أدى ذلك إلى وضع أعطى نتنياهو الأولوية للبقاء السياسي على مصالح الأمن القومي.
دور الحرب في سياسة نتنياهو
كانت الحرب تاريخيا أداة لنتنياهو لحشد الدعم الشعبي والحفاظ على قاعدته السياسية. في أوقات الصراع، غالبا ما يتجمع الإسرائيليون خلف قادتهم، وهي الظاهرة المعروفة باسم "التجمع حول العلم". ويمكن أن يؤدي هذا التأثير إلى تعزيز شعبية نتنياهو مؤقتا وصرف الانتباه عن القضايا الداخلية مثل اتهامات الفساد والتحديات الاقتصادية.
ومع ذلك، فإن الطبيعة المطولة للصراع الحالي والضغوط الاقتصادية الذي يفرضها على إسرائيل بدأت بالتسبب في تآكل هذا الدعم. لقد ضربت الحرب الاقتصاد الإسرائيلي بشدة، مع تراجع سوق الأسهم وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي. وعلاوة على ذلك، أثارت الأزمة الإنسانية في غزة انتقادات دولية، مما زاد من تعقيد موقف نتنياهو.
تحديات بلا حرب
إذا كان نتنياهو سيسلك طريقا بدون حرب، فسيواجه العديد من التحديات الكبيرة:
1- استقرار الائتلاف: إن حكومة نتنياهو متماسكة بفضل ائتلاف هش من الأحزاب اليمينية المتطرفة والأرثوذكسية المتطرفة. وكان هؤلاء الشركاء ينتقدون أي تنازلات قد تقدم لحماس أو للسلطة الفلسطينية، مما يجعل من الصعب على نتنياهو التفاوض على السلام دون المخاطرة بائتلافه.
2- أزمة المحتجزين: لا يزال وضع المحتجزين الإسرائيليين المستمر مع حماس دون حل، حيث تدعو العديد من عائلات المحتجزين إلى اتخاذ إجراءات أقوى لضمان إطلاق سراحهم. بدون حل عسكري، يجب على نتنياهو إيجاد طرق بديلة لمعالجة هذه القضية، والتي يمكن أن تزيد من الضغط على رأسماله السياسي.
3- الضغوط الاقتصادية: إن التكاليف الاقتصادية للحرب باهظة، وبدون الصراع، سوف يحتاج نتنياهو إلى معالجة هذه القضايا من خلال وسائل أخرى. ويشمل ذلك إدارة الميزانية واسترضاء الأحزاب الأرثوذكسية المتشددة التي تطالب بإعفاءات من الخدمة العسكرية.
4- الضغوط الدولية: كان للمجتمع الدولي، وخاصة الولايات المتحدة في عهد الرئيس ترامب، تأثير كبير في تشكيل تصرفات نتنياهو. وفي حين قدمت إدارة ترامب بعض الدعم، هناك أيضا ضغوط للانخراط في مفاوضات السلام، وهو ما قد يقوض موقف نتنياهو المتشدد.
تشير هذه التحولات إلى أن سياسات نتنياهو المتشددة أصبحت بعيدة بشكل متزايد عن التوافق مع الرأي العام العالمي، وخاصة بين الفئات العمرية الأصغر سنا والأكثر ليبرالية
5- الإصلاحات القضائية والاحتجاجات العامة: أثارت الإصلاحات القضائية التي اقترحها نتنياهو احتجاجات واسعة النطاق في جميع أنحاء إسرائيل. ويرى كثيرون أن هذه الإصلاحات بمثابة محاولة لتقويض استقلال القضاء وتعزيز السلطة التنفيذية.
تزايد الانتقادات الدولية
شهدت مكانة نتنياهو الدولية تراجعا ملحوظا في السنوات الأخيرة. وبحسب استطلاع أجراه مركز بيو للأبحاث عام 2024، أعربت أغلبية الأمريكيين (53 في المئة) عن ثقتهم الضئيلة أو المعدومة في قدرة نتنياهو على التعامل مع الشؤون العالمية بمسؤولية. ويمثل هذا زيادة بمقدار 11 نقطة في المعنويات السلبية منذ عام 2023. وهذا التراجع واضح بشكل خاص بين الشباب الأمريكيين والديمقراطيين، مما يعكس الانقسامات الأجيال والحزبية الأوسع في المواقف تجاه إسرائيل تحت قيادة نتنياهو. وهذا التشكك المتزايد لا يقتصر على نتنياهو نفسه بل يمتد إلى تصورات الحكومة الإسرائيلية ككل. فقد انخفضت الآراء الإيجابية تجاه الحكومة الإسرائيلية بين الأمريكيين من 47 في المئة في عام 2022 إلى 41 في المئة في عام 2024. وتشير هذه التحولات إلى أن سياسات نتنياهو المتشددة أصبحت بعيدة بشكل متزايد عن التوافق مع الرأي العام العالمي، وخاصة بين الفئات العمرية الأصغر سنا والأكثر ليبرالية.
إن قدرة نتنياهو على البقاء دون حرب غير مؤكدة ومليئة بالتحديات، وفي حين أنه تمكن من الحفاظ على السلطة من خلال مزيج من المناورات السياسية والعمل العسكري، فإن المشهد الحالي يشير إلى أن هذه الاستراتيجية قد لا تكون مستدامة. وفي نهاية المطاف، تشكل التكاليف الاقتصادية للحرب، والضغوط الدولية من أجل السلام، والتوترات السياسية الداخلية، عقبات كبيرة.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء إسرائيل نتنياهو حرب غزة إسرائيل غزة نتنياهو حرب مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مدونات قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة دون حرب إلى أن
إقرأ أيضاً:
المعارضة الإسرائيلية تهاجم حكومة نتنياهو: قادتنا إلى كارثة سياسية ويجب وقف الحرب
أكد زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد، أن الحكومة الحالية بقيادة بنيامين نتنياهو، قادت البلاد إلى "كارثة سياسية"، في إشارة إلى رغبة رئيس الوزراء بإطالة أمد حرب الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني في قطاع غزة منذ نحو عامين.
وقال لابيد في منشور عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا): "هذه الحكومة قادتنا إلى كارثة سياسية. فشل يتبع فشلا"، وذلك تعليقا على استمرار الحرب في غزة وعدم التوصل إلى اتفاق لإنهائها.
وأضاف أن "رئيس وزراء غائب عن الساحة السياسية، ووزير الخارجية (جدعون ساعر) عديم الفائدة، ووزراء يعرّضون جنود الجيش الإسرائيلي للخطر في كل مرة يفتحون فيها أفواههم".
وتتهم المعارضة الإسرائيلية وعائلات الأسرى نتنياهو بالانصياع للتيار الأكثر تطرفا في حكومته ممثلا في وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، وعدم الرغبة في إنهاء الحرب في غزة حفاظا على ائتلافه الحكومي، بحسب ما ذكرت وكالة "الاناضول".
والاثنين، منعت الحكومة الهولندية، سموتريتش وبن غفير من دخول أراضيها، واعتبارهما شخصيين غير مرغوب فيهما، وذلك على خلفية دعوتهما لتطهير عرقي في غزة.
ومرارا، أعلنت حماس تعاطيها بإيجابية مع المفاوضات الدائرة منذ أكثر من 20 شهرا لإنهاء الحرب، لكن نتنياهو يتهرب بطرح شروط جديدة، بينها نزع سلاح الفصائل الفلسطينية، ويصر حاليا على إعادة احتلال غزة.
من جانبه، قال زعيم حزب "الديمقراطيين" يائير غولان في كلمة بثها على منصة "إكس" مساء الثلاثاء: "لم تعد هذه حكومة نتنياهو، بل حكومة سموتريتش وبن غفير".
وأضاف غولان: "نتنياهو ضعيف وجبان، ومن يحكم فعليا هم مستوطنان (سموتريتش وبن غفير) من شبيبة التلال، كاهانيان (نسبة إلى الحاخام مائير كاهانا مؤسس حركة كاخ اليهودية المصنفة إرهابية في إسرائيل) حولا نتنياهو إلى أداة طيعة في أيديهما".
وشبيبة التلال جماعات يهودية هي الأكثر تطرفا من بين المستوطنين تسكن في البؤر الاستيطانية بالضفة الغربية المحتلة وتنفذ جرائم بحق فلسطينيين بما في ذلك اعتداءات وحرق ممتلكات.
ومضى غولان: "سموتريتش وبن غفير هما الهامش الأكثر تطرفا في المجتمع الإسرائيلي، وهما من يحددان اليوم سياسات الحكومة الإسرائيلية، اللذان يرسلان أولادنا للموت في المعركة، وينسفان صفقات إطلاق سراح المختطفين ويطيلان أمد هذه الحرب إلى الأبد".
وتابع: "علينا أن نوقف هذه الحرب، وإعادة جميع المختطفين إلى الوطن. مواطنو إسرائيل يريدون الأمن والديمقراطية، لا التضحية بأبنائنا".
ومنذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، تشن "إسرائيل" حرب إبادة جماعية بغزة تشمل القتل والتجويع والتدمير والتهجير القسري، متجاهلة النداءات الدولية كافة وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.
وخلفت الإبادة، بدعم أمريكي، نحو 206 آلاف فلسطيني بين شهيد وجريح، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 9 آلاف مفقود، إضافة إلى مئات آلاف النازحين ومجاعة أزهقت أرواح كثيرين.